هذه هي أسمى آيات التشريف التي تسبغها الولايات المتحدة تكريما
لأصحاب الابتكارات التقانية، فالميدالية تقر بفضل الإنجازات المهمة
الجديدة في تطوير التقانة وفي تسويقها.
في 8/12/1998 أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أسماء الفائزين بواحدة من أسمى آيات التكريم المدنية التي تمنحها الولايات المتحدة، وهي الميدالية القومية للتقانة. تقر هذه الجوائز، التي ترعاها إدارة سياسات التقانة في وزارة التجارة وتشرف على منحها منذ عام 1985، بفضل الأفراد والفرق والهيئات الذين أدت ابتكاراتهم التقانية إلى صنع منتجات أو تأمين خدمات أو عمليات تقانية جديدة أو محسَّنة تحسينا كبيرا. وتقوم لجنة مستقلة تضم خبراء من جمعيات علمية وتقانية بتقييم المرشحين الذين يُسَمَّون عبر مسابقة قومية مفتوحة. تَظهر الصور الفوتوگرافية للفائزين مع معلومات إضافية عنهم في موقع مجلة «ساينتفيك أمريكان» على شبكة الإنترنت
جراح القلب والأوعية معهد القلب في تكساس مركز تكساس الطبي في هيوستن بتكساس
يعاني أربعة عشر مليونا من الأمريكيين مرضا قلبيا إكليليا (نقص تروية قلبية)، ويموت 000 500 شخص من هذه الحالة في كل عام، الأمر الذي يجعل من ذلك المرض القاتلَ الأولَ للرجال والنساء في الولايات المتحدة. وكان يمكن لذلك العدد أن يكون أكبر من ذلك بكثير لولا التقدم الذي تحقق على أيدي الجراح الشهير <A .D. كولي>، الذي كرمته لجنة الجوائز «لمهارته الملهمة وروحه القيادية وإنجازاته التقنية خلال ستة عقود من ممارسة الجراحة القلبية الوعائية».
كان <A .D. كولي> الرائدَ في تطوير تقنيات جراحة القلب المفتوح.
قام <A .D. كولي> بنفسه بإجراء ما ينوف على000 200 عملية قلبية وعائية، منها000 45 عملية جراحة قلب مفتوح. وكانت جهوده الرائدة في تغيير طريقة إجراء أمثال تلك العمليات أكثر أهمية من مجرد إعداد هذه العمليات. وقد بدأ في عام 1962 باستخدام المحاليل السكرية بدلا من الدم لتشغيل الدارة القلبية الرئوية التي تقوم بتدوير الدم المؤكسج عبر جسم المريض أثناء الجراحة. وقد سمح ذلك التغيير للجراحين بحفظ الدم، وبذلك ازداد إلى حد كبير عدد العمليات التي يمكن إجراؤها. كما طور كولي طرقا لإصلاح واستبدال صمامات (دسامات) القلب المصابة، وصمم ما يقارب 200 أداة جراحة وتطعيم ومواد أخرى متعلقة بذلك.
لقد فتح العديدُ من العمليات اللافتة للأنظار التي أجراها كولي الطريقَ أمام إجراءات تستخدم اليوم بشكل أكثر اعتيادية. وقد أجرى كولي أول عملية زرع قلب ناجحة في الولايات المتحدة عام 1968. (وكان النجاح الذي حققه الجراح <C. برنارد> في جنوب أفريقيا قد سبق ذلك بعام واحد). وفي عام 1969 أصبح كولي أول جراح في العالم يُبقي المريض حيا بوساطة قلب صنعي، وذلك كإجراء وقائي بانتظار الحصول على قلب من متطوع مناسب. كما أنه في عام 1962 أسس معهد القلب بتكساس في مركز تكساس الطبي بهيوستن. وحقق ذلك المعهد، الذي يعد اليوم أحد أهم إنجازات كولي، شهرة عالمية في أمراض القلب، فصمم وأنتج أدوات (نبيطات) يمكن زرعها لتساعد القلوب المرهقة؛ كما أجرى المركز، بالتعاون مع شريكه السريري مستشفى القديس لوقا الأسقفي، عمليات لما يزيد على000 400 مريض. كما تعلم فيه ما يزيد على 1900 طبيب كيفية معالجة الأمراض القلبية الوعائية cardiovascular.
وكاد <A .D. كولي> (البالغ من العمر 78 عاما والذي نال ما يزيد على 80 جائزة وتكريما) أن يحقق فتحا آخر في صيف عام 1998، حيث كان مُقدرا أن يجري أول جراحة قلب مفتوح بأربع مجازات quadruple bypass يتم بثها عبر شبكة الإنترنت. إلا أن فريقا طبيا في سياتل سمع إعلانا عن ذلك، فقرر أن يسبقه بيوم واحد. وقد قبل كولي بروح رياضية المرتبة الثانية، وأخبر وكالة رويترز: «إنني غير مهتم بالأسبقية، فعمليتنا ذات طبيعة تعليمية بحتة». وعلى أي حال، فإن على أطباء سياتل أن يقطعوا شوطا كبيرا قبل أن يضاهوا سجل كولي المميز.
<T .R. فرالي>
<B .R. هورش>
<G .E. يافورسكي>
<G .S. روجرز>
علماء تقانات حيوية شركة مونسانتو في سانت لويز بمونتانا
طوال 000 10 عام على الأقل، حاولت البشرية أن تحسن جودة محاصيلها الزراعية من خلال حفظ بذور أفضلِ النباتات على سبيل المثال، أو التهجين لتطوير أنواع (ضروب) جديدة. ويستطيع العلماءُ اليومَ أن يعدلوا في صفات النبات على المستوى الجيني. وقد حاز علماء شركة مونسانتو Monsantoالميدالية القومية «لإنجازاتهم الرائدة في بيولوجيا النبات والتقانة الحيوية الزراعية ولدورهم القيادي العالمي في تطوير وتسويق المحاصيل المحورة وراثيا لتحسين الإنتاجية الزراعية واستدامتها».
تبين (الصورة العليا) نباتات القطن المهندسة وراثيا لتنتج مبيدها الحشري الخاص بها، في حين تتعرض قريناتها (غير المهندسة) لهجمات الحشرات. وتبين الصورة اليمنى في الأعلى عيدان الذرة وقد ظلّت محافظة على عافيتها بعد تطعيمها بالجينة المقاومة للحشرات، في حين تلتهم دودة الذرة الأوروبية العيدان الاعتيادية التي تبدو في أسفل الصورة اليمنى.
شكلت المواد الكيميائية الفعّالة أساسَ المعركة الزراعية ضد الحشرات والأعشاب الضارة والأمراض. وفي عام 1980 تساءل < G. Eيافورسكي> (من شركة مونسانتو) عن الطرائق التي يمكن بوساطتها للبيولوجيا الجزيئية أن تكون ذات عون في هذا المجال، فجنّد <G .S. روجرز> و <T .R. فرالي> و <B . Rهورش> ليستكشفوا آفاق الهندسة الوراثية للمحاصيل. وبفضل جهودهم، طورت مونسانتو عدة محاصيل محوّرة وراثيا، منها البندورة والقطن وفول الصويا والذرة.
إن أكثر الطرق شيوعا لإدخال الجينات الجديدة إلى النباتات هي عبر البكتيرة المسمى أگروبكتيريوم توميفاشينس Agrobacterium tumefaciens. ينقل هذا الكائن الممرض بشكل طبيعي بعضَ مادته الوراثية (الدنا) إلى صبغيات (كروموزومات) النباتات المصابة. وتُنتج الخلايا المأمورة commandeeredهرمونات تؤدي إلى تشكل أورام وكتل جذرية تفضل البكتيريا الجراثيم العيشَ فيها. وحيلة الهندسة الحيوية في ذلك هي إزالة الجينات المسببة للمرض من الكائن الممرض، مع الحفاظ على قدرة البكتيريا على إحداث المرض، وتجميع جينات جديدة للصفات المرغوبة على دنا البكتيريا. وقد حقق الباحثون هذا الهدف في عام 1983 [انظر: «محاصيل زراعية متطورة عبر الجينات»، مجلة العلوم، العددان3/4(1993)، صفحة 79].
ومع تملك مهارات الهندسة الحيوية قام علماء مونسانتو بإنتاج نباتات تقاوم النضج المبكر (قبل الأوان)، وتقاوم مبيدَ الأعشاب الواسع الاستعمال المعروف باسم Roundup، وتنتج البروتين المبيد للحشرات الخاص بها. وتقول مونسانتو إن أمثال هذه النباتات تقلل من الحاجة إلى رش المبيدات. وقد تبين في تجربة أجريت عام 1996 أن 60 في المئة من المزارعين الذين زرعوا القطن المعدل لم يحتاجوا إلى رش المبيدات لحمايته من دودة لوزة القطن؛ كما أن معظم المزارعين المتبقين لم يحتاجوا إلى الرش إلا مرة واحدة. وبالمقابل، فإن حقول القطن التقليدية تحتاج عموما إلى أن ترش بين أربع وست مرات. وهكذا جُنبت البيئة، وفق تقديرات مونسانتو، نحو 250000 گالون (أي ما يقارب المليون ليتر) من المبيدات الحشرية.
صادقت وزارة الزراعة الأمريكية على زراعة 35 محصولا محوّرا وراثيا، وقد نُثرت بذور تلك المحاصيل محليا في ما يزيد على 50 مليون فدان (20 مليون هكتار)، باستخدام أسماء تجارية مثل قطن بولگارد وبطاطا نيوليف NewleafPotato. ويخشى بعض من يتحرّون تأثير تلك المحاصيل المنتجة للمبيدات أن يؤدي استخدامها إلى نشوء سلالات من الحشرات المقاومة لها في وقت من الأوقات، في حين يخشى آخرون أن تؤدي المحاصيل المحورة وراثيا إلى انخفاض في تنوع المحاصيل المزروعة.
ومع أن الولايات المتحدة تقبلت إلى حد كبير تقانات شركة مونسانتو الحيوية، فإن سائر بلدان العالم لاتزال تنظر إليها بعين الريبة؛ حيث قامت في أوروبا، جماعات حماية البيئة المتطرفة بتدمير المحاصيل التجريبية التي تنتجها مونسانتو وسط ترحيب إعلامي في أغلب الأحيان؛ كما هبت عاصفة من الأقاويل في الهند، في الشهر12/1998، عندما انتشرت شائعات مفادها أن مونسانتو قد أضافت جينة مهلكة terminator إلى قطنها المحور وراثيا، من شأنه أن يجعل البذرة عقيمة، الأمر الذي يجبر المزارعين على شراء بذور جديدة في كل موسم زراعي جديد. (وقد ألِفَ المزارعون أن يقوموا بحفظ بعض البذور المجنية جانبا). ووفقا لما تقوله مونسانتو فإنها لاتزال على مبعدة سنوات من ضم جينة مسببة للعقم إلى نباتاتها المحورة وراثيا، إلا أنها تجادل قائلة بأن مثل هذه الجينة قد يكون لازما لحماية حقوق ملكيتها.
وعلى الرغم من الجدل الدائر خارج الولايات المتحدة، فإن مونسانتو تظل ملتزمة بالمحاصيل المحورة وراثيا، وهي تقول في إحدى نشراتها: «إن التقانات الحيوية، بالاشتراك مع طرق زراعية أخرى ثبت جدواها، تقدم طرقا مثيرة تتسم بالحفاظ على البيئة لمساعدتها على تحقيق متطلبات المستهلكين في الحصول على إنتاج مستمر وصحي من الطعام والألياف، اليوم وفي المستقبل.»
<L .K. طومسون>
< D..M ريتشي>
عالما حواسيب
مختبرات بِل، شركة لوسنت تكنولوجيز في مَرِي هيل بنيوجيرسي.
عند زيارتك لموقعٍ في شبكة الإنترنت أو البحث في قاعدة البيانات لشركة ما، فإنك تستفيد من جهود <L .K. طومسون> و< D..M ريتشي>، اللذين فازا بالميدالية عرفانًا بجهودهما المؤثرة والرائدة التي أدت إلى «اختراع نظام التشغيل يونيكس Unix ولغة البرمجة C، اللذين أديا إلى تقدم كبير في تجهيزات الحواسيب والبرمجيات ونظم الشبكات».
يعد نظام التشغيل يونيكس من المعالم البارزة في عالم الحواسيب، فقبل ظهوره في عام 1969 كانت برمجيات أنظمة التشغيل كبيرة الحجم ويختص كل واحد منها بآلة بعينها. وكان يونيكس أول نظام تشغيل محمول يمكنه التعامل مع جميع الحواسيب، بدءا بالحاسوب الشخصي ووصولا إلى الحواسيب العملاقة. وهو يُستخدم الآن نظاما لتشغيل معظم المُخدِّمات الكبيرة المستخدمة في شبكة الإنترنت ولدى مؤسسات الأعمال والجامعات. وفي مطلع السبعينات قام ريتشي وطومسون مع زملائهما في مختبرات بل Bell لاحقا باستنباط اللغةC لاستخدامها أداة لتنفيذ نظام التشغيل يونيكس. وكانت اللغة C أول لغة عامة الأغراض تجمع بين كفاءة لغة التجميع، (وهي اللغة الأقرب إلى كود الآلة المكون من الوحدات s’1 والأصفار s’0) وعبارات لغات البرمجة العالية المستوى. وكما هو الأمر مع يونيكس، يمكن استخدام اللغة C مع تغييرات طفيفة على مجموعة من الآلات المختلفة. وتعد اللغة C اليوم مع اللغتين المتفرعتين عنها ++C وJava أكثر اللغات شيوعا في البرمجيات التجارية.
يعتبر تطوير يونيكس وC درسا نموذجيا يبين كيف أن الحاجة والروح الخلاقة تؤديان إلى الابتكار (الحاجة أم الاختراع). ففي منتصف الستينات عمل طومسون وريتشي في مشروع كبير اسمه ملتيكس Multics، وهو مشروع مشترك بين مختبرات بل وشركة جنرال إليكتريك ومعهد ماساتشوستس للتقانة يهدف إلى تطوير نظام للتشغيل. ولكن سرعان ما انسحبت شركة بل من هذا المشروع وشرعت بإعادة تنظيم قسم الحواسيب لديها. وكان طومسون وريتشي من أواخر من عمل في مختبرات بِل ضمن المشروع ملتيكس، وأرادا أن يستمرا في العمل حتى يحققا هدف المشروع. وفي مقالة نشرت عام 1984 في مجلةAT&T Bell Laboratories Technical Journal كتب ريتشي: «لم تكن البيئة الجيدة التي تسمح للمرء بممارسة البرمجة هي التي أردنا المحافظة عليها فحسب، بل ذلك النظام الذي يسمح بتكوين زمالة حوله».
غير أن إدارة الشركة رفضت مرارا وتكرارا مقترحهما لتزويدهما بآلة متوسطة الحجم يستطيعان استخدامها لتطوير ذلك النظام. (وقد كتب ريتشي فيما بعد مستذكرا: «كنا نطالب مختبرات بل بإنفاق الكثير من المال على عدد صغير من الأفراد لديهم خطة شديدة الإبهام».) ونجح طومسون في العثور على آلة شبه مستعملة بذاكرة سعتها 8 كيلوبايت (عبارة عن حاسوب DEC PDP-7) للقيام بتطوير نظام يونيكس عليها وذلك باللجوء ـ جزئيا ـ إلى اقتباس لعبة طورها طومسون اسمها رحلة الفضاء Space Travel، حيث تقوم سفينة فضائية بالتجوال عبر المنظومة الشمسية. واقترح زميلهما < B W .. كيرنيگان> لهذا النظام اسم «يونيكس»، وهو تلاعب لفظي باسم «ملتيكس».
مطورا يونيكس وC
تبين الصورة <L .K. طومسون> (واقفا) و< D..C ريتشي>
في مطلع السبعينات. أما الكتاب الذي يصف اللغة C
فقد أصبح مرجعا كلاسيكيا.
قرر طومسون أن نظام يونيكس بحاجة إلى لغة برمجة، وبعد أن جرب لغة فورتران FORTRAN سارع إلى تطوير لغة BCPL التي كانت مستخدمة في مشروع ملتيكس، وهكذا ولدت اللغة B. وفي عام 1971 قام ريتشي بتوسيع المواصفات التقنية للغة B، الأمر الذي أدى إلى ظهور اللغة C. واليوم، يُعد الكتاب الشهير «لغة البرمجة C» ـ لمؤلفيه كيرنيگان وريتشي الذي نشر لأول مرة عام 1987 ـ مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه لدى جميع المبرمجين الجادين، كما أنه قد تُرجم إلى ما يزيد على اثنتي عشرة لغة مختلفة.
شركة بيوجين
للصيدلانيات الحيوية
كامبريدج في ماساتشوستس
<J. فنسنت>، رئيس مجلس الإدارة
في عام 1977 بدأت مجموعة من العلماء العالميين ـ تضم اثنين ممن فازوا بجائزة نوبل لاحقا (وهما <W. گيلبرت> (من جامعة هارڤارد) و<A .P. شارپ> (من معهد ماساتشوستس للتقانة) بالتباحث مع مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال الممولين حول طريقة جديدة لإنتاج المواد الصيدلانية. وكان من النادر في ذلك الوقت، أن يغوص العلماء الأكاديميون في عالم الأعمال التجارية. غير أنه بعد مرور عام على ذلك أسس گيلبرت وشارب وزملاؤهما شركة بيوجينBiogen التي اختصت بابتكار أدوية باعتماد تقانات البيولوجيا الجزيئية. ومنذ ذلك الحين أضحت شركة بيوجين من كبريات شركات الصيدلانيات الحيويةbiopharmaceuticals؛ ففي عام 1996 تجاوز المجموع الكلي لمبيعاتها من المنتجات المرخصة بليوني دولار أمريكي. وقد أثنت اللجنة المانحة للوسام على بيوجين «لريادتها في تطبيق الاكتشافات البيولوجية الجديدة في تطوير منتجات صيدلانية منقذة للحياة ومحسنة لنوعيتها ومصممة لمعالجة أعداد كبيرة من المرضى حول العالم من بين مَن كانوا مُهمَلين في السابق.»
أما المُنتج الذي نال تقريظا خاصا فكان اللقاح الذي أنتجته بيوجين لمرض التهاب الكبد البائي (من النوع B) وهو مستحضر تسوّقه شركات عدة منها سميثكلاين بيتشام SmithKline Beecham وميرك Merck. إن مرض التهاب الكبد البائي، مثله في ذلك مثل قرينه التهاب الكبد الجيمي (من النوع C) والذي يتصدر معظم الأنباء هذه الأيام، هو التهاب ڤيروسي قد يسبب ضررا بالغا وأحيانا مميتا للكبد. ولا تكمن أهمية لقاح بيوجين المضاد لالتهاب الكبد البائي في قدرته على إنقاذ الحياة فحسب، بل في أساس تركيبه أيضا: فهو أول لقاح يبتكر من خلال الدنا المأشوب(1).
حلّل باحثو بيوجين جينات الڤيروس المسبب لالتهاب الكبد البائي وتعرفوا تلك التي تحمل كود المستضدات(2) antigens. وبعد عزلهم لتلك الجينات، قام علماء بيوجين بإدخالها في بكتيريا قامت بدورها بإنتاج المستضدات بمقادير كبيرة. وعند حقن الناس بها، يقوم نظام المناعة لديهم بتشكيل ذاكرة مناعية لها (أي للمستضدات)، بحيث يعمل في المستقبل على تدمير أي خلية تحويها. وبذلك يصبح بوسع نظام المناعة حماية الجسم من ڤيروس التهاب الكبد البائي.
كانت تقنية الدنا المأشوب أساس صناعة اللقاح المضاد لالتهاب الكبد من النوع B، حيث جرى تعرُّف المورثة الڤيروسية المسؤولة عن المستضدات وعزلها ثم دمجها في دنا بكتيرة تقوم بدورها بإنتاج المستضد بكميات كبيرة.
وبشكلٍ مماثل، فإن بيوجين هي المسؤولة عن تطوير المستحضر Intron A (أو ألفا إنترفيرون alpha-interferon). وللإنترفيرونات خواص قوية مضادة للڤيروسات والسرطانات. لقد أخذت بيوجين الدنا المسؤول عن إنتاج الإنترفيرون ودمجت مكوناته للحصول على جينوم(3) بكتيريا الإشريكية القولونية. وقَسَرت الجينةُ الجديدة البكتيريا على إنتاج ألفا إنترفيرون. تسمح هذه التقانة للباحثين بإنتاج كميات كبيرة من الإنترفيرون بكلفة معقولة.
وتجري بيوجين أيضا أبحاثا في مجال البيولوجيا التطويرية developmentalbiology والمعالجة الجينية gene therapy، كما أن لديها عدة أدوية أخرى قيد الاختبار السريري؛ إضافة إلى أنها ترخص لنقل المعارف الأساسية وأسرار المهنة التي تملكها بحيث تستطيع شركات أخرى توليد أو تعزيز إنتاج البروتينات من عوائل بكتيرية.
شركة بريستول-مايرز سكويب
للصيدلانيات
مدينة نيويورك
<A .C. هايمبولد، جونيور>، رئيس مجلس الإدارة
من المرجح أن تحوي صيدليتك المنزلية العديدَ من منتجات شركة بريستول-مايرز سكويب Bristol-Myers Squibb مثل مسكنات الآلام أو المطرّيات الجلدية. إلا أن هذه المنتجات لا تمثل إلا جزءا يسيرا من منتجات الشركة العالمية التي يقدر حجم أعمالها بعدة مليارات من الدولارات، والتي تقوم أيضا بصنع الأدوية التي تكافح السرطان والأمراض المعدية (الخمجية) من بين أمراض أخرى. وقد منحت لجنة الجوائز ميداليتها لشركة بريستول-مايرز سكويب «لدورها في إطالة وتحسين حياة الإنسان عبر البحث والتطوير الصيدلاني المبتكر، ولقيامها بإعادة تعريف علم الدراسات السريرية بإجرائها تجارب سريرية غير مسبوقة وعلى درجة عالية من التعقيد».
وتفخر بريستول-مايرز سكويب خاصة باثنين من أدويتها التي تعالج الأمراض القلبية الوعائية. أول هذين الدواءين هو الكاپتوپريل captopril (الذي يسوق تحت الاسم التجاري كاپوتين Capoten). ويعد هذا العامل المستخدم في معالجة ارتفاع ضغط الدم (فرط التوتر الشرياني) أول دواء يصمم وفق طريقة تعرف «بالتصميم المُمَنهج للدواء» (أو التصميم باعتماد البنية). ذلك أن معظم الأدوية المعروفة حاليا قد اكتُشفت إما مصادفة أو من خلال القيام بعمليات مسح مضنية على أعداد كبيرة من الأدوية المرشحة وفق مبدأ التجربة والخطأ [انظر: «الكيمياء التوافقية والعقاقير الجديدة»، مجلة العلوم، العددان6/7(1997)، صفحة 4]. أما «طريقة التصميم الممنهج للدواء» فتحاول تطوير مركبات تهاجم أجزاء بعينها من الجزيئات المتعلقة بالمرض. وقد تكون، من حيث المبدأ، أسرع وأقل كلفة لإنتاج أدوية أكثر فعالية وتسبب آثارا (أعراضا) جانبية أقل [انظر: «عقاقير تُصمم حَسَب الطلب»، مجلة العلوم، العددان10/11(1994)، صفحة 42].
إن مفتاح هذه الطريقة يكمن في تعرف الهندسة الجزيئية للمادة المطلوبة. ويمكن إنجاز ذلك بتسليط الأشعة السينية على بلورات منها تسبب حرف تلك الأشعة وإصدار مجموعة من النقاط المبعثرة وفق نمط مميز يستطيع الباحثون بوساطته، وبمعونة الحاسوب، تعيين الترتيب الثلاثي الأبعاد للذرات المشكلة لتلك المادة.
وفي السبعينات، قام باحثان من شركة سكويب هما <A .M. أونديتي> و<W .D. كشمان> باستثمار هذا النوع من المعلومات، مستفيدين من بعض خصائص السم المأخوذ من أفعى المناجم البرازيلية. يسبب هذا السم خفضَ ضغط الدم لدى ضحاياه إلى درجة مأساوية، حيث يوقف أحدُ مركباته عملَ الإنظيم المبدّل للأنجيوتنسين angiotensin الذي يشار إليه اختصارا بالرمز ACE، يعد هذا الإنظيم المسؤول عن رفع ضغط الدم من خلال دفعه الأوعية الدموية إلى الانقباض. وقد تمكن هذان الباحثان، بالاستفادة الجزئية من علم البلورات، من إقامة نموذج لموقع هذا الإنظيم الفعّال، وصنعا مادة الكاپتوپريل captopril التي تثبط عمل ذلك الموقع، وتمنع بالتالي الإنظيم ACE من القيام بدوره في رفع ضغط الدم مما يؤدي إلى انخفاضه.
أما ثاني هذين الدواءين الذي أنتجته بريستول-مايرز سكويب فكان الپراڤاستاتين Pravastatin (أو براڤاكول Pravachol)، الذي يعمل على خفض مقدار الكولستيرول في الدم، مثله في ذلك مثل أقرانه من أسرة الستاتين statin، مثل سيمڤاستاتين ولوڤاستاتين (من شركة ميرك). وبعد دراسة أجريت على 6595 رجلا واستمرت خمس سنوات ونشرت نتائجها سنة 1995، وُجِد أن دواء البرافاستاتين قد خفض الكولستيرول الكلي بنسبة 20 في المئة وخفض الشحوم البروتينية المنخفضة الكثافة low density lipoprotein cholesterol(الكولستيرول السيئ) بنسبة 26 في المئة. تتمثل السمة المهمة في هذه الدراسة، إضافة إلى كبر العينة التي أجريت عليها، في أنها أُجريت على رجال بدوا أصحاء ظاهريا (وكانت معظم دراسات الأدوية المضادة للكولستيرول تركز في السابق على رجال ثبت وجود مشكلات قلبية لديهم). وربما كانت النتيجة الأكثر أهمية من ذلك، هي أنها وسواها من التجارب اللاحقة، بينت أن دواء البرافاستاتين لم يؤد إلى خفض مقدار الكولستيرول فحسب بل عمل على الإقلال من خطر الموت بأمراض قلبية.
تظهر البنية الجزيئية لمادة الكاپتوپريل بتسليط الأشعة السينية على بلوراتها.
يتصدر جهودَ البحث والتطوير في شركة بريستول-مايرز سكويب معهدُ البحوث الصيدلانية Pharmaceutical Research Institute التابع لها والقائم في برينستون من ولاية نيوجيرسي. والمعهد معني حاليا بتطوير نحو 500 عاملا دوائيا مختلفا. ويبلغ إجمالي استثمارات الشركة السنوي في بحوث الدواء نحو 1.3 بليون دولار أمريكي.