الدقيقة للبندقية، إلى الدراجات والسيارات. ولكن هل وجد
أي من إبداعات ليوناردو طريقه إلى التطبيق أثناء حياته؟
<V. فولي>
تقول الأسطورة إن الفنان والمخترع الإيطالي الكبير ليوناردو داڤينشي كان يردد عند احتضاره «أخبروني إن كان أحد اختراعاتي قد وجد طريقه إلى التطبيق.» وعلى الرغم من أن المؤرخين يتحفظون حول دقة هذه الرواية، فإن هذه المقولة تَرِد في مذكرات ليوناردو، وهذا يوحي بأنه كان يتأسف لأنه لم يستطع أن يحقق في حياته أكثر مما فعل.
إن السؤال عن مقدار ما حققه ليوناردو خلال حياته التي امتدت 67 عاما (1452 – 1519) ظهر من جديد لدى العلماء المعاصرين المختصين بهندسة عصر النهضة. وعندما نُشرت مخطوطات ليوناردو لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر دُهِش القراء من كثرة الصفحات المكتظة بالاختراعات التي لم تنفذ إلا بعد مئات السنين، ولكن ما إن انتصف القرن العشرون حتى حدث تحوُّل في وجهات النظر. فالمؤرخون من أمثال <B. جيل> و<L. أولشكي> أشاروا إلى أن ليوناردو يدين كثيرا للمخطوطات الهندسية التي تركها علماء عصر النهضة الذين سبقوه وإلى أنه كان عنصر استخراج أو اشتقاق فقط.
تصميم دولاب (عجلة) الإغلاق من مجموعة مخطوطات الأطلسي Codex Atlanticus لليوناردو داڤينشي (أعلى الصفحة المقابلة). يبين الشكل قطاعا مستعرضا يمر بمنتصف محور الدولاب. عند إعداد (تجهيز) البندقية بدولاب الإغلاق استعدادا لإطلاق النار (في الأعلى)، يجري إنزال ملزمة قابضة على حجر من پيريت الحديد إلى أن تحتك بالدولاب الذي يتصل بالنابض الرئيسي بوساطة سلسلة قصيرة (ذات حلقات مسطحة) متصلة بمحور الدولاب. يثبت الدولاب في موضعه أثناء الصلي بوساطة لُسين أمان (متراس). عند سحب الزناد يعتق المتراس ويبدأ الدولاب بالدوران وحك حجر پيريت الحديد، مما يولِّد شرارات.
بدأت سمعة ليوناردو تستعيد مكانتها بعد اكتشاف المزيد من مذكراته في الستينات من هذا القرن، وقد نُشرت بعنوان «مجموعة مخطوطات مدريد». وجدير بالذكر أن الناشر الأصلي للمخطوطات ـ المؤرخ الإيطالي <L. ريتي>، وخليفته <A. مارينوني> إضافة إلى المؤرخ والجامع الثري الأمريكي <B. ديبنر> ـ وجدوا جميعا في المذكرات أمثلة عن التصاميم الأصيلة والأعمال التجريبية التي وضعها ليوناردو. وأزاح الباحثون الستار عن براهين بأن أعمال صُنّاع ذلك العهد تضمنت بعضا من أفكار داڤينشي في مشروعاتهم الخاصة.
ومع ذلك، يبقى السؤال قائما عما إذا كان أي من اختراعات ليوناردو الأساسية قد خرج من حَيِّز الورق إلى مجال التنفيذ العملي في حياته. ويبدو أن هناك واحدا على الأقل حقق ذلك، وهو دولاب الإغلاق.
دولاب الإغلاق، المقبض والماسورة
يشكّل دولاب الإغلاق وسيلة ميكانيكية توفر الشرارة اللازمة لإشعال المركبات القابلة للاشتعال، وعلى وجه الخصوص البارود. وفي تصميم حديث يمكن تعرّف دولاب الإغلاق في معظم ولاعات السجائر، أما في عصر ليوناردو فإن دولاب الإغلاق كان يستخدم أساسا في الأسلحة النارية الصغيرة، مثل البندقية التي يمكن حملها وإطلاقها بوساطة فَرْدٍ واحد. وكانت هذه البنادق تتكوّن من ثلاث قطع: المفجّر المعروف والمقبض الخشبي والماسورة. تقوم الماسورة الأسطوانية الطويلة للبندقية باحتواء مسحوق البارود والطلقة، وبتوجيه القذيفة عند إطلاق البندقية. ويثبّت جهاز الغلق في مؤخرة الماسورة، أما المقبض (الدبشك) فيشكل الجزء الخشبي للبندقية، وهو الذي يمسك القطعتين الأخريين معا.
إن بعض مكونات دولاب الإغلاق تشبه تلك المستخدمة في أقفال الأبواب، ولعل هذا التماثل هو الذي أدى إلى تسميتها بهذا الاسم. يتألف دولاب الإغلاق من دولاب من الصلب وسلسلة متصلة بمحوره تربط الدولاب بنابض قوي. وتقوم كل من السلسلة والنابض بلف الدولاب صعودا إلى الأعلى استعدادا للإطلاق (فتح النار)، وبمجرد وصول حركة اللف إلى أقصى مداها، تقوم سقّاطة (غالبا ما تُعرف بلسين الأمان، أو المتراس) بتثبيت الدولاب في مكانه حتى يُعتق عند شد الزناد (المقداح)، وعندئذ يشرع الدولاب بالدوران فيحتكُّ بحجر صلب، يكون عادة من پيريت الحديد (حجر أصغر من الكبريت والحديد) مضغوط بشدّة على الدولاب الدوار بوساطة نابض ثان. وخلال هذه العملية، يؤدي الاحتكاك الداخلي إلى تسخين الفتات الناتج من الحك إلى حدّ التوهج. هذا، وينحشر الجزء العلوي من حافة الدولاب في مخزن البارود من خلال شقب ضيق عند قاعدته، وتؤدي الحرارة الناجمة عن الشرارات إلى إشعال النار في شحنة من مسحوق البارود داخل المخزن.
تُبيِّنُ رسومات تخطيطية من مجموعة مخطوطات الأطلسي طرازين من مكونات دولاب الإغلاق هما النوابض الملولبة وعدد من السلاسل ذات الوصلات المسطحة تظهر بحبر ضعيف نازف من الجانب الآخر. ويبدو أن النوابض الملولبة استحوذت على اهتمام ليوناردو؛ إذ إنها أقل حجما من تلك المسماة بالنوابض الورقية المسطحة التي كانت شائعة في وقته. وفي أعلى الصفحة رسم داڤينشي سلسلة من الأزاميل التي لها شكل V والتي تتسع زواياها إذا انتقلنا من اليمين إلى اليسار (كان ليوناردو أعسر، يكتب من اليمين إلى اليسار). وفي أسفل اليمين، يظهر شكل جانبي للإزميل، الثاني من المجموعة، مع الشكل V ظاهرا على السطح السفلي للإزميل، حيث يبدو وهو يقوم بالقطع عند حافة الدائرة ـ من المحتمل أن تكون دولاب إغلاق. ولقد استخدم المؤلف أزاميل مماثلة لإعادة تخليق الحزوز (الصورة المتداخلة) التي كثيرا ما تظهر حول حواف دواليب الإغلاق في التصاميم السابقة.
وعلى الرغم من أن عددا من المخططات التي أنجزها ليوناردو، والتي مازالت موجودة حتى يومنا هذا، دفع بعض المؤرِّخين إلى القول بأن داڤينشي هو مخترع دولاب الإغلاق، فإن البعض الآخر من المؤرخين لم يوافق على ذلك. يقول المنكرون إن أقدم إنتاج موثّق لدولاب الإغلاق قد تم في بلاد أبعد شمالا، في ما يعرف اليوم بألمانيا، وقد خَلُص هؤلاء الباحثون إلى أن ليوناردو لا بد وأن يكون قد رسم تصميمه الخاص بدولاب الإغلاق بعد سماعه عن التطورات الألمانية في هذا الشأن.
وإلى أمد قريب، لايزال البرهان المتوفّر حول هذا الموضوع غير قاطع. فالرسومات الألمانية الأولى لدواليب الإغلاق، التي ترجع إلى بداية القرن السادس عشر، تعود إلى تاريخ قريب من تاريخ تصاميم ليوناردو. والمراجع المدونة حول الدولاب، وكذلك العدد القليل المتبقي من البنادق، هي أيضا لا تساعد على التفسير. وعلى الرغم من ذلك، فإن توجها حديثا لهذه المشكلة يقدم دليلا ثبوتيا على أن ليوناردو يستحق أن يُنسب إليه فضل التوصل إلى هذا الاختراع، حيث إنه بدأ العمل على دواليب الإغلاق في عام 1493 أو نحو ذلك.
السلاسل والأزاميل
(الأجنات) chisel
قمت، بشكل خاص، بتحليل دواليب (عجلات) الإغلاق الأولى من وجهة نظر ميكانيكية، وقد أوليت عناية خاصة لشكل كل عنصر من المكونات. ويبدو أن داڤينشي استعمل مكوّنات من ماكينات أخرى كان قد عمل عليها في ثمانينات وتسعينات القرن الخامس عشر ـ مثل أقفال الأبواب والدراجات ـ وقام بتجميعها بطريقة جد مبتكرة لينشئ دولاب الإغلاق.
لنأخذ أولا صفحة من مجموعة مخطوطات الأطلسي (الأطلنطي) CodexAtlanticus، وهي مجموعة أخرى من مخطوطات ليوناردو موجودة حاليا في ميلانو. إن هذه الصفحة [انظر الشكل في الصفحة المقابلة] تشتمل على رسومات تخطيطية لأنواع من السلاسل والنوابض الموجودة في دواليب الإغلاق، ويُجمع كل تلاميذ داڤينشي على أن هذه الرسومات تثبت أنه كان على دراية بهذه الوسيلة. وتشتمل هذه الصفحة كذلك على رسوم لأزاميل لها الشكل V لقطع الخشب، ويبدو أن ليوناردو كان يحاول تطويع الأزاميل لقطع المعادن.
إن الأزاميل التي رسمها ليوناردو تستحق عناية خاصة. فالشكل V في هذه الأزاميل كان من الممكن أن يحفر حزّا على هيئة V (مثل سن اللولب) عند حافة الدولاب. وحافات دواليب الإغلاق كانت ـ في النماذج الأولى منها ـ تحمل عددا من هذه الحزوز. يضاف إلى ذلك، أن الحواف كانت تحمل عادة مجموعة ثانية من الحزوز شديدة الضيق يجري إحداثها بوساطة المبرد، وتتقاطع مع الأسنان المخلّقة حول الحافة، ويتم ضبط التباعد بينها بحيث تكوِّن عمليا، مجموعة صغيرة من الأسنان شبيهة بأسنان المنشار الدوّار. يبدو للوهلة الأولى أن هذا الترتيب شديد التعقيد دون داعٍ حقيقي، لأن كل سن من الأسنان كان يتم حفرها على حدة في مخزن البارود، كما أن الحزوز المستعرضة يمكنها أن تُحدث تداخلا يسيء إلى حسن الاشتعال.
إلا أن فوائد هذا التصميم ظهرت عندما اختبرتُ بضع عينات من الدواليب، ووجدتُ أن الأسنان تبدو في الواقع شبيهة بأسنان منشار أو أداة قطع معادن دوارة. فالدولاب يمكنه ـ في الواقع ـ أن يحفر شقبه الخاص عند قاع المخزن المعدني الحامل لمسحوق البارود مما يؤمن تداخلا محكما بينهما. وارتباط وثيق كهذا هو في غاية الأهمية، لأن بارود التحضير (الذي يشعل الفتيلة) فائق النعومة، وإذا ما تلقّت البندقية صدما أو دفعا (إذا كان السلاح مع شخص على ظهر حصان، مثلا) فإن المسحوق يتناثر خارجا من خلال أية فُرجة بين الدولاب والمخزن. وعلى الرغم من أن المناشير التي ترجع إلى القرن الخامس عشر بطيئة ـ حيث إنها تستغرق عدة ساعات لتنجز ما تنتجه أدوات القطع الحديثة في ثوان ـ فإن درجة دقتها لا تقل جودة عما تؤمنه التقانة المعاصرة، وليس من العسير، بالنسبة لها، إبقاء التفاوت المسموح به في الأبعاد أقل من 3.0 ملّيمتر (0.01 بوصة).
إن رسومات أقفال الأبواب التي عُثر عليها في مجموعة مخطوطات مدريد يرجع تاريخها إلى أيام عمل الفني الألماني جيليو تدسكو مع ليوناردو داڤينشي في ميلانو، حيث تبين هذه الرسوم قضبانَ سقَّاطةٍ جرى تصميمها لتحفظ المثبت مفتوحا في مواجهة الضغط الواقع عليه من نوابض الإغلاق القوية. وتشبه هذه القضبان المِتْراس (عنصر الأمان) المستعمل في دواليب الإغلاق. ويحمل كلا الطرازين من القضبان نتوءات بارزة مثلثة الشكل ومثلّمة، وكذلك أوتاد تثبيت بارزة أقصر وأصغر، تبقي آليات الصلي في مكانها.
وقبل هذا الاكتشاف، كان تأريخ أول استعمال لأدوات قطع المعادن الدوارة يعود إلى أربعينات القرن السادس عشر بعد وفاة ليوناردو بزمن طويل. لذا، يبدو أنه يجب الاعتراف لليوناردو بفضل تطوير هذه الأدوات القاطعة، والتي تعتبر إنجازا عظيما بالنظر إلى ماكينة التفريز (الفارزة) الحديثة التي تتضمن هذه الأداة القاطعة، والتي تعد واحدة من أهم وسائل الإنتاج في وقتنا الحاضر.
وعلى الرغم من أن عمل ليوناردو بالنوابض والسلاسل والأزاميل يُظهر بالتأكيد درايته بمكونات دولاب الإغلاق، فإن السؤال يظل قائما عن تاريخ تجميعها لاختراع هذه الوسيلة. ففي عام 1493 أدخل ليوناردو في خدمته <G. تدسكو> (يعرف كذلك باسم جول الألماني) الذي عمل لعدة سنين فنيا في مشغل ليوناردو بميلانو. ولا يعرف الباحثون على وجه الدقة متى ترك تدسكو مدينة ميلانو، إلا أن ذلك ربما لم يتأخر عن عام 1500. وتشير ملاحظات من ليوناردو إلى أن تخصص تدسكو شمل أقفال الأبواب وغيرها من الآليات الميكانيكية التي تستخدم النوابض، كالأقواس المتعارضة وأدوات القص.
شركاء في التصميم
إن رسومات ليوناردو التي تزامنت مع بدء استخدام أقفال الأبواب والصناديق، تحتوي على مكونات تشابه إلى حد كبير، أشكال أجزاء دولاب الإغلاق، مما يوحي بأن هذا الدولاب تم تطويره بوساطة ليوناردو وتدسكو اللذين عملا معا في منتصف تسعينات القرن الخامس عشر. يضاف إلى ذلك، أن هناك احتمالا بكون جول الألماني قد أخذ تصميم دولاب الإغلاق وعاد به إلى موطنه بعد أن ترك ليوناردو، الأمر الذي يُظهر كيفية وصول هذا الابتكار إلى شمال أوروبا في مطلع القرن السادس عشر.
تظهر أجزاء الدراجة من جديد في دواليب الإقفال عند ليوناردو، فالمسننات والسلاسل في أعلى الرسم (من مجموعة مخطوطات مدريد) تبدو شديدة الشبه بالسلاسل التي تصل العمود بالنابض الرئيسي في دولاب الإغلاق، وقد أنشأ تلميذ سابق للمؤلف هو <K. ديتسمان> نموذجا متحركا لدراجة (الصورة العلوية المتداخلة)، وذلك بإدخال الكثير من المكونات الأخرى الواردة في مذكرات ليوناردو. يظهر نظام التوجيه في الصفحة المقابلة، والكوابح الشريطية في أسفل هذا الرسم. هذا وتعمل هذه الكوابح مثل نظيراتها المعاصرة بترك الدراجة تسير بلا انزلاق من دون استعمال الدواسات، كما أنها تسمح للراكب بالتوقف. أما شكل الكوابح الشريطية المستعملة فيظهر من جديد في دواليب الإغلاق المبكرة (الصورة السفلية المتداخلة).
وحديثا، توصّل المؤرخ <C. بلير> (الذي كان يعمل في متحف ڤيكتوريا وألبرت سابقا) إلى اكتشاف إثباتات إضافية تدل على أن داڤينشي اخترع دولاب الإغلاق، وقد قرر بلير أن صناعة دواليب الإغلاق بدأت عام 1510 على الأكثر، وذلك في مدينة سيڤيديل الواقعة في ولاية فريولي بشمال إيطاليا. ومن المحتمل أن يكون ذلك قد تم قبل هذا التاريخ ببضع سنين، ولقد مكث ليوناردو في فريولي ردحا من الزمن مشتغلا بالإشراف على تحصينات القلاع حتى سنة 1500 على أكثر تقدير، متقدما بذلك على أي ادعاء ألماني باختراع هذه الآلية.
إن زَعْم ليوناردو بالسبق إلى الاختراع لم يكن السؤال الوحيد الذي يمس هذه البحوث في أصول دولاب الإغلاق. فقد تعلمت كذلك جانبا من كيفية قيام ليوناردو بالاستعارة من الماكينات القائمة وإعادة ترتيب مكوناتها لإنتاج أجهزة جديدة. ويمكن تعرّف هذا الأسلوب بكل وضوح عند إنعام النظر في الرسومات التخطيطية التي رسمها ليوناردو لأقفال الأبواب والدراجات.
ولفتح الأقفال التي صمّمها والتي تركّب في الصناديق والأبواب، على الرغم من نوابض الإغلاق القوية، لجأ ليوناردو في بعض الأحيان إلى تصميم أقفاله بحيث يزودها بما يسمى بخوابير الصلي، التي كانت منفصلة عن المفاتيح اللازمة لفتح الآلية، وكانت تستخدم لزيادة ضغط النوابض في القفل. وهذه الخوابير كانت عادة على شكل الصامولة (الصمّولة) المجنحة أو صامولة الفراشة، وغالبا ما كان يزود كل جناح بعدد من الفتحات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض دواليب الإغلاق السابقة كانت أيضا مزودة بمثل هذه الخوابير التي تتصل بالدولاب بغية صلي القفل. ثمة تشابه آخر بين أقفال الأبواب ودواليب الإغلاق عند ليوناردو يمكن ملاحظته في السقّاطات الماسكة للنوابض في حالة إجهادها، ففي رسومات ليوناردو لكل من أقفال الأبواب ودواليب الإغلاق [انظر الشكل في الصفحة 23] تتكون السقاطات من قضيب يحمل على أحد جانبيه نتوءا بارزا ومثلَّما، مثلث الشكل، مع وتد تثبيت إضافي صغير.
تقانة عصر النهضة
بعد عرض تم في باريس وفلورنسا، افتتح في مدينة نيويورك معرض «عجائب الميكانيك: الاختراع في عصر ليوناردو» وذلك في الشهر 10/1997 بصالة عرض ليبرتي ستريت في مركز العالم المالي. قدم العرض الذي يستمر حتى الشهر 3/1998 خمسين نموذجا عاملا لآلات تم تصميمها (ولكن لم يتم تنفيذها دائما) بوساطة عدة مخترعين بارزين من عصر النهضة. ونبيّن هنا بعض الاختراعات التي أعيد تنفيذها بغرض العرض. المحررون
وعمل ليوناردو كذلك على تصميم الدراجة في التسعينات من القرن الخامس عشر، حيث تظهر السلاسل ذات الوصلات المسطحة وآليات الكبح في دراجته، وتظهر مرة أخرى في دواليب الإغلاق التي اخترعها. وقد ورد رسم بدائي لدراجة في مذكرات ليوناردو كان قد نُسب إلى أحد تلامذته، إلا أنه يُعتقد أن ذلك يعكس عملا سابقا على الدراجة وأجزائها. وهناك عدة مشكلات تتعلق بهذا الرسم، لا سيما ما يخص الدواسات ونظام التوجيه وآلية سلسلة القيادة.
قمتُ مع عدد من تلامذتي السابقين في جامعة پردو (<E. بِلسْمان> و<J. بريانت> و<K. ديتسمان>) بتفسير رسوم إضافية ترجع إلى السنوات العشر الأواخر من القرن الخامس عشر رسمها داڤينشي بيده، وتمكنا بوساطتها من إعادة بناء نظام توجيه لدراجته على جانب لا بأس به من التعقيد. تبيّن صفحتان من مجموعة مخطوطات مدريد Codex Madrid مكونات جهاز التوجيه وتصاميم تجريبية لسلسلة القيادة. يضاف إلى ذلك، أن ليوناردو رسم ما يبدو كأنه مجموعة من الكوابح الخلفية لدراجته التي تمكِّنها من السير بلا انزلاق من دون تشغيل الدواسات [انظر الشكل في الصفحة 24]. وجدير بالذكر أن كلا من آليات سلسلة القيادة والنابض الكابح في دراجة ليوناردو عادت إلى الظهور مرة أخرى في دواليب الإغلاق الواردة في التصاميم السابقة.
إن اختراع دولاب الإغلاق يعتبر إنجازا حقيقيا على قدر بالغ من الأهمية، إذ إن أقفال البنادق السابقة ـ على وجه التحديد القفل المتوافق ـ كانت تعتمد على مصادر حرارية خارجية كخشب أو فحم متوهج لدرجة الاحمرار، أو ثقاب مشتعل بقصد إضرام النار في مسحوق البارود. وبعد إدخال دولاب الإغلاق، أمكن إخفاء البندقية وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بها جاهزة للعمل الفوري من دون الحاجة إلى انتظارٍ لإشعال الثقاب. إن هذا التقدم باتجاه إنتاج بنادق أكثر ملاءمة أدى، وبصورة نهائية، إلى تغيير الدور الذي تقوم به هذه الأسلحة في المجتمع.
إن أول حادث مسجل لتفريغ شحنة بندقية ـ وهو حادث كان قد أصبح ممكنا باختراع دولاب الإغلاق ـ وقع سنة 1515 في مدينة كونستانس بألمانيا، وذلك طبقا للتقرير الأصلي الذي أورده كاتب معاصر هو الألماني <W. رِم>، حيث يتحدث عن أن رجلا يُدعى <L. بفيستر> استأجر عاهرة و«عندما كانت معه في غرفة صغيرة أمسك الرجل بيده بندقية محشوة، وكان جهاز الإقفال فيها يعمل بشكل أنه عندما يُضغط على آلية الإشعال يحدث اشتعال ذاتي وتنطلق القطعة (الطّلْقة)». كان بفيستر يلهو بالبندقية عندما انطلقت منها طلقة لتصيب المرأة في ذقنها. وكانت العقوبة أن يقوم الرجل بسداد المطالبات الطبية، وأن يوفر للمرأة دخلا ثابتا في كل عام طوال بقية حياتها.
إن العدد المتزايد من البنادق ذات دواليب الإغلاق، التي يُلوِّح بها قُطّاع الطرق وغيرهم من اللصوص والفارين من وجه العدالة، دفعت السلطات إلى إصدار قوانين لمنع إنتاج وتشغيل دواليب الإغلاق. بيد أن الدلائل تشير إلى أن كلا من صنّاع الأسلحة الصغيرة والمتعاملين بها تحايلوا على هذه القوانين، وصارت الجهود المبذولة للسيطرة عليها غير كافية على المدى البعيد. ثمة عوامل مادية كالثمن ومدى الاعتماد وحجم الطلب على البنادق ذات دواليب الإغلاق دخلت في الاعتبار وحددت كيفية استخدام هذه الوسائل.
وعلى مدى القرون منذ عصر ليوناردو كان للتقدم في صناعة البنادق أثر في مجالات أخرى. والتأثيرات الأكثر أهمية هي ـ بكل تأكيد ـ تقانة الإنتاج على نطاق واسع باستخدام المكونات التبادلية. ومن البدايات المتواضعة كتركيب دولاب دوار في مخزن البارود فإن الكثير قد تحقق وتطور. وتساؤل ليوناردو عما إذا كان قد تم تحقيق أي شيء على الإطلاق يمكن الإجابة عنه بالإيجاب، وبكل تأكيد.
المؤلف
Vernard Foley
يدرِّس مقررات في تاريخ العلم والهندسة بجامعة پردو. تشمل اهتماماته تطوّر تقانات الإنتاج وتطور الفكر الاقتصادي، فضلا عن قضايا تتعلق بالأمريكيين الأصليين والبيئة. وهو متأثر بوقع التقانة على العلم البحت، ويخلص إلى أن الوسائل التي أُنشئت في الماضي تستطيع إيصال مفاهيم لا يمكن التوصل إليها بطريقة أخرى.
مراجع للاستزادة
LEONARDO DA VINCI UND DAS FAHRRAD. (English summary included.) Vernard Foley, Edward R. Blessman and James D. Bryant in Technikgeschichte, Vol. 50, No. 2, pages 100-128;1983.
LEONARDO, THE WHEELLOCK, AND THE MILLING PROCESS. Vernard Foley, Steven Best, David Cassidy and E. Charles Logan in Technology and Culture, Vol. 24, No. 3, pages 399-427; July 1983.
THE INVENTION OF THE WHEELLOCK. Vernard Foley in Journal of the Arms and Armour Society, Vol. 11, No. 4, pages 207-248;1984.
NEW LIGHT ON THE EARLY HISTORY OF THE WHEELLOCK IN ITALY. Claude Blair in Waffen- und Kostumkunde, Vol. 37, Nos. 1-2, pages 27-52;1995.