الكواكب الصغيرة
الكواكب الصغيرة(*)
أصبحت الكويكبات أجراما سيئة السمعة باعتبارها تهديدات
سماوية للأرض، لكن لها جوانب تحظى بالتقدير من قِبَل الفلكيين
لكونها عوالم سريالية surreal تحمل شواهد على أصل الكواكب.
<E. أسفوگ>
لمّا كنتُ قد نشأتُ في عصر الفضاء، فإنني أقوم وأصدقائي أحيانا بممارسة لعبة الثقالة gravity. وفي هذه اللعبة يصيح أحدنا قائلاً: “تصوروا أنكم على القمر!” عندئذ نبدأ جميعا بالمشي بخطوات مبالغ في بطئها، مقلِّدين ما شاهدناه على شاشات التلفزيون. ويقول آخر: “تصوروا أنكم على المشتري!” عندئذ نشرع بالزحف على أيدينا ورُكَبِنا. بيد أنه لم يسبق لأحد منا أن صاح قائلا: “تصوروا أنكم على كويكب!” إنني أفهم أن الناس منذ آلاف السنين لم يكونوا يعرفون ما يعنيه “الكويكب”. ويمكنني الآن وأنا الشخص الراشد الذي يدرس علم الكويكبات ابتغاء كسب الرزق، أن أقول إنني مازلت غير قادر على معرفة كيفية التصرف على كويكب.
ومع أننا لم نر بعد أيا من أكبر الكويكبات عن كثب، فإنها ربما تشبه نماذج لقمر انكمش وقُصف بعنف. ولو زار هذه الكويكبات رواد فضاء، لَخَطَوْا خلال مشيهم خطوات أوسع بسبب الثقالة الضعيفة عليها. وفي هذه الأجسام، التي تسمى كواكب صغيرة والتي تقل أقطارها عن بضع عشرات من الكيلومترات، تكون الثقالة أضعف من أن تضغطها لتتخذ شكلاً قريبا من الكروي. وبدلاً من ذلك، تتخذ أصغر العوالم هذه أشكالاً كثيرة ومتنوعة تشبه رؤوس السحليات، وحبات الفاصوليا، والأضراس، وحبات الفول السوداني، والجماجم. وبسبب عدم انتظامها، فإن اتجاه الثقالة على سطوحها غالبا ما ينحرف عن الاتجاه إلى مراكز كتلها؛ وعندما تضاف الثقالة إلى القوى الطاردة المركزية التي يولدها الدوران، فإن النتيجة يمكن أن تبدو منافية للعقل: فقد لا يكون الأسفل تحت؛ ثم إنه يمكنك السقوط متجها نحو قمة جبل. ويمكنك أن تقوم بقفزة عالية جدا لا تعود بعدها البتة إلى الكوكب، كما يمكنك أن تنطلق لتسبح في مدار شواشي (ولو ببطء ملحوظ) طوال أيامٍ قبل أن تحط في موقع لا يمكنك التنبؤ به. وإذا قذفتَ حصاة إلى الأمام، فقد تصيبك في الرأس. وربما جعلتك وثبة رأسية ضعيفة نحو الأعلى تهبط إلى يسارك على بعد 100 متر، حتى إنها يمكن أن تغيّر بنية الكويكب تحت قدميك. بل إن زائرا يمشي بخفة الهر يمكن أن يخلِّف غبارا يعوم في كل مكان، مكوّنا “جوا” من الأنقاض التي تبقى فوق سطح الكويكب أياما أو أسابيع.
لم تَعُدْ موضوعات فيزياء الكويكبات مجرد فضول نظري أو لعبة للأطفال. وفي الحقيقة، فإن البعثات الفضائية، مثل بعثة لقاء الكويكبات القريبة من الأرض Near Earth Asteroid Rendezvous NEAR ، التي أطلقت أول مسبار يسير في مدار حول كوكب صغير، تجعل فهمنا لهذه الأجسام المحيرة فهما عصريا إلى حد بعيد. لكن على الرغم من الأرصاد الدقيقة لهذه الكويكبات، واقتراباتها من الأرض من آن لآخر، فما نعرفه عنها (وعن أقربائها من المذنبات) أقل مما عرفناه عن القمر في فجر عصر استكشاف الفضاء. ففي الكواكب الصغيرة تتفاعل قوى صغيرة لا يمكن أن نتجاهل أيا منها، ولا يمكن أن نحاكي أيا منها بسهولة في مختبرٍ على الأرض. تُرَى، هل أجزاؤها الداخلية صلبة أو أنها تجمعات من مواد في حالات مختلفة؟ وما هي المعادن التي تتكون منها؟ وكيف يمكن الحفاظ على وجودها بعد تصادمها بأجسام صغيرة أخرى؟ أمن الممكن لمركبة أو رائد فضاء الهبوط على السطح الغريب لكويكب؟
بدأتُ دراستي العليا خلال إدارة الرئيس بوش الأب حين كانت الكويكبات مجرد نقاط، وهي نحو ألف نقطة من الضوء عُرف أنها تسير، في المقام الأول، في أفلاك ضمن طوق واقع بين كوكبي المريخ والمشتري. وقد عُرِفت تجمعات أقل عددا كانت أقرب إلى الأرض، كما كانت هناك مذنبات تأتي من الفضاء البعيد. واستنادا إلى التغيرات الدورية التي كانت تحدث للكويكبات في لونها وسطوعها، استنتج الفلكيون أنها أجسام غير منتظمة الشكل، كِبَرُها يراوح بين حجم بيت وحجم دولة، وهي تُدَوِّم rotate ـ أي تدور حول نفسها ـ مرة كل عدة ساعات أو أيام. أما الخاصيَّات الأكثر تفصيلاً، فكانت، إلى حدٍّ بعيد، من نسج الخيال العلمي.
تمتلك الكويكبات القريبة من المريخ أو الأرض أطياف فلزات صخرية ممزوجة بالحديد، في حين أن الكويكبات الأقرب إلى المشتري معتمة وحمراء عموما، وهذا يوحي أن لها تركيبا بدائيا يصعب تمييزه عن تركيب السحابة السديمية البدائية التي بدأت الكواكب تتشكل منها قبل 4.56 بليون سنة [انظر الشكل في الصفحة 14]. ويتحدد هذا التوقيت بدقة من تحليل النظائر المشعة للرصاص ـ التي تتولّد نتيجة الاضمحلال الإشعاعي لليورانيوم ـ في أقدم الحبيبات للأحجار النيزكية الأكثر بدائية. والحقيقة إنه كثيرا ما توقع الفلكيون أن تكون الكويكبات هي مصدر الأحجار النيزكية. كما أن أطياف أحجار نيزكية معينة تتشابه، إلى حدٍّ ما، مع أطياف طوائف معينة من الكويكبات. وهذا يعني أن هناك قطعا من الكويكبات موجودة في حوزتنا.
إن بصمة كف الحيوان العملاقة Giant Paw Print هي فوهة غريبة على الكويكب إيروس، وقد أطلق عليها هذا الاسم العلماء الذين يقومون الآن بدراسة هذه الصخرة الفضائية التي طولها 33 كيلومتر، وذلك بوساطة المسبار الفضائي NEAR (مركز الصورة السفلى). وفي الجانب الآخر من الجسم يوجد أخدود فتي بشكل السرج (يسار الصورة العليا) ممتلئ بعلامات لم تفسر بعد. وبفضل مثل هذه الصور، تتحول الكويكبات الآن من أجرام فلكية ـ مجرد نقاط من الضوء ـ إلى أجسام جيولوجية، أي عوالم كاملة، لم يبدأ استكشافها إلا منذ عهد قريب جدا. |
اعتاد كثير من الفلكيين على الظن بأن الأرصاد المقرابية يمكنها، إذا ما أضيف إليها تحليلات الأحجار النيزكية، أن تكون بديلاً من استكشاف السفن الفضائية للكويكبات. ومع أن المحيرات في تحديد تاريخ النظام الشمسي هي أعقد مما كان يتوقع، فقد استطاع الباحثون وضع مخطط غير نهائي لهذا التاريخ. وكي تكون الكواكب تكتلت وتنامت من سحابة سديمية مكوّنة من الغبار والغاز، كان لا بد من وجود مرحلة أولية تكاثفت فيها أول حبيبات دقيقة لتكوِّن أجساما متنامية تسمى النوى الكوكبية planetesimals. وقد أصبحت هذه النوى فيما بعد اللبنات الأساسية للكواكب. بيد أن حوادث الرنين (التجاوب) التثاقلي gravitationalresonance مع كوكب المشتري الضخم، في المنطقة الواقعة وراء المريخ، حرّكت بقوة هذا المرجل، وبذلك منعت نمو أي جسم يتجاوز قطره 10000 كيلومتر، وخلّفت بقايا غير ملتئمة لتصبح الكويكبات الحالية.
إن أكبر هذه الأجسام التي كان من المفترض أن تصبح كواكب، قد جمعت على الرغم من ذلك ما يكفي من الحرارة الداخلية لإحداث تمايز، تمثل في دفع معادنها الكثيفة إلى الداخل، مسهمة بذلك في تكوين قلوب صلبة وتاركة خلفها رواسب صخرية أخف؛ لتستقر في طبقاتها الخارجية. ولقد أدى النشاط الناري إلى تغير أنماط هذه الصخور، كما حدثت ثورات بركانية على بعضها. ومع أنه لم يكبر أي منها إلى الدرجة التي تجعله يحتفظ بغلاف جوي حوله، فقد أظهرت الفلزات المميّهة hydrated التي عُثر عليها في بعض الأحجار النيزكية أن الماء كان موجودا في الأغلب.
زمرتان من الكويكبات تظهران على مخطط يبين معدلات تدويمها (المحور الرأسي) كدالة لحجومها (المحور الأفقي). ولا يوجد كويكب معروف قطره أكبر من 200 متر يدوِّم أكثر من مرة كل 2.2 ساعة. والانقطاع الظاهر في المخطط يسهل تأويله إذا ما كانت هذه الكويكبات أكواما من كسارات الصخور يمكن أن تنفصل عن هذه الكويكبات إذا ما دومت بسرعات عالية. أما الكويكبات الصغرى، التي يمكنها الدوران حول نفسها مرة واحدة كل بضع دقائق، فينبغي أن تكون صخورا صلبة، وربما نشأ هذا الانتقال (الانقطاع) بسبب التصادمات. يقع الطوق الرئيسي للكويكبات بين مداري المريخ والمشتري، لكن الشوارد منها تخرج لتقاطع مدار الأرض (وبعضها يصدم الأرض)، أو لتدوِّم بتواقت مع فلك المشتري (في زمرتين تسمى كويكباتهما الكويكبات الطروادية Trojan asteroids). ويتألف الطوق الرئيسي الداخلي بصفة أساسية من كويكبات صخرية، أو صخرية ـ حديدية (رتبتها الطيفية S). أما الكويكبات الأبعد فذات لون أغمق وأكثر احمرارا وأغنى بالكربون (ولها رتبتان طيفيتان هما C و D).
|
ازدادت التصادمات بين النوى الكوكبية عنفا نتيجة للعشوائية التي سببها كوكب المشتري في توجيه مدارات هذه النوى وإهليلجيتها. وبدلاً من استمرار نمو هذه النوى لتصبح كواكب، فإنها تفجرت وتحولت إلى شظايا نتيجة لتصادماتها المتبادلة. وقد واصلت هذه الشظايا في الغالب دورانها حول الشمس في مجموعات لها سمات مدارية مشتركة وأطياف متقاربة. وكثير من الكويكبات والأحجار النيزكية هي الحطام الغني بالمعادن أو الصخور لهذه الكواكب البدائية التي تفتتت. والكويكبات الأخرى (ومعظم المذنبات) هي أجسام أكثر بدائية لم تتمايز بعد لأسباب مختلفة؛ إنها بقايا يعود عهدها إلى الزمن السابق لوجود الكواكب.
السماء آخذة بالسقوط(1)
قبل عقد من الزمان لم يكن ثمة وجود لصور بأي قدر من التفصيل لأي من الكويكبات، كما كان العديد من الفلكيين يجدون صعوبة في تناول موضوعها تناولاً جديا. هذا وقد أُطلِق على الكويكبات الأولى، التي اكتُشفت في بدايات القرن التاسع عشر، أسماء مشتقة من بعض الأساطير الشهيرة. ولكن مع تزايد أعدادها إلى العشرات ثم المئات ثم الألوف، صار يُطلق عليها أسماء مكتشفيها، وأزواج مكتشفيها، وأصحاب الفضل عليهم، وزملائهم، وكلابِهم. والآن، وبعد قرن من شبه الإهمال للكويكبات، بدأ الاهتمام بها يتعاظم، فيما تُحوّلها الأرصاد الجديدة من ومضات شاحبة في السماء إلى معالم طبيعية فاتنة. والفلكيون مدينون في هذا لمدير الوكالة ناسا <S.D. گولدين> وللدينوصورات.
لقد كان شعار “أسرع وأفضل وأرخص”، الذي أطلقه گولدين نعمة لعلم الكويكبات، وذلك لأن زيارةً لجارٍ صغير أسرع وأرخص من إرسال بعثة إلى كوكب ضخم. ثم إن تعرّضنا لشبح الموت نتيجة لجسم ناري يأتينا من فوق، أمر أثار خشية الناس. فاكتشاف فوهة(2) شيكسولوب Chicxulub crater في يوكاتان دعَّم الفكرة القائلة بأن كويكبا أو مذنبًا صدم الأرض منذ 65 مليون سنة وأحدث انقراضا لأكثر من نصف الكائنات الحية التي كانت تعيش حينذاك على الأرض [انظر(3): “تصادمات المذنبات والكويكبات مع الأرض”، العلوم، العدد 9 (1996) ، ص 4].
إن تكرار هذا الحدث مسألة وقت فقط؛ لكن متى؟ الجواب هو أنه لا يمكننا معرفة ذلك قبل أن نخرج فهرسا (كاتالوگا) كاملاً لجميع الكويكبات المهمة القريبة من الأرض ـ وهذا عمل بدأناه توا ـ لذا سنكتفي بإيراد قياس تمثيلي من لعبة الپوكر. (لن نستطيع البتة إعداد بيان كامل عن أخطار المذنبات، ذلك أن زيارة المذنبات للنظام الشمسي الداخلي أمر نادر الحدوث.) واحتمال حدوث كارثة كونية في أي سنة يعادل تقريبا احتمال سحبك “رويال فلاش”(4)؛ واحتمال موتك من جراء سبب آخر هو تقريبا نفس احتمال سحبك ثلاث أوراق من النوع نفسه من أوراق اللعب. إن موت أي منا بسبب صدم الأرض بكويكب أمر بعيد الاحتمال، بيد أنه حتى العلماء يميلون غالبا إلى التنبؤات التي يبوح بها البعض حول نهاية العالم، وهم غالبا ما يصفون الكويكب بطاقته الانفجارية مقدّرة بالميگاطن بدلاً من وصفه بطول قطره. إن مشكلتنا المهنية أشبه بالسمعة السيئة لبعض الفنون. نحن نريد من الناس أن تقبل الكويكبات لأسباب أوجَه، ولكن السمعة السيئة لها هي الغالبة.
يحثنا هذا الفضول القلق على دخول العصر الذهبي لاستكشاف الكويكبات والمذنبات. وقد تم تصوير أكثر من دستة منها [انظر ما هو مؤطر في الصفحة التالية]، ونحن نرحب بأي صورة جديدة في معرض الوحوش menagerie هذا ترحابًا مصحوبًا بالبهجة والارتباك معا. وأقل ما يمكن قوله هو: أنها ليست ما توقَّعناه، إذ إنه كان يعتقد بأن الكويكبات الصغيرة صلبة وصخرية، وذلك؛ لأن أي مادة سطحية لينة (تسمى غلافا حتاتيا(5) regolith) تولدت نتيجة الصدمات، لا بد لها من الإفلات عن سطح هذه الكويكبات بسبب ثقالتها الضعيفة. ثم إننا لم نكن نظن أن تكتلات من الأجسام الصغيرة يمكن أن توجد على هذا السطح، لأن أقل حركة نسبية مستدامة تسفر عن انفصال هذه الأجسام عن هذا السطح.
السفينة الفضائية NEAR تتودد إلى إيروس
الصخرة الجميلة
يشبه إيروس، الذي تدور حوله حاليا السفينة الفضائية NEAR، قاربا ضيق المقدمة، عريض المؤخرة، يحوي فوهة واضحة على ظهره المقعر. وتبين وفرة الروابي الصغيرة وكبر حجم الحطام حول هذه الفوهة تأثير الثقالة خلال تكونه. وتوجد في داخله صخرة توقفت في منتصف الطريق إلى قاع الفوهة، ويبدو أنها “لم تتمكن من تبين الاتجاه نحو الأسفل.” وثمة منطقة محفورة واضحة تماما في الجانب المقابل، وهي كبيرة إلى درجة تجعلها تمثل معلمًا كبيرًا من الشكل الإجمالي لإيروس. ولو كانت ناجمة في الأصل عن صدمة، وهذا أمر محتمل، فلا بد أن يكون تشكُّلها أدى إلى تصدع إيروس إلى بضع قطع كبيرة مغطاة بشظايا وأنقاض أصغر حجما.
يرتبط الاسم إيروس(3) بحب خجول مع الأرض. ولسوء الحظ، فقد ينتهي هذا الحب بحادث مؤسف. وقد أدت حسابات<P. فارينيلا> [من جامعة تريستا] و<P. مايكل> [من مرصد نيس] إلى أن احتمال اصطدام إيروس بالأرض يبلغ 5 في المئة في البليون سنة المقبلة، وأن شدته تفوق ذلك الاصطدام الذي أسفر عن انقراض الدينوصورات.
|
تحولت إلى كسارة صخرية
بيد أن الأرصاد والنمذجة تثبت شيئا آخر. إذ إنه يعتقد الآن بأن معظم الكويكبات التي يتجاوز قطرها كيلومترا واحدا هي تجمعات لقطع صغيرة. هذا وإن تلك الكويكبات التي صُوِّرت بميزٍ عال high resolution تقدم أدلة على وجود غلاف حتاتي وفير عليها على الرغم من ثقالتها الضعيفة. ويوجد على معظمها واحدة أو أكثر من الفوهات الكبيرة جدا، بعضها يتجاوز قطره القطر الوسطي للجسم كله. إن الصدمات الهائلة لا يمكن أن يكون تأثيرها مجرد إحداث فوهات، بل إنها كفيلة بتفتيت أي جسم مؤلَّف من قطعة صخرية واحدة إلى شظايا، ويستند أيضا الدليل على هذا التشظي إلى القياسات المتوفرة للكثافة الحجميةbulk density للكويكبات، التي تبين قيمتها المتدنية إلى حدٍّ بعيد أنها مسكونة بفجوات فارغة غير معروفة الحجم.
زيارات الكويكبات
حفلة الموسيقى الصخرية
إيروس Eros
رقم الفهرس الرسمي: 433 الأبعاد: 33x13x13 كيلومتر الكثافة: 2.7 غرام في السنتيمتر المكعب نمط المدار: قريب من الأرضي الرتبة الطيفية: S دور التدويم: 5.27 ساعة
گاسپرا Gaspra رقم الفهرس الرسمي: 951. الأبعاد: 19x12x11 كيلومتر الكثافة: غير معلومة. نمط المدار: من نمط مدارات (عائلة فلورا Flora family) الموجودة في الطوق الرئيسي Main belt الرتبة الطيفية: S. التدويم: 7.04 ساعة گاسپرا هو أول كويكب تزوره سفينة فضائية وكان ذلك عام 1991 عندما اقتربت منه السفينة گاليليو وهي في طريقها إلى المشتري. وقد حاجّ بعض العلماء في أن التقعرات الستة الكبيرة الموجودة على سطحه ليست منخفضات قمعية (فوهات)، لكنها سطوح صغيرة تكونت حين انفصل گاسپرا عن كويكبه الأم. ومن ناحية أخرى فمن الطبيعي أن تتخذ أكبر فوهات الصدم، في ظل الثقالة الضعيفة غير المنتظمة لگاسپرا، مثل هذا الشكل المنبسط المنكفئ الذي له جانب منخفض وآخر مرتفع.
كاستاليا Castalia رقم الفهرس(7) الرسمي: 4769. الأبعاد: x0.8 18كيلومتر الكثافة: 2.1 غرام في السنتيمتر المكعب (على السطح). نمط المدار: يقاطع مدار الأرض الرتبة الطيفية: S. دور التدويم: 4 ساعات كان كاستاليا أول كويكب جرى تصويره. ففي الشهر8 / 1989كان يسير على بعد 11 مسافة قمرية عن الأرض ـ وتظل هذه المسافة بعيدة جدا بالنسبة إلى المقاريب الضوئية، لكنها قريبة إلى حدٍّ ما لأجهزة الرادار. وقد قام < J.S. أوسترو> ومجموعته [من مختبر الدفع النفاث] بتوجيه حزم دقيقة وقوية إلى هذا الكويكب من أكبر مقراب راديوي في العالم، وهو ذاك المقام في أريسيبو بپورتوريكو. ويوحي شكل كاستاليا، الشبيه بحبة الفول السوداني، بأنه مكون من قطعتين، قطر كل منهما 800 متر، متماسكتين معا على الرغم من الثقالة الضعيفة جدا. وتبين الأصداء الرادارية، الواردة من كويكبات أخرى تتقاطع مداراتها مع مدار الأرض، أن هذا الشكل المكون من قطعتين متماسكتين مألوف في الكويكبات.
توتاتيس Toutatis رقم الفهرس الرسمي 4179. الأبعاد: x2.4×1.9 4.5كيلومتر الكثافة: 2.1 غرام في السنتيمتر المكعب (على السطح). نمط المدار: يقاطع مدار الأرض الرتبة الطيفية: S. التدويم: دورانان منفصلان (5.41 يوم و7.35 يوم)
منذ الأرصاد الأولى التي أجريت لكاستاليا، سنحت فرص أفضل لكشف الكويكبات راداريا، وكان أشهرها اكتشاف الكويكب توتاتيس. وبسبب التأثير القوي لثقالة الأرض، فإن مداره شواشي. كذلك فهو يتهادى بنمطين من الحركة يندمجان معا لتوليد تدويم غير دوري. هذا والزائر لهذا الكويكب لن يرى البتة الأفق نفسه مرتين. وفي29/9 / 2004سيتقرب توتاتيس مسافة من الأرض تقدر بأربع مسافات قمرية، وعندها يصبح مرئيا بوساطة المنظار ذي العينيتينbinoculars. ڤيستا Vesta رقم الفهرس الرسمي: 4. الأبعاد: طول قطره 525 كيلومتر. الكثافة: 3.3 غرام في السنتيمتر المكعب نمط المدار: مثل مدارات الطوق الرئيسي. الرتبة الطيفية: V. دور التدويم5.34 : ساعة کيستا هو الكويكب الوحيد بين الكويكبات الكبيرة الذي له سطح صخري بازلتي مكوّن من جريانات لابة (حمم بركانية) lava قديمة. ومن الواضح أن مادته توزعت في الماضي السحيق إلى طبقات، وأنه تعرض لكثير من العمليات الجيولوجية نفسها التي حدثت في الأرض أو المريخ في باكورتيهما. ويمكن الافتراض بأن عشرات من الأجسام الشبيهة بکيستا كانت موجودة في وقت ما، لكنها تحطّمت وتحوّلت إلى مجموعات من الكويكبات الصغيرة. ويُظن أن الأحجار النيزكية الحديدية انطلقت من قلوب هذه العوالم المدمَّرة، وأن الأحجار النيزكية البركانية جاءتنا من قشورها وأوشحتها. وفي عام 1996 حصل مقراب هبل الفضائي على هذه الصورة لکيستا، التي تُظهر منخفضا قمعيا ضخما قطره 430 كيلومتر. وربما كان هذا المنخفض القمعي، الذي عمره نحو بليون سنة، مصدر الكويكبات الصغيرة التي لها شكل الحرف اللاتيني V، والتي نرصدها حاليا.
ماثيلد Mathilde رقم الفهرس الرسمي: 253. الأبعاد: x48x46 66كيلومتر الكثافة: 1.3 غرام في السنتيمتر المكعب. نمط المدار: مثل غيره من مدارات الطوق الرئيسي الرتبة الطيفية: C. دور التدويم: 17.4 يوم
أنجزت السفينة الفضائية NEAR، وهي في طريقها إلى إيروس، أول مواجهة بين سفينة فضائية وكويكب بدائي من الرتبة الطيفية C، وهذا الكويكب الأحلك سوادا من الفحم، والذي له شكل كرواني، هو أكبر كويكب جرت زيارته حتى الآن، وواحد من أبطأ الكويكبات دورانا حول نفسها؛ ثم إنه يسلك في حركته مدارا متطاولاً جدا يمتد إلى البقاع الخارجية من الطوق الرئيسي. وبسبب حرف ماثيلد لمسار السفينة الفضائية قليلاً تمكنا من تحديد كتلته. وتقدر كثافته المستنتجة بأقل من نصف كثافة أقرب الأحجار النيزكية المماثلة المكوَّنة من كوندريتات كربونية carbonaceous chondrites، ومن ثمَّ فإذا كان ماثيلد مكوّنا من هذه المادة نفسها، وجب أن تكون مخلخلة جدا. يسري هذا الكلام أيضا على كويكب آخر من الرتبة الطيفية C، وهو يوجينيا Eugenia الذي دُرِس منذ عهد قريب بالاستعانة بمقراب مُقام على الأرض مزود بتجهيزات ضوئية تكيفية(8)adaptive معقدة. والفوهات العملاقة مذهلة، وقطر كثير منها أكبر من نصف القطر الوسطي لماثيلد، بيد أنه لا يوجد على أي منها حافات أو رواسب من المقذوفات التي يرتبط وجودها بالفوهات الكبيرة على عوالم أخرى. وأيضا، لم يحدث أن تشوه أي من هذه الفوهات نتيجة لصدمة تالية، حتى إننا لا نستطيع تحديد الصدمة التي حدثت أولاً وتلك التي حدثت أخيرا. ويبدو هذا وكأن آلهةً ما قد أتت وقضمت أقساما ضخمة من هذه التفاحة الكونية.
أَيْدا Ida وداكتيل Dactyl رقم الفهرس الرسمي: 243. الأبعاد: x24x21 56كيلومتر. الكثافة: نحو 2.5 غرام في السنتيمتر المكعب نمط المدار: من نمط مدارات عائلة كورونيس Koronis family في الطوق الرئيسي الرتبة الطيفية: S. دور التدويم: 4.63 ساعة بعد سنتين من زيارة سفينة الفضاء گاليليو لگاسپرا، اقتربت هذه السفينة من الكويكب أيدا، الذي يقع مداره في الطوق الرئيسي. وقد أسفرت هذه المواجهة عن حدث عظيم ألا وهو اكتشاف داكتيل ـ وهو أول تابع معروف لكويكب قطره 1.4 كيلومتر فقط. وقد استعمل فريق گاليليو مدار داكتيل لحساب كتلة أيدا. الكثافة المستخلصة أقل كثيرا من كثافة أقرب أنماط الحجارة النيزكية المعروفة المكونة من كوندريتات عادية، ومن ثم يجب أن يكون لأيدا تركيب مختلف أو أن يكون تركيبه مساميا. ويعتقد البعض بأن داكتيل تجمَّع من مقذوفات بطيئة انطلقت من أكبر فوهات أيدا، مع أن هذا أمر من الصعب جدا تحقيقه ديناميا (تحريكيا). وقد بين <D. دوردا> [من معهد بحوث ساوث وست في بولدر بكولورادو] احتمال أن يكون داكتيل وأيدا تكوّنا على شكل زوج قبل بليون سنة أو أكثر، وذلك عندما تمزق الجسم الأكبر (الأب) الذي كان أيدا جزءا منه، لكن من الصعب تفسير كيف تمكن داكتيل من البقاء هذه الحقبة الطويلة من الزمان من غير أن يدمَّر.
|
واختصارا نقول إن الكويكبات التي يتجاوز قطرها كيلومترا واحدا قد تبدو وكأنها شذرات من الصخر الصلب، لكن الأكثر احتمالا هو أنها تجمعات شظايا صخرية، أو حتى أكوام من الكسارات الصخرية الضعيفة الترابط والتي سبق أن تشظت وانتشرت بشدة بحيث لم تترك طبقة متصلة من الصخر الصلب. وقد قُدِّمت فرضية أكوام الكسارات الصخرية هذه لأول مرة قبل عقدين من قبل < D. ديڤيز> و< C. تشاپمان>، وكلاهما يعمل في معهد علم الكواكب في توسون، ولكنهما لم يظنا حينذاك أنها تسري على مثل هذه الأبعاد الصغيرة.
وبعد وقت قصير من طيران سفينة الفضاء NEAR قريبا من الكويكب ماثيلدMathilde، وذلك قبل ثلاث سنوات عندما كانت في طريقها إلى إيروس Eros، أدرك عالم الكواكب الراحل <M.E. شوميكر> (الذي أعيدت تسمية البعثة NEAR باسمه) أن الفوهات الضخمة على هذا الكويكب، وكثافته البالغة الانخفاض، هما سمتان لا تفسَّران إلا مجتمعتين: فالجسم المسامي، مثل كومة الكسارة الصخرية الضعيفة الترابط، يمكن أن يقاوم محاولة سحقه بدرجة أفضل من الجسم المتماسك؛ ذلك لأنه يمتص ويشتت جزءا كبيرا من طاقة أي صدمة، لدرجة أن الجانب البعيد من الكومة ربما لا يحس بأي شيء. وكتشبيه واضح لهذا هو الفرق بين إطلاق رصاصة على كيس من الرمل وإطلاقها على زهرية مصنوعة من الكريستال.
حجر من الصوّان أو ركام من كسارة الصخور
صدمات عميقة حقا
هذا الكويكب مكون من كومة من كسارة الصخور، والذي تحمل بنيته المتشظية آثار جميع الصدمات السابقة التي أصابته، ضُرِبَ ثانية بكويكب أصغر منه بسرعة عالية. ومثل هذه التصادمات العنيفة شائعة إلى حد ما. |
يبقى الانفجار العنيف على مجمل الجسم محصورا في منطقة محددة، وفي خلال بضع دقائق بعد هذا الانفجار تكون أجزاء الركام الصغيرة الحجم والسريعة قد أفلتت بعيدا، أما الأجزاء الأكبر فتندفع إلى الخارج ببطء. |
تفلت بعض القطع الكبيرة، وبعضها يعود. وبعد بضعة أيام يكون كل شيء قد استقر على السطح. وبمرور الزمن سيغطى الجرح بالأنقاض التي قُذفت بفعل القصف وغيره من السيرورات. |
ما الذي يمكن قوله عن الأشكال المثلَّمة لمعظم الكويكبات؟ يخبرنا الحدس أن الطبوغرافيا المثيرة الغريبة تقتضي الصلابة. بيد أن النظرة الأولى قد تكون خادعة. فعند قياس الميل المحلي بالنسبة إلى المجال العشوائي للثقالة على أي كويكب أو مذنب مصوّر، نجد أنه لا يتجاوز زاوية ارتكاز angle of repose نموذجية (نحو 45 درجة)، وهي الزاوية التي تبدأ فيها الأنقاض الطليقة بالتدفق نحو الأسفل. وفي المناطق ذات الميل الأعظمي، نرى حقّا أنقاضا تنزلق نحو الأسفل، وبعبارة أخرى، من الممكن أيضا أن تكون الأجسام الصغيرة مكونة من جلاميد صخرية صغيرة مدورة، أو حتى من حبات رمل، لكنها تبقى محافظة على شكلها. هذا وإن الكثيبات الرملية هي سلاسل منفصلة، لكنها ليست مؤلفة من قطعة واحدة monolthic. إن التدويم السريع يسهم في أن تتخذ كومة الكسارات الصخرية شكلا متطاولا كثير التكتلات.
ظهر أول دعم مباشر لفرضية كومة الكسارات الصخرية عام 1992 عندما اقترب مذنب شوميكر-ليڤي Shoemaker-Levy-9 اقترابا كبيرا من المشتري ثم تمزق إلى دستتين من القطع. وبعد مرور عامين على ذلك، تصادم هذا “الحبل من اللآلئ” بالكوكب العملاق(9).
ويوحي نموذج ابتكَرْتُه بالتعاون مع < W. بنز> [من جامعة بيرن] أنه لم يكن بالإمكان تشظي المذنب على النحو الذي فعله إلا إذا كان مؤلفا من مئات الحبيبات غير المحكمة الترابط التي كانت تنهار انهيارا كونيا بطيئا. وعندما كان المذنَّب يتمدد بفعل المد والجزر على المشتري، كانت الحبيبات تتجمع بفعل التثاقل في تكتلات، مشابهة إلى حدٍّ كبير الماء الذي يتخذ شكل قطرات كبيرة في نافورة. ومن تشظي المذنب هذا وضعنا فرضية تذهب إلى احتمال أن يكون للمذنبات بنى حبيبية كثافتها تعادل تقريبا ثلثي كثافة الجليد المائي. وما ينطبق على المذنبات قد يسري أيضا على الكويكبات.
إن فرضية كومة الكسارات الصخرية مزعجة من ناحية مفاهيمها، فشدة التماسك المادي للكويكب قريبة من الصفر، والثقالة منخفضة إلى حدٍّ بعيد يغريك بإهمالها أيضا. ولكن ما الذي يبقى بعد ذلك؟ الحقيقة هي أنه لا يمكن تجاهل الشدة ولا الثقالة. ومع أن الثقالة قد تكون تافهة، غير أنها تشد كومة الكسارات الصخرية بعضها إلى بعض. وكل من حاول بناء قلاع رملية يعرف تمام المعرفة أنه حتى حبات الرمل غير المتماسكة يمكن أن تتلاحم. هذا وإن تفاصيل الحركة التي غالبا ما تهمَل يصبح لها شأن، مثل الاحتكاك الانزلاقي والترابط الكيميائي وتخامد الطاقة الحركية والجذب الكهرستاتيكي، وغيرها. (في الحقيقة، يمكن للجسيمات المشحونة الصادرة عن الشمس أن تجعل الغبار الموجود على السطح يرتفع إلى الأعلى لفرط خفته.) ونحن الآن في بدايات سبر أغوار التفاعل الدقيق بين هذه القوى المفرطة في صغرها.
إن الكويكب الصلب، المكوّن من قطعة صخرية واحدة، يستجيب للصدمات بطريقة مختلفة جدا عن استجابة كويكب مكوّن من الكسارة الصخرية ـ تماما مثلما يستجيب جذع شجرة لضربة فأس بطريقة مختلفة عن استجابة كومة من رقاقات الخشب. |
تنتشر موجة الصدمة في أعماق الكويكب، مبعثِرَة الجسم كله إلى قطع. وتفلت أسرع القطع المقذوفة في الحال تاركة الشظايا الأكبر لتقوم “برقصة” تثاقلية لطيفة تستمر عدة ساعات. |
يستقر العديد من هذه الشظايا في كومة من الكسارة الصخرية، ولما كان من السهل جدا تحويل صخرة صلبة إلى كومة من الكسارة الصخرية، لذا لا يتبقى سوى بضعة كويكبات قطر كل منها أكبر من بضع مئات من الأمتار وتتكون من قطعة صخرية واحدة صلبة. |
ويتعين على حجم كويكب أن يحدد ماهية القوة المهيمنة، وإحدى العلامات هي النمط المرصود لمعدلات تدويم الكويكبات، فبعض الصدمات يجعل الكويكب يسرع في هذا التدويم، وبعضها الآخر يبطئه، ولو كان كل كويكب مكونا من قطعة صخرية واحدة تتعرض إلى صدمات عشوائية، لتعيّن على الخط البياني لمعدلات تدويمه أن يبدي توزعا شبيها بالجرس له “ذيل” إحصائي من المدوِّماتrotators السريعة جدا. بيد أنه لو كانت معظم الكويكبات أكواما من كسارات الصخور، لما كان ثمة وجود لهذا الذيل، ذلك أن أي كومة من الكسارات الصخرية تدوِّم أسرع من مرة واحدة كل ساعتين أو ثلاث ساعات (وهذا يعتمد على كثافتها الكلية)، لا بد من أن تطير متباعدة عن بعضها بعضا. وجدير بالذكر أن < A. هاريس> [من مختبر الدفع النفاث (JPL) في پاسادينا بكاليفورنيا] و<P. پراڤيك> [من أكاديمية علوم الجمهورية التشيكية في براغ] وزملاءهما اكتشفوا أن جميع الكويكبات، باستثناء خمسة منها، تخضع لحدودٍ تدويمية صارمة (إذ لا يمكن أن تدوِّم أسرع من 10 مرات تقريبا في اليوم) [انظر الشكل في أعلى الصفحة 14]. والكويكبات المستثناة هي تلك التي تقل أقطارها عن نحو 150 مترا. ويحدث انخفاض سريع في عدد الدورات للكويكبات التي تتجاوز أقطارها 200 متر تقريبا.
والاستنتاج البين هو أن الكويكبات التي تتجاوز أقطارها 200 متر ما هي إلا بنى متعددة المكونات multicomponent أي أكوام كسارات صخرية ـ تنسجم مع النمذجة الحاسوبية الحديثة للتصادمات، التي يحدث فيها انتقال أيضا عندما يبلغ القطر 200 متر تقريبا. ويمكن لصدمة ما أن تمزق كويكبا كبيرا، وتحوِّله إلى أشلاء، لكن هذه الأشلاء تتحرك عادة بسرعة أبطأ من سرعة الانفلات المتبادلة (التي حُدِّدت بناء على الملاحظات العملية بأنها تساوي نحو متر في الثانية لكل كيلومتر من نصف القطر). وتقوم الثقالة طوال عدة ساعات بإعادة تجميع كل القطع، باستثناء أسرعها، في كومة من الكسارة الصخرية [انظر الشكل في أعلى الصفحة 19]. ولما كانت التصادمات بين الكويكبات كثيرة الحدوث نسبيا، فقد لاقت معظم الأجسام الكبيرة هذا المصير نفسه. وعلى العكس، فإن معظم الكويكبات الصغيرة يجب أن تكون قطعة صخرية واحدة، ذلك أن الشظايا الناجمة عن الصدمة تفلت بسهولة من الثقالة الضعيفة للكويكبات.
ومن الوجهة الكيفية، يحافظ الكويكب “الصغير” على طبوغرافيته المثيرة الغريبة، ولا تحتفظ فوهاته الصدمية بالأنقاض التي تخلفها الصدمة، وتبدو شبيهة بإحدى الدشم المحصنة تحت الأرض التي نشاهدها في الأفلام الحربية بعد أن تم تُدمّر. أما الكويكب “الكبير” فهو تجمع لقطع صغيرة يمكن للثقالة والتصادمات العشوائية أن تمنحه شكلاً مدورًا، أو شكلاً متطاولاً إذا كان يدوِّم بسرعة كبيرة. وستكون لفوهاته حافات مرتفعة وترسبات من المواد المقذوفة، ثم إن سطحه سيكون مغطى بغلاف حتاتي. لكن هذا التمييز الحجمي للكويكبات ليس دقيقا جدا. فالكويكب ماثيلد يمكن اعتباره صغيرا بسبب عدم وجود حافات مرئية أو أنقاض مترسبة حول فوهاته الضخمة، أو كبيرا لأنه كرواني spheroidal تقريبا. وقد يبدو الكويكب الصغير داكتيل Dactyl كبيرا لأنه كرواني ويحوي فوهات متطورة. وهذا الغموض علامة على أن الأساس الذي يقوم عليه علم الكويكبات مشكوك فيه.
قيمة الصدمة(10)
إذا عرفنا أن علماء فيزياء الأرض (الجيوفيزيائيين) مازالوا يدرسون كيفية تحرك الرمال وكيفية حدوث انهيارات الصخور والتربة على سطح الأرض، فلا بد من أن نكون متواضعين عند محاولة فهم الكويكبات المختلفة الأنواع. وثمة مقاربتان تُتبعان في دراسةِ واحدةٍ من الصفات المميزة للكويكبات، وهي كيفية استجابتها للصدمات.
ويقوم <D. ريتشاردسن> وزملاؤه [من جامعة واشنطن] بمحاكاة الكويكبات بأكوام من الكرات المنفصلة، وكما هي الحال في كرات البلياردو الكونية الموجودة على طاولة مفتولة بفعل الثقالة فإن هذه الكرات تضرب إحداها الأخرى، وترتد وتتباطأ بسبب الاحتكاك وأشكال أخرى من تبدد الطاقة. فإذا كانت الكرات تملك ما يكفي من طاقة الصدم، فإنها تتشتت، وبوجه أعم، فإن بعضها أو جميعها تتجمع ثانيةً معا. ويفيد نموذج ريتشاردسن بوجه خاص في دراسة تقابلات التنامي اللطيفة في بواكير عمر النظام الشمسي، وذلك قبل بدء السرعات النسبية بالتزايد نتيجة التأثير التثاقلي لكوكب المشتري الحديث الولادة. وقد تبين في النهاية أنه من الصعب جدا على النوى الكوكبية أن تجمع مادة حتى خلال أضعف التصادمات.
البعثات القادمة
المستقبل القريب
قبل أن تطأ قدما أي منَّا سطح كويكب، يجب أخذ عيّنات من الكواكب الصغيرة، تماما كما فعلنا بالقمر قبل أن تتمكن أپولو 11 من الهبوط عليه. ولهذا الغرض سيتابع كثير من البعثات الفضائية الجديدة العمل الناجح الذي قامت به السفينة الفضائية NEAR.
ستجمع اثنتان من هذه البعثات الفضائية عينات وتعيدها إلى الأرض. وفي الشهر2/1999 أطلقت الوكالة ناسا السفينة الفضائية ستاردست Stardust باتجاه المذنَّب وايلد Wild 22، ومن المتوقع عودتها إلى الأرض عام 2006 حاملة قطعة من ذيله (بعض الحبيبات من غبار ثمين). وتخطط وكالة الفضاء اليابانية لإطلاق المسبار الفضائي MUSES-C عام 20022 ليجمع مادة من الكويكب نيريس Nereus. وسيحرر هذا المسبار جهازا “نطّاطا” من صنع الوكالة ناسا، وسوف يقوم بقفزات مثل برغوث على سطح الكويكب [انظر الصورة]. ومع أنه يوجد لهذا الجهاز عجلات، فلا أحد يستطيع أن يخمن ما إذا كان هذا النطّاط قادرا على الحصول على الاحتكاك الكافي لدفعه. ومنذ عهد قريب اختير عام 2002 لإطلاق السفينة الفضائية التي تدعى “رحلة لنواة مذنب” Comet Nucleus Tour أو Contour، والتي وضع لها برنامج لتفْحص عن كثب نواتين مذنبتين مختلفتين عامي 2003 و 2006، وربما نواة ثالثة عام 2008، وثمة مسبار مذنبات آخر ـ هو روزيتا Rosetta التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ـ ينتظر أن ينطلق عام 20033 ليتقابل عام 2011 مع المذنب ويرتانين Wirtanen (وهو مذنب بعيد يندفع نحو النظام الشمسي الداخلي نتيجة مواجهته لكوكب المشتري). وسيزور هذا المسبار أيضا كويكبين صغيرين في طريقه. وسيراقب روزيتا المذنب ويرتانين خلال حركته من النظام الشمسي الخارجي إلى أقرب نقطة له من الشمس، وسيرصد تغيراته من عالم جليدي بارد هادئ إلى عالم ثائر مغطى بالغازات. ستكون أول بعثة تُجري تجربة جيوميكانيكية على كويكب هي Deep Impact، التي لو سارت أمورها على ما يرام، لأحدثت فجوة كبيرة في المذنب تمپل Temple 11 باستعمال قذيفة نحاسية وزنها 500 كيلوغرام. أما كبر هذه الفجوة فيتوقف على الخواص المذنبية التي نأمل أن نعرفها. ويمكن لبعثة مشابهة، ربما أقل إثارة، أن تقوم بتصوير زلزالي للقسم الداخلي من كويكب بإطلاق وابل من الرصاصات “الذكية” ـ وهي قذائف مصفحة يحوي كل منها مقياسا للتسارع accelerometer ومرسلاً راديويا radiotransmitter. ولن يسجل كل مقياس تسارع تباطئه الذاتي الدقيق في السطح الكويكبي فحسب ـ ليعلمنا ما إذا كان صَدَمَ مسحوقا دقيقا أو حصًى أو صخرا صلبا ـ بل سيسجل أيضا الإشارة الزلزالية الآتية من الرصاصات الأخرى وهي تندفع خلال دورة واحدة للكويكب حول نفسه. وتبين هذه المعلومات مجتمعة بنية القسم الداخلي من الكويكب، تماما كما توصل الجيولوجيون إلى معرفة البنية الداخلية للأرض بالإصغاء إلى الهزات الأرضية.
|
أما التصادمات بسرعات عالية، التي كانت أكثر شيوعا في الأربعة بلايين سنة السابقة، فإنها أكثر تعقيدا لكونها تتضمن تفاصيل الصفات المميزة للمادة مثل المقاومة، والتكسر الهش، والتحولات الطورية، وتوليد موجات الصدم وانتشارها. وقد ابتكرتُ، وبنز تقنيات حسابية للتعامل مع هذه الحالة. وبدلاً من شطر الكويكب المستهدف إلى كرات منفصلة، فإننا نعامله على أنه جسم متصل، وإن كان يحوي طبقات، أو صدوعا، أو شبكات من الفجوات.
ونشاهد في واحدة من المحاكيات العينية جسما كتلته 6000 طن يصدم الكويكب كاستاليا Castalia الذي كتلته بليون طن بسرعة خمسة كيلومترات في الثانية. ويحرر هذا التصادم 17 كيلوطنا من الطاقة، وهذا يعادل انفجار هيروشيما ـ وهو كاف لتحطيم كاستاليا. ونحن نحاكي كاستاليا بجسم مكوَّن من قطعتين، تثبت الثقالة إحداهما بالأخرى. وتتبخر القذيفة وكتلة مساوية لها من كاستاليا في غضون بضعة ملي ثوان، كما تتولد موجة إجهاد قوية. وبسبب عدم إمكان موجة الصدم من الانتشار في الخلاء، فهي ترتد عن السطوح، ومن ضمنها الصدع الكائن بين قطعتي الكويكب، ومن ثم لا يصيب القطعة البعيدة عن منطقة الصدمة أي دمار. أما القطعة القريبة منها فتنشطر إلى عشرات من الشظايا الكبيرة التي تحتاج إلى ساعات لتتشتت؛ وأما كبرى هذه الشظايا فتتجمع في نهاية المطاف، وهذا الناتج له حساسية شديدة لما نبدأ به، إذ إن التشكلات الأولية والوسطاء (العوامل) المادية الأولية الأخرى (التي مازالت مجهولة عموما) تؤدي إلى نواتج شديدة الاختلاف. وعلى سبيل المثال، من الصعب تدمير الكويكبات التي تنشأ عن أكوام من الكسارات الصخرية.
لقاء مع إيروس(11)
يمكننا أيضا أن نعمل باتجاه عكسي، مستخلصين الخاصيات الصخرية لكويكب محاولين الانطلاق من تخمينات أولية مختلفة مع مقارنة المحاكيات بالأرصاد. وكمثال على ذلك، فقد عملت مع < P. توماس> [من جامعة كورنيل] لإعادة تكوين re-create أضخم فوهة على سطح ماثيلد بأكبر دقة ممكنة: قطرها وهيئتها (وهذا أمر سهل)، وافتقارها إلى صدوع نتيجة تمزقات أو أضرار أصابت الفوهات الموجودة على الكويكب (وهذا أمر أصعب إلى حدٍّ ما)، وعدم وجود ترسبات من المقذوفات (وهذا صعب جدا).
ولو افترضنا أن ماثيلد كان في الأصل صلبا ومكونا من قطعة واحدة لكان من الممكن لنموذجنا إعادة تكوين الفوهة، لكنه يتنبأ بأن الكويكب لا بد أن يكون قد انشطر إلى عشرات من القطع، وهذا مخالف للأرصاد. أما لو افترضنا أن ماثيلد كان في الأصل كومة من الكسارة الصخرية، كما يقترح شوميكر، لكان نموذج الصدم الذي صممناه منسجما بسهولة مع الأرصاد. وقد حاجّ أيضا < K. هاوسن> [من مختبر فيزياء الصدم التابع لشركة بوينگ] وزملاؤه، في أن ماثيلد هو كومة من الكسارة الصخرية، مع أنهم يعتبرون فوهاته حُفَر رص(12)compaction pits ـ مثل نقر في كيس قماشي مملوء بحبات الفول ـ وليست معالم محفورة.
إن فهم البنية الكوكبية أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى البعثات الفضائية المستقبلية. فلن تستجيب كومة من الكسارة الصخرية كقطعة صخرية واحدة إذا كنا نأمل في جمع مادة تعاد إلى الأرض كعينة، أو كنا نريد في المستقبل البعيد بناء مقاريب ترسل بياناتها من بُعْد، أو القيام بعمليات تنقيب عن معادن، أو محاولة حرف مسار كويكب متجه إلى الأرض لتدميرها. والثقالة غير المنتظمة هي مشكلة أيضا؛ وهذا يجعل مدارات السفن الفضائية حول المذنبات والكويكبات شواشية، ومن ثم يصعب تفادي تحطمها على سطوحها، ناهيك عن توجيه آلات التصوير والأجهزة؛ لذا فإن البعثة الفضائية NEAR تنجز معظم مهماتها العلمية وهي بعيدة عن إيروس مسافة تساوي مئة كيلومتر أو يزيد، وعلى هذه المسافة تكون ثقالة هذا الكويكب غير المنتظم الشكل ـ الذي يدوِّم بسرعة، والذي يشبه حبة من البطاطا ـ مماثلة لثقالة كرة. هذا وإن انحراف هيئة مدار السفينة عن الهيئة التقليدية الإهليلجية للمدارات سيُمَكِّن علماء هذه السفينة الفضائية من قياس توزع الكثافة داخل إيروس.
وبدوران NEAR حول إيروس بسرعة راكبِ دراجةٍ هوائية (بسبب ثقالته الضعيفة)، فإنه يستطيع توجيه سيل من البيانات (المعطيات) إلى الأرض، هدفها الرئيسي إيضاح الرابطة بين الكويكبات والأحجار النيزكية، وتقوم آلات التصوير برسم خريطة لهذا الجسم بميز قدره بضعة أمتار، ثم إن المطاييف تحلل تركيبه المعدني، كما يقوم مقياس للمغنطيسية magnetometer بالبحث عن مجال مغنطيسي محلي وعن تآثراته مع المجال الشمسي. وستسبر بعثات فضائية قادمة الكويكبات والمذنبات بتفصيل أكبر باستعمال سلسلة أوسع من التجهيزات مثل المرْكبات التي تحط على السطح، وآلات اختراق التربة وأخذ العينات.
ستساعد هذه الاكتشافات على سد ثغرة مفاهيمية واسعة في علم الفلك. فنحن لا نفهم تماما الأجسام الكوكبية الصغيرة، حيث الثقالة والشدة تتنافسان أحيانا على نحوٍ متكافئ. إن الكويكبات هادئة كالقمر، ومع ذلك يحتمل أن تكون زلزالية، وهي كبيرة بالقدر الكافي لتظل متمسكة بقطعها، ومع ذلك فهي أصغر من أن تفقد شكلها الغريب، إنها ليست صخورا ولا كواكب، إنها شيء من الأرض والسماء.
المؤلف
Erick Asphaug
يتذكر الأيام التي كان يلعب فيها لعبة ڤيديو الكويكبات قائلاً: “تحصل على قطعتين كبيرتين، وربما قطعتين أصغر، إذا أصبت كويكبا. وفي الواقع، إنك تحصل على المئات من القطع الصغيرة السريعة وبعض القطع الأكبر التي تملأ شاشتك بأنقاض مزعجة”. وإضافة إلى طموحاته في اللعب، يهتم أسفوك بالحدائق، ويعزف على الگيتار لإمتاع ابنه هنري (سنتان). وهو يحاكي تصادم الكويكبات باستعمال حاسوب فائق من النوع Cray T3E. وهو باحث في جامعة كاليفورنيا بسانتاكروز. واعترافا بقيمة بحوثه، مُنِح أسفوگ جائزة أوري Urey Prize عام 1998 من قبل الجمعية الفلكية الأمريكية.
مراجع للاستزادة
HAZARDS DUE TO COMETS AND ASTEROIDS. Edited by Tom Gehrels. University of Arizona Press, 1994.
MINING THE SKY. John Lewis. Addison-Wesley, 1996.
DISRUPT-ION OF KILOMETRE-SIZED ASTEROIDS BY ENERGETIC COLLISIONS. Erik Asphaug, Steven J. Ostro, R. S. Hudson, D. J. Scheeres and Willy Benz in Nature, Vol. 393, pages 437-440; June 4, 1998.
METEORITES AND THEIR PARENT PLANETS. Second edition. Harry McSween. Cambridge University Press, 1999.
ASTEROID FRAGMENTATION AND EVOLUTION OF ASTEROIDS. Eileen Ryan and William Bottke. Annual Reviews of Earth and Planetary Science, Vol. 28, pages 367-389. An¬nual Reviews, 2000.
For updates on the Near Earth Asteroid Rendezvous mission, visit http://near.jhuapl.edu
For general information on near-Earth objects, go to http://neo.jpl.nasa.gov
The author’s Web site is at http://planet.ucsc.edu
Scientific American, May 2000
(*)The Small Planets
(1) The Sky Is Falling
(2) الفوهة، أو المنخفض القمعي، حفرة دائرية ذات حافة مرتفعة.
(3) by Walter Alvarez “,An Extraterrestrial Impact”
Frank Asaro; Scientific American, October 1990-
(4) royal flush: قيامك بسحب مجموعة من أوراق اللعب تحمل النقش نفسه وتنتظم في سلسلة هي: الآس والملك والملكة والولد والعشرة.
(5) طبقة من أنقاض غير متماسكة تغطي صخر الأساس وتكون سطح الكويكب.
(6) Eros، هو إله الحب عند الإغريق. (التحرير)
(7) catalog number دلالة على جرم سماوي تتألف من اسمه الخاص ومن رقمه كما ورد في الفهرس. (التحرير)
(11) Rendezvous with Eros
(12) عملية فقدان التربة والرواسب لفراغاتها المسامية كرد فعل للثقل المتزايد لما يعلوها من مواد. (التحرير)