أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء

البحث عن المادة المعتمة: غراء الكون الجاذبي الغامض

في السعي وراء المادة المعتمة، يقوم الباحثون بكل شيء من دفن أحواض الزينون في أعماق الأرض إلى إرسال بالون ليطفو فوق القطب الجنوبي. فمتى سيؤتي إبداعهم ثماره؟

إذا قُدّر لك المرور عبر القارة القطبية الجنوبية في وقت لاحق من هذا العام، فقد يطالعك مشهد غريب. غُضَّ طرفك عن طيور البطريق وقد تكتشف شيئاً غير عادي يطفو في السماء: بالون بحجم ملعب، وأسفله أحدث تجربة تبدو جنونية مصممة للبحث عن أكثر الأشياء الجنونية التي حلم بها العلماء على الإطلاق، المادة المعتمة Dark Matter.

نعتقد أن نحو 85% من مادة الكون هي أشياء غريبة لا يصدر منها الضوء ولا تعكسه أو تمتصه، وهذا هو سبب تسميتها بالمادة المعتمة. القوة الوحيدة التي تفاعلت مع هذه الأشياء الافتراضية دون شك هي الجاذبية، على حد علمنا، مما يجعل اكتشافها صعب جدا. تقول كاثرين فريز Katherine Freese، عالمة الفيزياء الفلكية من جامعة تكساس University of Texas في أوستن: «عندما ألقيت محاضرات حول هذا الأمر في ثمانينات القرن العشرين، كنت أخبر الناس بأننا سنكتشف ذلك في غضون عشر سنوات. بعد عقود، ما زلنا ننتظر. من الواضح أنها مسألة أصعب مما أدركنا».

في مواجهة هذه الحقيقة الصعبة، صار صائدو المادة المعتمة أكثر إبداعاً مما سبق. وتشمل المحاولات، على مر السنين، لتحديد ما تتكون منه هذه المادة دفن أحواض الزينون السائل في أعماق الأرض، وقياس استقامة قضبان الصواعق، وخطة للكشف عن الانفجارات النانوية في المعادن، وفحص الصخور القديمة بحثاً عن ندوب المادة المعتمة وفحص أرصاد تلسكوب جيمس ويب الفضاء James Webb Space Telescope للـ«النجوم المعتمة» Dark Stars. كل هذا يثير السؤال: هل تبتعد بعض الاقتراحات الخاصة بأبحاث المادة المعتمة جداً عنها؟ وعند أي مرحلة سننظر في أن نكفّ عن المطاردة؟

جاءت أول الإشارات إلى تغلغل شيء معتم في نسيج الكون في ثلاثينات القرن العشرين، عندما اكتشف علماء الفلك شيئاً غريباً. فقد كانت عناقيد المجرات Clusters of Galaxies تدور أسرع بكثير مما ينبغي أن تكون عليه سرعتها، على سبيل المثال، في مثل سرعات الدوران هذه – ومما نفهمه من الجاذبية والديناميكا Dynamics  – كان من المفترض أن تُقذف بعض الأجزاء المكونة لها في أعماق الفضاء، لكنها كانت متماسكة. ربما – وكما اقترح عالم الفلك السويسري فريتز زويكي Fritz Zwicky – كان هناك بعض المواد التي لم نتمكن من رؤيتها وهي تثبِّت كل شيء في مكانه.

لم ينطلق البحث عن مادة زويكي المعتمة قطُّ، ويرجع ذلك جزئياً إلى وجود الكثير من الافتراضات المشكوك فيها وراء تأكيداته. لكن، وعلى الرغم من ذلك، تغيرت الأمور في عام 1970، عندما اكتشفت فيرا روبين Vera Rubin وكينت فورد Kent Ford في معهد كارنيغي للعلوم Carnegie Institution of Science in في واشنطن العاصمة أمراً مفاجئاً حول مجرة أندروميدا (المرأة المُسَلْسَلَة) Andromeda galaxy. فقد لاحظوا نسخة مصغّرة الحجم من أرصاد زويكي: النجوم داخل المجرة كانت تدور حول مركزها أسرع من المتوقع. كان من المفترض أن تُرمى بعيداً، ولكن كان هناك شيء ما يثبّتها في مكانها، مرةً أخرى.

هذا هو الوقت الذي بدأ فيه البحث عن المادة المعتمة. تنبأت روبين بأننا سنعرف بالضبط ماهية هذا الغراء المجري الغريب في غضون عقد من الزمن. ومع ذلك، جاء عام 1980 ومضى، ولم تزدد معرفتنا. في عام 1999، توقع عالم الفلك الإنجليزي رويال مارتن ريس Royal Martin Rees مرة أخرى أننا سنعثر عليها في غضون عقد من الزمن. لم نفعل أيضاً. تقول ريس: «ثقتي في تحديدنا لطبيعة المادة المعتمة بسرعة كانت بالتأكيد في غير محلها». حالياً، ما زلنا لا نعرف ماهية المادة المعتمة.

الأجرام MACHOs والجسيمات WIMPs
ساعدتنا العقود التي انقضت منذ تنبؤات ريس على استبعاد عدد قليل من المرشحين المحتملين. فقد دفعنا التمعن في الكون البعيد إلى التأكد تماماً من أنها لا تتألف من كواكب فائقة الكتلة Massive Planets أو ثقوب سوداء Black Hole، والتي تُعرف بأجرام الهالة المضغوطة فائقة الكتلة Massive Compact Halo Objects (اختصاراً: الأجرام MACHOs). فلو كان الأمر كذلك، لرأينا هذه الأجسام تحني الضوء الكوني بطرق يمكن التنبؤ بها. على مدى السنوات الأربعين الماضية، كان الفيزيائيون يبحثون عن مادة معتمة مرشحة أخرى: جسيمات فائقة الكتلة ضعيفة التفاعل Weakly Interacting Massive Particles (اختصارا: الجسيمات WIMPs). ستكون هذه جسيمات غير موجودة في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات Standard Model of Particle Physics، فهمنا الحالي الأفضل للقوى والجسيمات التي تشكل اللبنات الأساسية للطبيعة.

كانت الأحلام حول الجسيمات WIMPs تسبغ عليها كل سمات المادة المعتمة التي بدا أنها تظهرها. كانت لديها أيضاً الفضيلة المرغوبة في أنها بمتناول أجهزة الكشف المصممة لهذا الغرض، في حال اصطدام مسارها بنواة الذرة. ففي حال اصطدام الجسيمات WIMPs بقوة معقولة بنواة الذرة، ستطلق طاقة الارتداد للنواة على شكل وميض من الضوء يمكننا اكتشافه.

الزينون فائق التبريد
يتطلب الكشف عن ذلك وجود الكثير من النوى الكبيرة. قاد ذلك الفيزيائيين إلى تصميم وبناء أجهزة كشف تستخدم أحواض ضخمة من الزينون السائل فائق التبريد Supercooled Liquid Xenon، الجاهزة والتي تنتظر ضربة من الجسيمات WIMPs. ما زالت هذه الأنواع من التجارب تعتبر على نطاق واسع أفضل رهاناتنا للعثور على المادة المعتمة. أحدثها هو كاشف داروين DARWIN المقترح لمختبر غران ساسوGran Sasso Laboratory بإيطاليا، والذي سيستخدم 50 طناً من الزينون. ويبلغ الإنتاج العالمي السنوي نحو 70 طناً؛ والفيزيائيون يبذلون قصارى جهدهم لتطبيق هذه الفكرة.

ولكن لا توجد ضمانات. كبداية، استُبعدت معظم الكتل المحتملة التي قد تأتي معها الجسيمات WIMPs. فلو كانت الجسيمات WIMPs على الجانب الثقيل؛ لكنا رأيناها الآن في أحواض تحت الأرض أو كنتيجة لتحطيم البروتونات معاً في مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider بالقرب من جنيف في سويسرا.

الأمر الشائك مع الجسيمات WIMPs هو أنها كلما كانت أخف وزنا صعُب العثور عليها. تعتمد معظم طرق الكشف الحالية إلى حد كبير على الجسيمات WIMPs بكتلة صُغرى محددة، تبلغ نحو عشر أضعاف كتلة الإلكترون. يقول مارتن باور Martin Bauer من جامعة دورهام Durham University بالمملكة المتحدة: «تنتظر الكاشفات تحت الأرض تذبذب ذرة زينون إثر اصطدام جسيم مادة معتمة بها، ولكن إذا كان الجسيم خفيفاً جداً، فلن ترتد ذرة الزينون». في هذه الحالة، يواجه الفيزيائيون مشكلة أخرى. كل ثانية تمر تريليونات النيوترينوات Neutrinos التي تنتجها الشمس عبر الأرض. وستترك آثاراً في الزينون يستحيل فصلها عن تلك التي ستكون بفعل الجسيمات WIMPs الخفيفة. يوضح باور: «لا توجد وسيلة للوقاية من النيوترينوات الشمسية».

ويمحص أحد البدائل بعمق في الماضي، ويمكن القول إن هذا هو الدمج الأكثر تأثيراً بين الآركيولوجيا (علم الآثار) Archaeology وعلم الفلك Astronomy منذ أن فهمنا ستونهنج Stonehenge لأول مرة. الفكرة بسيطة، فأحياناً قد يسبب اصطدام جسيم WIMP إخراجَ نواة ذرية من مكانها في بلورة ملح صخري أو إبسوميت Epsomite في أعماق وشاح الأرض Earth’s mantle. فإذا حدث هذا، فقد تكون التقنيات الجديدة نسبياً مثل الأشعة السينية X-ray أو الفحص المجهري لشعاع الهيليوم أيون Helium-ion Beam Microscopy قادرة على رؤية هذه الإزاحات كمسارات صغيرة ذات دلالة في الصخور القديمة.

هذا البحث الخاص عن المادة المعتمة بدأ بالتشكّل. تقول فريز: «لدينا جيوفيزيائيون يخبروننا عن الصخور التي يجب البحث عنها. لقد أجرينا الحسابات لمعرفة مقدار الصخور التي ستحتاج إليها لرؤية أثر واضح من المادة المعتمة، وهو ليس بالمقدار الكبير». بمجرد استخراج الصخور، سيتعين على الباحثين الذين يكشفون عن المادة المعتمة أن يتصرفوا بسرعة، لأن الأشعة الكونية ستبدأ بعد ذلك بترك آثار نانوية مماثلة في بنيتها. ولكن لا يزال من الممكن تمييزها عن تلك التي تسببها الجسيمات WIMPs وتلك الناتجة من نواتج الانشطار التي يطلقها اليورانيوم النشط طبيعيّاً.

على سبيل المثال، تحب فريز البحث عن المادة المعتمة، وهو عمل انخرطت فيه لعقود حتى الآن، وتحسب كيف يمكن اكتشاف أنواع مختلفة من الجسيمات. وتقول: «من الصعب عدم رؤية أي شيء، ولكن الحسابات التي أجريناها كانت أسهل الحسابات التي يمكن العثور عليها، أنا لا أستسلم. في الواقع، نحن نستمتع حقاً بهذا البحث».

يحصل بعض الباحثين على اصطداماتهم من خلال مطاردة جسيمات افتراضية بديلة، مثل الأكسيون Axion. فعلى العكس من الجسيمات WIMPs، لم تكن الأكسيونات جزءاً من البحث عن المادة المعتمة. بل اقتُرحت للمرة الأولى كمحاولة لحل حالة شاذة Anomaly حيث لا تتطابق البيانات التجريبية وجانب من جوانب نظرية الكم Quantum theory تماماً. لكن يجب أن تمتلك الأكسيونات أيضاً الخصائص التي نعتقد أن ترتبط بالمادة المعتمة. ومن حيث المصطلحات التجريبية، فإن البحث عنها هو إلى حد كبير لوحة فارغة. وتسعى التجربة الوحيدة الجارية الآن إلى تحويل الأكسيونات إلى فوتونات ميكروية باستخدام مجال مغناطيسي قوي، ولكن يجري أيضا تطوير أساليب أخرى، مثل دراسة ضوء الشمس أو تأثيرات الأكسيونات على أجهزة قياس المغناطيسية.

الفوتونات المعتمة والنجوم المعتمة
لا يزال البعض الآخر يبحث عن مكافئ معتم لكل جسيم في النموذج القياسي. بدأت عمليات البحث عن هذا «القطاع المعتم»، بإطلاق الباحثين حزماً إلكترونية عالية الكثافة على أهداف على أمل أن ينبعث منها فوتون معتم Dark Photon، مثلاً، سيكون الفوتون عديم الكتلة Massless، لذلك لن يكون مادة معتمة بالضبط، لكنه سيخبرنا بأن القطاع المعتم حقيقي، ويضطرنا إلى اصطياد الجسيمات المعتمة الأخرى. تقول فريز: «يعمل الكثير من الناس في القطاع المعتم، فالكثير من الأشياء مثل الفوتونات المعتمة ليست بالأمر الهين».

لكن الجسيمات ليست المنافسة الوحيدة، ففريز تبحث أيضاً عن «النجوم المعتمة»، وهي كرات من المادة المعتمة قد تكونت في بدايات الكون. تقول إحدى الفرضيات إنه إذا تفاعلت جسيمات المادة المعتمة، فإنها تُفنى. وإذا تفاعلت المادة المعتمة مع نفسها تفاعلاً ضئيلاً، فسيطلق هذا طاقة كافية لتكوين النجوم قبل أن تبدأ النجوم المألوفة لدينا بالتألق بزمن طويل. كما ذكرت فريز وزملاؤها العام الماضي، قد تتمكن الأجهزة الموجودة على تلسكوب جيمس ويب الفضائي (اختصارا: التلسكوب (JWST من إظهار هذه النجوم لنا. ونظراً لبعدها عنا في كون آخذ بالاتساع، فإن ضوءها سيبدو أكثر احمراراً من النجوم الأقل قدماً. ويجدر بالذكر أن التلسكوب JWST يعثر فعلاً على عدد كبير جداً من الأجسام المتوهجة عند الانزياح الأحمر العالي، وبمجرد أن نحصل على أطيافها، يجب أن نكون قادرين على معرفة شيء عنها، كما تقول: «سوف نسأل مع وصول البيانات، هل يمكن أن يكون هذا نجماً معتماً؟».

من الواضح أن الاحتمالات كثيرة. بالنسبة إلى البعض، على الرغم من ذلك، فإن حقيقة «أي شيء يسير» إلى حد كبير هي علامة على أن المشروع بكامله هو مطاردة لإوزة برية (انظر: طرق مسدودة؟). تقول ستايسي ماكغو Stacy McGaugh من جامعة كيس ويسترن ريزيرف Case Western Reserve University بأوهايو: «لا يمكنك الاستمرار بتحريك الأهداف. يجب أن تكون هناك نقطة تقرر فيها أنك فعلت ما تستطيع، ثم تتوقف». تخلت ماكغو عن البحث عن المادة المعتمة منذ عقود. وتعمل الآن على فكرة أنه يمكننا تفسير شذوذ دوران المجرات بطريقة مختلفة.

إعادة تعريف الجاذبية
تدعم ماكغو ما يُسمى ديناميكيات نيوتن المعدلة Modified Newtonian Dynamics (اختصاراً: الديناميكا MOND)، وهي فكرة مثيرة للجدل تقترح إعادة كتابة قوانين الجاذبية. تتمثل إحدى طرق القيام بذلك في تغيير معادلة قانون نيوتن للجاذبية العالمية Law of universal gravitation (قانون الجذب العام لنيوتن) بطريقة تغير مدى قوة الجاذبية بين كتلتين على المقاييس الكونية. وتدّعي ماكغو أنه في كثير من الحالات، يوفر ذلك أن يتواءم بطريقة أفضل مع بيانات الرصد من المادة المعتمة. الأهم من ذلك، على حد قولها، أن لها قوة تنبؤية، وتوضح: «يمكنك النظر إلى مجرة، وترصد توزيع كتلتها، ويمكنك استخدام الديناميكا MOND للتنبؤ بالطريقة التي يتحرك بها كل شيء، لكن لا يمكنك فعل ذلك مع المادة المعتمة».

يرفض معظم علماء الفيزياء الفلكية هذه الفكرة. تقول كاثرين زوريك Kathryn Zurek من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology: «لم يثبتوا قطُّ أن بإمكانهم تفسير جميع المشاهدات الرصدية الأساسية التي لدينا». كما تضيف أن الفكرة قاصرة عن تفسير خصائص الإشعاع المتخلف عن الانفجار الكبير (العظيم) Big bang، والمعروف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي Cosmic Microwave Background، وتستنتج أنه: «لا يمكنك الحصول على كل ذلك من الديناميكا MOND».

تعترف ماكغو بأن الديناميكا MOND لا تفسر كل مشاهداتنا الرصدية، لكنها، قد حققت بعض النجاحات فيما يتعلق بالمادة المعتمة، كما تقول. أولاً، رصد التلسكوب JWST مجرات قديمة أكثر تألقاً مما ينبغي أن تكون وفقاً للنظرية الكونية القياسية Standard Cosmological Theory. وتشير ماكغو إلى أنه في العام 1998، وجد روبرت ساندرز Robert Sanders من جامعة غرونينغن University of Groningen في هولندا أن الجاذبية المعدلة ستؤدي إلى تشكل مجرات متألقة في وقت مبكر جداً من تاريخ الكون، بمقدار 500 مليون سنة بعد الانفجار الكبير. وتؤكد ماكغو: «هذا هو بالضبط ما نراه الآن».

ومع ذلك، فلا يزال معظم العاملين في هذا المجال بعيدين عن الاستعداد للتخلي عن البحث عن المادة المعتمة. ووفقا لريس، ربما نكون قد استبعدنا بعض الإمكانات، لكنه لا يزال هناك الكثير. وتقول: «الاحتمالات لصالح بعض الجسيمات التي لم تُحدد بعد، والتي تشكل المادة المعتمة لم تقِلّ كثيراً». 

ربما يعثر منطاد القطب الجنوبي على ضديد البروتونات المضادة – ضديد المادة المكافئ للبروتونات – في تدفق الأشعة الكونية التي تتدفق باتجاه الأرض من الفضاء. وتتنبأ نماذج المادة المعتمة بالقطاع المعتم بوجود ضديدات بروتونات منخفضة الطاقة في تيار الجسيمات هذا، لذا فإن أي اكتشافات خلال السلسلة المخطط لها من الرحلات الجوية التي تستغرق 35 يوماً ستكون تطوراً مثيراً. 

وحتى لو لم يظهر أي شيء فمن المهم ملاحظة أن البحث عن المادة المعتمة هو مشروع صغير نسبياً. يقول زوريك، إننا ننفق عليها أقل بكثير مما ننفقه على فيزياء الطاقة العالية أو أبحاث الحوسبة الكمّيّة. كما تقول زوريك: «إضافة إلى ذلك، نحن نتعلم الكثير. لقد علَّمْتُ -أنا- الناس ألا يكونوا جازمين تماماً بشأن السلوك الذي ينبغي أن تسلكه الطبيعة. وهذا توجه مفيد ومتواضع».

لا أحد يمكن أن يعرف متى أو كيف أو حتى ما إذا كانت المادة المعتمة ستظهر في النهاية. لكن لا بأس بذلك بالنسبة إلى زوريك التي تقول: «أعتقد أن الحظ سيحالفنا. ولكن إذا لم نبحث، فلن نعثر عليها بالتأكيد».

طرق مسدودة؟
تجري بعض عمليات البحث عن المادة المعتمة، لكن يبدو أن بعضها الآخر قد تكلل بالفشل. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك.

ومضات موسمية Seasonal flashes
يزعم علماء يعملون في تجربة إيطالية تسمى DAMA/LIBRA أنهم رصدوا إشارة موسمية: ومضات من بلوراتهم تكون أكثر تواتراً في يونيو عنها في ديسمبر. ويقولون إن هذا قد يكون نتيجة لتغير شدة تفاعلات المادة المعتمة مع دوران الأرض حول الشمس. لكن، كما يقول علماء فيزياء آخرون، هناك أسباب وجيهة للشك في هذا الادعاء. بدايةً، لم ينشر الباحثون المعنيون بياناتهم الأولية للتدقيق المستقل. ثم هناك المشكلة التي أظهرتها مجموعة أخرى مؤخراً، وهي أن خطأً في التحليل قد يعطي بالضبط الإشارة الموسمية التي شوهدت.

قنابل نانوية Nano-bombs
قنابل النانو هي بديل لأحواض الزينون السائل للكشف عن جسيمات المادة، والتي يمكن أن تنفجر بواسطة المادة المعتمة. ففي عام 2014، أشار أليخاندرو لوبيز-سواريز Alejandro Lopez-Suarez وزملاؤه من جامعة ميتشيغان University of Michigan إلى أن قطعة معدنية فضية نانوية ستسخن إذا صدمتها جسيمات افتراضية للمادة المعتمة تسمى الجسيمات WIMPs. فإذا وُضع المعدن في أوكسيد معدني ستؤدي الحرارة إلى تفاعل ثرمايت Thermite reaction، وهو انفجار صغير ولكن يمكن اكتشافه. لم تُمول اختبارات الفكرة مطلقاً.

برق مستقيم Straight lightning
يعتقد ناثانيال ستاركمان Nathaniel Starkman وزملاؤه من جامعة تورنتو University of Toronto في كندا أن المادة المعتمة قد تكشف عن نفسها في البرق. تصور هذه الفكرة المادة المعتمة على أنها تكتلات غير عادية من الجسيمات «العادية»، مثل الكواركات Quarks والغلونات Gluons التي تشكل النوى الذرية، والتي يمكن أن تكون قد التصقت ببعضها بعضاً في الكون المبكر على شكل كتل صغيرة كثيفة وقد تتسارع عبر الكون حالياً. إذا ضربت هذه الجسيمات غلافنا الجوي، فإنها ستؤين أي جزيئات تتصادم معها. وإذا حدث ذلك أثناء عاصفة، فقد نرى صاعقة مستقيمة مباشرة من البرق، بدلاً من الصاعقة المعتادة. عندما اقتُرحت الفكرة لأول مرة في عام 2021، لم يرَ أحد برقاً مستقيما. بعد ذلك، في فبراير 2022، نشر الفريق بحماس ورقة أولية على الإنترنت حول رؤية محتملة. للأسف، لم يكن الأمر كما بدا عليه للمرة الأولى وسُحِبت الورقة.

بقلم مايكل بروكس

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى