أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلومجائزة نوبل

رائد الحمض النووي القديم سفنتي بابو Svante Pääbo يفوز بجائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب

من خلال ترتيب تسلسل جينومات الهومينين المنقرضين، استكشف بابو «ما الذي يجعلنا نتفرد كبشر»

مُنحت جائزة نوبل في الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) أو الطب حالياً لعالم الوراثة السويدي سفنتي بابو Svante Pääbo، تكريماً للعمل الذي يلقي الضوء على كل من الماضي البعيد والإرث الجيني للأشخاص الذين يعيشون حالياً.
بابو، مدير في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية Max Planck Institute for Evolutionary Anthropology (اختصارا: المعهد EVA) في لايبزيغ بألمانيا، منذ عام 1997، كان رائداً في مجال أبحاث الحمض النووي القديم Ancient DNA المزدهرة الآن. فقد كان أول من استخلص وسَلْسَل أجزاء من الحمض النووي القديم من إنسان نياندرتال Neanderthal بنجاح في عام 1997. ثم بعد تنقيح أساليبه لتجنب التلوث Contamination، سلسل فريقه كامل جينوم النياندرتال في عام،2009، ودينيسوفان Denisovan، وهو هومينين Archaic human (إنسان قديم) آخر، في العام التالي. قدم بحثه رؤى حول التطور الجيني للإنسان الحديث Modern humans، بما في ذلك فهم أفضل لمخاطر الأمراض.
يقول يوهانس كراوس Johannes Krause، الذي أعد رسالة الدكتوراه بالعمل في مختبر بابو، وهو الآن أيضا مدير المعهد EVA، إن الجينومات القديمة «تسمح لنا بفهم ما يجعل البشر بشراً«. وأشار إلى أن مقارنة السلالات البشرية الحديثة والمنقرضة أعطت العلماء رؤى جديدة في تطور الدماغ، والتوحد، وإدمان النيكوتين، واستجابة الجهاز المناعي لعدوى COVID-19 وأمراض أخرى. ويقول كراوس: «من المحتمل أن يستغرق الأمر منا بضع سنوات أخرى لمعرفة كل هذه الأمور بعمق. لكنه سيمكننا من فهم ما يجعلنا مميزين عما سوانا».
سيكون بابو «أول من يقول إنه ليس عمله فقط. إنه عمل فريق من الأفراد»، كما يقول الباليونتولوجي Paleoanthropologist كريس سترينغر Chris Stringer من متحف التاريخ الطبيعي في لندن Natural History Museum، وهو متخصص بالإنسان البدائي. «لكنه بنى فريقاً رائعاً».
وتضيف كريستينا وارينر Christina Warinner، باحثة في الحمض النووي القديم من جامعة هارفارد Harvard University والمعهد EVA، أن بابو ظل يعدل نهجه على طول المسار. «بمجرد حصولك على التسلسل، عليك أن تتوقف وتتساءل، ماذا يعني ذلك؟» وهذا يعني اتباع نهج جديد، باستخدام تقنية جديدة، وتعلم مجال جديد بالكامل. عندما سمع بابو الخبر لأول مرة، اعتقد أنها كانت «مزحة متقنة من قبل مجموعتي البحثية»، كما قال في مؤتمر صحفي عُقد في 3 أكتوبر 2022. نشأ اهتمامه بالحمض النووي القديم من افتتانه في طفولته بمصر القديمة. وكطالب في جامعة أوبسالا Uppsala University، تحول تركيزه من الآركيولوجيا إلى الطب -على خطى والده البيولوجي- سون بيرغستروم Sune Bergström، عالم الكيمياء الحيوية الحائز على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب للعام 1982 لعمله على البروستاغلاندينات Prostaglandins والمواد ذات الصلة. وسرعان ما استخدم بابو أدوات الطب الجزيئي لاستكشاف الماضي.
في بحث نُشر عام 1985 في مجلة نيتشر Nature، أفاد بابو بأنه عثر على كميات صغيرة من الحمض النووي في خلايا المومياوات المصرية. سرعان ما تم التشكيك في هذا العمل المبكر لأن أصغر شذرة من الأنسجة البشرية يمكنها إدخال الحمض النووي الحديث في عينة قديمة. فانكب بابو بعد ذلك على تطوير تقنيات لتقليل التلوث أثناء أخذ العينات، وأخرى لتمييز الجزيئات القديمة عن الجزيئات الحديثة.
ويقول يقول سترينغر: «كانت أطروحته للدكتوراه حول استخلاص الحمض النووي من المومياوات، وكان العمل فاشلاً إلى حد كبير. إذ لم يحصل على شيء. وفي مثل ذلك الموقف قد يقول أحدهم: ‘حسناً، أنا أستسلم، هذا لا فائدة منه.’ لكنه لم يفعل، بل استمر بالمحاولة».
في أواخر ثمانينات القرن العشرين، حصل عمل بابو على دفعة جديدة بفضل تطوير تقنية تفاعل البوليميريز المتسلسل Polymerase chain reaction technology، إذ صار من الممكن تكرار أجزاء صغيرة من الحمض النووي عدة مرات. فتواصل بابو مع المتاحف في ألمانيا لطلب عينات من عظام نياندرتال، وطحن كميات صغيرة إلى مسحوق وسلسل الحمض النووي الذي تحتويه.
نُشرت النتائج في مجلة سيل Cell في العام 1997، وكانت لحظة فاصلة، إذ أظهرت أنه يمكن استخلاص كميات كبيرة من الحمض النووي من العظام التي يبلغ عمرها 50 ألف سنة أو أكثر. اعتمد العمل الأولي على الحمض النووي للميتوكوندريا، وهو أكثر وفرة في الخلايا من الحمض النووي من النواة، ومن ثم تُحفظ كميات أكبر منه. وكانت النتائج كافية لإظهار أن البشر والنياندرتال كانتا مجموعتين منفصلتين تباعدتا قبل نحو 500 ألف عام. في البداية، فُسِّر هذا على أنه يُظهر أن المجموعات لم تتزاوج – وهو استنتاج قلبته أبحاث الحمض النووي القديم اللاحقة.
في عام 2006، أطلق بابو مشروعا لسلسلة جينوم النياندرتال بكامله. وقد ساعدته التطورات السريعة في تكنولوجيا إضافة إلى ظهور العينات الجديدة: وفي غضون بضع سنوات، نجح هو وفريقه في سلسلة أكثر من 4 بلايين زوج أساسي Base pairs. ونشروا مسودة جينوم النياندرتال في مجلة ساينس Science في العام 2010.
أظهرت مقارنة جينومات الإنسان البدائي والحديث أن الأفراد في أوروبا وآسيا حالياً لديهم %1 إلى %4 من جينات أسلافهم من النياندرتال. مع انتقال البشر المعاصرين تشريحياً من إفريقيا منذ 100 ألف عام أو أكثر، من الواضح أنهم تزاوجوا بالنياندرتال على طول طريق الهجرة.
يقول سترينغر: «كنت أحد الأشخاص الذين قالوا إن البشر المعاصرين والنياندرتال قد تزاوجوا معاً، فهذا ليس بالأمر المهم. لكن… أظهر سفنتي وزملاؤه بشكل مقنع جداً أننا قد تزاوجنا بالنياندرتال، وأن حمضهم النووي لا يزال نشطاً في جينوماتنا. ولذلك لها أهمية طبية».
في عام 2008، استخلص بابو وفريقه الحمض النووي من جزء من عظام إصبع في كهف سيبيريا مما كشف عن مجموعة بشرية أسلاف غير معروفة سابقاً، تُعرف الآن بالدينيسوفان Denisovans. هنا أيضاً، قدمت النتائج الجينية رؤى ثاقبة في أصول المجموعات البشرية الحديثة، وكشفت أن التكيفات للعيش على ارتفاعات عالية الموجودة في مجموعات التبت الحديثة قد تكون مستمدة من أسلاف دينيسوفان بعيدين.
في غضون 25 عاماً منذ ورقة النياندرتال لعام 1997 التي نشرها بابو، توسعت أبحاث الحمض النووي القديم لتشمل كل شيء بدءاً من المقابر التاريخية إلى النباتات وتطور الحيوانات، مع تطبيقات لم يتوقعها قطُّ. وتقول بيث شابيرو Beth Shapiro، عالمة الأحياء التطورية بجامعة كاليفورنيا University of California في سانتا كروز، «لقد ألهمت رؤى سفنتي… جيلاً من العلماء وأنشأت الباليوجينومكس (علم جينومات الأحياء القديمة) Paleogenomics كمجالٍ بحثص صارم». «جمع سفنتي فرقاً من العلماء الذين، بفضل قيادته ومثابرته ودقته، أنشأوا مجالاً أتاح منذ ذلك الحين رؤى غير متوقعة في التطور البشري والباليونتولوجيا والإيكولوجيا والعديد من التخصصات الأخرى».
غالباً لا تُمنح جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لعالم واحد. لكن، يقول كراوس: «لكن، لمن ستعطيها أيضاً؟» ويضيف أن العديد من المجموعات تستخدم أدوات بابو، «لكن هذه المجموعات -إلى حد كبير- هي ذريته العلمية. لقد أطلق العديد من الأساتذة على مسارهم المهني، والعديد من الفرق، وانبثقت العديد من المعامل من أبحاثهم… من الواضح أنه لا يوجد شخص آخر يستحق ذلك بالطريقة كما سيتحقها هو».
وتقول الباليونتولوجية كاترينا هارفاتي Katerina Harvati من جامعة تيوبنغن University of Tübingen إن الجائزة «هي أيضاً شرف عظيم للمجال بشكل عام. لا يمكنني أن أكون أكثر سعادة من رؤية أبحاث الأصول البشرية والضوء يُسلَّط عليها بطريقة مؤثرة في الصعيد العالمي، مما يؤكد على أهمية مجالنا ليس فقط لفهم ماضينا، ولكن أيضاً لفهم كيف يمكن أن يؤثر ماضينا في حياتنا وبيولوجيتنا وصحتنا حاليا».

بقلم آندرو كوري

© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى