السعي إلى المصباح الكهربائي النهائي
السعي إلى المصباح الكهربائي النهائي(*)
صارت الديودات المصدرة للضوء بطيفه الكامل واسعة الانتشار،
وبدأ السباق لتطوير طُرُز منها تصدر ضوءًا أبيض لكي تحل محل
مصباح أديسون المتوهج الذي مضى على اختراعه قرن من الزمن.
< G .M. كرافورد> ـ <N. هولونياك، جونير> ـ <A .F. كِش، جونير>
في عام 1995 جرى تكريم واحد منا (هولونياك) بمنحه جائزة اليابان Japan Prize لعمله الطليعي في الديودات (ثنائيات المساري) المُصْدرة للضوء والليزرات المصنوعة من أشباه الموصلات. وحينما طُلب إليه إلقاء بضع كلمات حول تقانات المستقبل، أشار ببساطة إلى أنوار السقف قائلاً: “كل هذا سوف ينقرض.”
إن ثمة ثورة قائمة، وهي بالفعل أمام ناظرينا، والفضل يعود إلى الأدوات شبه الموصلة المعروفة بالديودات المصدرة للضوء light-emitting diodes LEDs. وهذه الديودات الضوئية المعروفة لنا حاليًا بأنها تلك المؤشرات الضوئية الصغيرة ذات الوميض الأحمر أو الأخضر التي تعمل في الأجهزة الإلكترونية، بدأت تحل محل المصابيح المتوهجة في كثير من التطبيقات. وسبب ذلك هو أنها تحوِّل الكهرباء إلى ضوء ملون بمردود يفوق مردود نظيراتها المتوهجة، حيث يبلغ هذا التفوق عشرة أضعاف في حالة الضوء الأحمر. وهي متينة ومدمجة compact، ويدوم بعض أنواعها مدة غير مألوفة تصل حتى 100000 ساعة، أي نحو عشر سنوات من الاستخدام المنتظم. في المقابل، يدوم المصباح المتوهج نحو 1000 ساعة فقط. وعلاوة على ذلك، فقد تحسنت شدة ضوء الديودات وألوانها على نحو كبير جعلها الآن ملائمة لشاشات العرض الكبيرة، ولعل مثالها الأشد إثارة للإعجاب هو لوحة إعلانات ناسداك Nasdaq، التي يبلغ ارتفاعها ارتفاع ثمانية طوابق، في ساحة تايمز بمدينة نيويورك.
ويحاول المهندسون حاليًا تخفيض تكاليف إنتاج الديودات الضوئية وتحسين مردودها وتوسيع تشكيلة أضوائها المفيدة. ففي الحقيقة، يمكن جمع خرج output ديودات مصدرة للضوء الأحمر والأخضر والأزرق لتوليد ضوء أبيض، يحقق إنتاج صيغةٍ رخيصة الثمن منه وذات سوق واسعة، جائزةً رائعة للصناعة. ويمكن لهذه الديودات أن تحل يومًا ما محل مصابيح الضوء المتوهجة بعد مضي أكثر من قرن على اختراع توماس إديسون لتلك المصابيح.
لقد حلت الديودات الضوئية فعلاً مكان مصابيح الضوء في حالات عديدة، وإن كان ذلك على نحو أقل إثارة مما هو في لوحة إعلان ناسداك العملاقة. ولعل التطبيقات الجديدة أكثر وضوحًا لسائقي السيارات. ففي أوروبا، يستخدم ما بين 60 و 70 في المئة من السيارات التي يجري إنتاجها الديودات الضوئية كأنوار للمكابح (للفرامل)، تثبَّت في النافذة الخلفية للسيارة، وقد بدأت الولايات المتحدة بالتحرك في هذا الاتجاه أيضًا. وتُستعمل الديودات أيضًا كأنوار خلفية ومؤشرات انعطاف، كما تُسْتخدم كواسمات جانبية side markers على الشاحنات والحافلات. ونحن نتوقع أن تسود الديودات الضوئية في الإنارة الحمراء والبرتقالية الخارجية للسيارات مع نهاية العقد الحالي. أما الديودات الضوئية الأكبر والأسطع فتشق طريقها إلى إشارات المرور الضوئية الحمراء. فنحو 10 في المئة من إشارات التوقف في الولايات المتحدة تحتوي على ديودات ضوئية.
تقليديًّا، تستخدم إشارات المرور الضوئية والأنوار الملونة الأخرى المصابيح المتوهجة التي تغطَّى بمرشح لتوليد اللون الملائم. لكن على الرغم من أن استخدام المرشحات منخفض الكلفة ـ إذ تصدر المصابيح المتوهجة ضوءًا يكلف جزءًا من السِّنت cent لكل لومن lumen (وحدة القياس المعيارية للإضاءة) ـ فإنها طريقة متدنية المردود لإنتاج الضوء. فعلى سبيل المثال، يحجب المرشح الأحمر نحو 80 في المئة من التوهج، مما يخفض مقدار الضوء النافذ من نحو 17 لومن لكل واط إلى ما بين 3 و 5 لومن لكل واط.
وفي مقابل ذلك، يمكن أن تكون كلفة إنتاج كل لومن صادر عن إشارة توقف ذات ديود ضوئي نحو 15 سنتا، لكن هذه اللومنات جميعها تعطي اللون الصحيح. فضلا عن ذلك فإن الديود في إشارة التوقف يستهلك ما بين 10 و 25 واط فقط، يقابلها ما بين 50 و 150 واط يستهلكها المصباح المتوهج الذي يعطي السطوع نفسه. إن هذا الوفر في الطاقة يعوض عن كلفة الديود الأعلى خلال مدة لا تزيد على سنة واحدة. وعندما يُنظر إلى هذا الرقم إلى جانب التكاليف المنخفضة لصيانة الديود، وأجرة شغله، يتضح لنا بسهولة سبب تزايد اهتمام مخططي المدن بالديودات الضوئية.
لقد بدأ مصممو الديكور الداخلي باستعمال الديودات الضوئية منذ بضع سنوات، حين أخذت نماذج شديدة السطوع من جميع الألوان بالظهور. ولما كان كل ديود يعطي لونًا مميزًا، استطاع مستعملو الديودات التحكم التام في جميع ألوان الطيف تقريبًا. فبوضع ديودات ضوئية ذات ألوان مختلفة في صفيف معًا، يتمكن المرء من ضبط الضوء الناجم عن امتزاج أضوائها. فعلى سبيل المثال، يمكن جعل الإحساس بالضوء الأبيض المركب من الأحمر والأخضر والأزرق “أكثر برودة” بتقليل سطوع الديودات الحمراء وزيادة سطوع الزرقاء منها.
توفر هذه المرونة طرائق جديدة لاستخدام الضوء. فعوضًا عن تجديد ورق الجدران أو دهانها، مثلاً، يمكن للمرء أن يتلاعب بضوء الغرفة بضبط نسبة أطوال موجات الضوء المصدر (أطوال موجات الضوء تحدد الألوان). لقد اعتمد متحف متروپوليتان للفنون في مدينة نيويورك على هذا النوع من إنارة الديودات عام 1999 من أجل إضاءة المعرض الخاص بملابس فرقة البيتلز Beatlesالتي ارتدتها عندما أطلقت أغنيتها سارجنت َّپِپِّر s’ Sgt. Pepper (وكانت الإنارة باردة أيضًا ولا تؤذي النسيج). ويمكن للمصورين أيضًا أن يتحكموا تحكمًا تامًّا في منابع الإضاءة الصنعية دون الحاجة إلى المرشِّحات أو الهلاميات المتعبة.
وتوفر الديودات الضوئية أيضًا إمكانات مثيرة للعلوم الطبية. فعلى سبيل المثال، تمكِّن درجة حرارتها المنخفضة والتحكم الدقيق في طول موجة ضوئها وخصائص حزمتها العريضة الباحثين في مجال السرطان من دراسة المعالجة التصويرية الديناميكية للأورام السرطانية على نحو أعلى مردودًا. إذ يتلقى المرضى في هذه المعالجة أدوية حساسة للضوء، تمتصها خلايا الأورام بصورة أفضل. وعندما يصدم ضوء ذو طول موجة ملائم تلك المواد الكيميائية، تتهيج وتدمر الخلايا. وباستخدام صفيف من الديودات المرتبطة معًا، يستطيع الباحثون إنتاج “صفيحة” مستوية من الضوء تهيج الأدوية الحساسة للضوء دون إحداث حروق في جلد المريض.
برج لوحة تسويق ناسداك، وهي أكبر شاشة عرض في العالم، وتضم 18 677 760 ديودًا ضوئيًّا تغطي 736 10قدمًا مربعة. |
نظرة عن كثب
لعل أسهل السبل إلى فحص الديودات المصدرة للضوء بالتفصيل هي أن تشتري بضعة منها، ويمكن أن يكون ذلك بشراء مصباح الوميض الأحمر المستخدم في الدراجة العادية والذي يبلغ ثمنه 15 دولارًا. افتح علبة المصباح، تجد زوجًا من البطاريات ذات الحجم AA تصلها أسلاك مع دارة كهربائية تحتوي على سلسلة من الأزرار knobs الأسطوانية الشفافة العديمة اللون التي يبلغ ارتفاع كل منها نحو16/5 إنش (7.8 مم) بقطر يبلغ 16/3 إنش (4.688 مم). إن كلا من هذه الأزرار الشفافة هو ديود مصدر للضوء.
اضغط مفتاح تشغيل المصباح، يتحول الديود الشفاف إلى اللون الأحمر، باعثًا لونًا يمكن لتألقه أن يجعلك تشعر بالألم إن نظرت إليه مباشرة. وإذا أطفأت المصباح وعاينت الديود عن كثب، رأيت ما يكافئ سلكًا مغروسًا في قاعدته وشيئا يبدو ككأس صغيرة في النصف العلوي تقريبًا. إن هذه الكأس عاكسة، وهي تحتضن شيپة chip شبه موصلة حجمها يقارب حجم حبيبة الرمل. وهذه الشيپة هي “قلب” الديود الضوئي.
وتوجد ضمن الشيپة، طبقة layer تحتوي على كمية وافرة من الإلكترونات، وتوصف بأنها من النوع n (أي سالبة). وهناك شيپة أخرى متوضعة في الأعلى، وهي مصنوعة من مادة تندر فيها الإلكترونات ـ أو بحسب ما يهوى مهندسو الكهرباء تسميته ـ وفرة من الجسيمات المشحونة إيجابيًّا التي تعرف بالثقوبholes. وهذه المادة توصف بأنها من النوع p (أي موجبة). وعند الوصلة ما بين الطبقتين n و p، ثمة طبقة تسمى الطبقة الفعالة حيث ينبعث الضوء.
ويؤدي تطبيق ڤلطية إلى دفع الإلكترونات والثقوب إلى الطبقة الفعالة حيث تتلاقى معًا. ولدى تزاوج الثقوب والإلكترونات تنبعث فوتونات، وهي الوحدات الأساسية للضوء. إن البنية الذرية للطبقة الفعالة وللمواد المجاورة لها في الجانبين تحدد عدد الفوتونات المنبعثة وأطوال موجاتها.
أداء الديود المُصْدر للضوء
الشيپة شبه الموصلة هي مفتاح توهج الديود المصدر للضوء. تدفع الڤلطية المطبقة عليها “الثقوب” (الشحنات الموجبة) من طبقة النوع pوالإلكترونات من طبقة النوع n إلى الطبقة الفعالة. وعندما تتلاقى الإلكترونات والثقوب معًا تنبعث الفوتونات. ويعتمد لون الفوتونات المنبعثة على التركيب الكيميائي للطبقات، ومع ذلك يضع بعض المصنعين الديود الضوئي داخل عدسات ملونة من أجل التمييز (الصورة).
|
وفي الديودات الضوئية الأولى، التي صنعت في ستينات القرن العشرين من الگاليوم والزرنيخ والفوسفور لتوليد ضوء أحمر، كانت الإلكترونات تتزاوج مع الثقوب بمردود متدن، حيث ينبعث فوتون أحمر واحد فقط لكل 1000 إلكترون. لقد كانت مثل هذه الديودات تولد ما يقل عن عُشر كمية الضوء التي يعطيها مصباح متوهج ذو مرشح أحمر ويستهلك مقدارًا مقاربًا من القدرة.
لكن مع الزمن، تحققت تحسينات جوهرية في المردود (الخرج)، وخصوصًا في الطرف الأحمر من الطيف. وفي عام 1999 سجل <M كرامس> وزملاؤه من الشركةHewlett-Packard رقمًا قياسيًّا في المردود، حيث صنعوا ديودات ضوئية تحوِّل أكثر من 55 في المئة من الإلكترونات الواردة إلى فوتونات ذات طول موجي أحمر. وكان أهم أسباب هذه التحسينات الازدياد المستمر في جودة المواد وتطوير بدائل سمحت بالتحويل الجيد للإلكترونات والثقوب إلى فوتونات. وحصلت إحدى أكبر الزيادات في المردود عندما وجد العلماء أنه ليس من الضروري أن تكون المواد متجانسة. فعوضًا عن ذلك، يمكن لكل طبقة أن تكون ذات تركيب كيميائي مختلف، بحيث تستطيع، لدى وضعها في جوار الطبقة الفعالة، حصر الإلكترونات والثقوب معا على نحو أفضل، رافعة بذلك احتمالات تزاوج الإلكترون مع ثقب لتوليد ضوء.
وتعلم الباحثون أيضًا كيفية التحكم حسب الطلب في خصائص الطبقات شبه الموصلة. إنهم يستطيعون تغيير تركيب مادة الطبقة الفعالة و”إشابة”doping الطبقات بما يزيل نقاءها. فالإشابة تغير خصائص النوعين n و p من الطبقات شبه الموصلة. وأبسط مثال على ذلك هو السيليكون. ينتمي السيليكون إلى المجموعة IV من الجدول الدوري، فهو يمتلك أربعة إلكترونات قادرة على تكوين روابط مع ذرات أخرى. وفي حالة الشكل البلوري، تتشارك كل ذرة بإلكتروناتها مع الذرات المجاورة لها. وعندما يدمج في البلورة عدد صغير من ذرات المجموعة III ـ أي تلك الذرات التي تمتلك ثلاثة إلكترونات في المستوى الطاقي الخارجي، مثل البورون، يصبح عدد الروابط في البنية الناجمة عن ذلك غير كاف للتشارك بها مع ذرات السيليكون المحيطة بها، وتظهر أمكنة خالية من الإلكترونات، الأمر الذي يولد ثقوبًا ويجعل المادة من النوع p.
وبالمقابل، تحوي العناصر التي تنتمي إلى المجموعة V من الجدول الدوري، كالفوسفور، إلكترونًا زائدًا في المستوى الطاقي الخارجي. وعندما يشاب السيليكون بالفوسفور، تكتسب البلورة إلكترونات لتصبح المادة من النوع n.
إن البلورة في الديودات الضوئية ليست من السيليكون، بل هي مزيج من عناصر المجموعة III والمجموعة V. وبالتحكم الدقيق في تركيز الألومنيوم والگاليوم والإنديوم والفوسفور، على سبيل المثال ـ وبإدماج مواد إشابة ملائمة، وعادة ما تكون التِّلُورْيوم والمگنزيوم ـ يستطيع الباحثون التحكم في تشكل الجانبين n و p، منتجين بذلك ديودات ضوئية تشع أطوال موجات حمراء أو برتقالية أو صفراء. وفي أوائل سبعينات القرن العشرين كانت الديودات المحتوية على أرسنايد فوسفايد الگاليوم ذات سطوع كاف لإنارة الحاسبات والساعات الرقمية الأولى.
ويكمن مفتاح آخر لتحسين الديود الضوئي في تقنيات التصنيع التي تنتج ـ بوثوقية ـ بلورات ناعمة وقابلة للتطبيق، بدلاً من النظم الكبيرة الكتلة والكثيرة الأعطال. إن على الشبكات lattices الذرية للمادتين n و p أن تتوافق مع الشبكات الذرية للركيزة substrate الحاملة وللطبقة الفعالة. وإحدى طرائق التصنيع هذه هي الترسيب في الطور البخاري vapor phase deposition، التي يجري فيها تمرير غازات حارة فوق الركيزة من أجل تكوين غشاء رقيق. لقد استُعملت هذه التقنية في عملية إنتاج كمي للديودات الضوئية للمرة الأولى في الشركة مونسانتو أواخر ستينات القرن العشرين. وفي عام 1977، استخدم <D .R. دوپوي> [الموجود حاليًا في جامعة تكساس] سيرورة مختلفة من سيرورات الترسيب في الطور البخاري، تعتمد تمرير غازات باردة فوق ركيزة ساخنة لإنتاج ليزرات شبه موصلة. إن هذه السيرورة التي تمكِّن من إنماء تشكيلة أوسع من المواد تُستخدم حاليًا في صنع ديودات عالية الجودة. وقد استخدم <S. ناكامورا> [الموجود حاليًا في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا] صيغة مغايرة من تلك التقنية من أجل صنع بلورة من نترايد گاليوم عالية الجودة قادرة على إصدار ضوء أزرق. (لمعرفة لمحة عن ناكامورا، [انظر: “لمحة عن الحياة العلمية للعالم: شوجي ناكامورا”،مجلة العلوم، العدد 12 (2000) ، ص 70].
الديودات المصدرة للضوء والليزرات
على الرغم من أن الديودات المصدرة للضوء والديودات الليزرية تبدو متشابهة ـ إذ إن كلا النوعين مصنوع من مواد شبه موصلة ـ فإنها تنتمي إلى أسرتين مختلفتين تماما، وهي مصممة للعمل بطرائق مختلفة وللقيام بمهام متباينة.
تأخذ الديودات الليزرية شكل مادة شبه موصلة بين ما هو ـ أساسًا ـ زوج من المرايا. وتسمى المنطقة بين المرآتين الحجرة الطنانة. وعندما تمر الكهرباء عبر شبه الموصل، تنطلق فوتونات تنعكس جيئة وذهابًا ضمن الحجرة مهيجة أزواجًا من (الإلكترونات ـ الثقوب) القريبة الأخرى، فيتحرر المزيد من الفوتونات ذات طول الموجة نفسه. وتزداد شدة الضوء باستمرار، و”تسير” الفوتونات “مترابطة الخطى” وهي تهتز بين المرآتين. فإذا سمحت إحدى المرآتين بتسرب جزء ضئيل من الضوء إلى الخارج، خرجت بعض الفوتونات. ولما كان لتلك الفوتونات جميعها طول الموجة والطور نفسيهما، فإنها تنتج خطًّا ضيقًا جدًّا من الضوء الصافي الساطع عند طول موجة واحد. وبحسب لغة الفيزيائيين، تكون الفوتونات مترابطة.
إن هذه الحزمة المحددة تمامًا هي واحدة من الخصائص الرئيسية لليزر. وبصفتها هذه، يمكن تشبيهها بشيء مثل المبضع: حادة ورقيقة ويمكنها، بالاستعانة بأدوات بصرية ملائمة، قراءة الحفر الدقيقة على القرص المدمج أو مسح الباركود bar codes في صف محاسبة المشتريات. وللمقارنة، فإن ضوء الديود الشديد التبعثر يشابه طقطقة قطرات المطر. فنظرًا لأن الديودات ليست واقعة في حجرة مناسبة (أي ليست بين مرآتين)، فإن الفوتونات التي تشعها، بمعنى ما، ليست مترابطة. والضوء لا يخرج في خط وحيد الاتجاه، بل بشكل أعرض وأكثر تشتتًا، وهو مركب من حزمة من أطوال الموجات في منطقة واحدة من الطيف. وربما لا تكون للفوتونات التي يصدرها الديود طول الموجة ذاته، لكن أطوال موجاتها متقاربة تقاربًا يكفي لجعلها تُستشعر من قبل العين الإنسانية وكأن لها اللون نفسه. |
وفي منتصف تسعينات القرن العشرين، وجد فريق لدى الشركة Hewlett-Packard طريقة أخرى لتحسين السطوع، وذلك بإعادة تشكيل الشيپة نفسها. فمن خلال المعالجة المتأنية، يستطيع الباحثون إزالة ركيزة أرسنايد الگاليوم الأصلية التي جرت تنمية الطبقة الفعالة فوقها، والاستعاضة عنها بركيزة فوسفايد گاليوم شفافة، ونَحْت ديود على شكل هرم مقلوب. وهذا الشكل يُنقص عدد مرات الانعكاس الداخلي، وبذلك يزداد مقدار الضوء الذي ينبعث من الشيپة.
على من تنعقد الآمال العريضة؟
بفضل هذه التحسينات التي أُدخلت على اللون والسطوع، بدأ الباحثون بالتركيز على صنع ديودات ضوئية زهيدة الكلفة تسطع بالضوء الأبيض. وتتوفر حاليًا في الأسواق ديودات بيضاء منخفضة القدرة بمردود يزيد قليلاً على مردود المصابيح المتوهجة، أما الديودات ذات القدرة العالية الملائمة للإنارة فمازالت ذات كلفة أعلى مما يسمح بتسويقها على نطاق واسع. إن الفوائد المتوقعة من مثل هذا الضوء عظيمة جدًّا إذا جرى إنتاجه بكلفة منخفضة. فبدلاً من التعامل مع مصابيح زجاجية هشة ساخنة مملوءة بالغاز تحترق بصورة سريعة نسبيًّا وتفقد معظم طاقتها على شكل حرارة، يمكن للمستهلكين الحصول على أنوار داخلية من أشباه موصلات تدوم طويلاً. ففي السيارات، على سبيل المثال، يمكن للديودات الضوئية أن تدوم طوال زمن حياة السيارة. إن احتياجات الديودات الضوئية المنخفضة من الطاقة تعني توفر طاقة أكثر في بطارية السيارة، يمكن استخدامها في الأدوات الإلكترونية الأخرى الموجودة فيها.
يمكن أن يستفيد المجتمع كله أيضًا. فالإنارة تمثل ما بين 20 و 30 في المئة من استخدامات الكهرباء في الولايات المتحدة، وأفضل نظم الإضاءة الشائعة لا يحوِّل أكثر من 25 في المئة من الكهرباء إلى ضوء. فإذا أمكن جعل الديودات البيضاء تضارع بمردودها مردود الديودات الحمراء المتوفرة حاليًا، أمكن خفض الاحتياجات من الطاقة، وأمكن إنقاص مقدار ثنائي أكسيد الكربون الذي تضخه محطات توليد الكهرباء إلى الهواء بمقدار 300 ميگاطن سنويًّا.
إن الشركة الأولى التي سوف تسبق إلى الإنتاج الواسع النطاق لديودات بيضاء شديدة السطوع ومنخفضة الكلفة ستكون مؤهلة للسيطرة على سوق عالمية للإنارة تقدر قيمتها ب12 مليار دولار. وهذا هو السبب الكامن وراء إنفاق اللاعبين الكبار الثلاثة في مجال الإنارة Philips و Osram Sylvania و GeneralElectric الكثير على بحوث الديودات الضوئية وتطويرها، ووراء نشوء شركات جديدة أخرى من قبيل LumiLeds، وهي شركة مشتركة بين Philips و AgilentTechnologies التي يعمل أحدنا ـ كرافورد ـ كبير موظفي التقانة فيها.
إن الديودات البيضاء المنخفضة القدرة موجودة حاليًا قيد الاستخدام في الأضواء الخلفية للهاتف النقال وفي إشارات مرور المشاة. أما الجيل الثاني من الديودات الأعلى قدرة والملائمة لإنارة المناظر الطبيعية وللإنارة الموضعية فقد بدأ بالتوفر. لكن استبدال المصابيح المتوهجة على نطاق واسع من أجل الإنارة العامة ربما لا يتم قبل عقد أو عقدين من السنين، بسبب صعوبة صنع ديودات بيضاء ذات مردود عال وبأسعار منافسة.
الديودات المصدرة للضوء تنير الأعماق
عندما أراد عالِم الأحياء البحرية <G.مارشال> من تلفزيون ناشنال جيوگرافيك تصوير فيلم حول الحيوانات التي تغطس إلى أعماق البحر مثل حيتان العنبر، واجه مشكلات عدة. إن هذه المخلوقات تستطيع الغوص آلاف الأقدام تحت السطح حيث الظلمة مدلهمة والضغط هائل. ومايزيد من تفاقم الحالة هو أن أي نوع من الإنارة المرئية قد يؤثر في سلوك الحيوانات، جاذبًا انتباهها أو طاردًا إياها مع فرائسها. إن الضوء الذي يُستعمل عادة تحت الماء يجعل الحيتان تتصرف على نحو غير عادي، الأمر الذي يُبطل الغرض من المشروع برمته.
يكمن حل هذه المشكلة في استعمال ديودات ضوئية متراصة تصدر ضوءًا في المجال تحت الأحمر القريب تستطيع كاميرا التصوير “رؤيته”، ولا يستطيع الحيوان ذلك. فلدى وضع تلك الديودات داخل أسطوانة متينة لها شكل الطوربيد مع كاميرا أوتوماتيكية، فإنها تقوم بدور أنوار أمامية غير مرئية تضيء الأشياء لمسافة مترين أو ثلاثة أمتار دون أن تغير من سلوك الحيتان.
إن الحجم الصغير للديودات الضوئية يعني توفر حيز لحشر أجهزة أخرى داخل الأسطوانة من قبيل أدوات تسجيل الصوت والزمن والعمق ومدة الغوص والاتجاه ودرجة الحرارة والسرعة. لقد كانت مجموعة الكاميرا برمتها، التي دعيت كرتَّركام Crittercam، ذات حجم صغير يمكِّن من وضعها على ظهور الحيتان والفقمات والدلافين والبطارقة وأسود البحر والحيوانات البحرية الأخرى، مانحة العلماء المشهد الذي تراه عين الحوت في البحر. وبعد التصوير، تقوم أداة توقيت في المجموعة بتحرير الكرتركام جاعلة إياها تطفو إلى السطح حيث تجري استعادتها مع ما فيها من فيلم نفيس. كانت الكاميرا كرتركام حصيلة 14 عامًا من التجارب التي أجري معظمها على منابع ضوء ملائمة. وعندما ظهر أول الديودات الزرقاء تجاريًّا قبل نحو أربع سنوات ـ بسعر 40 دولارًا للقطعة الواحدة ـ كان مارشال أول من اقتنى واحدًا منها، حيث اشتراه مباشرة من المصنع في اليابان. (لقد خاب أمله عندما اكتشف أنه في حين أن الديودات ذات طول الموجة الأزرق تخترق ظلمة أعماق المحيط الدامسة بمردود عال، فإن ضوءها مرئي جدًّا من قبل الحيوانات الغاطسة؛ لذلك وقع اختياره على الضوء تحت الأحمر القريب. بكلمات أخرى، إن اختيار طول الموجة أمر مهم، وهو ميزة كبيرة عندما تتصل المسألة بالديودات الضوئية.) وأعطت جهود مارشال ثمارها. فمشاهدة فيلم كرتَّركام الذي ثُبِّت في الزعنفة الظهرية لسمكة قرش تولد إثارة كتلك التي يولدها مشهد مطاردة في فيلم عن الجاسوسية. لقد مكنت الكاميرا علماء الأحياء البحرية من رصد تصرفات لم تُر من قبل، من قبيل نفخ الفقمات للفقاقيع و”غنائها” تحت الماء وهي تؤدي طقوس الغرام. محررو مجلة ساينتفيك أمريكان |
هناك طريقتان لتوليد الضوء الأبيض من الديودات الضوئية. الطريقة الأولى هي أن يُجْمع خرج ديودات مشعة لأطوال موجات حمراء وخضراء وزرقاء اعتمادًا على المبدأ الجمعي في نظرية الألوان. إن المشكلة في هذه التقنية هي صعوبة مزج ألوان الديودات بتجانس وتحكم جيدين.
أما الطريقة الثانية فتعتمد على تهييج الفوسفور المتألق بواسطة الفوتون المنبعث من الديود. فعلى سبيل المثال، يمكن للمرء وضع فوسفور متألق أصفر حول ديود أزرق. فعندما تصدم طاقة الديود الضوئي الفوسفور المتألق يتهيج ويعطي ضوءًا أصفر يمتزج بالضوء الأزرق المنبعث من الديود ليعطيا ضوءًا أبيض. أو يمكن استخدام ديود فوق بنفسجي لتحريض مزيج من الفوسفور المتألق الأحمر والأخضر والأزرق لإنتاج ضوء أبيض. إن هذه العملية المشابهة لنظيرتها في أنابيب الفلورسنت أبسط من مزج ثلاثة ألوان، لكنها أدنى مردودًا بسبب ضياع الطاقة في تحويل الضوء فوق البنفسجي أو الأزرق إلى ضوء أقل طاقة (أي ضوء باتجاه الطرف الأحمر من الطيف). كذلك يُفقد الضوء أيضًا بسبب التبعثر والامتصاص في عملية جمع الفوسفور المتألق.
تتضمن تطبيقات الديود الضوئي (وفق دوران عقارب الساعة من أعلى اليسار) إنارة المعارض كتلك التي استُعملت في متحف متروپوليتان للفنون بمدينة نيويورك لإضاءة ملابس فرقة البيتلز التي ارتدتها لدى إطلاقها أغنية سارجنت پپَّر، وإشارات المرور الضوئية والأنوار الخلفية وإشارات الانعطاف في السيارات والإشارات الخارجية. |
وعلى أي حال، فإن الكلفة العالية للديودات وشيپاتها حاليًا تجعل كلتا الطريقتين عديمتي الجدوى في تطبيقات الإنارة. فأفضل ديود أبيض متوفر تجاريًّا يكلف الآن نحو 50 سنتا لكل لومن، يقابلها جزء من السنت للومن المتولد من المصباح المتوهج المألوف.
ومهما كانت الطريقة التي سوف يقع عليها الاختيار ـ وكلتاهما على الأرجح سوف تكونان مهمتين في تطبيقات مختلفة ـ فإن المسائل الأساسية هي تخفيض تكاليف الإنتاج تخفيضًا كبيرًا وتحسين الأداء. وقد يمضي وقت قبل أن يتقبل المستهلكون الديودات البيضاء التي تكلف كثيرًا في البداية لدى اقتنائها، لكنها تصبح أرخص على مدى عقد من الزمن. لكن مع ازدياد أسعار الطاقة واستفحال عواقب الاحتباس الحراري، ينبغي أن تصبح الديودات الضوئية أشد إغراء. ويبدو أن حلاًّ لمشكلات الطاقة والبيئة سوف يرى الضوء قريبًا.
المؤلفون
M. George Craford – Nick Holonyak, Jr. and Frederick A. Kish, Jr.
حصلوا على جوائز تقديرًا لأعمالهم في الديودات المُصْدرة للضوء. كان كرافورد، الذي صنع أول ديود أصفر، يدير مجموعات تقانة الديودات الضوئية لدى الشركتين Monsanto و Hewlett-Packard قبل أن يصبح كبير الموظفين التقانيين لدى الشركة LumiLeds Lighting في سان هوزيه بكاليفورنيا، وهي شركة أنشئت من قبل الشركتين Philips و Agilent Technologies من أجل متابعة التطبيقات الناشئة للديودات الضوئية. أما هولونياك، وهو أستاذ الفيزياء والهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب في جامعة إيلينوي، فاشتهر بأنه مخترع أول ديود ضوئي عملي، أي الديود الأحمر المصنوع من أرسنايد فوسفايد الگاليوم. وهو أيضًا أول طالب دكتوراه لدى جون باردين الحائز جائزة نوبل مرتين. وأما كِش، فهو مدير إدارة البحوث والتطوير والتصنيع لدى الشركة Agilent Technologies، وكان واحدًا من المتحمسين الأوائل للسعي إلى إنتاج عائلة جديدة من الديودات الثلاثية الألوان الأحمر ـ البرتقالي ـ الأصفر الشديدة السطوع، والتي كانت أول ديودات ضوئية يتجاوز مردودها مردود المصابيح المتوهجة الخالية من المرشحات، وهي اليوم التقانة السائدة في إشارات المرور الضوئية والأنوار الخارجية في السيارات. وكان كل من كرافورد وكِش طالبي دراسات عليا في مختبر هولونياك.
مراجع للاستزادة
WE WERE BURNING: JAPANESE ENTREPRENEURS AND THE FORGING OF THE ELECTRONIC AGE. Bob Johnstone. Basic Books, 1999.
REPLACING THE LIGHT BULB. Charles T. Whipple in Photonics Spectra, Vol. 33, No. 12, pages 104-109; December 1999.
LEDS LIGHT THE FUTURE. Neil Savage in Technology Review, Vol. 103, No. 5, pages 38-44; September/October 2000.
Advanced Illumination Web site: www.advancedillumination.com
Color Kinetics Web site: www.colorkinetics.com LumiLeds Lighting Web site: www.lumileds.com
Scientific American, February 2001
(*) IN Pursuit of the Ultimate Lamp