أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

مراقبة أنقاض البعثات الفضائية والتحكم فيها


مراقبة أنقاض البعثات الفضائية والتحكم فيها(*)

كان الطريق من سپوتنيك إلى المحطة الفضائية

الدولية مكتظا بنفايات التقانة العالية، وهذا

سبَّب مشكلة بيئية في الفضاء الخارجي.

<L .N . جونسون>

 

منذ أن بزغ عصر الفضاء قبل أربعة عقود خلت، حملت الصواريخ أكثر من000 20 طن متري من المواد إلى المدارات المخصَّصة لها. وفي الوقت الحاضر بقي منها 4500 طن على شكل نحو000 10 «جسم فضائي»، علما بأن فقط خمسة في المئة منها هي سفن فضائية عاملة. وهذه الأجسام ما هي إلا تلك الأجسام الكبيرة التي يمكن للمقاريب والرادارات العسكرية تعقبها. وما يحظى باهتمام متزايد من قبل مشغًّلي السفن الفضائية هي ملايين القطع الصغيرة التي لا يمكن تعقبها والتي تتناثر في مدارات واقعة في الفضاء القريب من الأرض مرتفعة فوق سطحها مسافات تمتد من بضع مئات من الكيلومترات فقط إلى أكثر من000 40 كيلومتر (000 25 ميل).

 

ولو كانت هذه القطع الصغيرة التي تدور حول الأرض تتحرك كتلك الحشود من الأقمار الصغيرة جدا التي تدور حول المشتري أو زحل، لكان هذا شيئا جميلا. فحلقات الكواكب العملاقة موزعة توزيعا جيدا، والصخور وقطع الجليد الضخمة التي تتكون منها تدور حول هذه الكواكب بأنماط متسقة، كما أن التصادمات بينها تحدث بسرعات معتدلة. بيد أن سواتل(1) الأرض شبيهة بالنحل الهائج حول خلية من خلاياه، ويبدو أنها تتحرك عشوائيا في جميع الاتجاهات. ومع أن كثافة هذه السواتل منخفضة إلى حد ما، إذ إن المنطقة المحيطة بالأرض مازالت تعدّ خلاء بأي مقياس أرضي، فإن السرعات النسبية للحركات العشوائية لهذا الحشد من السواتل تبلغ قيما هائلة حين تصادمها. فتصادم سفينة فضائية بحصاةٍ قطرها سنتيمتر واحد يمكن أن يدمر هذه السفينة، بل إن اصطداما بحُبَيبة واحدة قطرها ملّيمتر واحد يمكنه تحويل بعثة فضائية(2) إلى حطام.

 

هذا وإن النفايات التي تنشأ خارج الأرض تتخذ أشكالا عدة: فقد تكون سفينة فضائية توقفت عن العمل، أو أجساما من الصواريخ تم إهمالها، أو تجهيزات إطلاق تم التخلص منها، أو مخلفات حطام السواتل، أو عوادم صواريخ تدفعها محركات تعمل بالوقود الصلب، أو موادَّ كانت موجودة على سطوح السفن الفضائية كالطلاء، أو حتى قطيرات تسربت من مفاعلات نووية [انظر الشكل a في الصفحة 355].

 

ومع أن أكثر من 4800 سفينة فضائية وُضِعت في مداراتها، فلم يبق منها هناك إلا نحو 2400 فقط، إذ إن الباقي دخل ثانية إلى جو الأرض واحترق. ومن السفن الفضائية التي مازالت تدور حول الأرض، أُهمل 75 في المئة منها بعد أن أنهت مهماتها. وتقع أوزان معظمها بين كيلوغرام واحد وعشرين طنا، علما بأن وزن محطة مير Mir الفضائية الروسية يتجاوز الآن 1155 طنا. وأقدم هذه الأجسام، والذي يُعد من أصغرها، هو ساتل أمريكا الثاني «ڤانگارد 11»Vanguard، الذي أُطلق إلى الفضاء في 17/3/1958، ولكنه لم يعمل سوى ست سنوات فقط.

 

وإضافة إلى السفن الفضائية التي تسبح في مداراتها، فإن معظم البعثات الفضائية تترك أيضا مرحلة واحدة أو أكثر من الصاروخ المتعدد المراحل الذي يدفعها إلى مداراتها. وعلى سبيل المثال، إن الساتل الياباني «هيماواري 3» المخصص لدراسة الطقس والذي أُطلق عام 1984، نبذ ثلاث مراحل من الصاروخ الذي حمله: أولاها في مدار أرضي منخفض ارتفاعه يتراوح ما بين 170 و535 كيلومترا، والثانية في مدار قريب من مدار الساتل، وهو مدار دائري متزامن مع دوران الأرض ويرتفع فوق سطحها 35 785 كيلو مترا، والثالثة في مدار متوسط له شكل إهليلج متطاول يرتفع فوق سطح الأرض ما بين 175 و36 720 كيلومترا. وقد سقط اثنان من هذه الأجسام الصاروخية على الأرض، أحدها عام 1984 والآخر عام 1994. بيد أنه بحلول عام 1998 سيظل قرابة 1500 من المراحل الصاروخية الأخيرة العاطلة حائمة فوق رؤوسنا في السماء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008506.jpg

نرى في هذا الرسم، الذي هو من وحي خيال أحد الفنانين، عزقات ومسامير ملولبة وملازم وأسلاكا وأشياء أخرى متخلفة في مدار صاروخ قديم متحطم. وعلى مر الزمن ينتشر الحطام وتقل كثافته. وتقوم الرادارات والمقاريب العسكرية بتعقب القطع الكبيرة من الأنقاض (في الأعلى). وتمثل النقاط البيضاء هذه الأجسام (التي لم تمثَّل بمقياس رسم الأرض).

 

في الربع الأول من قرن عصر الفضاء، لم يُعِر مصممو السفن الفضائية اهتماما يُذكر للآثار البيئية لما يصممون. فإضافة إلى السفن الفضائية المهجورة والصواريخ المتخلفة(3)، كانت مركِّبات components صغيرة تُقذَف روتينيا في الفضاء: فكانت محازيق متفجرة(4) ونوابض وملازم تُحرَّر عند انفصال السواتل عن الصواريخ التي أطلقتها. كذلك، فقد لفظ كثير من السفن الفضائية أغطية مُحِسَّات sensors  أو أجهزة لضبط وضع هذه السفن. وقد أطلقت بعض البعثات الفضائية الروسية أكثر من 600 جسما مختلفا في مسارات متنوعة. وربما كانت أكبرَ قطعة من التجهيزات المتخلفة – وهي قطعة قطرها أربعة أمتار وكتلتها 300 كيلوغرام – هي النصف العلوي من الجهاز سپيلداSPELDA Structure Porteuse Externe Pour Lancements Double Ariane الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية والذي يستعمل لإطلاق عدة سواتل بصاروخ وحيد من نوع أريان Ariane.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008507.jpghttp://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008508.jpg

 

الشهر 3/1997          الشهر 9/1996          الشهر 6/1996

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008509.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008510.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008511.jpg

تتشتت مدارات الأنقاض بعد تحطم الساتل بسرعة. فبعد انقضاء ثلاثة أسابيع على تمزق صاروخ بيگاسوس في الشهر 6/1996، بقي حطامه مركَّزا في شريط ضيق (في اليسار). وبعد ثلاثة أشهر من ذلك بدأ اللاتناظر الطفيف في حقل الأرض التثاقلي يُكَبِّرُ الفروق بين المدارات الابتدائية لعناصر الحطام (في الوسط). وبعد تسعة أشهر انتشر الحطام في مدارات عشوائية (في اليمين). وزيادة على ذلك، فإن هذه العناصر كانت تسير في البداية في مدارات ملتزّة إلى بعضها ثم تفرقت. ويتعين على المتخصصين بالحطام الفضائي أن يُدخِلوا هذا السلوك في حسبانهم عندما يقيّمون الأخطار التي تتعرض لها السفن الفضائية والمكوكات. ففي البداية يمكن للمكوك الفضائي تفادي الحطام المركّز، إلا أن احتمال تعرضه لصدمات من اتجاهات مختلفة في وقت لاحق يجب أن يقيّم إحصائيا.

 

هذا وإن الرحلات الفضائية المأهولة أيضا ألقت بعض القمامة خارج المَرْكَبات الفضائية. ففي عام 1965، وخلال أول مشية في الفضاء قام بها أمريكي، أضاع رائد الفضاء <E. وايت> (الذي كان على متن السفينة جِيمِنِي Gemini 4) قفازه. وخلال طيران جيمني في مدارها بسرعة000 288 كيلومتر في الساعة، ربما كان هذا القفاز أخطر شيء صنعته يد الإنسان (وارتداه) على حياة هذا الإنسان. وثمة أكثر من 200 جسم، معظمها على هيئة أكياس قمامة، دُفعت خارج محطة مير في العقد الأول من طيرانها في مدارها. ولحسن الحظ، فبسبب طيران رواد وملاحي الفضاء على ارتفاعات منخفضة إلى حد ما – محصورة بين 250 و500 كيلومتر – فإن الأشياء التي يرمونها سرعان ما تسقط في جو الأرض وتحترق. وقد دخل القفاز الشهير جو الأرض بعد شهر من ضياعه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008512.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008513.jpg

إن السواتل الصنعية، التي يُمكن تحديدها على نطاق واسع كجميع الأشياء التي توضع في مداراتها عن قصدٍٍ أو عن غير قصد، لها أنماط وحجوم مختلفة، بدءا من كونها جسيمات من الطلاء لا تتجاوز أقطارها جزءا من الألف من الملّيمتر، وصولا إلى محطة مير الفضائية التي يبلغ طولها 30 مترا (a). وفي أيامنا هذه تُرْسَلُ إلى الفضاء بعثاتٌٌ جديدةٌ أقل ممّا كان يرسل في الماضي، إلاّ أن الحجم التراكمي للسواتل واصل تعاظمه لأن السفن الفضائية الحديثة ذات حجوم أكبر (b). هذا ولا تتمكن نظم الاستطلاع العسكرية من أن تحدد إلاّ مواقع تلك السواتل التي أقطارها محصورة بين 10 سنتيمترات ومتر واحد (وهذا يتوقف على ارتفاع المسار). وكانت أعداد تلك السواتل ترتفع كل عام باستثناء المرحلة التي كان يتزايد فيها النشاط الشمسي (c). وللخط البياني لكثافة هذه الأجسام التي يمكن تتبعها ثلاث ذرًا على الارتفاعات 850 و1000 و1500 كيلومتر وكذلك ذرًا أصغر على الارتفاعين 000 20 و000 36 كيلومتر – وهي أكثر الارتفاعات المقصودة (d).

 

التحطم ليس بالأمر الذي يصعب فعله

تنجم كبرى المشكلات عن البعثات الإنسالية robotic التي تطير على ارتفاعات عالية، حيث ينتشر الحطام. وتصدر النفايات المتعلقة بالبعثات الفضائية عن أكثر من 1000 جسم معروف، من بينها 80 مجموعة من الإبر أطلقت في الشهر 5/1963 كجزء من تجربة للاتصالات أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية. ومن المفترض أن يكون ضغط الإشعاع الناجم عن ضوء الشمس دَفَعَ بهذه الإبر الدقيقة – التي تعد 400 مليون – خارج مداراتها، ولكن خطأً في نشرها جعلها تتكتل معا لتسير في مدارات يصل ارتفاعها حتى 6000 كيلومتر فوق سطح الأرض.

 

ويمكن الجزم إلى حد بعيد بأن أكبر مصدر للأنقاض الفضائية التي قطرها يتجاوز 0.1 مليمتر هو تحطم السواتل والصواريخ. فمنذ عام 1961 تفجر أو سقط أكثر من 150 ساتلا، إما مصادفة أو عمدا – ونثرت أكثر من000 10 شظية وهي من الكبر بحيث يمكن تعقّبها. وأكثر الشظايا ضررا بيئيا هي مخلفات انفجارات أجسام صاروخية أُُهملت وعلى متنها بعض الوقود. وقد حدث انفجارها، الذي يُفترض أنه نجم عن احتراق ما تبقى من الوقود الداسر(5) أو عن ضغطه المفرط، إمّا بعد بضع ساعات من إطلاقها وإمّا بعد زمن طويل يصل إلى 23 عاما. هذا وإن كل ما يعزِّز قوةَ دفعِ الصاروخِ يكون عادة سريعَ التأثر والانفجار.

 

في 3/6/1996 تحطمت المرحلة الأخيرة من صاروخ بيگاسوس Pegasus الذي أُطلق عام 1994، ونجم عن هذا أكبر سحابة من الحطام سُجِّلت حتى الآن، وهي مؤلفة من 700 جسم. وهذه الأجسام كبيرة إلى درجة تمكِّن من تعقبها في مدارات ترتفع فوق سطح الأرض من 250 إلى 2500 كيلومتر [انظر الشكل السفلي في الصفحة المقابلة]. وقد ضاعف هذا الحادث الفريد فورا من احتمال اصطدام الحطام بمقراب هابل الفضائي الذي يسير في فلك أخفض بمسافة 25 كيلومترا فقط. وقد كَشَفَتْ أرصادٌٌ رادارية ما يقدر بنحو000 300 قطعة من الحطام قطرها أكبر من أربعة مليمترات، وهذا الكِبَرُ كاف لإلحاق الأذى بمعظم السفن الفضائية. وخلال بعثة هابل الثانية، التي انطلقت في الشهر 2/1997، تعيّن على المكّوك الفضائي دِسْكڤري Discovery أن يناور لتفادي شظية من حطام الصاروخ پيگاسوس التي اقتربت مسافة 1.5 كيلومتر من المكوك. كذلك لاحظ رواد الفضاء حُفَرا في تجهيزات هابل وثقبا في أحد هوائياته نجمت بوضوح عن اصطدامه بشظية فضائية قبل عام 1993.

 

وثمة 50 ساتلا مُعرَّضا لتهديد خاص بسبب احتوائها على مواد مشعة موجودة إمّا في مفاعلات نووية وإمّا في مولدات كهرحرارية نووية(6). وفي عام 1978 تحطم الساتل السوڤييتي كوسموس Kosmos 9544، الذي كان يستعمل الطاقة النووية، إثر سقوطه مصادفة على الأرض في شمال كندا حاملا معه  30 كيلوغراما من اليورانيوم المخصّب. وقد صمّم العلماء السوڤييت، لاحقا، سفنًا فضائية تلفظ خزانات وقودها لدى انتهاء مهماتها. ولفظ الوقود يعرِّضه للاحتراق إذا دخل ثانية جو الأرض بدلا من أن يضرب سطح الأرض كقطعة واحد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H05_008514.jpg

يجب على الدروع حماية المركِّبات components الرئيسية في المحطة الفضائية الدولية International Space Station من معظم الأجسام التي هي أصغر من أن يمكن تعقبها، ولكنها كبيرة إلى درجة تمكّنها من اختراق جدران المحطة. وهذه الدروع، خلافا «لحقول القوى» التي تَرِدُ في قصص وأفلام الخيال العلمي، هي حواجز تركّب على سفن الفضاء. وحين اقتراب جسم من سفينة فضاء، يواجِهُ أولا صفيحة من الألمنيوم (سمكها في العادة ملّيمتران)، تسمّى مخففة صدمات ويپل Whipple bumper، تُحطِّمُ القذيفةََ (a). ويُجرى تبطئ الشظايا بصفيحة، أو أكثر، من صفائح كيڤلر (b) Kevlar. وأخيرا ترتد الشظايا عن السفينة الفضائية (c).

 

لقد انتهى هذا البرنامج تماما عام 1998؛ إذ لم تُشَغَّلْ أي مفاعلات نووية في الفضاء منذ ذلك التاريخ، إلا أن المشكلة لم تنته بعد. فخلال تجربةٍ أجرتها الوكالة ناسا عام 1989، رَصَدَ رادارُ گُولْدستُون، في جنوب كاليفورنيا التابعُ لمختبر الدفع النفاث، سحابة كبيرة من قطيراتٍ مكونةٍ من الصوديوم والپوتاسيوم (وهي مادة مبرِّدة للمفاعلات تسربت من خزانِ وقودٍ سابق). وقد أيدت رصود لاحقة، أجراها رادار هاي ستاك Haystack – التابع لمعهد ماساتشوستس للتقانة – وجودَ عدد هائل من كرات الصوديوم والپوتاسيوم (ربما كان عددها000 70)، قُطْرُ كلٍّ منها قرابة سنتيمتر واحد، على ارتفاع 900 كيلومتر تقريبا، حيث توجد المفاعلات والخزانات المهملة.

 

إن الأجسام التي قطرها أقل من 0.1 مليمتر ليست بالخطورة التي تمثلها النفايات الأكبر حجما، ولكن كمياتها الكبيرة تُلْحِق بانتظامٍ أضرارا طفيفةً بالسفن الفضائية. ومن الناحية العددية، فإن أكبر قدر من الحطام ينشأ عن عادم الصاروخ الذي يعمل بالوقود الصلب. وحتى لو كان محرك مثل هذا الصاروخ يعمل بدقة فإنه يخلف عددا هائلا (يصل إلى 1020) من جسيمات أكسيد الألمنيوم التي يقدر قطرها بالمكرونات وعناصر من الخبث(7) قطرها نحو سنتيمتر واحد. وعلى الرغم من أن استعمال محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب في الفضاء انخفض خلال السنوات العشر الماضية، فإن المقدار الكلي للأنقاض(8) التي تخلِّفها سنويا ارتفع لأن السفن الفضائية الحديثة الثقيلة تتطلب محركات أضخم تنفث قدرا أكبر من مادة العادم.

 

إن الجسيمات الصغيرة في المدار حول الأرض تتولد أيضا من التفكك الطبيعي الطويل الأمد لمواد السفن الفضائية. فهناك الملايين من جسيمات الطلاء الدقيقة المبعثرة في الفضاء القريب من الأرض. وقد اكتشف علماء الفضاء وجودَ ذيولٍ من رقائق جدّ صغيرة مرافقة للعديدِ من السفن الفضائية وهياكل الصواريخ القديمة. (وبسبب الحركات المداريةِ النسبيةِ لهذه الذيول، فإنها تتقدّم السفن الفضائية ولا تتبعها، ذلك أن سرعة الأنقاض تتزايد فيما تسقط باتجاه الأرض). ومع أن هذه الأنقاض غير مرئية للمحسات عن بعد، فإن شظايا الملاءات الحرارية والمركّبات ذات الأساس الكربوني كبيرة إلى الدرجة التي تسمح برصدها ـ وعلى سبيل المثال، إن الساتل مستكشف الخلفية الكونية CosmicBackground Explorer، الذي أطلقته ناسا، طرح 80 جسما على الأقل من دون فهم سببٍ لذلك.

 

على الرغم من أن بعض علماء الستينات والسبعينات المعنيين بالمستقبل درسوا مشكلات العدد المتزايد من الأجسام التي تسبح في مداراتها، فإن ولادة فرع علمي لدراسة هذا الموضوع لم تحدث إلا بحلول أوائل الثمانينات. ومع أن الوكالة ناسا قيّمت في وقت مبكر يعود إلى عام 1966 أخطار التصادمات المدارية على السفن الفضائية المأهولة، فإن حساباتها لم تتناول إلا الأجسام التي يمكن تعقّبها من دون غيرها. وفي ذلك الوقت لم تتوافر الوسائل للتوثق من عدد الجسيمات الصغيرة.

 

وتُجرى مراقبة القطع الكبيرة من الأنقاض الفضائية بوساطة نفس نظم التعقب التي أنشأتها القوتان العظميان خلال الحرب الباردة لكشف الهجوم الصاروخي وسواتل التجسس التابعة للعدو. وتحتفظ شبكتا استطلاع الفضاءِ في الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي السابق بالكاتالوگيْن الرسميين اللذين يحويان000 10 جسم مقيم في الفضاء. ويقوم خمسون رادارا ومحسا ضوئيا ومحسا كهرضوئيا بإجراء نحو000 150 عملية رصد يوميا لتعقب هذه الأجسام. وبمقدورها تحديدُ مواقع أجسام صغيرة قطرها 10 سنتيمترات على ارتفاعات منخفضة أو قطرها متر على ارتفاعات تصل إلى 000 36 كيلومتر فوق سطح الأرض.

 

وتتوقف الكثافة الفضائية لهذه الأنقاض على ارتفاعاتها، وتبلغ ذروتها في البقاع التي ترتفع عن سطح الأرض 850 و 1000 و 1500 كيلومتر. ففي هذه الارتفاعات يوجد في المتوسط جسم واحد في كل 100 مليون كيلومتر مكعب. وفي الارتفاعات التي تتجاوز 1500 كيلومتر تتناقص الكثافة بازدياد الارتفاع باستثناء المنطقتين اللتين تعلوان سطح الأرض000 20 كيلومتر و 36000 كيلومتر، حيث تتزايد الكثافة بحدة [انظر الشكل d في الصفحة 344]. والتكتل في مدارات خاصة يعكس تصاميم المجموعات المختلفة من السواتل والصواريخ. ولما كانت النفايات تأتي من السواتل، فإن كثافتها تكون أكبر ما يمكن في المناطق التي تتجه إليها هذه السواتل، وهذا يزيد من الأخطار التي تتعرض لها السفن الفضائية التي مازالت تعمل.

 

إن الأجسام التي أقطارها أقل من 10 سنتيمترات، تفلت من مراقبة أولئك الذين يتعقبون السواتل؛ فهي أعتم من أن ترصدها المقاريب وأصغر من أن تكشفها الأطوال الموجية الرادارية المستعملة في أنظمة الاستطلاع. ولم يتم كَشْفُ هذه الأجسام الصغيرة إلا بحلول عام 1984. ومنذ ذلك الحين قام العلماء بتقدير أعدادها بأخذ عيّنات للسماء بطريقة إحصائية طوال مئات الساعات كل عام. وقد استعمل الباحثون راداراتٍ علمية، مثل رادار گولدستون ومقرابًا راديويا ألمانيا وطبق أريسيبو Arecibo dish الضخم في پورتوريكو باستعمال طريقة السكون الثنائي bistatic – وذلك بنقل الإشارات من طبقٍ واستقبال انعكاسات الساتل على هوائي قريب – بغية كشف الأجسام الصغيرة التي يصل قطرها إلى ملّيمترين اثنين. هذا وإن رادار هاي ستاك ورادار هاي ستاك المساعدHaystack Auxiliary  (وهما جهازان تابعان لمشروعٍ مشتركٍ بين الوكالة ناسا ووزارة الدفاع الأمريكية) يمكنهما أيضا كشف أجسام أقطارها قريبة من مليمترين. ولمعايرة المحسّات المستعملة لكشف الأنقاض الصغيرة قام المكوك الفضائي في عامي 1994 و1995 بنشر أهداف خاصة على شكل إبر وكرات.

 

ولدراسة الأجسام الأصغر يتعين على الباحثين فحص السطوح المصدومة في السفن الفضائية التي سحبها رواد الفضاء إلى حجرةِ حمولةِ المكوكِ ثم أعادوها إلى الأرض. وتجدر الإشارة إلى أن السفينة Long Duration ExposureFacility التي أطلقتها ناسا، تعرضت للقصف بعشرات الآلاف من الشظايا الصّنعيّة الصغيرة، وكذلك بأجسامٍ نيزكية طبيعية صادرةٍ عن مذنبات وكويكبات. ومن الأجسام المستهدفة الأخرى الحاملة الأوروبية EuropeanRetrievable “Carrier” والمركبة اليابانية Japanصs Space Flyer Unit وأجزاء من مقراب هابل الفضائي، وبالطبع بعض أجزاء المكوك الفضائي نفسه. وبسبب المدى المحدود للمكوك، فإن جميع هذه الأهداف كانت تطير على ارتفاعات أقل من 620 كيلومترا. وفي حال الارتفاعات الأعلى يتعين على الباحثين الاعتماد على النماذج النظرية. هذا وإن الأعمار المدارية القصيرة للجسيمات الصغيرة في الارتفاعات المنخفضة تقتضي أن تكون المخزوناتُ الكبيرةُ منها موجودة على ارتفاعات عالية.

 

ويقدر الباحثون عموما أنه يوجد أكثر من000 100 جسم تتراوح أقطارها ما بين سنتيمتر واحد وعشرة سنتيمترات تدور في فلك الأرض مع عشرات الملايين من أجسام تتراوح أقطارها ما بين مليمتر واحد وسنتيمتر واحد. والأجسام التي من هذه الحجوم، أو أكبر منها، تكون في معظمها صنعيّة وفي أقلها نيازك طبيعية. وعدد النيازك التي أقطارها محصورة بين 0.01 مليمتر ومليمتر واحد يساوي تقريبا عدد الأنقاض الفضائية التي لها الحجم نفسه؛ أما في الحجوم الأصغر فكفّة الأنقاض هي الأرجح.

 

حوادث ولادة وموت

في العقدين الماضيين، ازداد عدد السواتل التي يُجرى تعقبها بمعدل 175 جسما إضافيا تقريبا كل عام، أي بزيادة سنوية إجمالية نسبتها 70%. ومصدر أكثر من ربع هذه الزيادة هو تحطم السواتل، وأمّا الباقي فمصدره البعثات الجديدة. ومنذ عام 1957 قامت الدول التي توفد البعثات الفضائية بإطلاق ما معدله 120 سفينة فضائية جديدة سنويا. بيد أن هذا النشاط ضَعُف في العقد الماضي. وقد بلغ ذروتَه عام 1984 حين أُطلقت فيه 129 بعثة فضائية، وحضيضَه عام 1996 حين أُرسلت 73 بعثة، وهذا أصغر عدد منذ عام 1963 [انظر الشكل bفي الصفحة 35]. هذا وقد ارتفع معدل البعثات إلى 86 في العام 19977، ويعود ذلك إلى إرسال عشر بعثات لتؤلف مجموعتين من سواتل الاتصالات (هما إيريديوم Iridium وأوربكوم Orbcom).

 

وقد حدث معظم هذا الانخفاض العامّ في البعثات في الاتحاد السوڤييتي السابق. فكان عدد البعثات الفضائية التي أطلقتها روسيا عام 1997 هو 28 بعثة: 21 لأغراض محليّة و7 لشركات تجارية أجنبية. وَقَبْل عقدٍ من ذلك أطلق الاتحاد السوڤييتي 95 بعثةً كانت مخصصة جميعا لبرامج محليّة. بيد أن تقليص النشاط الفضائي الروسي كان على الأغلب في الطيران على ارتفاعات منخفضة، دون أن تتأثر كثيرا مجموعة السواتل الطويلة الأجل.

 

وفي الطرف الآخر من المعادلة، ثمة ثلاثة أنماط لإزالة السواتل: فمشغلو السواتل يمكنهم عمدا أن يوجِّهوا سفنهم الفضائية إلى جو الأرض؛ والمكوك الفضائي يمكن أن يدفع السواتل خارج مداراتها؛ وأخيرا، يمكن أن يهبط الساتل حلزونيا (لولبيا) إلى الأسفل هبوطا طبيعيا. ومع أن الطريقتين الأُولَييْنِِِ مفيدتان، إلاّ أن نتائجهما الإجمالية محدودة لأنهما تطبَّقان في الحالة النموذجية على الأجسام التي تسير في مدارات منخفضة؛ إذ إن هذه الأجسام كانت ستهبط إلى الجو هبوطا طبيعيا وتندثر فيه.

 

ويمثل النمط الثالث – التلاشي الطبيعي للسواتل – القوةَ المنظفة الرئيسية. ومع أننا نظن عادة أن الفضاء الخارجي خالٍ من الهواء، فإن جو الأرض في الواقع يتناقص ببطء إلى حد ما، إذ يبقى في المدارات الأرضية المنخفضة قدر من مقاومة الهواء يكفي لتوليد احتكاك مع السفن الفضائية المتحركة بسرعة. وقوة السَّحْب تقوِّي ذاتها، بمعنى أنه فيما تتخلى السواتل عن طاقتها إلى السحب فإنها تسقط نحو الداخل وتتسارع، وهذا يزيد شدة السحب، ويجعلها تفقد طاقة على نحو أسرع. وأخيرا تدخل السواتلُ الأجزاءَ الأكثفَ من الجو وتحترق جزئيا أو كليّا مخلّفة شريطا ناريا ضيقا.

 

وهذا التلاشي الطبيعي أكثر وضوحا في الارتفاعات التي تقل عن 600 كيلومتر، ومع ذلك فمن الممكن رؤيته في ارتفاعات تصل إلى 1500 كيلومتر. وفي الارتفاعات المنخفضة لا تدوم السواتل سوى بضع سنوات فقط ما لم تُشْعِل صواريخها لتعوّض عن السحب. وخلال المراحل الزمنية التي تحدث فيها إصدارات عالية الطاقة من الشمس، والتي تتكرر كل 11 سنة، يستقبل جَوُّ الأرض مزيدا من الحرارة ويتمدد، وهذا يزيد من السحب الجوي. وطوال آخر ذروة شمسية، وهي التي حدثت في العامين 1989 و1990، سقط عدد قياسي من السواتل المفهرسة(9) في جو الأرض – ثلاثة في اليوم، وهذا يعادل ثلاثة أمثال المعدل العام لسقوطها – ونجم عن ذلك مغادرة 5600 طنا من المواد لمداراتها في مدى عام واحد [انظر الشكل c في الصفحة 34]. وكانت المحطّةُ الفضائية سالوت 7 Salyut، وهي سلف محطة مير، ضحية لهذا النوع من النشاط الشمسي، إذ عادت إلى جو الأرض في بداية عام 1991. وفي الذروة الشمسية السابقة، التي حدثت في العامين 1979 و1980، هوت المحطة الفضائية الأمريكية سكاي لابSkylab  قبل موعدها. ومع أنه جرى الترحيب بالتخلص من القمامة الطبيعية التي كانت تحويها المحطة، فإنها لم تَحُلْ دون زيادة عدد السواتل. هذا وإن السحب الجوي مهمل في حال السواتل التي تسبح في المدارات العالية، ومن ثم لا يمكننا الاعتماد كليا على السيرورات(10) الطبيعية لحل مشكلة الأنقاض  الفضائية.

 

إن النتائج المترتبة على الزيادة في عدد السواتل الأرضية متنوعة. فالمكوك الفضائي ينفِّذ من وقت لآخر مناورات كي يتفادى سواتل ضخمة مهجورة، ومع ذلك فإن ما معدله ثُمْنُ نوافذه تُستبدل بعد كل مهمة بسبب الحُفَرِ التي يُخلفها فيه الغبار الفائق السرعة. ويتعين على مصممي البعثات الفضائية، على نحو متزايد، أن يُدْخِلُوا في اعتبارهم أخطار الصدمات حين يختارون التوجيه الذي يجب أن يطير المكوك وفقه. ومن المحتمل جدا أن تضرب الأنقاضُ المكوكات الفضائية في مستوياتها المداريّة بزوايا تقع بين 30 و45 درجة إلى يمين اتجاه طيرانها ويساره. وإذا لم يكن ثمة حاجة ماسة لرواد الفضاء كي يطيروا في اتجاه محدد فإنهم يوجِّهون أكثر سطوح المكوك حساسية بعيدا عن هذه الاتجاهات الخطرة.

 

وفي الشهر 7/1996 حصل أول تصادم عَرَضي مؤكد بين ساتلين مفهرسين. وما حدث هو أن السفينة الفضائية الفرنسية العاملة سوريز Cerise تعطلت حين صَدَمَتْ جهازَ ضبطِ وضعِها شظيةٌ من هيكلِ صاروخ أوروبي كان انفجر قبل ذلك بعشر سنوات، حين كانت الشظية تسير بسرعة قدرها نحو 15 كيلومترا في الثانية (قرابة 400 33 ميل في الساعة). وعلى الرغم من إصابة السفينة الفضائية بأضرار، فقد تمكّنت من مواصلة مهمتها بفضل الجهود البطولية التي بذلها الطاقم الذي كان يتحكم فيها من الأرض.

 

ولسوء الحظ، تظل جميع السفن الفضائية غير محصنة وسريعة التأثر بالأجسام التي تتراوح أقطارها ما بين سنتيمتر واحد وعشرة سنتيمترات – وهي أصغر من أن ترصدها أنظمة الاستطلاع، ولكنها كبيرة إلى درجة تمكِّنها من خرق جدران السفن الفضائية. وتمضي وزارة الدفاع الأمريكية، ولو بتؤدة، بتحسين شبكة استطلاعها الفضائية لتشمل هذا المدى من حجوم الأجسام، ولكن هذه الأنظمة معدَّة للطيران الفضائي المأهول، ومن ثم فإنها توفر وقاية محدودة لمعظم السواتل.

 

مكانس فضائية

بسبب التصادمات، مازالت معظم السفن الفضائية عُرْضَةً لأخطار طفيفة خلال المدة التي تعمل فيها، إلا أنه يحتمل أن تكون البيئة هي المعرّضة للأخطار في المستقبل. ومع أن التصادم الذي تعرضت له السفينة الفضائية سوريز لم يزدْ كثيرا من عدد الأنقاض، فلعل مثل هذا التصادم يولّد آلافا من الشظايا الكبيرة التي يمكنها تحطيم سواتل أخرى تخلِّف بدورها أنقاضها الخاصة بها، وهكذا. وربما تصير هذه الظاهرة المتكررة العاملَ الرئيسي الذي لابد من أخذه بالحسبان في النمو الطويل الأجل لمجموعة السواتل الأرضية.

 

ولمجابهة مثل هذا السيناريو بدأت منذ العقد الماضي الدول التي تطلق أجساما إلى الفضاء بالعمل معا. وتضم اللجنة المسماة Inter-Agency Space Debris Coordination Committee ممثِّلين عن الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان والهند ووكالة الفضاء الأوروبية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وفي عام 1994 أَدرجت «اللجنةُ الفرعية العلمية والتقنية للأمم المتحدة التي تُعنَى بالاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي» موضوعَ الأنقاض الفضائية في جدول أعمالها بغية إصدار تقييم لهذه المشكلة بحلول العام 1999. وعلى الرغم من أن جميع الناس واعون الآن لهذه المسألة، فإن اللجان المختصة يجب أن تقرر ما يتعين عمله، ومن الذي يجب عليه ضبط هذا الوضع، وكيف يمكن الموازنة بين أخطار الأضرار المحتملة وبين تكاليف العمل على تفاديها والتخلص منها.

 

وفي هذه الأثناء تقوم بعض الوكالات المستقلة ببذل الجهود لتقليل كمية النفايات المتخلفة. وقد استعملت الوكالة ناسا والوكالة ناسدا(11) ماسكات بمسامير ملولبة bolt catchers ونمطا خاصا من الحبال لتقليص إطلاق الأنقاض  الناجمة عن عمل التجهيزات الفضائية، كما فرّغتا السفن الفضائية ـ التي توقفت عن عملها ـ من وقودها وأوقفتا عمل أنظمتها الكهربائية درءا للمشكلات. كذلك فإنهما أوصتا بإخراج الصواريخ والسواتل الجديدة المنخفضة الارتفاع من مداراتها، أي بأن توجّه نحو الجو لتحترق، وذلك بعد 25 سنة على الأكثر من موعد إتمامها لمهمّاتها.

 

وبعد الدمار الذي أصاب بيگاسوس عام 1996، أعادت الهيئة التي صممت الصاروخ وشغَّلته، وهي Orbital Science Corporation، تصميم المرحلة الأخيرة منه، وفرضت إجراءات وقائية جديدة على البعثات قبل استئنافها في الشهر 12/1997. وتخطِّط بعض الجهات التي لها سواتل جديدة مخصصة لشبكات الاتصالات الهاتفية لإحالة هذه السواتل على التقاعد(12)، وذلك بتوجيهها نحو جو الأرض. صحيح إن أخطار التصادمات تكون أقل من الارتفاعات العالية، إلاّ أَنّ هناك مشكلةًً أخرى تتمثل في الافتقار إلى حيزٍ في مدارٍ متزامن مع الأرضgeosynchronous. وللحيلولة دون شغل السواتل المتوقفة عن العمل الحيزَ اللازم للسواتل العاملة، فإنه يُطلب الآن إلى مشغِّلي هذه السواتل أن يهيئوا لسفنهم الفضائية مدافن خاصة في مدارات أقل اكتظاظا «بالقبور». وفي الشهر 1/ 1998قامت حكومة الولايات المتحدة باقتراح معايير أولية للتلطيف من آثار الأنقاض قدمتها إلى الصناعات الفضائية لدراستها والتعليق عليها.

 

بيد أن هذه الإجراءات لا تجدي شيئا فيما يتعلق بالخردة(13) الموجودة حاليا في الفضاء. ويعكف الآن مصممو السفن الفضائية على دراسة سبل وقايتها من التصادمات، وبخاصة تلك التي تحدث مع الأجسام الصغيرة الكثيرة التي تتراوح أقطارها ما بين سنتيمتر واحد أو أقل من ذلك. ومن الممكن للدروع – وهي حواجز خارجية – مثلا أن تحمي معظم مكوّنات السفن الفضائية. وهذه الدروع لا تزيد من درجة وقاية هذه السفن فحسب، بل إنها أيضا تُخفِّض من كمية الأنقاض الثانوية في حال حدوث تصادم. وستحوي المحطة الفضائية الدوليةInternational Space Station دروعا عالية التقانة ستوضَع حول المقصوراتِ المأهولة وتمديدات للوقود وجيروسكوبات التحكم في الاتجاه ومناطق حساسةٍ أخرى [انظر الشكل في الصفحة 36]. وهناك بعض المركَّبات الأخرى، مثل الألواح الشمسية، التي لا تصفَّح؛ لأن إحاطتها بدروع يُعَدُّ إجراء غير عملي. ويتعين على مخططي الرحلات الفضائية التسليم بأن هذه المركبات ستصاب بالتلف مع الزمن نتيجة لتعرضها لتصادمات طفيفة متكررة.

 

ويبقى التخلص من الأنقاض الفضائية تحديا تقانيا واقتصاديا. واستخدام المكوكات الفضائية للتخلص من الحطام الفضائي إجراء خطر وغير عملي. وقد وضع كثير من الباحثين خططا خيالية في هذا الصدد، فدرست الوكالة ناسا ووزارة الدفاع ووزارة الطاقة الأمريكيتان اقتراحا – يطلَق عليه اسم Project Orion- يقضي باستعمال ليزرات مقامة على الأرض لإزالة الأنقاض الصغيرة الحجم. وبالطبع، لا تشبه هذه الليزرات البتة ما يَرِدُ في قصص الخيال العلمي وأفلامه، وحتى لو أنها تمكنت من تدمير ساتل وتحويله إلى شظايا، فإن هذا سيسفر ببساطة عن توليد قدر أكبر من الأنقاض. وبدلا من ذلك، فإن الليزرات تبخِّرُ بعضَ مواد السواتل وتخرجها من مداراتها بحيث تدخل في نهاية المطاف جوَّ الأرض. وثمة آليات أخرى ما زالت في طور التخطيط، بما في ذلك كرات ضخمة من الرغوة، التي ما إن يخترقها جسيم حتى يفقد جزءا من طاقته، ومن ثم يعود إلى الأرض بسرعة.

 

وفي حين يُحتمل أن تكون الأجيال القادمة قادرة على حل مشكلة جسيمات الماضي التي تسير على غير هدى، فإنه يتعين الآن أن نكافح للحيلولة دون حدوث التزايد الذي لا يُمكن السيطرة عليه في مجموعة السواتل – وإلا فيتحتم أن نُعِدَّ أنفسَنا لحدوث نقصٍٍٍٍ في الحيز المتاح لنا في الفضاء.

 

 المؤلف

Nicholas L. Johnson

باحث رئيسي في شؤون الأنقاض الفضائية لدى مركز جونسون الفضائي بهيوستن التابع للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا). وهو أيضا رئيس وفد وكالة الفضاء إلى لجنة الوكالة البيئية لمخلفات الفضاء(12)، رئيس مساعد في الأكاديمية الدولية للجنة الفرعية للطيران الفضائي الخاص بأنقاض الفضاء،(13) وعضو في المعهد الأمريكي للطيران الفضائي ولجنة الأنقاض المدارية ورواد الفضاء الخاصة بالمعايير.(14)  وقد سبق لجونسون أن كان عضوا في لجنة الأنقاض الفضائية التابعة لمجلس البحوث الوطني (1994 – 1993) ولجنة إدارة تفادي أخطار الأنقاض الفضائية والنيازك التابعة للمحطة الفضائية الدولية (1996 – 1995).

 

مراجع للاستزادة 

ARTIFICIAL SPACE DEBRIS. N. L. Johnson and D. S. McKnight. Orbit Books, 1991.

PRESERVATION OF NEAR EARTH SPACE FOR FUTURE GENERATIONS. Edited by J. A. Simpson. Cambridge University Press, 1994.

INTERAGENCY REPORT ON ORBITAL DEBRIS. Office of Science and Technology Policy, National Science Technology Council, November 1995. Available at http://www-sn.jsc.nasa.gov/debris/report95.htm1   on the World Wide Web.

ORBITAL DEBRIS: A TECHNOLOGICAL ASSESSMENT. Committee on Space Debris, Aeronautics and Space Engineering Board, National Research Council. National Academy Press, 1995.

PROTECTING THE SPACE STATION FROM METEOROIDS AND ORBITAL DEBRIS. Committee on International Space Station Meteoroid/Orbital Debris Risk Management, Aeronautics and Space Engineering Board, National Research Council. National Academy Press, 1997.

Scientific American, August 1998

 

(*) Monitoring and Controlling Debris in Space

(1) السواتل (الأقمار) الصنعية artificial satellites.

(2) space mission

(3) leftover

(4) explosive bolts، وهي مسامير ملولبة صُممت بحيث تحوي شحنة (عبوة) ناسفة تُفَجَّر عن بعد.

(5) residual المتبقي، فضالة الوقود.

(6) radioisotope thermoelectric generators، مولدات لتحويل الطاقة النووية إلى طاقة كهربائية. وتُستخدم الحرارة، التي يولِّدها النشاطُ الإشعاعي لنظيرٍ مشع، لتوليدِ ڤلطيةٍ في دارةِ مزدوجةٍ حرارية. (التحرير)

(7) slag.

(8) debris.

(9) catalogued

(10) processes

(11) NASDA، وكالة الفضاء الرئيسية في اليابان.

(12) retirement

(13) junk

(14) Inter-Agency Sapce Debris Coordination Committee

(15) International Academy of Astronautic’s Subcommittee in Space Debris

(16) American Institute of Aeronautics and Astronautics Orbital Debris Committee on Standards

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button