العلم في صور
العلم في صور
رمال العالم
يعد الرمل أحد أكثر العناصر انتشارا على سطح الأرض وأكثرها تنوعا.
<N.W.ماك >ـ<A.E.ليستيكاو>
شاطئ فورت ولتون، فلوريدا يتألف معظم رمل الكوارتز (المرو) quartz، تقريبا، من هذا المعدن بمفرده، وهو شائع جدا لدرجة أن كلمة «رمل» تُؤخذ عادة على أنها تشير إلى هذا النوع. وتشكل حبيبات الكوارتز العديمة اللون كتلك المبينة في الصورة معظم شواطئ شمال فلوريدا، إلا أن تركيبها يتبدل تدريجيا باتجاه الجنوب حيث تزداد نسبة المواد الكلسية. ولما كانت سطوح الحبيبات في هذه العينة غير صافية أو شبيهة بالزجاج فمن الواضح أنها تعرضت قليلا للسحج abrasion، ولكنها سَلِمَت من فعل التجوية weathering الشديدة التي أدت إلى تآكل سطوح الحبيبات في العينة التالية. |
لترى عالَما في حبة رمل والسماء في زهرة برية، أمسك اللانهاية
براحة يدك والسرمدية في ساعة واحدة.
ـ أدلة البراءة، وليام بليك
عندما نلتقط حفنة رمل من الشاطئ ونراقبها تتسلل من خلال أصابعنا، نكون قد رأينا حصيلة ملايين السنين من التاريخ الجيولوجي، إذ يمكن كشف النقاب عن الجانب الأعظم من هذا التاريخ عن طريق فحص حبيبات الرمال بتكبيرها حيث تَكشِف هذه الحبيبات عن أسرار منشئها وما تلاه من أسفار.
وتبدأ معظم ذرات الرمال رحلتها الحياتية في المناطق الجبلية كصخرة في بيئة برية تتكوَّن في الأصل من الكوارتز (المرو) والفلسپار feldspar. فالتفكك الآلي (بفعل حركة المجلّدات (المثلجات)، ودورات التجمد والانصهار) يؤدي إلى تكوين الجلاميد والحصى. ومن ثم يؤدي الفعل المشترك للتحلل الكيميائي (بوساطة الأمطار والنباتات) وللتفكك الميكانيكي إلى تفتيت الجلاميد والحصى، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تكوين حبيبات من الرمال. ويُعرِّف الجيولوجيون الرمل بأنه فتات من الصخور تتراوح أقطارها ما بين 0.05 و 2 مليمتر، أما جزيئات الصخر الأكبر حجما فتُصنَّف كحصى، والحبيبات الأصغر حجما تشكِّل الغرين silt.
وبعد تكوُّن الرمال تجرف المياه حبيباتها فوق المنحدرات إلى مجرى النهر حيث تتدحرج أو تقفز على طول القعر، وتتراكم تارة في دوامة من الماء وتارة أخرى في حِمَى جلمود، وقد تمضي سنوات قبل المرحلة التالية من الرحلة، ولكنها في نهاية المطاف تغادر الجبال بوساطة أحد الأنهار. ويصل جزء من هذه الرمال التي تحملها الأنهار إلى الشاطئ، في حين يتوضع جزء آخر في الطريق. ويستغرق نقل رواسب نهرٍ متوسط التصريف مسافة 100 ميل في اتجاه المصب نحو مليون سنة. وفي أثناء عملية النقل هذه تقوم المواد الكيميائية الموجودة في الأنهار بصقل العديد من الحبيبات فتكسبها لمعانا شديدا.
وتؤدي الرياح إضافة إلى المياه دورا مهما في توزيع الرمال، فحيثما يضمحل الغطاء النباتي تطلق الريح حركة الحبيبات من عقالها، فتنتقل بفعل الارتطام والاهتزاز، وأحيانا تقذفها الرياح إلى أعلى لارتفاع قدم ونيف. والحبيبات التي تنقلها الرياح لا يتم صقلها لكنها تكتسب مظهرا مُصَنْفَرا ومعتما (محببا وغير شفاف).
ولا يرجع منشأ جميع الشواطئ الرملية دائما إلى فتات الصخور التي تغسلها وتنقلها المياه والرياح من الجبال، إذ إن بعض الشواطئ تتكوَّن من حطام الأحجار الكلسية التي تشكلت في البحار أو بالقرب منها، فحيثما تكون مياه البحر دافئة والنشاط الحيوي كبيرا فإن رمال الشواطئ قد تتكوَّن في بعض أجزائها أو كلية من كِسَر الحيوانات اللافقارية البحرية، وهذه هي الشواطئ الكلسية. وتثير حبات الرمال في هذه الشواطئ اهتماما كبيرا عند فحصها مجهريا، فهي تمثل أكثر الأعمال الفنية التي رسمتها الطبيعة بهاء ورقة.
الصحراء ما بين القاهرة والإسكندرية يعطي رمل هذه المنطقة دلالة مميزة للتحات الريحي، فالسطوح الباهتة والمعتمة تعكس الصدمات التي تعرَّضت لها الحبيبات أثناء نقلها بوساطة الرياح عنها بوساطة الماء. فالحبيبات التي تحملها الرياح تصير أكثر خشونة لأنها تفتقر إلى ما يوفره الوسط المائي من طفوية buoyancy وتخفيف للصدمات. فالاحتكاك المباشر الذي يحدث بين الحبيبات يُعرضها للسحج، كما أن سرعة الرياح تعرض الحبيبات لمزيد من العقاب. إضافة إلى ذلك فهنالك عامل آخر جلي للعيان؛ هو أن رمال الصحراء تَنْحو لأن تكون حبيباتها متباينة الأحجام، في حين يقوم الماء بنخل رواسبه بصورة أكثر انتقائية فتكون عناصر التوضع فيه متجانسة الأبعاد. |
هوكسبيل كي، أكزوما، ألباهاما تمتد بعض الشواطئ التصْوَرية البيضاء المتألقة بمحاذاة خليج المكسيك وجزر ألباهاما. فرمال هذه الشواطئ تتكوّن من حبيبات صلدة، كالخزف، من الأحجار الجيرية تدعى سَرْء oolite. وهذه التسمية مشتقة من اليونانية وتعني «الحجر البيوضي». أما طريقة تكوّن هذا البيض الدقيق فما زالت غير معروفة بدقة. فمن العوامل اللازمة لتكونه المياهُ الضحلة الحاوية كميات من كربونات الكالسيوم والمغنيسيوم الآخذة في الترسيب. والعامل الآخر اللازم لتكوّنها هو علامات النيم ripple marks (تعاريج الأمواج التي تكونت من رواسب شاطئية) فوق قعر البحر مما يساعد الأمواج على تدوير حبيبات الصلصال أو الرمل الناعم التي تترسب حولها سطائح كلسية متتالية متحدة المركز. |
شاطئ سيلڤر ساند، گراند باهاما إن الرمل المبين في الشكل يكاد يكون مؤلفا برمته من كسارة الشعاب المجاورة. إضافة إلى ذلك فإننا نشاهد شويكتين على شكل سيگار، ومقطعا لأنبوب دودة بحرية، كما نشاهد قوقعة لإحدى معديات الأرجل وصدفتين لمنخربتين كبيرتين مستديرتين حمراوتي اللون. |
إنديان كي ـ فلوريدا فقدت كافة المرجانيات والأصداف في هذه العينة لمعانها فأصبحت سطوحها معتمة وطباشيرية ومُنَقَّرَة pitted. تُشاهد هذه الحالة أحيانا في الشواطئ البيضاء لشعاب فلوريدا الاستوائية مشيرة إلى تحلل المواد الكلسية في هذه الشواطئ. فمياه البحر الدافئة وضوء الشمس المباشر ووفرة المياه العذبة الناجمة عن هطول الأمطار يمكن أن تتضافر كلها لإعادة الكربونات التي تشكل هياكل النباتات والحيوانات الميتة إلى البحر. ونشاهد هنا أيضا قواقع لمعديات الأرجل، أربع منها مغزلية الشكل وواحدة ذات شكل كروي، كما نشاهد صدفتين على الأقل من الأصداف ذات المصراعين، وكل هذه القواقع والأصداف هي في طريقها لأن يبتلعها البحر مرة أخرى. |
شاطئ فورت والتن
فلوريدا |
الصحراء
بين القاهرة والإسكندرية |
الشاطئ الشمالي
هاميتون، نيوهامپشير |
پيونالوو
هاواى |
الشاطئ الشمالي، هامپتون، نيوهامپشير ألقت صفيحة جليد شمال أمريكا بعد انحسارها كميات هائلة من الحطام على طول الساحل الشمالي الشرقي الوعر للولايات المتحدة. وتُظْهِر العينة التي تم انتقاؤها من هذه التوضعات مزيجا من الكوارتز (حبات عديمة اللون) والفلسپار (لونه أحمر وردي وكهرماني) ومعادن نارية معتمة (سوداء اللون). |
پيونالوو، هاواي إن رمل شواطئ هاواي السوداء الشهيرة هو رمل مؤلف من الأوبسيديان ـ زجاج بركاني تخلَّق أثناء تدفق المهل إلى داخل البحر وتبرده بسرعة فائقة مما أدى إلى تحوله إلى زجاج. وقد تعرَّضت الأجزاء المتكسرة من الزجاج لفعل الماء والأمواج فتفتت وتحولت في نهاية الأمر إلى رمل ناعم أسود. |
الشاطئ الجنوبي لبحيرة سوپيريار ـ ميتشيگان يشاهد في عدد من الشواطئ شرائط سوداء عند خط الماء، ويبدو أن هذه الشرائط مؤلفة من مواد عضوية أو رمل مشرب بالنفط، إلا أنها في الواقع تتكون من حبيبات من المگنيتيت magnetite، ونظرا لثقل هذه الحبيبات بالنسبة إلى ما يجاورها من حبيبات أخرى فإن هذه الحبيبات المغنطيسية الصلدة تبقى عند حافة الماء في حين تقذف الأمواج بحبيبات الكوارتز الخفيفة إلى مستويات عليا من الشاطئ. (في هذه العينة تبدو حبيبات الكوارتز حمراء وردية اللون، ويحتمل أن تكون الحبيبات ذات اللون الأحمر الداكن معدن الگارنت garnet.) وقد اعتاد ملاحو القرن الثاني عشر على وضع المگنيتيت أو حجر المغنطيس، كما كانوا يسمونه، في قصبة مجوفة يتم تعويمها بحذر في وعاء من الماء، لكي يحصلوا على شكل مُبَسَّط للبوصلة التي تشير بصورة تقريبية إلى اتجاه الشمال والجنوب. |
بحيرة نورذرن لايت ـ أونتاريو، كندا ليست الشواطئ السوداء جميعها مؤلفة من الأوبسيديان أو الرمل المغنطيسي، فشاطئ بحيرة نورذرن لايت مثلا، هو توضُّع لبلورات الهورنبلند hornblende (معدن يتكوَّن من سيليكات معقدة) الدقيقة. وقد تكوّن كل من البحيرة وشاطئها الهورنبلندي بعد أن خلّفتهما وراءها صفيحة جليد أمريكا الشمالية. |
الشاطئ الجنوبي لبحيرة سوپيريار
ميتشيگان |
بحيرة نورذرن لايت، أونتاريو
كندا |
هوكسبيل كي
أكزوما، باهاما |
شاطئ سيلڤرساند
گراند باهاما |
سان تروپي، الريڤييرا الفرنسية يعيش في الشعاب بالقرب من سان تروپي العديد من الحيوانات المثيرة للاهتمام والتي تقذف الأمواج بأصدافها إلى الشاطئ. في هذه العينة نجد قواقع مخروطية جميلة الشكل لمعديات الأرجل، ويوجد في إحدى هذه القواقع ثقوب كان أحد الحيوانات المفترسة الجائعة قد قام بحفرها فيها، كما يلاحظ أن بعض الحطام انحشر بقوة في فتحات بعضها. أما القوقعة الطويلة المتقوسة الأنبوبية فتنتمي إلى جنس سيكم Caecum، يبدأ هذا الكائن حياته كقوقعيّة دقيقة عادية ملتفة ومن ثم يأخذ بالنمو في اتجاه واحد فقط، وفي أسفلها يظهر قرن متآكل لكبش بحري skeneopsis planorbis. وبالقرب من وسط الصورة توجد بلورة كبيرة الحجم من الميكا السوداء الذهبية، أما القضيب البني الضارب إلى الحمرة الموجود فوق بلورة الميكا فهو شوكة لإسفنج أو لأحد قنافذ البحر. |
شاطئ سيڤن مايل، دونگارا، أستراليا بجوار شاطئ سيڤن مايل في قنال جيلڤنك يمتد رصيف قاري ضحل يزخر بالحياة التي تنشأ في المحيط الهندي. وتبين هذه الصورة بوضوح العديد من الأصداف والمرجانيات الصغيرة الحجم. ومن الأشكال الجلية المبينة في الصورة شويكات الإسفنج الثلاثية المحاور، وأصداف كروية الشكل لاتزال في مرحلة مبكرة من نموها. وتعود هذه القواقع والأصداف لمعديات الأرجل ولذوات المصراعين. |
سيفورد، إنگلترا |
تاكيتومي شيما، جزر ريوكيو، اليابان تشتهر بعض الجزر اليابانية الجنوبية برمالها النجمية الشكل، فحبيبات الرمل النجمية هي أصداف المنخربات، وهي كائنات مجهرية وحيدة الخلية تزخر بها محيطات العالم، والوسيلة الوحيدة لتصنيفها هي من خلال دراسة أصدافها. وتحتوي هذه العينة بشكل أساسي على النوع Baculogygypsina sphaerulata، وهنالك أيضا صدفة مستديرة لإحدى المنخربات من النوع Amphistegina madagascariensis (في أعلى يمين الصورة)، وكذلك قوقعة حلزونية زجاجية لإحدى معديات الأرجل (في يسار وسط الصورة). |
إنديان كي (الشعاب الهندية)
فلوريدا |
جزيرة ليفوكا، مجموعة هابي
تونگا، جنوب غربي المحيط الهادي |
شاطئ سيڤن مايل (الأميال السبعة)
دونگارا، أستراليا |
تاكيتومي شيما
جزر ريوكيو، اليابان |
جزيرة ليفوكا ـ مجموعة هاپي، تونگا، جنوب غربي المحيط الهادي |
المؤلفان
Walter N. Mack – Elizabeth A. Leistikow
مصغرة 32 مرة
يجمعهما اهتمامهما لفترة طويلة بموضوع الرمل. تلقى ماك (في اليسار) تعليمه في مجال علم الأحياء المجهرية، وحصل على الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو عام 1947، وعمل مدرسا في جامعة ولاية ميتشيگان لمدة تجاوزت 30 عاما، وتقاعد عام 1977. وتعود هوايته وافتتانه بالرمل إلى وقت مبكر من حياته المهنية عندما كان في إجازة على شاطئ بحيرة ميتشيگان، ومنذ ذلك الحين قام بمساعدة أصدقائه ومعارفه بجمع حبيبات الرمل من كافة أصقاع الأرض، وكان يضعها تحت المجهر لتصويرها ودراستها. أما ليستيكاو فقد تتلمذت على يد ماك، وحصلت على إجازة في الطب وعلى الدكتوراه من جامعة ولاية وين، وتعمل في الأنظمة الصحية FSH/Mayo في لاكروس بولاية وسكنسن.
Scientific American, August 1996
(1)الحوية :حجرة في صدفة حيوان بحري.(التحرير)