سايمون نيوكومب: فلكي من أصحاب المواقف(*)
سايمون نيوكومب: فلكي من أصحاب المواقف(*)
دعا نيوكومب وهو من أشهر الفلكيين الأمريكيين في أواخر
القرن التاسع عشر إلى إصلاحات اجتماعية وثقافية واسعة
مبنية على استخدام المنهج العلمي.
<E .A. موير>
عندما تسمع في المرة القادمة شخصا يدعو إلى اتباع «المنهج العلمي» في برهنة قضية ما، فكِّر في <S. نيوكومب> Simon Newcomb. فمع أن هذا الفلكي الذي عاش في القرن التاسع عشر غير معروف جيدا الآن، فقد كان أكثر العلماء الأمريكيين شهرة في العقود التي تلت الحرب الأهلية. وقد بدأ حصوله على التقدير والشهرة عن طريق دراسته المتعمقة لحركات ومواقع الشمس والقمر والكواكب والنجوم، وهي الدراسة التي ساعدت على إيجاد الحلول لكثير من مسائل الفلك الكلاسيكي التي طال التفكير فيها.
ولكن نيوكومب ـ الذي كان مقتنعا بقيمة العلم ومنهجه، الذي يبدو ظاهريا أنه لا يخفق أبدا ـ اكتسب أيضا شهرة في الولايات المتحدة كناقد ملتزم بالإصلاحات الاجتماعية والثقافية. وكان يناقش بحماس موقع العلم في الحياة الأمريكية، وعلاقته بالسياسة والاقتصاد والدين، وحتى بدراسات ما لا يمكن تفسيره علميا. وكانت مناقشته لهذه الأمور تتسم بالصراحة وغالبا بالانحياز الواضح (نحو العلم ومنهجه). وباللغة الدارجة للمرحلة التي نعيشها، يمكن وصف سايمون نيوكومب بأنه من أصحاب المواقف. وكان يرفض بعناد الوضع الراهن في أي ميدان من ميادين البحث.
ارتقت أبحاث سايمون نيوكومب في النجوم والكواكب بعلم الفلك الموقعي الكلاسيكي، ورفعت مستواه، وجعلت هذا العالم واحدا من أكثر الفلكيين شهرة في نهاية القرن التاسع عشر. ولكن التطورات في مجال الفيزياء والفلك خلال القرن العشرين ـ وعلى الخصوص، الأرصاد الطيفية الجديدة ونظرية النسبية ـ ألقت ظلالا على إنجازاته. ومع ذلك، فقد قال ألبرت أينشتين إن ما أنتجه نيوكومب خلال حياته «يحظى بأهمية بالغة في علم الفلك.» وقد أطلق أينشتين عليه لقب «آخر الأساتذة العظماء» في علم الفلك الكلاسيكي. |
كان نيوكومب شخصا موفور النشاط، محبا للبحث والتحقيق وذا طبيعة محببة إلى الغير. وقد وصفه المصلح الاجتماعي الأمريكي <F. هاو> بأنه «رجل ضخم قوي بهيج ومفعم بالحيوية». وعلق الفيزيائي البريطاني المرموق <W. طومسون> [لورد كلڤن Kelvin فيما بعد] بعد مقابلته نيوكومب عام 18766 بأنه (أي نيوكومب) «رجل من الطراز الأول مفعم بالنشاط والحيوية». أما زميله الآخر <W. ألڤورد> [رئيس الجمعية الفلكية لمنطقة المحيط الهادي] فكان يجده «صارم الاستقلال في فكره وفي كلامه»، ويضيف: «إن الصفة الأساسية لعقله هي أنه لفيلسوف أكثر منه لمجرد عالم رياضيات أو فلك. وفي معالجته لجميع المسائل يكون السلوك الفلسفي في تفكيره هو الأكثر لفتا للنظر والأعلى قيمة.»
ولد نيوكومب عام 1835 في والاس بولاية نوڤا سكوشيا، وكان أكبر إخوته السبعة. كان والده مدرسا يتنقل من مدرسة إلى أخرى. أما والدته، التي كان لها معتقدات كالڤينية(1) قوية، فقد تولت رعاية المنزل. وعندما بلغ الثامنة عشرة، ترك الشاب نيوكومب المنطقة البحرية التي نشأ فيها واتجه إلى ماريلاند ليعمل مدرسا. وكان يذهب في أوقات فراغه إلى مكتبة المعهد السميثسوني في واشنطن العاصمة حيث اكتسب بالتدريج احترام مديرها وهو الفيزيائي الأمريكي المرموق <J. هنري>. وفي أواخر عام 1856 وجد أحد أصدقاء هنري وظيفة لنيوكومب في هيئة التقويم الملاحي Nautical Almanac Office بكامبردج في ولاية ماساتشوستس، وهي إحدى وكالات البحرية الأمريكية المسؤولة عن إعداد الجداول الفلكية التي تستخدم في الملاحة. وأثناء وجوده هناك، التحق نيوكومب بمدرسة لورنس العلمية التابعة لجامعة هارڤارد، حيث درس تحت إشراف <B. پيرس> الذي كان حينذاك عالم الرياضيات والفلك الرياضياتي الأشهر في أمريكا. وبعد عامين، حصل نيوكومب على البكالوريوس في العلوم بمرتبة الامتياز.
أثار نيوكومب اهتمام الدوائر العلمية الدولية لأول مرة عندما قدم عام 1860 برهانا رياضياتيا مقنعا يوضح أن حزام الكويكبات لم ينتج من تفتت كوكب كان يقع بين كوكبي المريخ والمشتري، وهو الاعتقاد الذي كان سائدا حينذاك. وفي عام 1861، وكان قد قطع خطوات واسعة في كل من الفلك والرياضيات والفيزياء، قبل وظيفة أستاذ في مرصد البحرية الأمريكية بواشنطن، وكان ذلك استمرارا لعلاقته بالبحرية التي تطورت إلى ارتباطه بها طوال حياته. وبعد ثلاثة أعوام، حصل نيوكومب على الجنسية الأمريكية.
ومع أن نيوكومب وُظِّف في المرصد المذكور راصدا فلكيا، فقد استطاع أن يجمع بين هذه المهمة وبين دراسات أخرى في علم الفلك الرياضياتي (النظري). واستفاد من بحوثه هذه بحصوله عام 1877 على وظيفة مدير هيئة التقويم الملاحي التي كان مقرها حينذاك واشنطن العاصمة ـ وهي هيئة تنحو بدرجة كبيرة نحو العلوم الرياضياتية. وفي العام نفسه، اختير نيوكومب رئيسا للرابطة الأمريكية لتقدم العلم American Association for the Advancement of ScienceAAAS، وكان فوزه بهذا المنصب نتيجة لما عرف عنه من تميز كباحث وكإداري أيضا. وتبع ذلك شَغْلُه، ولفترة ستة أعوام، منصب نائب رئيس الأكاديمية الوطنية للعلوم National Academy of Sciences. كذلك، ففي بداية السبعينات، قام نيوكومب بتدريس مقررات متعددة في جامعة كولومبيا (التي أخذت فيما بعد اسم جامعة جورج واشنطن) القريبة، وأيضا في جامعة جونز هوپكنز الجديدة.
كان مرصد البحرية الأمريكية هو القاعدة التي استخدمها نيوكومب لعملياته بين عامي 1861 و 1877. وأثناء وجوده هناك، كانت له السيطرة على أكبر مقراب في الولايات المتحدة حينذاك. تبين الصورة (في اليسار) التي أخذت عام 1873 نيوكومب واقفا عند عينية المقراب الذي يبلغ طوله 35 قدما. وفي عام 1874، قام فلكيون من الولايات المتحدة وأوروبا ببعثات لمراقبة كوكب الزهرة وهو يمر أمام الشمس بهدف قياس البعد بين الأرض والشمس بدقة أعلى. وفي الصورة العليا، يظهر نيوكومب وهو يتحدث إلى الفريق الأمريكي العامل بمرصد البحرية؛ وهو يقف إلى اليسار في مقدمة الصورة. |
ومن المؤكد أن أداء نيوكومب كراصد فلكي كان ممتازا. فقد رفع مستوى العمل في مرصد البحرية الأمريكية، وذلك بحذفه أولا الأخطاء التصنيفية التي كانت تفسد القيم السابقة للمطالع المستقيمة للنجوم (مواقع خطوط الطول على كرة سماوية افتراضية تقع الأرض داخلها)، ثم بتوليه أمر العناية بالمقراب الجديد للمرصد، وكان في ذلك الوقت أكبر المقاريب في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فقد كان الاهتمام الفعلي لنيوكومب في الأمور النظرية، وتحديدا في التحليل الرياضياتي للحركات المدارية للكواكب والقمر آخذا في الحسبان التأثيرات المتبادلة فيما بينها، وتأثر حركاتها جميعا بالشمس. وفي عام 1874 أدت بحوثه المتعمقة لحركات الكواكب والقمر إلى فوزه بالميدالية الذهبية المرموقة التي تمنحها الجمعية الملكية الفلكية بلندن، وكان عمره حينذاك 39 عاما. وكرئيس لهيئة التقويم الملاحي، خطط نيوكومب لمهمة تطوير أكثر تحديا تستغرق عدة عقود، ألا وهي إعادة تحديد مواقع الكواكب والقمر والشمس، في محاولة لإعادة تقييم المعلومات التي كانت مقبولة وسائدة في ذلك الوقت. ويرتبط بذلك إعادة صياغة المعادلات الرياضياتية المتعلقة بالموضوع وتكوين الجداول اللازمة. وقد استطاع نيوكومب، بعون من مساعديه النابهين، إكمال مجمل إعادة التقييم هذا في منتصف التسعينات من القرن التاسع عشر، ونشر «نتائجه الأولية» في رسالة بعنوان «عناصر الكواكب الأربعة الداخلية والثوابت الأساسية لعلم الفلك» The Elements of the Four Inner Planets and the FundamentalConstants of Astronomy.
وعلى مشارف القرن العشرين، وجد نيوكومب أن عمله صار المرجع الأساسي في فرع علم الفلك الخاص بمواقع الأجرام (الفلك الموقعي (الموضعي)) ـ وهي مكانة احتفظ بها لعدة عقود تالية. إضافة إلى ذلك، وجد نفسه وقد حاز أرفع الأوسمة وحصل على أعلى التكريم من جميع أنحاء أمريكا والعالم أيضا، وقد تضمن ذلك فوزه بميدالية كوپلي من الجمعية الملكية بلندن، وانتخابه واحدا من المشاركين الثمانية الأجانب في أكاديمية العلوم بباريس. وقد وصف <W .W. كامبل> [وهو زميل فلكي من مرصد ليك] برنامج بحوث نيوكومب فيما بعد بأنه «عمل له أبعاد هرقلية ضخمة.»
سيعود المعلقون في القرن العشرين إلى الماضي وينظرون، على سبيل المثال، إلى معالجة نيوكومب الشاملة لمسار كوكب عطارد ويلاحظون أنه وجد القيمة الحديثة لشذوذ مداري طفيف (يعرف بمبادرة أو تقدم الحضيض(2)، الذي اكتشف لأول مرة في أوائل القرن التاسع عشر). وهذا الشذوذ، الذي قدر نيوكومب أنه يتحدى التفسيرات التثاقلية النيوتونية التقليدية، لم يصبح مفهوما إلا من خلال نظرية النسبية العامة لأينشتين. وفعلا، فقد حكم أينشتين على أعمال نيوكومب بأن «لها أهمية بالغة في علم الفلك»، وسماه «آخر الأساتذة العظماء» في علم الفلك الموقعي الكلاسيكي.
نصير شعبي للعلم
إضافة إلى شهرة نيوكومب بين الفلكيين، فقد كان له أيضا أتباع كثيرون من بين عامة الشعب. فكتاباته، بما في ذلك كتاب الفلك للجميع Popular Astronomy، الذي أعيد نشره وترجمته عدة مرات، وكذلك السلسلة الرياضياتية الناجحة من الكتب الجامعية التي أصدرها، جعلت اسمه مألوفا بين المتعلمين. كما أنه حظي باهتمام شعبي نتيجة مشاركته في الحوار الوطني الساخن عن موقع العلم في الثقافة الأمريكية.
إن وجهة نظر نيوكومب في علاقة العلم بجوانب الحياة الأخرى وبالبحث والتقصي كانت تطغى عليها صورة خاصة به عن العلم. ونتيجة لتأثره بالمعلقين العلميين الأوروبيين، مثل الفيلسوف السياسي البريطاني <S .J. مِلْ> (الذي قابله عام 1870)، كان نيوكومب يشعر بأن قوة العلم تنبع في معظمها من المنهج العلمي. وبعبارة أخرى، فإن نجاحات العلم إنما حدثت لأن العلماء تابعوا دراساتهم مستخدمين قواعد إجرائية راسخة. وفي رأي نيوكومب، فإن أهم هذه القواعد هي الاقتصار على تطبيق المفاهيم التي يمكن تعريفها بالرجوع إلى تجارب محددة ـ وهذا تأكيد للمعاني الدقيقة أطلق نيوكومب عليه اسم «الاستخدام العلمي للغة.»
وقد توقع نيوكومب أن تطبيق نفس القواعد الجاهزة (التي نتوصل إليها في العلم الطبيعي) على مسائل خارج نطاق العلم الطبيعي سيؤدي إلى نجاحات مشابهة. وكان نيوكومب يعلن أن للمنهج العلمي فوائد في قاعات الكونگرس مثل فوائده في المختبر. ونتيجة لترويج نيوكومب لهذه الفكرة في أحاديثه وفي مقالاته المنشورة في المجلات، فإنه لم يعزز التأييد الشعبي للعلم في الولايات المتحدة فحسب، بل إنه أيضا أدخل في أذهان الناس فكرة أن العلم أمر عملي ويمكن الاعتماد عليه وأنه ديموقراطي أيضا. والواقع إن رؤية نيوكومب للمنهج العلمي، كأمر يعتمد عليه ويمكن استعماله، ساعدت على تحفيز الحركة الفكرية التي عرفت فيما بعد باسم الذرائعية الأمريكية American Pragmatism ـ وهي مجموعة من الطموحات الثقافية والنزعات الفلسفية تطورت في نهاية القرن التاسع عشر (ومن نواح كثيرة، مازالت مستمرة في الوقت الحالي).
وفرت التصريحات عن المنهج العلمي لنيوكومب وللذرائعيين وسائل فعالة للإقناع. وعلى سبيل المثال، ففي السبعينات من القرن التاسع عشر، احتل اعتماد نيوكومب البلاغي على المنهج العلمي مركز الصدارة بسرعة عندما بدأ يوجه الاهتمام إلى أوجه القصور في العلوم الفيزيائية والرياضيات في الولايات المتحدة. وكان يشكو في الندوات العامة من النقص في البرامج التعليمية والدوريات التقنية والجمعيات المهنية. وإذا كان لهذا الهيكل المؤسساتي أن يَقْوى في أمة ملتزمة بالمبادئ والأسس الديمقراطية، فمن الضروري أن توجد مساندة شعبية كاملة للبحث الأساسي. وكان نيوكومب يشعر بأن مثل هذه المساندة ستتوفر إذا أمكن إقناع المواطنين المتعلمين بالقيمة الاجتماعية للمنهج العلمي. وقد أكد نيوكومب ذلك في خطاب له عام 1880 قال فيه: «أتجرأ وأقول إن أكثر ما نحتاج إليه اليوم من وجهة نظر عملية صرفة، هو تعميم إدخال المنهج العلمي والروح العلمية في مناقشات المسائل السياسية والاجتماعية التي تواجهنا ونحن في الطريق إلى مستوى أعلى لرفاهية المجتمع.»
لقد فعل نيوكومب أكثر من مجرد تمجيد استخدام المنهج العلمي في معالجة المسائل الاجتماعية. فقد تطور هو نفسه ليصبح عالم اقتصاد سياسي ذا سمعة مرموقة، إذ قام بنشر البيانات المبسطة عن المال والتجارة والضرائب والعملة والعمال. حاول نيوكومب من خلال سلسلة متتالية من الكتب والمقالات والمحاضرات أن يوفر تحليلا نزيها للقضايا السياسية والاقتصادية، موضحا بذلك ـ بدلا من مجرد البحث عن التأييد لآرائه ـ الفائدة الاجتماعية للمنهج العلمي. والواقع إن هدفه المحدد كان إصلاح علم الاقتصاد بإعطائه بنية أعمق منطقيا ورياضياتيا وعلميا. ولكن يبدو أن هدف نيوكومب الذي لم يصرح به، والذي ربما لم يكن يعيه، لم يكن فقط تحسين صورة العلم وإنما أيضا استخدام المنهج العلمي للترويج لبرنامج سياسي واقتصادي معين.
أوضح نيوكومب ترتيب أولوياته بصراحة في مقالة كتبها عام 1870 وأُدخلت كفصل في كتابه الضخم مبادئ الاقتصاد السياسي Principles of PoliticalEconomy الذي نشر بعد خمسة عشر عاما. (وصف <M .J. كينز> هذا الكتاب بأنه «واحد من الأعمال الأصيلة التي يستطيع عقل علمي مفعم بالنشاط لم تفسده القراءات الغزيرة للأعمال التقليدية، أن ينجزها من حين إلى آخر في موضوع لم يتبلور تماما بعد مثل علم الاقتصاد.») كان عنوان المقالة هو «مبدأ الترك للذات»The Let-Alone Principle، وهو عنوان يوجز أيديولوجية نيوكومب. فهذه الجملة (العنوان) ترجع بنا إلى سياسة ارفعوا الأيادي hands off التي انتهجها <A. سميث>. ويقرر نيوكومب أن الحكومة يجب ألا تتدخل في حرية الأفراد في اتباع السياسة الاقتصادية التي تخدم مصالحهم، وهو رأي يعكس التقليدين البريطاني والأمريكي في الليبرالية السياسية والاقتصادية التي رفع لواءها كل من سميث و مل و<D. ريكاردو> (وطبعا يختلف مصطلح «الليبرالية» اليوم تماما عما كان يعنيه في القرن التاسع عشر.)
صورة لسايمون وماري نيوكومب أُخذت لهما عام 1863 وهما حديثا الزواج. رزق الزوجان بثلاث بنات: أنيتا وإميلي وأنّا. وقد صارت البنت الكبرى < أنيتا نيوكومب ماگي> طبيبة مرموقة فيما بعد وأسست فرقة التمريض بالجيش. |
استخدم نيوكومب المنهج العلمي لتبرير المواقف الخلافية، مثل تشجيع التجارة الحرة، وحماية استعمال الذهب معيارا للقيمة، وكان يلمح إلى أن حججه في الانحياز إلى هذه المواقف كانت معقولة لأنه صاغها مستخدما الطريقة المناسبة. وبالطبع لم تلق هذه الآراء التي دافع نيوكومب عنها قبولا عاما. وفي منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر، وجد نيوكومب نفسه يدافع عن مواقفه (على صفحات مجلة العلم Science وأيضا في وسائل إعلام أخرى) عندما هاجمه المشتغلون بالاقتصاد السياسي الذين كانوا يؤيدون تدخلات حكومية أكثر شدة. وكان نيوكومب يخطِّئ منتقديه لعدم استخدامهم لغة علمية مستشهدا بقاعدته الأساسية في المنهج العلمي. وكانت شكواه هي أن المعلقين الشعبيين والمشتغلين بالاقتصاد السياسي، بدلا من الاقتصار على مناقشات محددة حول «المحاريث والحقول والأسوار والماشية والمصانع والنسيج والسكك الحديدية والقاطرات وغيرها من الأشياء العملية فعلا،» فإنهم يقومون خطأ بالتطرق إلى مواضيع مثل «رأس المال» و«العمال» و«الرأسمالية» وغيرها من المصطلحات المماثلة في تجريدها وفي عدم تعريفها بدقة. ومن ثم فهؤلاء المدّعون يسببون إرباكا للتفكير.
العلم والدين
طبق نيوكومب المنهج العلمي أيضا في شؤون إنسانية أخرى. وفي خطابه عام 1878 بمناسبة انتهاء رئاسته للرابطة الأمريكية لتقدم العلم، ناقش العلاقة بين العلم الطبيعي والدين المسيحي، وطالب بالفصل بين الاستدلال المنطقي والحجج الدينية. وقد أعيد طبع الخطاب في عدة مجلات ووزع على نطاق واسع، مما أدى إلى مناقشة الموضوع في جميع أنحاء أمريكا. وعلى الخصوص، غضب المسيحيون الذين كانوا مايزالون يؤيدون الادعاءات المركزية «للاهوت الطبيعي». وكان هؤلاء يعتقدون أن العلم مكمل للدين وأن دراسة «التصميم» design في الطبيعة قد تكشف عن وجود الله. استخدم نيوكومب المنهج العلمي في مجادلاته معيارا يمكن عن طريقه التمييز بين المعرفة العلمية والإيمان الديني كمقاربتين بديلتين لفهم العالم. وكان يعتبر أن الأمرين مختلفان ولكن أحدهما يكمل الآخر ـ كان الاستخدام العلمي للغة يشغل مركز الصدارة في حجج نيوكومب المنهجية (الميثودولوجية)، إذ كان يصر على أن العلم الصحيح يقتصر على استخدام مصطلحات «لها معان لغوية دقيقة، ويشير فقط إلى الأشياء التي يمكن إدراكها بالحواس، أو على الأقل، التي يمكن فهمها على أساس أنها تدرك حسيا.» أعلن نيوكومب أن اللاهوت الطبيعي التقليدي فشل في هذا الاختبار المنهجي، ومن ثم يجب الفصل بينه وبين العلم الحديث. وقد مكّن هذا الجدل نيوكومب من المطالبة بمساحة للعلم في الثقافة الأمريكية، وكان يأمل أن يحدث هذا دون أن ينفِّر المسيحيين الذين كانوا يهيمنون عموما على الثقافة.
وفي المناقشة العامة التي تلت ذلك، كان نيوكومب حريصا على تجنب أية إشارة مباشرة إلى معتقداته الدينية، ولكنه كان يقرر في المجالس الخاصة أن المسيحية هي ديانة في سبيلها إلى الفناء ويتعذر الدفاع عنها. وقد عبر حينذاك في مقالات مُغْفَلة من اسم كاتبها عن تدني تقديره للمسيحية، ودعا إلى إنشاء دين إنساني جديد على أساس القيم الشخصية الفاضلة والالتزام بخدمة الآخرين. وكان نيوكومب يرى «أن مثل هذه العقيدة لن تخاف التعاليم الزائفة ولن تضع حدودا على حرية تفكير البشر، وهي تراقب بهدوء تام هدم كل صور المعتقدات المذهبية، واثقة بأن النتيجة النهائية ستؤدي إلى رفع مستوى الروح البشرية وإلى التقدم المستمر في تطور الروحانية.»
عرض نيوكومب نظرة تحررية مماثلة ولكنها تهاجم بدرجة أعنف المعتقدات والمؤسسات الدينية، وكان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن التاسع عشر عندما أصبح أول رئيس للجمعية الأمريكية للبحوث النفسية (ASPR). ومع أن نيوكومب كان يشك في الإدراك الخارج عن النطاق الحسي وفي التخاطر (الاتصال العقلي بين الأشخاص) وغيرها من الظواهر الخارقة التي لا يمكن تفسيرها علميا، فقد كان يشعر بأن على العلماء، على الأقل، أن يراجعوا الأدلة على وجود هذه الظواهر المزعومة.
أسست الجمعية الأمريكية للبحوث النفسية في أواخر عام 1884، عندما قامت مجموعة من العلماء البريطانيين المتميزين بزيارة أمريكا الشمالية بعد أن أسسوا في تلك الفترة جمعية علم النفس الخاصة بهم. وقد أقنع هؤلاء العلماء مجموعة من العلماء والتربويين الأمريكيين، الذين يوازونهم في التميز، بأن ينظموا مجموعتهم الخاصة. كان عالم النفس <W. جيمس> من جامعة هارڤارد محركا أساسيا لهذه الجمعية العصرية وغير التقليدية، وكان يشعر أن نيوكومب سيضفي المصداقية على التنظيم، وقد عبر عن ذلك لصديق بالقول: «أعتقد أن شغل نيوكومب لمنصب الرئيس سيكون مكسبا غير عادي.»
كانت رغبة جيمس في شغل نيوكومب منصب الرئيس تستند إلى سبب عملي، ولكن لماذا قَبِل نيوكومب هذا المنصب؟ من المؤكد أن حماس الزوار البريطانيين، والإطراء الناتج من دعوته لشغل المنصب، والتحدي الخاص بمشكلة البحث، كانت جميعا وراء هذا القبول. وعلى الرغم من شكه المعلن في التخاطر، فقد أثار احتمال حدوثه اهتمامه. ولكن، كان لديه دافع أقوى من ذلك، إذ كان يشعر بأن الواجب الأخلاقي يفرض عليه تقييم الأدلة المتعلقة بالتأثيرات النفسية. وبعبارة محددة، كان هدفه هو فرز ما يمكن الدفاع عنه علميا (إن وجد) وما يجب فضحه كتزييف علمي خطير، وبالفعل، فقد وصفت مقالة افتتاحية في مجلة العلم Science العلماء في الجمعية الأمريكية لعلم النفس بأنهم يملكون الصفات الأخلاقية المناسبة لإنقاذ الأمة من شرور الروحانيات الفجة والاستعاضة عنها بدراسات منهجية لبعض الظواهر مثل التخاطر.
سيرة ذاتية دينية كتبها نيوكومب بين عامي 1879 و 1880. كانت هذه السيرة محاولة منه لشرح أفكاره عن المسيحية بعد الخطاب الذي ألقاه عام 1878 عن العلم والدين أمام الرابطة الأمريكية لتقدم العلم والذي أثار جدلا عنيفا. والمخطوط، الذي لم ينشر، يبدأ بالعبارة «لقد ولدت في الريف قبل أن تصل آثار الأفكار «الليبرالية» (التحررية) إلى الأماكن البعيدة عن المدن الكبرى، ونشأت في كنيسة استمدت قوتها من البيوريتانيين (التطهيريين) الذين ظهروا في نيو إنگلند، ولكنها لم تصقل معتقداتهم ولا هي أضعفتها.» |
لم يتعود نيوكومب إطلاقا أن يدرس موضوعا من دون حماس، ومن ثم فقد انغمس في أعماق البحث عن الأحداث الخارقة منكبا على كل ما كُتِبَ في الموضوع، وحاول أن يشهد بنفسه أحداثا من هذا النوع، كما اشترك مع زملائه من جامعة جونز هوپكنز في ملاحظة الوسطاء وغيرهم من أساتذة الموضوع (الأحداث الخارقة) وذلك في واشنطن العاصمة وفيلادلفيا ومدينة نيويورك. ومع ذلك، وبحلول نهاية المدة الأولى من رئاسته، أصبحت شكوك نيوكومب أشد. ويظهر ذلك بوضوح في الخطاب الرئاسي الذي وجهه إلى الجمعية الأمريكية للبحوث النفسية. فخلال كل جزء من هذا البيان القوي، استخدم نيوكومب مبادئ أولية من المنهج العلمي لدحض الادعاءات حول الأحداث الخارقة. وقد وجه انتقاداته إلى الباحثين البريطانيين متهما إياهم باستنتاج قوانين جديدة للأداء العقلي على الرغم من عجزهم عن تكرار الظاهرة المعنية. وقد اعترض جيمس، الذي كان يميل إلى الاعتقاد بالتأثيرات النفسية، على خطاب نيوكومب وانخرط في مناوشات ودّية معه من خلال تبادل رسائل نشرت في مجلة العلم، وأيضا من خلال مراسلات شخصية متبادلة بينهما.
لم تكن شكوك نيوكومب كافية لإقصائه عن رئاسة الجمعية الأمريكية للبحوث النفسية؛ لأن عددا كبيرا من الأعضاء كانوا يشاركونه في شكوكه. ومع أنه عرض التخلي عن الرئاسة بعد انتهاء مدتها الأولى، فقد أعيد انتخابه. وعندما رفض إعادة انتخابه في نهاية المدة الثانية للرئاسة، استمرت عضويته في المجلس التنفيذي للجمعية إلى أن أخذت الجمعية تذوي وابتلعتها المنظمة البريطانية عام 1889. وخلال هذه السنوات الأخيرة، ظل نيوكومب منشقا. فقد كان مقتنعا ـ كما كان يأمل في إقناع الآخرين ـ بأنه استنادا إلى قواعد الميثودولوجيا (علم مناهج البحث)، فإن البحوث النفسية تمثل طريقا مسدودا من الناحية العلمية.
التقاعد ثم العودة إلى مزاولة العمل
كان القانون يفرض على نيوكومب ترك موقعه في السلاح البحري عند بلوغ الثانية والستين، ومن ثم فقد اعتزل وظيفته في هيئة التقويم الملاحي بنفس تاريخ ميلاده الذي يصادف في 12/3/1897. وكانت الإحالة على التقاعد تعني له ببساطة إعادة تنظيم العمل وليس نهاية ـ أو حتى تأجيل ـ البحث والكتابة وإلقاء الخطب العامة. وقد تمكن هذا المتقاعد البارز من الاستمرار في برنامجه الحافل في البحث العلمي ومن أداء مهامه المهنية، وذلك بفضل مخصصات مادية متواضعة من الكونگرس بدءا من عام 1903، ومنحةٍ سخية قدمها فيما بعد معهد كارنيگي الجديد في واشنطن العاصمة. واعتمادا على إنجازاته السابقة في علم الفلك الموقعي، أخذ زمام القيادة في حملة دولية كبرى للتوصل إلى تنظيم أفضل مما هو متوفر للحسابات والجداول الفلكية، وذلك عن طريق تبني ثوابت متسقة وبيانات متوافقة. وقد أنجز نيوكومب مهمته إنجازا متميزا كان من نتيجته أن بعض القيم العددية التي أعطاها ظلت تستخدم رسميا إلى أن تم ابتكار الحواسيب الإلكترونية والسواتل في الخمسينات من القرن العشرين.
استمر نيوكومب يعمل بطاقة كبيرة، فساعد على تنظيم ما يعرف الآن بالجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society، وصار أول رئيس لها عام 1899. ويوضح إنشاء هذه الجمعية المكاسب المهنية التي حصل عليها المشتغلون بالعلم في الولايات المتحدة خلال ربع قرن بعد أن ظهرت أول مقالة لنيوكومب يلفت فيها النظر إلى أوجه القصور في العلوم الفيزيائية بالولايات المتحدة.
ونتيجة لتوافر وقت فراغ أكبر عند نيوكومب المحال حديثا إلى التقاعد، فقد انشغل بالتفكير العميق في كتابة سيرته الذاتية، بل إنه حاول كتابة القصص الخيالية، وقد نشر قصتين قصيرتين ورواية خيال علمي. وكان المفروض أن تجري أحداث الرواية الأخيرة خلال العام 1941 الذي كان في ذلك الوقت يبدو بعيدا، وهي تحكي قصة السعي الناجح لأستاذ فيزياء بجامعة هارڤارد لنزع سلاح جيوش وأساطيل العالم عن طريق بناء سفن جوية تدفعها مادة جديدة تلغي الثقالة. وبأسلوب فكاهي، ضمّن نيوكومب الرواية شخصا بريطانيا سماه <K .W. كونستانت>، وهو في الرواية نظير لورد كلڤن.
تضمنت المشاريع الأخيرة لنيوكومب، كتابة خاتمة دراسة دامت طويلا حول حركة القمر، وقد أملى هذه الخاتمة على كتبة الاختزال (المختزلين) عام 1909 عندما كان يواجه موتا وشيكا نتيجة لإصابته بسرطان المثانة. وخلال هذه المدة نفسها تقريبا، كتب نيوكومب مسوّدة عن آرائه الدينية كان يرغب في إضافتها إلى طبعة جديدة من سيرته الذاتية. لقد ظل مقتنعا بضرورة فصل البحث العلمي عن اللاهوت الطبيعي التقليدي. ولكن هذا الرجل، الذي كان دائم الشك في الدين، أقر عندما بلغ عمره 74 عاما واقترب أجله، بأنه كان يعتقد دائما باحتمال وجود سبب أول عظيم Great First Cause.
وكعادته، أوضح نيوكومب موقفه بالعودة إلى التحليل اللغوي إذ قال: «ولكن إذا سئلتُ إن كنت أعتقد بأن هذا السبب هو سبب ذكي، فسوف أعجز عن الإجابة إلى أن يتم تعريف كلمة «ذكي»، فهذه الكلمة تتضمن صفة عقلية معينة تنتمي إلى الجنس البشري، ويبدو لي أن إطلاق مثل هذا النص على سبب كوني هائل هو تقليل من قيمته.»
وأضاف في كلماته الأخيرة عن الموضوع ما يلي: «كل ما نستطيع قوله هو أن السبب موجود ولا بد من أن يكون قادرا على سبق النتيجة التي هي الكون في حالته التي نجده فيها. ولكني لم أدخل إطلاقا في تخمينات عقيمة عن موضوعات يستحيل عليّ أن أكوِّن رأيا واضحا ومحددا فيها، ومن ثم فلن أتابع الأمر أكثر من ذلك.» وقد مات نيوكومب بعد ذلك ببضعة أسابيع في 11/7/1909.
أعلنت الصحف والمجلات المهنية في الولايات المتحدة وخارجها نبأ وفاة هذا الفلكي البارز. وقد شارك الرئيس <H .W. تافت> مع غيره من علية القوم ـ أمريكيين وأجانب ـ في جنازته الرسمية المهيبة. ولما كان نيوكومب يحمل رتبة تعادل رتبة عميد في بحرية الولايات المتحدة، فقد دُفن في مقبرة أرلنگتون الوطنية وفق كامل مراسم الشرف العسكرية. وتقدمت الجنازة موسيقى مشاة البحرية الأمريكية وثلاث مجموعات من مشاة البحرية ومجموعة من رجال الأسطول الأمريكي ذوي المعاطف الزرقاء، وذلك من كنيسة العائلة إلى المقبرة. وقامت مفرزة من سلاح المدفعية بحمل نعش نيوكومب الأسود وهو ملفوف بالعَلَم، وكان يتبعها عدد كبير من المركبات.
ومع أن المشاركين في الحداد تذكروا نيوكومب فلكيا إصلاحيا، وبدرجة أقل عالما في الاقتصاد السياسي، فإنهم لم يدركوا إسهامه الأوسع في الفكر الأمريكي والثقافة والمجتمع، ألا وهو تشجيع الإيمان الشعبي بالعلم والمنهج العلمي. وسواء أكان هذا خيرا أم شرا، فإن هذا الإيمان وُجِدَ واستمر في الثقافة الأمريكية إلى يومنا هذا. فالناس مستمرون في اللجوء إلى السلطة المفترضة للمنهج العلمي لتشجيع مواقف مختارة، أو لتبرير نقاط الضعف، أو لتحديد الخطوط الفاصلة التي تناسبهم.
المؤلف
Albert E. Moyer
كان أستاذًا للفيزياء قبل أن يتحول إلى تاريخ العلم. أمضى موير العقدين الماضيين في معهد ڤرجينيا للعلوم التقنية وجامعة ولاية ڤرجينيا حيث يعمل أستاذا ورئيسا لقسم التاريخ. وهو أيضا أستاذ منتدب adjunet في مركز الجامعة لدراسات العلم والتقانة، كما أنه باحث مشارك في المعهد السميثسوني. ألّف موير ثلاثة كتب ومجموعة متنوعة من المقالات عن تطور الفيزياء في أمريكا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد استمر اهتمامه بتدريس الفيزياء، وعمل على تقوية علاقات الولايات المتحدة بالبرامج التعليمية في الصين.
مراجع للاستزادة
THE REMINISCENCES OF AN ASTRONOMER. Simon Newcomb. Houghton Mifflin and Company, 1903.
THE PROBLEM OF PRAGMATISM IN AMERICAN HISTORY. David A. Hollinger in Journal of American History, Vol. 67, No. 1, pages 88-107; 1980.
SIMON NEWCOMB’S ROLE IN THE ASTRONOMICAL REVOLUTION OF THE EARLY NINETEEN HUNDREDS. Arthur L. Norberg in Sky with Ocean Joined: Proceedings of the Sesquicentennial Symposia of the U.S. Naval Observatory. Edited by Steven J. Dick and LeRoy E. Doggett. U.S. Naval Observatory, 1983.
THE POLITICS AND RHETORIC OF SCIENTIFIC METHOD: HISTORICAL STUDIES. Edited by John A. Schuster and Richard R. Yeo. KIuwer Academic Publishers, 1986.
A SCIENTIST’S VOICE IN AMERICAN CULTURE: SIMON NEWCOMB AND THE RHETORIC OF SCIENTIFIC METHOD. Albert E. Moyer University of California Press, 1992. (Material from this book, the preceding article’s main source, is used with permission of University of California Press.)
Scientific American, October 1998
(*) Simon Newcomb: Astronomer with an Attitude
(1) معتقدات دينية بشّر بها <J. كالڤن> وأتباعه. وكالڤن كاهن فرنسي الجنسية بروتستنتي المذهب عاش بين عامي 1509 و 1564. (التحرير)
(2)precession of the perihelion