أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أركيولوجيا

كشفت دراسة جديدة أن جينومات الأمريكيين الأصليين – وجيناتهم – تعود إلى سيبيريا

يُلقي البعض من الحمض النووي القديم الضوء على التاريخ البشري المتشابك لشمال آسيا بعد العصر الجليدي

كشفت دراسة نشرت في 12 يناير 2023 أن رفات ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم قبل نحو 500 عام على ضفة نهر في شبه جزيرة كامتشاتكا Kamchatka Peninsula بشمال شرق سيبيريا، تكشف سراً مفاجئاً: يُظهر الحمض النووي DNA أن لديهم بعض الأصول من أمريكا الشمالية. ومقارنة بالجينومات القديمة والحديثة الأخرى، تشير النتائج إلى أنه على الرغم من أن أسلاف الأمريكيين الأصليين Native Americans حالياً أتوا من آسيا، إلا أن هذا المعبر لم يكن بطريقة الوحيدة. بل كانت منطقة بحر بيرنغ Bering Sea بدورها مكاناً للاتصال العابر للقارات، حيث كان الناس يتنقلون روتينياً ذهاباً وإياباً لآلاف السنين.

يقول آنديرس غوثيرستروم Anders Götherström، عالم الوراثة من جامعة ستوكهولم Stockholm University الذي لم يشارك في العمل: «إن فكرة الهجرة الخلفية تجعل تاريخ هذه المنطقة أكثر تعقيداً بعض الشيء، ولكنها أيضاً أكثر واقعية بعض الشيء… يتمتع البشر بقدرة مذهلة على الوصول إلى بقاع مختلفة».

منذ نحو 20 ألف عام، سافر الأشخاص الذين يعيشون في سيبيريا عبر مضيق بيرينغ إلى ألاسكا وانتشروا جنوباً عبر الأمريكتين. وكانت مستويات سطح البحر أدنى بكثير في ذلك الوقت، مما سمح للصيادين وجامعي الثمار Hunter-gatherers بعبور جسر بري متجمد في القارة الجديدة، أو الإبحار بقارب في مسار موازٍ على طول ساحلها.

عندما انتهى العصر الجليدي الأخير منذ نحو 11,500 عام وذابت الثلاجات (الأنهار) الجليدية Glaciers، ارتفع بحر بيرنغ وقسم القارتين، لكن المهاجرين استمروا بالوصول، واختلطوا بالسكان، وحلّوا محل المجموعات السابقة، لتشكيل المشهد الجيني الحديث للأمريكيين الأصليين. وبحلول ما قبل 5,000 عام، كان الناس قد استقروا في جميع أنحاء ألاسكا وشمال كندا.

في عام 2019، نشر الباحثون أعمالاً تستند إلى أدلة جينية ولغوية تشير إلى أنه في وقت ما بين 2200 و500 عام مضت، عاد الأشخاص الذين يعيشون في شمال غرب ألاسكا بالزوارق عبر بحر بيرينغ إلى سيبيريا. ولكنه لم يكن واضحاً ما إذا كان تدفق الجينات من أصل أمريكي أصلي إلى آسيا أمرا شائعاً أم حدثاً لمرة واحدة.

في الوقت نفسه تقريباً، عثر علماء الآثار الروس بقيادة كوسيمو بوسث Cosimo Posth، عالم الحفريات القديمة من جامعة تيوبنغن University of Tübingen، الذين كانوا ينقبون في موقع على ضفاف نهر كامتشاتكا على رفات الأشخاص الثلاثة. استخرج وحلَّل الحمض النووي من العظام، ووجد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بسكان كامتشاتكان في العصر الحديث. ومع ذلك، كانت لديهم أيضاً جينات يبدو أنها تأتي من مجموعات تعيش في أمريكا الشمالية.

توصل الباحثون إلى رسم شجرة عائلة من خلال مقارنة جينومات الثلاثي مع جينومات المجموعات السكانية الحديثة والجينومات القديمة الأخرى من المنطقة وعبر الأمريكتين. والسيناريو الذي يشرح تاريخهم على أفضل وجه يتضمن أشخاص عبروا من ألاسكا عائدين إلى سيبيريا واختلطوا بالسكان هناك قبل نحو 5000 عام، ومرة أخرى قبل نحو 1500 عام، حسبما أفاد الباحثون في ورقة منشورة في دورية كورنت بيولوجي Current Biology.

يقول بوسث: «لسنا قادرين على تحديد عدد المرات التي وقعت فيها أحداث تدفق الجينات على مدى الخمسة آلاف عام الماضية… ما نحاول قوله هو أنه كان من الممكن أنه كانت هناك أحداثٌ متعددة ومتكررة، أو يمكن أن تكون تدريجية وثابتة ومستمرة. ومن الصعب تحديد ما حصل بالفعل، ولكن من الواضح… أنه كان حدثاً طويل الأمد».

يقول فاغيش ناراسيمهان Vagheesh Narasimhan، عالم البيولوجيا التكاملية Integrative biologist من جامعة تكساس University of Texas في أوستن: «فكرة التدفق العكسي هذه لا تحدث مرة واحدة أو مرتين فقط، ولكنها تحدث عبر نطاق زمني طويل جداً – عدة آلاف من السنين – هي فكرة مثيرة جداً للاهتمام». ولكنه يود أن يرى المزيد من الأدلة لدعمها، سواء من الآركيولوجيا أو كذلك من تحليل الحمض النووي. ويوافق غوثيرستروم على أن التدفق العكسي المتكرر هو السيناريو الأكثر ترجيحاً نظراً للأدلة المتاحة. لكن هو وبوسث يتفقان على أنه من غير الممكن استبعاد فكرة أن جينات «الأمريكيين الأصليين» – والتي أشار المؤلفون إليها بعناية على أنها «أصول مرتبطة بالأمريكيين الأصليين» تأتي من مجموعة قديمة لم تغادر آسيا قطّ، ولكنها تشترك في النسب مع الأمريكيين الأصليين.

تؤكد الجينومات القديمة الأخرى التي حلّلتها الدراسة أن سيبيريا القديمة كانت مفترق طرق بشرياً. ستة أتوا من منطقة ألتاي Altai region الجبلية القريبة في منغوليا، ويرجع تاريخها إلى ما بين 5500 و7500 سنة مضت. وخمسة من هؤلاء الذين يطلق عليهم صيادو جامعي ألتاي Altai hunter-gatherers كانوا ينتمون إلى مجموعة سكانية أدت على ما يبدو إلى ظهور العديد من الشعوب اللاحقة التي انتشرت في جميع أنحاء سهوب آسيا الوسطى خلال العصر البرونزي. واحد من الستة، كان مدفوناً مع أدوات طقسية مما يوحي بأنه ربما كان شاماناً، وله أصول قديمة تنحدر من شمال شرق آسيا – وهو بذلك المثال الأبعد غربا من حيث هذا النسب مما تم العثور عليها حتى الآن. فهناك فردٌ يبلغ من العمر 7 آلاف عام عثر عليه بالقرب من الحدود الشرقية لروسيا مع الصين يبدو أنه يستمد أكثر من ربع جينومه من مجموعة عاشت في الأرخبيل الياباني تسمى شعب جومون Jōmon people. استقر الجومون في هذه الجزر قبل نحو 30 ألف عام، لكن الجينوم يشير إلى أن سكان الجزر حافظوا على الأقل على بعض الاتصال بسكان البر الرئيسي، كما يقول بوسث.

تقول ميليندا يانغ Melinda Yang، عالمة الوراثة من جامعة ريتشموند University of Richmond التي تدرس التاريخ الجيني لسكان شرق آسيا القدامى: «إنهم يظهرون بوضوح حقاً أن هناك شيئاً يشبه جومون في البر الرئيسي». والورقة «تضبط» Fine-tune فهمنا لكيفية تغلغل أصول شرق آسيا في سيبيريا خلال الهولوسين Holocene.

يوافق غولس ميرف كيلينتش Gülşah Merve Kılınç، عالم الحفريات القديمة من جامعة هاسيتيب Hacettepe University، على أن «كل جينوم بشري قديم ُيستخلص حديثاً في المنطقة لا يزال يفاجئنا ويوسع فهمنا… لتاريخ السكان الديناميكي في المنطقة». لكن من غير المرجح أن تظهر أدلة إضافية في أي وقت قريب. يقول بوسث إن تعاون فريقه مع زملائه الروس بدأ قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وصادرت روسيا جميع العينات التي حللت في الدراسة قبل اندلاع الحرب. ويقول إن متابعة العمل مستحيلة في الوقت الحالي: «في الوقت الحالي، كل شيء مجمّد. مجمدة مثل التربة الصقيعية في سيبيريا».

© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

بقلم مايكل برايس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى