إلكترونات في مستوٍ
إلكترونات في مستوٍ
يُمْكن لإلكترونات حبست في مستو ذي بعدين أن
تُبْدي مفعول هول الكمومي، وهو ظاهرة مذهلة يُعتقد
الآن أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالموصلية الفائقة.
<S.كڤلسن> ـ <H-D.لي> ـ <Ch-Sh.تسانگ>
منذ عصر اليونان القديم، كان الهدف الأساسي لكل الاتجاهات العلمية هو إيجاد مجموعة صغرى من مبادئ أساسية تحكم ضمنيا الظواهر الطبيعية المتنوعة. وقد نجحت هذه الفلسفة الاختزالية نجاحا حسنا في بعض المجالات مثل فيزياء الطاقة العالية ـ وهي دراسة الجسيمات الأولية للقوة والمادة. فقد جمع النظريون كل الجسيمات في بضع عائلات (أُسَر) وصاغوا قوانين الفيزياء الأساسية بدلالة التفاعلات بينها.
إن الوضع في فيزياء الحالة الكثيفة مختلف تماما، وهو الفرع الذي يدرس الجوامد (الأجسام الصلبة) والسوائل. فقد كشف البحث في سلوك الإلكترونات في الجوامد ـ خلال هذا القرن ـ عن حالات مختلفة للمادة، حيث تُرتِّب الإلكترونات نفسها بطرق عديدة جدا. على سبيل المثال، تكون الجوامد بصورة نموذجية إما عوازل (تقاوم جريان التيار الكهربائي مقاومة شديدة) أو فلزات (توصل التيار بصورة جيدة لكنها مازالت تبدي قدرا صغيرا من المقاومة). مع ذلك وضمن ظروف معينة يمكن أن تصبح بعض الجوامد في حالة موصلية فائقة، حيث يجري التيار الكهربائي فيها من دون أية مقاومة على الإطلاق. والتوصيفات النظرية لهذه الحالات المختلفة متعددة الأشكال كتعدد الحالات نفسها.
وقد يتغير هذا الأمر قريبا. فقد وجد الباحثون ارتباطا وثيقا بين الموصلية الفائقة وموضوع آخر درس دراسة مستفيضة في فيزياء الحالة الكثيفة هو: مفعول هول الكمومي. تحدث هذه الظاهرة عندما تخضع الإلكترونات لشروط ثلاثة معينة في الوقت نفسه: فهي حبيسة سطح فاصل بين بلورتين شبه موصلتين، بحيث إنها لا تستطيع الحركة إلا في بعدين فقط «منبسط»، ومبرَّدة حتى درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، وخاضعة لحقل مغنطيسي عال. يُسبب الحقل المغنطيسي جَرْف الإلكترونات جانبيا بالنسبة لاتجاه جريان التيار. فينشأ نتيجة لذلك ڤلطية (جهد) جانبية أو قوة تدفع الإلكترونات جانبيا. وإذا ازداد الحقل المغنطيسي ازدادت هذه الڤلطية أيضا، ولكن ليس بصورة خطية، بل سيزداد بصورة دَرَجية بالضبط. تدعى هذه الظاهرة مفعول هول الكمومي وتُعدّ سمة (بصمة) لطور مميز جديد للمادة.
أدرك الفيزيائيون عندما اكتُشف مفعول هول الكمومي عام 1980 أن خواص الإلكترونات في هذه الحالة الغريبة جدا تختلف اختلافا أساسيا عما هو معروف من حالات المادة المعروفة الأخرى كلها، لكن آخر الاكتشافات في هذا المجال أماط اللثام عن علاقة بارزة بين مفعول هول الكمومي وظاهرة الموصلية الفائقة المألوفة، حتى إن دراسات هذه الصلة قادت إلى تنبؤات لأطوار جديدة أخرى للمادة أكدتها التجارب حديثا.
قد لا يكون لمفعول هول الكمومي أية قيمة عملية مباشرة، مع ذلك فقد أسهم في ازدهار وتطوير مفاهيم جديدة وأدوات رياضياتية نظرية. سيكون لهذه الأدوات مضامين ذات تطبيقات واسعة في الفيزياء، بطريقة مماثلة لما قدمته نظرية الموصلية الفائقة من مساعدة في تقدم فيزياء الجسيمات الأولية وكما أسهمت دراسة الانتقالات الطورية إسهاما كبيرا في فهم الكون الحديث الولادة.
وتزودنا الاكتشافات الخاصة بمفعول هول الكمومي أيضا بنظرة فاحصة في الطرائق المذهلة لسلوك العالَم تحت الذري، وتحفز هذه الدراسات النظريين إلى صياغة نظرة أكثر كمالا عن العالَم الطبيعي. إضافة إلى ذلك، قد تثبت المبادئ المعنية أهميتها في تحضير أجيال قادمة من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة شبه الموصلة. إن سَعْينا لجعل هذه الأجهزة أصغر فأصغر سيوصلنا في النهاية إلى أبعاد يصبح عندها ميكانيك الكم والتفاعلات بين الإلكترونات بالغة الأهمية ولا بد من أخذها في الاعتبار عند التصميم.
اكتشاف مفعول هول الكمومي
تبين أن مفعول هول الكمومي مظهر غير عادي لظاهرة معروفة أعم في التوصيل الكهربائي اكتشفها العالم الأمريكي <إدوينH. هول> في القرن التاسع عشر. فعندما تطبَّق ڤلطية كهربائية بين طرفي سلك يبدأ التيار بالجريان. وإذا أُخضع السلك حينئذ إلى حقل مغنطيسي ستعاني الإلكترونات الجارية قوة (مغنطيسية) جانبية. وتعمل هذه القوة على إعادة توزيع الإلكترونات بصورة غير منتظمة ـ وينتهي بها المطاف ليتجمع عدد كبير من الإلكترونات في الجانب الأيمن من السلك وقليل منها ينتهي في الجانب الأيسر.
يظهر مفعول هول الكمومي في مستويين شبه موصلين مُبرَّدين حتى درجة حرارة قرب الصفر المطلق (الشكل أسفل الصفحة)، وقد مُثِّلت الذرات على سطحي شبه الموصلين بِكُرات خضراء وزرقاء. فعندما يطبق حقل مغنطيسي (الخطوط الحمراء) تُعيد إلكترونات التيار (بالأصفر، والتي تتجه داخل الصفحة) توزيعها بحيث يصبح عدد الإلكترونات في جانب (هو الأيمن) أكثر مما هو عليه في الجانب الآخر. ويُنتج إعادة توزيع الشحنة الكهربائية هذا ڤلطية محسوسة قابلة للقياس (ڤلطية هول)، وموصلية عمودية على اتجاه جريان التيار (يظهر في اليمين منظر علوي لذلك). ويشير مفعول هول الكمومي إلى زيادات دَرَجية في الموصلية مع ارتفاع شدة الحقل المغنطيسي. |
وينتج من التوزع غير المنتظم ڤلطية كهربائية عمودية على اتجاه التيار. وكي نكشف هذه الڤلطية الجانبية (وهي ڤلطية هول)، نربط وببساطة مجسي أداة قياس عادية، مثل مقياس الڤلط (الڤلطمتر)، إلى طرفي السلك. ومن أجل قيمة ثابتة للتيار تزداد ڤلطية هول تزايدا سلسا مع زيادة الحقل المغنطيسي. وتعرف هذه الظاهرة الآن باسم مفعول هول التقليدي (الكلاسيكي).
في عام 1980 اكتشف العلماء <K. ڤون كليتزنگ> (الذي كان يعمل حينذاك بمختبر الحقول المغنطيسية العالية في مؤسسة ماكس پلانك في گرينوبل) و<M. پبّر> (من جامعة كامبردج) و<G. دوردا> (من مختبر أبحاث سيمنس في ميونخ) أن مفعول هول ـ تحت شروط خاصة ـ لا يخضع للقواعد العادية. ويعود الفضل في ذلك الاكتشاف للتقدم الحاصل في أشباه الموصلات، حين أصبح من الممكن حَبْس مجموعة من الإلكترونات بين بلورتين شبه موصلتين بحيث لا تستطيع هذه الإلكترونات الحركة إلا في مستو فرد فقط. وعندما برَّد الباحثون هذه الإلكترونات الحبيسة حتى درجة أو درجتين فوق الصفر المطلق، وجدوا أن ڤلطية هول لا تزداد بسلاسة مع ازدياد شدة الحقل المغنطيسي.
تظهر سِمَات مفعول هول الكمومي لدى مقارنة قياسات محدَّدة بمثيلاتها العائدة لمفعول هول التقليدي (غير المكمَّم). ففي مفعول هول التقليدي تتغير الڤلطية في الاتجاه الجانبي (ڤلطية هول) بصورة سلسة مع تغير الحقل المغنطيسي، في حين تتغير الڤلطية في النسخة الكمومية مظهرة عتبات مقابل موصلية تساوي عددا صحيحا معينا وكسورا من ثابت أساسي (يلاحظ فقط بضعة مضاعفات). أما في الاتجاه الموازي لجريان التيار فتتغير الڤلطية الطولية بصورة سلسة مع تغير الحقل المغنطيسي في المفعول التقليدي؛ في حين تختفي هذه الڤلطية في المثيل الكمومي عندما تظهر عتبة في ڤلطية هول. |
عوضا عن ذلك، ازدادت ڤلطية هول على شكل دَرَجات (عَتَبات) أي لا تتغير قيمتها أبدا ضمن مجال صغير من شدات الحقل المغنطيسي [انظر الشكل في هذه الصفحة]. إضافة إلى ذلك فقد انعدمت تقريبا الڤلطية الطولية ـ تلك الڤلطية اللازمة للإبقاء على جريان التيار ـ مقابل كل عتبة من العتبات الحاصلة في ڤلطية هول. وبتعبير آخر تصبح الإلكترونات في بعدين «موصلة كاملة». (إنها ليست فائقة التوصيل من الناحية التقنية لأن إلكترونات الموصلية الفائقة تستطيع إضافة إلى ذلك أن تطرد الحقل المغنطيسي، في حين أن هذه الإلكترونات الموصلة الكاملة لا تطرد الحقل المغنطيسي).
وقد يكون من المدهش أكثر أن تأخذ كمية تسمى موصلية هول قيما خاصة. إن موصلية هول هي النسبة بين قيمة التيار الطولي وقيمة ڤلطية هول. وقد خلص ڤون كليتزنگ وزملاؤه إلى أن قيمة موصلية هول عند كل عتبة تساوي عددا صحيحا مضروبا بـ (كمِّ الموصلية)، وهي وحدة تساوي8, 25812/1مقلوب الأوم (إذ إن الموصلية هي مقلوب المقاومة). إن كم الموصلية هو e2/h (حيث يشير e إلى شحنة الإلكترون، وh إلى ثابت پلانك الذي يربط بين تردد (تواتر) شعاع ضوئي بأصغر كمية من الطاقة يمكن أن يحملها). وقد نال ڤون كليتزنِگ جائزة نوبل في الفيزياء عام 1985 لاكتشافه «مفعول هول الكمومي الصحيح» هذا.
في عام 1982 واجه البحاثة <C.D.اتسوي> (وهو الآن في جامعة برنستون) و <L.H.شتورمر> (من مختبرات بل التابعة للشركة AT&T) و <C.A.گوسارد> (وهو الآن في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا) خاصية أخرى غير متوقعة لمفعول هول الكمومي. إذ اكتشفوا أن ڤلطية هول تصبح على شكل عتبة عددا من المرات أكثر مما كان يعتقد في البدء، فتصبح أفقيا عند قيم كسرية معينة من كمِّ الموصلية مثل 3/1 و 5/2 و7/3 منها. وليس غريبا إذًا أن يطلق على هذه الظاهرة اسم مفعول هول الكمومي الكسري.
لم تُظْهر أي تجربة حتى الآن انحرافا عن العلاقة بين موصليات هول المقيسة والقيم المكمَّاة. فقيم كمّ الموصلية هي نفسها حتى جزء واحد على الأقل من 10 ملايين (أي حتى سبع مراتب عشرية)، ويشير دليل غير مباشر إلى أنها متساوية حتى جزء من 100 بليون جزء. وبسبب هذه الدقة العالية تبنت المؤسسة القومية للمعايير والتقانة مفعول هول الكمومي معيارا لتدريج أدوات قياس المقاومة.
معاملات المِلْء (التعبئة) السحرية
والسؤال الآن لماذا تأخذ موصلية هول هذه القيم «السحرية»؟ لقد أمضى الباحثون سنوات عديدة محاولين حل هذا اللغز. ويرتبط الجواب، كما سنرى، بشدة الحقل المغنطيسي المؤثر في كل إلكترون.
نحتاج لفهم الحل إلى معرفة ثلاثة أشياء حول كيفية وصف الفيزيائيين للحقول المغنطيسية، الأول: يمثل ميكانيك الكم شدة الحقل المغنطيسي الفاعلة في عينة بدلالة وحدة تدعى كم التدفق (الفيض) المغنطيسي. إن إحدى الطرق لتصور كمِّ التدفق هي أن نتخيله مثل السهم. وبالتالي لقياس شدة الحقل المغنطيسي، ما على المرء إلا حساب عدد كمّات التدفق ـ الأسهم ـ النافذة عبر العينة خلال سطح معطى.
الثاني: هو كمية هامة أخرى مرتبطة بشدة الحقل المغنطيسي تسمى معامل المِلْء (التعبئة) وهو عدد الإلكترونات في عينة مقسوما على عدد كمات التدفق المغنطيسي العابرة للعينة. وعندما يكون معامل الملء مساويا الواحدَ يكون هناك كم تدفق واحد لكل إلكترون، وعندما يكون معامل الملء مساويا 3/ 1 يكون لدينا ثلاثة كمّات تدفق لكل إلكترون واحد.
والثالث: هناك ترابط بين القيم المكماة لموصلية هول ومعاملات الملء المقابلة (التي تعرف باسم معاملات الملء السحرية) فعندما يكون معامل الملء مساويا الواحد وجد أن لموصلية هول القيمة le2/n، وعندما يكون معامل الملء مساويا 1/3 تكون موصلية هولe2/h 1 /3 ـ 3/1 وهكذا
وفي البداية فسَّر<B.R.لوفلين>، الذي يعمل الآن في جامعة ستانفورد، عتبات موصلية هول مستخدما نموذجين رياضياتيين مثاليين منفصلين: أحدهما لمعاملات الملء الصحيحة والآخر لمعاملات الملء الكسرية. واعتمد تفسيراه الخارقان (وتفسيرات آخرين) على الدوال الموجية: وهي الدوال الرياضياتية التي تصف كل ما يمكن معرفته حول حالة الجسيمات الكمومية.
يُمكن لبوزونات مركّبة أن تمثل الإلكترونات في مفعول هول الكمومي. على سبيل المثال، يوجد مقابل القيمة 1/3لما يعرف باسم عامل الملء ثلاثة كمّات تدفق (وهي مقياس لشدة الحقل المغنطيسي) لكل إلكترون (1). تصور المؤلفون هذا الشرط مطبقا على بوزونات مركبة، وهي جسيمات مشحونة لها ثلاثة كمات تدفق مغنطيسية (افتراضية) (2). إن توجيه التدفق الافتراضي معاكسا التدفق المغنطيسي الحقيقي (3) يلغي الحقلَ المغنطيسي الذي «يراه» كل بوزون (4)، مما يُسهّل نمذجة مفعول هول الكمومي. |
وعلى الرغم من نجاح مقاربة لوفلين في بعض التفسيرات فقد تُركت أسئلة عديدة من دون إجابة. إذ اعتمدت على تبسيطات معينة يصعب تطبيقها على مواد واقعية محتوية على عيوب وتشوهات. كما أن الدوال الموجية هي أشياء مجردة لذا كان من الصعب تصور تفسيرات لوفلين. ولم تتمكن مقاربته من الإشارة إلى وجود أية علاقة بين مفعول هول الكمومي وأنواع أخرى من النشاطات الإلكترونية في الجوامد. أخيرا وبسبب التشابه بين مفعولي هول الكموميين الصحيح والكسري يبدو من المرجح وجوب معالجتهما على قدم المساواة وليسا منفصلين.
لقد استطعنا مستفيدين من التشابه الرياضياتي الدقيق بين مفعول هول الكمومي والموصلية الفائقة، تطوير طريقة جديدة لفهم مفعول هول الكمومي. وإلى جانب توحيد ظاهرتين تبدوان متباعدتين، يمكِّن هذا التشابه الفيزيائيين من تطبيق معلوماتهم من الموصلية الفائقة على مفعول هول الكمومي. وتتكامل هذه المقاربة مع مقاربة لوفلين وتتضمن الكثير من النبوءات المستقاة من عمله. لكنها منفصلة تماما عنها، فهي تُركِّز على خواص حقيقية ماكروية (كبريّة) قابلة للمشاهدة للمنظومة الفيزيائية المدروسة وليس على خواص مكروية (صغريّة) يصعب تصورها لمنظومة مثالية.
ينتج تفسير مفعول هول الكمومي لإلكترونات معاملُ ملئها 1/3 (في اليسار) بمجرد أن تلغي البوزونات المركبة الحقل المغنطيسي الخارجي (في اليمين، حيث لم يُرسم الحقل المغنطيسي المُلْغى بغية الوضوح). تصبح البوزونات المشحونة الباردة عند غياب الحقل المغنطيسي موصلات فائقة، مما يفسر التوصيل الكامل في الاتجاه الطولي. وتظهر ڤلطية هول بسبب التحريض (الحث): إن التدفق المغنطيسي الافتراضي المتحرك يولِّد جهدا جانبيا. |
مقارنة بين الموصلية الفائقة
ومفعول هول الكمومي
|
حدثت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه الجديد عام 1987. حينما لاحظ <M.S.كِرْڤن> و <H.A.ماك دونالد> (وكلاهما الآن في جامعة إنديانا) أن الدوال الموجية المستخدمة لتفسير مفعول هول الكمومي يمكن النظر إليها كالدوال الموجية الممثلة لحالة الموصلية الفائقة لكن لنوع جديد من الجسيمات المتخيلة سميت البوزونات المركبة. وقد تقدّم بملاحظة مماثلة بعد هذا بقليل الباحث < N. ريد> الذي يعمل الآن في جامعة ييل.
بوزونات وفرميونات
البوزونات هي إحدى أسرتين، يصنف الفيزيائيون جميع الجسيمات في إحداهما اعتمادا على «الإحصاء» الذي تتبعه كل منهما، أو على سلوكهما الجماعي. فتبقى الدالة الموجية التي تصف تجمعا (جمهرة) من البوزونات هي نفسها عندما يتبادل جسيمان مكانيهما. أما الأسرة الأخرى من الجسيمات فهي الفرميونات، حيث تبدل دالتها الموجية إشارتها (من الموجب إلى السالب أو العكس بالعكس) حين يتبادل جسيمان مكانيهما.
إن الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات هي كلها فرميونات. ويمكن للذرة التي تحوي الأنواع الثلاثة أن تعامل معاملة جسيم (مركب) وحيد. ويعتمد كونها فرميونا أو بوزونا على العدد الإجمالي لمكوناتها. فإذا كان هذا العدد فرديا كانت الذرة فرميونا، أما إذا كان زوجيا كانت الذرة بوزونا. فالنظير المسمى الهليوم-4 مثلا يحوي إلكترونين وبروتونين ونيوترونين مما يجعله بوزونا. خلافا لذلك، فنظير الهليوم-3 لديه إلكترونان وبروتونان ونيوترون واحد فقط فهو لذلك فرميون.
تختلف الفرميونات عن البوزونات في نواح عدة. وأكثر هذه الاختلافات صلة بهذه المقالة القواعد التي تحكم إشغال الحالات الميكانيكية الكمومية. فالفرميونات تخضع لمبدأ الاستبعاد لپاولي الذي يمنع فرميونيْن من أن يشغلا الحالة نفسها ـ فلا يمكن لهما بصورة رئيسة أن يكونا في المكان نفسه في اللحظة الزمنية نفسها. ولا تنطبق هذه القاعدة على البوزونات؛ إذ يمكن أن توجد بوزونات عديدة في الحالة نفسها تماما.
تشرح هاتان الخاصيتان، المختلفتان اختلافا أساسيا للفرميونات وللبوزونات، العديد من المشاهدات في الفيزياء. والمثال الجيد على ذلك الاختلاف المذهل بين موصل فائق وفلز عادي. إذ يمكن فهم التوصيل الكهربائي للفلزات العادية مباشرة بدلالة خواص الفرميونات (والإلكترونات بالتحديد)، بالمقابل فإن الموصلية الفائقة هي من خواص البوزونات.
وكيف يكون ذلك، مادامت حاملات التيار الكهربائي في جميع الأجسام الصلبة (الجوامد) هي الإلكترونات التي هي فرميونات؟ الجواب هو أنه في طور الموصلية الفائقة تتجاوز الإلكترونات قواعد الفرميونات بتزاوجها. ويسلك كل زوجين سلوك بوزون، ويمكن لهذه الأزواج كلها أن تتكاثف في المستوى الكمومي نفسه لينتج من ذلك الموصلية الفائقة. أما في حالة الفلز العادية فتحتفظ الإلكترونات بفرديتها، أي ذاتياتها الفرمونية. وبسبب كونها فرميونات يمكنها أن توجد في مستويات مختلفة كما يتطلب ذلك مبدأ الاستبعاد لپاولي وبالتالي فهي تفشل في التوصيل الفائق.
لقد أدخل النظرية التي تستخدم البوزونات المركبة لشرح أثر هول الكمومي عام 1989 اثنان منا (تسانگ وكڤلسن) ومعنا <H.T.هانسون> وهو الآن في جامعة ستوكهولم. ويمكن اختصار ما فعلناه بصورة مبسطة حيث افترضنا أن الإلكترونات المتحركة في بعدين والخاضعة لحقل مغنطيسي شديد، تكافئ من الناحية الرياضياتية تجمعا من بوزونات مركبة في حقل أضعف شدة بكثير . وفي شروط خاصة ـ وبخاصة عندما يصل معامل الملء قيمة سحرية ما (وبالتحديد 1 أو 1/3 أو 1/5) ـ فإن الحقل المغنطيسي الذي تعانيه البوزونات المركبة هو في الواقع صفر. ونقول في هذه الحالة إن البوزونات المركبة تصبح، في مدى مجال عريض من الظروف، موصلة فائقة. ثم بيَّنا بعد ذلك أنه بمجرد أن تصبح البوزونات المركبة موصلة فائقة فإنها ستؤدي إلى ظهور موصلية هول المكمَّاة.
بعد ذلك، عمَّم <P.M.فشر> ـ وهو الآن في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، ومعه واحد منا (لي) ـ وبصورة منطقية هذه النظرية لتشرح وتأخذ في الحسبان جميع عتبات هول المكمّاة والأكثر تعقيدا، مثل تلك المقابلة لـ 2/5 و 3/7. وقد شكلت هذه الأعمال أساس الأبحاث التالية التي قام بها ثلاثتنا معا لدراسة مفعول هول الكمومي ضمن شروط متباينة.
إلكترونات كبوزونات مركبة
تستند نظرية البوزونات المركبة إلى تكافؤ رياضياتي بين إلكترونات تتحرك في بعدين وتجمّع من البوزونات تحمل معها حزمة تدفق مغنطيسي افتراضي. وقد تبين أنه حتى تقلد البوزونات المركبة إحصاء فرمي للإلكترونات، يجب أن يحمل كل بوزون عددا فرديا من كمَّات تدفق حقل مغنطيسي افتراضية. (ويظهر استخلاص أكثر دقة لهذا التمثيل في المساحة المخصصة لمجلة ساينتفيك أمريكان في أمريكا على الخط (مباشرة) America Online).
قد يوضِّح المثال آثار التدفق المغنطيسي الافتراضي بصورة أفضل. لننظر في مثال يقابل قيمة محدّدة لأحد معاملات الملء التي تظهر عندها عتبة في ڤلطية هول ـ ولتكن 1/3. إن معامل الملء هذا يعني أنه توجد ثلاثة كمّات من كمات التدفق المغنطيسي الحقيقي لكل إلكترون. ولننظر الآن لكل إلكترون ليس على أنه فرميون، بل على أنه بوزون مركب مرتبط بثلاثة كمات من التدفق الافتراضي. نوجه بعد ذلك كمات التدفق الثلاثة هذه في اتجاه معاكس للحقل المغنطيسي الخارجي. فيكون المحصل النهائي للتدفق الذي تراه البوزونات هو مجموع التدفقات الحقيقية والافتراضية. وبما أننا وجهنا التدفق الافتراضي بحيث يلغي أثر التدفق الحقيقي فلن يعاني البوزون أي محصِّل نهائي من التدفق. ومن المعروف أنه في درجات الحرارة المنخفضة تقوم البوزونات وفي غياب الحقل المغنطيسي بالتوصيل الفائق، ونتوقع أن يصح الشيء نفسه في حالة البوزونات المركبة الباردة عند معامل الملء1/3.
والسؤال الآن لماذا تتضمن الموصلية الفائقة للبوزونات المركبة توصيلا كاملا في اتجاه التيار وموصلية هول المكماة في الاتجاه العمودي؟ إن الإجابة عن الشطر الأول سهلة، إذ إنه بسبب كون البوزونات المركبة الفائقة التوصيل لا تحتاج إلى ڤلطية للإبقاء على جريان التيار فإن المرء يجد توصيلا كاملا.
أما الإجابة عن الشطر الثاني فتحتاج إلى حذاقة أكثر. لنتذكر أن كل بوزون مركب جارٍ يحمل معه عددا فرديا من كمات التدفق المغنطيسي الافتراضي. لذلك إذا جرت البوزونات سيجري معها كمات التدفق المغنطيسي وجوبا. غير أن التدفقات المغنطيسية المتحركة (وحتى الافتراضية منها) ستولد ڤلطية كهربائية عمودية على اتجاه جريانها (تعرف هذه الخاصية باسم قانون فاراداي في التحريض الكهرمغنطيسي). يضاف إلى ذلك، أن هذا الجهد الجانبي متناسب طرديا مع كمية التدفق الافتراضية الكلية الجارية عبر العينة في كل ثانية. لذلك تكون قيمة تيار التدفق المغنطيسي ثلاثة أضعاف التيار الكهربائي من أجل معامل ملء يساوي1/3. وهذا بدوره يفسر كون موصلية هول مساوية1/3 كمّ الموصلية.
ومن وجهة النظر هذه، يقع الاختلاف الوحيد بين معاملات الملء السحرية المختلفة ـ كونها 1 أو 3/1 أو 5/1 ـ في عدد كمات التدفق المغنطيسي الافتراضية التي يحملها كل بوزون مركب. يضاف إلى ذلك، أن موصلية هول المكماة (مثل 1 و 3/1 و 5/2 وغيرها مضروب بـ e2/h) تعتمد فقط على النسبة بين الشحنة والتدفق في البوزون المركب وليس على تفصيلات المادة التي تشاهد فيها هذه البوزونات.
تُعرض حالات جديدة للمادة من أجل إلكترونات في بعدين في مخطط طوري. فمن أجل قيمة معطاة لحقل مغنطيسي ولمستوٍ معيّن من الفوضى (النقطة A) تسلك الإلكترونات سلوك «عازل هول» (الأخضر)، الذي له مميزات عازل وفلز في الوقت نفسه. وعند شدات حقول مغنطيسية أعلى تتحول الإلكترونات إلى سلوك «سائل هول» (الأزرق) ـ أي إنها تظهر مفعول هول الكمومي ـ ثم تصبح بعدها «فلز هول» (البني الفاتح). تدل الأرقام على القيم الصحيحة والكسرية لموصلية هول المكماة. |
يوضح النموذج الذي يستخدم بوزونات مركبة أيضا سبب بقاء موصلية هول ثابتة حتى عندما يبتعد عامل الملء ابتعادا قليلا عن قيمة سحرية. فلننظر في حالة كون معامل ملء الإلكترون أكثر قليلا من1/3. يلغي التدفق الافتراضي، في هذه الحالة، التدفق الحقيقي بصورة جزئية فقط، فيعاني البوزون المركب حقلا مغنطيسياً محصَّلاً صغيرًا. لكن البوزون المركب الفائق التوصيل سيتحمل، كما هي الحال في الموصلات الفائقة الحقيقية، حقلا مغنطيسيا صغيرا. وبالتالي فإن موصلية هول لن تتغير ضمن مدى صغير بجوار معامل الملء 1/3.
ويتعمق التشابه بين الموصلية الفائقة ومفعول هول الكمومي أكثر من ذلك. مثلا، إن قابلية الموصل الفائق لطرد الحقل المغنطيسي تترجم إلى قابلية مقاومة الإلكترونات المشاركة في مفعول هول الكمومي لأي تغير في المساحة الكلية التي تشغلها (فيقال عن إلكترونات مفعول هول بأنها «غير قابلة للانضغاط»). ونجد لجوانب أخرى أكثر تعقيدا في الموصلية الفائقة مشابهات في مفعول هول الكمومي.
خريطة لإلكترونات في منبسط
لقد قام ثلاثتنا بدراسة مفعول هول الكمومي مستخدمين نظرية البوزون المركب في ظروف واسعة المدى. وتُمثَّل نتائج هذه الدراسة بما يعرف باسم مخطط الطور. يستخدم الفيزيائيون عادة مخطط الطور لتلخيص سلوك مادة ما تحت شروط مختلفة. على سبيل المثال، يمكن تحت ضغوط ودرجات حرارة مختلفة لتجمعٍ من جزيئات الماء أن يصبح سائلا أو جليدا أو بخارا. ويمكن رسم مخطط يوضح هذه الأطوار ليشير إلى الحالة الفيزيائية لجزيئات الماء على مدى معين من الضغوط ودرجات الحرارة.
في مخطط الطور لإلكترونات في بعدين نستخدم شدة الحقل المغنطيسي ودرجة عدم الاكتمال أو الفوضى في بلورات أشباه الموصلات التي تحبس الإلكترونات، وذلك بدلا من الضغط ودرجة الحرارة. وقد حصلنا على مخطط من هذا النوع انطلاقا من مخططات الطور للموصلات الفائقة المعروفة. وقد أعطى مسح Mapping المعلومات استنادا إلى مخطط طور الموصل الفائق بنيةً متشابكة جميلة [انظر الشكل في الصفحة 177].
قادت نظرية البوزونات المركبة لمفعول هول الكمومي أيضا إلى تنبؤ حالة غير متوقعة، حيث تتخذ الإلكترونات خواص عازل وفلز في الوقت نفسه. وقد أيدت هذا التنبؤ لعازل هول، تجربة حديثة أجراها كل من<W.H.يانگ> و<L-K.وانگ> من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وكذلك<T.S.هنه> من جامعة ولاية فلوريدا. فعندما زادت درجة عدم الاكتمال في أشباه الموصلات على قيمة معينة، ظهرت الحاجة إلى ڤلطية عالية جدا للإبقاء على جريان التيار نفسه. وكانت الحاجة إلى ڤلطية أكبر تتزايد بصورة مستمرة كلما انخفضت درجة الحرارة باتجاه الصفر المطلق ـ وهذه من مميزات العازل. وعلى النقيض من ذلك، فقد بقيت ڤلطية هول مستقلة عن درجة الحرارة وازدادت مع ازدياد شدة الحقل المغنطيسي ـ وهذه من مميزات الفلز.
وقد أسفرت التجارب التي أجراها كل من يانگ وتسوي وشتورمر و<N.L.بفايفر> و<W.K.وست> (من مختبرات بل التابعة للشركة AT&T) وآخرين عن مفاجأة أخرى ـ كانت هذه المرة بالقرب من عامل الملء 1/2. فقد اكتشف الفيزيائيون في هذه الحالة أن الإلكترونات قد تأثرت وكأنها في فلز عادي وليست تحت تأثير حقل مغنطيسي. وكان من بين السمات الأخرى ظهور عدم تكمية موصلية هول بل وجدت متناسبة مع الحقل المغنطيسي تناسبا خطيا.
ويعتمد تفسير مثير للاهتمام لما يسمى «فلز هول» على فكرة النظر إلى الإلكترون وكأنه فرميون مركب. يشبه الفرميون المركب البوزون المركب إلا أنه يحمل عددا زوجيا من كمات التدفق المغنطيسي الافتراضية، مما يؤدي إلى خضوعها إلى إحصاء فِرمي. وقد قدّم بحاثة عديدون مثل هذه الأفكار معتمدين جزئيا على مفهوم قدمه لأول مرة <K.J.جين> من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك. ومن هؤلاء البحاثة ريد و<I.B.هالبرين> (من جامعة هارڤارد) و <A.P.لي> من معهد ماساتشوستس للتقانة) بصورة مستقلة، و<V.كالمير> الذي كان يعمل سابقا في مركز أبحاث ألمادن التابع للشركة IBM، وواحد منا (تسانگ).
إن ميزة البوزونات المركبة والفرميونات المركبة هي في أنها تربط ما يظهر وكأنه سلوك غريب لإلكترونات في بعدين بسلوك مألوف لجسيمات مركبة. ويُطرح غالبا سؤال بخصوص ما إذا كانت هذه الجسيمات المركبة هي حقيقية أم أنها تراكيب مفيدة لا يمكن عزلها ودراستها منفردة، مشبهةً بذلك الكواركات في فيزياء الطاقة العالية. لقد سببت هذه المناظرة ظهور أبحاث كثيرة غير أنه لم يحن بعد قطاف نتائج جازمة.
يبقى مفعول هول الكمومي، وبعد انقضاء ست عشرة سنة على اكتشافه، واحدا من أهم مجالات البحث المثيرة في فيزياء المادة الكثيفة. وقد زودتنا غنى الظواهر المتنوعة بأسس لاختبار أفكار نظرية عديدة. وقد ظهرت صورة شمولية توحِّد فهم هذه الظواهر وظواهر أخرى في منظومات المادة الكثيفة. مع ذلك، وعلى الرغم مما أُحْرِز من تقدم، تبقى بعض الطروحات الحرجة غير محلولة. على سبيل المثال، مازال عازل هول وفلز هول عصيّين على الفهم الكامل. كذلك لا يُعْرف معرفة كاملة حتى الآن كيف يمكن ملاءمة خواص أخرى للإلكترونات مثل السبين (حركتها المغزلية) spin مع هذه الصورة.
لقد أشار هالبرن في مقالة سابقة في مجلة ساينتفيك أمريكان عام 1986 إلى هذا الموضوع فقال «إن الأهمية الفعلية لمفعول هول الكمومي ليس في أية.. تطبيقات، لكنها في نفاذ البصيرة التي يكتسبها الفيزيائيون عند النظر في خواص معينة لمنظومات من الإلكترونات خاضعة لحقل مغنطيسي شديد وفي الانتظامات المخبأة المحتواة في القوانين الرياضياتية لميكانيك الكم. فقد تملك الطبيعة في مخزونها حالات مدهشة للمادة لم يتخيلها أي منا حتى الآن.» والآن وبعد عشر سنوات وجد الفيزيائيون بعض هذه الحالات، ونأمل في اكتشاف المزيد.
المؤلفون
S. Kivelson – D-H. Lee – Sh-Ch. Zhang
تعاونوا في رسم العلاقة بين ظاهرة الموصلية الفائقة ومفعول هول الكمومي. شغل كکلسن، الذي حصل على الدكتوراه من جامعة هارکارد، مناصب في مؤسسات عديدة قبل أن يستقر في منصب الأستاذية في الفيزياء بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. أما لي فقد حصل على الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتقانة (MIT) ثم عمل في مختبرات الشركة IBM في مركز أبحاث <.J.Tواطسون> قبل أن ينضم إلى الكلية بجامعة كاليفورنيا في بركلي. يعمل تسانگ أستاذا مشاركا بجامعة ستانفورد، وقد حصل على الدكتوراه من جامعة الولاية بنيويورك في ستوني بروك. كما شغل قبل ذلك مناصب في جامعة كاليفورنيا بسانتا بربارا وفي مركز أبحاث ألمادن التابع للشركة IBM.
مراجع للاستزادة
QUANTIZED HALL EFFECT. Bertrand I. Halperin in Scientific American, Vol. 254, No. 4, pages 40-48; April 1986.
ANYONS. Frank Wilzcek in Scientific American, Vol. 264, No. 5, pages 24-31; May 1991.
THE CHERN-SIMONS-LANDAU-GINZBURG THEORY OF THE FRACTIONAL QUANTUM HALL EFFECT. Shou-Cheng Zhang in International Journal of Modern Physics B, Vol. 6, No. 1, pages 25-58;January 1992.
GLOBAL PHASE DIAGRAM IN THE QUANTUM HALL EFFECT. S. Kivelson, D.-H. Lee and S.-C. Zhang in Physical Review B, Vol. 46, No. 4, pages 2223-2238; July 15, 1992.
Scientific American, March 1996