ارتقاء الإنسالات
ارتقاء الإنسالات(*)
بحلول عام 2050 يتوقع أن تبدأ «عقول» الإنسالات (الروبوتات)،
المعتمدة على الحواسيب التي تنفذ 100 تريليون عملية
في الثانية، بمنافسة الذكاء البشري.
<H. موراڤيك>
في السنوات الأخيرة تجاوزت القوة المتعاظمة والفاعلية والانتشار للحواسيب والإنترنت التنبؤات المبكرة عن معدل تطور التقانات واستعمالاتها في جميع مناحي الحياة. وبوسع الخبير اليقظ أن يتنبأ حاليًا بعالم مشبع بشيپات حاسوبية قوية ستحشر نفسها باطراد في آلاتنا ومنازلنا وألبستنا، وحتى في أجسادنا.
مع ذلك، فقد ظل هدف وثيق الصلة بذلك يراوغ بعناد. وعلى النقيض تمامًا للتفجر غير المتوقع للحاسوب في مجرى الحياة، فقد فشل المسعى الكلي للإنسالات فشلاً ذريعًا في الخمسينات من القرن العشرين. في تلك الأيام ظن الخبراء، الذين كانوا مبهورين بالمقدرة الحاسوبية الخارقة للحاسوب، أنه لو وضعت البرمجيات المناسبة فسيصبح الحاسوب العقل الصنعي للإنسالة المتطورة المستقلة. واعتقدوا أنه في خلال عقد أو اثنين ستقوم مثل هذه الإنسالة بتنظيف أرضيات منازلنا وأمكنة عملنا، وجزّ حشائش حدائقنا، وبصورة عامة إزالة الكدّ عن كاهلنا.
والواضح أن هذا الأمر لم يحدث. صحيح إن الإنسالة الصناعية (أي المستخدمة في مجال الصناعة) أحدثت تحولاً في إنتاج السيارات، إضافة إلى منتجات أخرى، لكن هذا النوع من الميكنة automation هو صرخة بعيدة عن المخلوق المتعدد الاستعمالات، المتحرك المستقل الذي أمل فيه كثير من العلماء والمهندسين. وفي محاولة تحقيق مثل هذه الإنسالة تحطمت قلوب مجموعات عدة من الباحثين وأفلست عشرات من الشركات الحديثة التأسيس.
ليس «الجسم» الميكانيكي هو الشيء الذي لا يمكن تحقيقه، فالأذرع المزودة بالمفاصل وغيرها من الأجزاء المتحركة المناسبة للعمل اليدوي موجودة بالفعل، كما تشهد بذلك الإنسالة الصناعية. لكن مستوى العقل الصنعي المبني على الحاسوب هو الذي بقي في مستوى أقل بكثير من مستوى التطور المطلوب لصنع إنسالات شبيهة بالبشر.
وعلى الرغم من ذلك فإني مقتنع بأن حلم عشرات السنين لصنع إنسالة مفيدة، متعددة الأغراض ومستقلة، سيتحقق في المستقبل المنظور. وبحلول عام 2010، سنرى إنسالة متحركة في حجم الإنسان ولكن بمقدرة إدراكية شبيهة بالسحلية في نواح كثيرة. وستكون الآلات قادرة على القيام بأعمال روتينية بسيطة، مثل التنظيف بالشفط وإزالة الغبار وتسليم الطرود وإخراج المخلّفات. وأعتقد أنه بحلول عام 2040 سنحقِّق الهدف الأصلي لعلم الإنسالات والفكرة الأساسية للخيال العلمي، وهي آلة تتحرك بحرية وذات مقدرة عقلية كالتي للبشر.
أسباب التفاؤل(**)
في ضوء ما وصفته حاليًا كتاريخ لأهداف علم الإنسالات التي لم تتحقق إلى حد كبير، يثار السؤال: لماذا أصرّ على الاعتقاد أن تقدمًا سريعًا وإنجازات مذهلة تبدو في الأفق؟ إن ثقتي مبنية على التطور الحديث في الإلكترونيات والبرمجيات، وعلى ملاحظاتي الشخصية للإنسالات والحواسيب، وحتى الحشرات والزواحف والأحياء الأخرى على مدى الثلاثين عامًا الماضية.
وأفضل سبب منفرد للتفاؤل هو الأداء الذي تصاعد بشدة في السنوات الأخيرة للحاسوب المنتج على مستوى تجاري. ففي السبعينات والثمانينات كان الحاسوب المتوفر لأبحاث الإنسالات قادرًا على تنفيذ نحو مليون تعليمة (أمر) في الثانية (MIPS). وتمثل كل من هذه التعليمات مهمة أساسية جدًّا، مثلاً جمع عددين من عشرة أرقام، أو تخزين النتيجة في مكان محدد في الذاكرة.
وفي التسعينات وصلت قوة الحاسوب التي يمكن أن تكون مناسبة للتحكم في إنسالة بحثية إلى MIPS 10، ثم إلى MIPS 100، وحديثًا إلى MIPS 10000 في الحواسيب المكتبية. وقد حقق الحاسوب الحضني laptop الجديد آي بوك iBookأكثر من MIPS 500 بسعر 1600 دولار (في الشهر 12/19999). وهكذا فإن هناك وظائف تتجاوز بكثير قدرات الإنسالات في السبعينات والثمانينات أصبحت حاليًّا قريبة من التطبيق التجاري.
وعلى سبيل المثال، ففي الشهر 10/1995 جالت مركبة تجريبية تسمى ناڤلابV الولايات المتحدة متنقلة من واشنطن العاصمة إلى سان دييگو، وسارت بنفسها خلال أكثر من 95 في المئة من الوقت. وقد بُني نظام القيادة الذاتية والتوجيه حول حاسوب حضني بقوة MIPS 255 يعتمد على معالج ميكروي (صغري) microprocessor من صنع الشركة Sun Microsystems. وقد صمم ناکلاب Vمعهد الإنسالات بجامعة كارنيگي ميلون [والتي أنا عضو فيها]. كما قام باحثون في أمكنة أخرى من الولايات المتحدة وألمانيا بتصميم مَرْكبات إنسالية مشابهة قطعت آلاف الكيلومترات على الطرق السريعة تحت جميع الظروف الجوية وأنواع القيادة.
وفي تجارب أخرى جرت خلال الأعوام القليلة الماضية، قامت إنسالات متحركة بمسح وعبور مكاتب غير مألوفة، وقامت نظم رؤية حاسوبية بتحديد أشياء متداخلة وتتبّعت وحللت وجوهًا في الزمن الحقيقي. وفي أثناء ذلك أصبح الحاسوب الشخصي أكثر مهارة في تعرّف النصوص والكلام.
وحتى الآن لم يستطع الحاسوب أن يضاهي الإنسان في بعض الوظائف مثل التعرّف والتوجيه. وقد حيّر ذلك الخبراء لسنين عدة لأن الحاسوب يفوقنا كثيرًا في الحساب. ويعود ذلك التناقض الظاهري إلى واقع أن الدماغ البشري في مجموعه ليس حاسوبًا متعدد الأغراض قابلاً للبرمجة (وهو ما يعرفه علماء الحاسوب بالآلة العالمية، ونذكر أن جميع الحواسيب الحالية هي تقريبًا نماذج من هذه الآلة).
يتطلب فهم هذا الوضع النظر في الأمر من منظور تطوري. فقد اضطر أجدادنا لأداء أعمال كثيرة وجيدة من أجل البقاء: تحديد مكان الطعام، والهروب من الحيوانات الضارية، والتزاوج، وحماية النسل. وتعتمد هذه الأعمال اعتمادًا كبيرًا على مقدرة الدماغ على التعرف والتوجيه. وقد أدت مئات ملايين السنين من التطور إلى شحذ الدماغ الذي تحول إلى حاسوب بالغ التعقيد ـ ولكن محدد الغرض.
وَجْه إنسالة في جامعة العلوم بطوكيو، تُستخدم في أبحاث عن الطريقة التي يمكن بها للآلات أن تظهر التعابير العاطفية وتتجاوب معها. ستكون الاتصالات غير المنطوقة مهمة في الأجيال المقبلة من الإنسالات لأنها تمكّنها من التفاعل بسلاسة أكثر مع البشر. |
إن المقدرة على أداء حسابات رياضياتية لم تكن بذات أهمية للحفاظ على الحياة. ومع ذلك، ومثلما شكلت اللغة الثقافة البشرية، فقد تطور على الأقل جزء صغير من الدماغ إلى آلة عالمية. وإحدى العلامات البارزة لهذه الآلة هي مقدرتها على اتباع مجموعة اختيارية من التعليمات. وبفضل اللغة، يمكن نقل هذه التعليمات وتنفيذها. ولكن لما كنا ننظر إلى الأعداد كأشكال مركّبة، ونكتبها ونؤدي مهمات أخرى شبيهة، فنحن نتعامل مع الأرقام بطريقة متحفية ركيكة وغير فعالة. إننا نستخدم مئات البلايين من العصبونات neurons لنؤدي في دقائق ما يمكن أن تؤديه مئات منها فقط في بضع ملي ثوان لو أعيد «ربطها» وتنظيمها لأغراض الحساب.
وثمة قلة من الناس يولدون ولديهم مقدرة على إجراء حسابات ذهنية مذهلة. وهذا لا يدعو للدهشة: فهم يحسبون بمعدل ربما مئة مرة أسرع من الشخص المتوسط. إلا أن الحاسوب ـ مقارنة بذلك ـ أسرع ملايين أو بلايين المرات.
إن التحدي الذي يواجه علم الإنسالات هو أن نأخذ حاسوبًا متعدد الأغراض ونبرمجه ليضاهي الدماغ البشري المحدد الغرض والمؤهل للاستيعاب بكفاءة عالية وغيرها من المؤهلات الغريبة الناتجة من التطور. وتعد الحواسيب المتحكمة في الإنسالات حاليًا أضعف بكثير من أن تطبق بنجاح في هذا المضمار، إلا أن الوقت كفيل بجعلها مؤهلة لهذا العمل.
إن تأكيدي أن الحاسوب سيكون في النهاية على درجة متساوية من المقدرة على الفهم والإدراك والتفكير مثل البشر، يتضمن فكرة إمكانية صنع وبرمجة نظام صنعي على درجة عالية من التقدم والتطور (نظام إلكتروني مثلاً) مبرمج لتنفيذ الأشياء نفسها التي يؤديها الجهاز العصبي للبشر، بما في ذلك الدماغ البشري. وهذه القضية مازالت مثار جدل في بعض الأوساط، وهناك مجال للناس الأذكياء للاختلاف في الرأي.
ثمة أسئلة يمكن اعتبارها في صميم الموضوع، مثل هل التركيب البيولوجي والسلوك ينبعان كليًّا من قانون فيزيائي، وهل القانون الفيزيائي هو فوق ذلك قابل للحساب ـ أي قابل للمحاكاة حاسوبيًّا. ومن وجهة نظري فإنه لا يوجد دليل علمي جيد لنفي أي من هاتين الفكرتين، بل على العكس هناك شواهد تدل أن كلتيهما صحيحة.
تكشف البيولوجيا الجزيئية وعلم الأعصاب بصورة ثابتة الآليات mechanismsالكامنة وراء الحياة والعقل، ولكنها لم تتناول حتى الآن إلا النظم الميكانيكية الأبسط. وتأتي الدلائل ـ على أن وظائف بسيطة يمكن أن يتم تجميعها لتعطي المقدرات الأكثر تعقيدًا للجهاز العصبي ـ من البرامج التي تقرأ، وتتعرف الكلام، وتوجه أذرع الإنسالة لتجميع أجزاء دقيقة بالتحسس، وتصنف المواد الكيميائية بالشم والتذوق الصنعيين، وتتعقل الأمور المجردة، وهكذا. بالطبع إن مستوى الحاسوب والإنسالة هو حاليًا أقل بكثير من مستوى المنافسة مع البشر وحتى مع الحيوان. إلا أنه يمكن تفهم هذا الوضع في ضوء تحليل جرى تلخيصه في الفقرة الآتية، وخلاصة هذا التحليل أن الحاسوب الحالي قوي بدرجة كافية ليؤدي وظائف مثل وظائف الجهاز العصبي للحشرة. ومن تجربتي الشخصية فإن أداء الإنسالة يشبه في الحقيقة أداء الحشرة في بعض الأعمال البسيطة.
على سبيل المثال، يستطيع النمل أن يتتبع أثر الرائحة ولكن توازنه يختل التوازن عندما ينقطع الأثر. أما الفراش فإنه يتبع أثر الرائحة التي يطلقها غيره من الفراش ويستخدم أيضًا القمر للاهتداء في طريقه. بالمثل توجد إنسالات تجارية كثيرة تتبع أسلاك توجيه موضوعة تحت السطح الذي تتحرك فوقه، وبعضها يوجه نفسه باستخدام ليزر يقرأ باركودات bar codes مكتوبة على الجدران.
لو صحّت فرضيتي بأن زيادة قوة الحاسوب ستؤدي في النهاية إلى مقدرة عقلية بمستوى البشر، لأمكننا أن نتوقع وجود إنسالة تضاهي قدرة الحيوانات المختلفة، وبعد ذلك البشر وتتفوق عليها، وذلك كلما تصاعدت معدلات تنفيذ الحاسوب للتعليمات بدرجة كافية. في الجانب المقابل، لو أن الفرضية خاطئة، فسوف نكتشف مهارة حيوانية أو بشرية معينة لا يمكن تحقيقها في الإنسالة حتى لو كانت تملك قوة حاسوب تضاهي الدماغ كله. وهذا سيمهد الطريق لتحدٍ علمي مثير ـ وهو عزل وتحديد المقدرة الأساسية التي يمتلكها الدماغ ولا يمتلكها الحاسوب. إلا أنه لا يوجد دليل حتى الآن على مثل هذا المبدأ المفقود.
اعتقد الخبراء أنه في خلال عقد أو اثنين ستقوم الإنسالات
بتنظيف أرضيات منازلنا وجزّ حشائش حدائقنا، وبصورة
عامة إزالة الكدّ عن كاهلنا.
أما الاقتراح الثاني الذي ينص على أن القانون الفيزيائي قابل للمحاكاة حاسوبيًّا فلم يعد محلاًّ للتساؤل. فقد أنتج العلماء والمهندسون لكل شيء أعدادًا لا تحصى من نماذج المحاكاة المفيدة وبدرجات متفاوتة من التجريد والتقريب، من اصطدام العربات إلى القوى «الملونة» التي تربط الكواركات والگلوونات بعضها ببعض لتكوّن البروتونات والنترونات.
النسيج العصبي والحوسبة(***)
لو سلّمنا جدلاً أن الحاسوب سيصبح في النهاية قويًّا بدرجة كافية ليحاكي العقل البشري، فإن السؤال الذي يظهر بصورة منطقية هو: ما معدل المعالجة الضروري لإعطاء أداء متكافئ مع الدماغ البشري؟ لجلاء هذه القضية، أُجريت دراسة المَقْدرات الموجودة في شبكيّات أعين الفقاريات، وهي مفهومة بدرجة كافية لتكون بمثابة «حجر رشيد»(1) يُمكّن تقريبًا من الربط بين النسيج العصبي والحوسبة. وأعتقد أنه من الممكن تقدير القوة التي يمتلكها النسيج العصبي لمعالجة المعلومات، بصور تقريبية على الأقل، وذلك بمقارنة مقدار سرعة الدارات (الدوائر) العصبية في الشبكية في تأدية عمليات معالجة الصورة بكمية الأوامر التي يتطلبها الحاسوب في الثانية لأداء عمل مشابه ـ وبالاستقراء، يمكن تقدير قوة المعالجة في الجهاز العصبي البشري بأكمله.
إن شبكية العين البشرية هي عبارة عن حيز صغير من النسيج العصبي في خلفية مقلة العين بسماكة نصف مليمتر وبعرض سنتيمترين تقريبًا. وتتكون في معظمها من خلايا حساسة للضوء، ولكن ما يقارب عشر المليمتر من سمكها مملوء بدارات معالجة الصورة القادرة على تحديد الحافات (الحدود بين الضوء والعتمة) والحركة لنحو مليون منطقة بالغة الدقة من مناطق الصورة. ويكون كل من هذه المناطق مترافقًا بليفه الضوئي في العصب البصري، وكل منها يؤدي في الثانية نحو عشرة تمييزات للحافات أو الحركة. وتنساب النتائج عميقًا إلى الدماغ عبر الليف المرافق.
ومن واقع خبرتي الطويلة في العمل في مجال نظم الرؤية الحاسوبية، فإني أعلم أن تمييز الحافة أو الحركة يتطلب تنفيذ 100 تعليمة من الحاسوب على الأقل، شرط أن تنفذها برمجيات كفؤة. وعلى ذلك فإن تنفيذ 10 ملايين تمييزdetection في الثانية بوساطة الشبكية يتطلب على الأقل 10000 مليون تعليمة في الثانية.
والدماغ البشري بكامله أثقل بنحو 75000 مرة من دارات الشبكية التي تقوم بالمعالجة والتي تزن 0.02 غرام. وهذا يعني أنه يلزم 100 مليون MIPS 1000) تريليون تعليمة في الثانية) لمحاكاة الدماغ البشري الذي يزن 15000 غرام. وفي عام 1999 كان الحاسوب الشخصي متفوقًا على حشرات معينة، ولكنه عَجَزَ مقارنةً بشبكية العين البشرية وحتى مقارنة بدماغ السمكة الذهبية الذي يزن 0.1 غرام. ويجب أن يكون الحاسوب الشخصي العادي أقوى بمليون مرة على الأقل لكي يؤدي مهام الدماغ البشري.
إنسالات الجيل الثالث سيكون لها «عقل» حاسوب ينجز خمسة ملايين مليون تعليمة في الثانية، مما يعطيها ذكاء شبيها بذكاء القردة. كما أنها ستؤدي أنواعا مختلفة من المهام الخدمية واليدوية الروتينية. |
قوة الدماغ والاستخدام(****)
وعلى الرغم من أن هذا العجز الهائل يعتبر إحباطًا لعزائم خبراء الذكاء الصنعي فإنه لا يعني أن هدف تحقيق دماغ صنعي شبيه بدماغ البشر غير قابل للتحقيق. لقد تضاعفت قوة الحاسوب بالنسبة لسعره كل سنة خلال التسعينات بعد أن كانت تتضاعف كل 18 شهرًا في الثمانينات وكل سنتين قبل ذلك. وأدى هذا التقدم قبل عام 1990 إلى تناقص شديد في تكلفة وحجم حاسوب التحكم في الإنسالة. فقد انخفضت التكلفة من عدة ملايين من الدولارات إلى بضعة آلاف، ونقص الحجم من سعة غرفة إلى الحجم المحمول. أثناء ذلك ظلّت القوة مستقرة عند نحو مليون تعليمة في الثانية (MIPS). ومنذ عام 1990، قل انخفاض التكلفة والحجم، ولكن تصاعدت القوة إلى نحو 1000 MIPS لكل حاسوب. وبهذا المعدل سيتطلب الأمر 30 أو 400 سنة لملء فجوة المليون مرة. وأفضل من هذا فإن الإنسالات المفيدة لن تحتاج إلى القوة الكاملة للدماغ البشري.
تقنعني الخبرات التجارية والبحثية بأن القوة العقلية لسمك الگپِّي (سمك قوس قزح) guppy، وهي نحو MIPS 10000، ستكفي لتوجيه إنسالة متحركة، على نحو موثوق، داخل محيط غير مألوف، مما يجعلها مناسبة لوظائف في مئات الآلاف من المواقع الصناعية، ومن ثم في مئات الملايين من المنازل. إن أمامنا أقل من عقد من الزمن لإنجاز مثل هذه الآلات، ولكنها كانت صعبة التحقيق لفترة طويلة لدرجة أن بضع عشرات فقط من المجموعات البحثية مازالت تتابع دراستها.
لقد وَجَدت الإنسالة المتحركة التجارية، وهي الأذكى حتى الآن وتكاد تشبه حشرة تعمل بمستوى MIPS 10، بضع وظائف. وهناك 100000 منها تعمل في أنحاء العالم، كما أن الشركات التي أنتجتها مازالت تصارع للبقاء أو أنها انتهت فعلاً (إن صانعي أدوات التحكم في الإنسالات robot manipulators ليسوا في وضع أفضل.) وأكبر مجموعة من الإنسالات المتحركة التجارية، المعروفة باسم المركبات الموجَّهة أوتوماتيا، تنقل البضائع في المصانع والمخازن. وأكثريتها تتبع أسلاكًا مطمورة تبث الإشارات وتكتشف نقاط النهاية وأمكنة الصدم بواسطة مبدلات؛ وهي تقنية طورت في الستينات.
تبلغ تكلفة وضع أسلاك توجيه تحت أرضية خرسانية مئات الآلاف من الدولارات، وفي هذه الحالة تكون المسارات ثابتة، مما يجعل الإنسالة اقتصادية فقط للمصانع الكبيرة والمستقرة تمامًا. وبعض أنواع الإنسالات، التي يعزى فضل وجودها إلى ظهور المعالجات الميكروية في الثمانينات، تتبع مسارات أكثر نعومة، مثل المغنطيس أو النظام الضوئي في الأرضيات المبلطة، وتستخدم مجسّات فوق صوتية وأشعة تحت حمراء لتتعرف وتهتدي إلى طريقها حول العوائق.
إنسالة مكّوكية تنقل الناس عبر مساحة محددة مسبقًا، وتُحدد موقَعها بالنسبة إلى مغنطيسات في نظام شبكي على الأرض. وقد صَنعت الإنسالة هذه شركة هولندية مقرها في أوترخت، وأسمتها frog، وهو اسم استمدته من الأحرف الأولى للجملة “free ranging on grid”. |
توجَّه الإنسالة المتقدمة جدًّا، التي طورت منذ أواخر الثمانينات، بواسطة علامات إرشادية (على سبيل المثال باركودات تستشعر بالليزر) وكذلك بواسطة معالم موجودة مسبقًا مثل الجدران والأركان والمداخل. وقد استعيض عن العمل المكلف الخاص بوضع أسلاك التوجيه ببرمجيات مفصلة حسب الطلب لكل جزء من الطريق. وقد وجدت الشركات الصغيرة التي طورت الإنسالات زبائن صناعيين كثيرين لديهم رغبة شديدة في أتمتة النقل وتنظيف الأرضيات ودوريات الأمن والأعمال الروتينية الأخرى. وللأسف فإن معظم المشترين فقدوا الاهتمام عندما وجدوا أن التركيب وتغيير المسار يتطلبان عملاً مكلفًا ووقتًا طويلاً من خبراء في برمجة الطرق لا يمكن إيجادهم بصفة دائمة. إذًا، لقد أخفقت الإنسالة تجاريًّا على الرغم من نجاحها تقنيًّا.
وعلى كل حال فإن فشلها كشف لنا أسس النجاح. فأولاً، يجب أن تكون المركبات المعدّة للوظائف المختلفة ذات أسعار معقولة. ولحسن الحظ، فإن المركبات الموجهة أوتوماتيا، والشاحنات ذات الشوكة الرافعة، ومنظفات الأرضيات وغيرها من الآلات الصناعية والمصممة لكي يقودها الإنسان أو لكي تتبع أسلاك توجيه يمكن أن تهيأ بحيث تكون مستقلة. وثانيًا، لا يتحتم على الزبون أن يستدعي خبيرًا مختصًا لجعل الإنسالة تبدأ العمل وتغيّر المسار، إذ إن تنظيف الأرضية والأعمال الهامشية الأخرى لا تتحمل التكلفة أو الوقت وعدم التأكد من صحة التركيب. وثالثًا، يجب أن تعمل الإنسالة بصورة موثوق بها مدة ستة أشهر على الأقل قبل أن تواجهها مشكلة أو موقف يجعلها تقف ساكنة بانتظار أن تعاد برمجتها أو أن تجرى عليها بعض التغييرات. وقد رفض الزبائن بشكل روتيني الإنسالات التي حشرت نفسها بعد شهر من التشغيل في زاوية، أو تجولت على غير هدى، أو تدحرجت فوق أقدام الموظفين أو سقطت على درجات السلم. وعلى الرغم من ذلك يحق للآلة بعد ستة أشهر أن تأخذ إجازة مرضية مدة يوم.
هناك أنواع من الإنسالات التي اشتغلت سنوات عدة من دون أخطاء، وهي التي تم تحسينها بطريقة تكرارية تؤدي إلى إصلاح الأخطاء الشائعة، فتكشف المشكلات الأقل ندرة ومن ثم تصححها. ولسوء الحظ فإن هذا النوع من الاعتماد على حسن الأداء تم تحقيقه لمسارات معدة سلفًا. ويعتبر النوع الشبيه بالحشرة ذو المقدرة MIPS 10 كافيًا بالكاد لتتبع علامات أرضية لا تزيد على أصابع اليد الواحدة على كل جزء من أجزاء مسار الإنسالة. ومن السهل لمثل هذه الأنواع أن ترتبك لمجرد حصول مفاجآت بسيطة، مثل إزاحة الباركودات أو إقفال الممر (مثل النملة التي فقدت أثر الرائحة أو الفراشة التي حسبت نور الشارع على أنه القمر).
إحساس بالفضاء(*****)
في منتصف التسعينات، انطلقت من المختبرات الموزعة في أنحاء العالم الإنسالات التي تخطط مساراتها الخاصة، عندما حقق المعالج الميكروي مستوىMIPS 100. وأغلبها يقوم بإعداد خرائط ذات بعدين بواسطة معيّن مدىrangefinder سوناري أو ليزري لتحديد موقعه وتوجيه نفسه. وتستطيع أفضلها أن تسير عبر ممرات المكتب لأيام قبل أن يختل اتجاهها. ومازالت هذه المدة أقل بكثير من فترة الأشهر الستة المحددة تجاريًّا. وفي أحيان كثيرة تكون أمكنة مختلفة في الخريطة غير الدقيقة متشابهة. وبالعكس، فإن المكان نفسه، عندما يتم مسحه من ارتفاعات مختلفة، قد يبدو مختلفًا، أو أن العوائق الصغيرة أو النتوءات غير المنتظمة قد يتم التغاضي عنها. ولكن المجسّات sensors والحواسيب والتقنيات تتحسن باستمرار، والنجاح قاب قوسين أو أدنى.
كان مختبري الصغير في خضم هذا السباق. وقد استنبطنا في الثمانينات طريقة لتصفية كمية كبيرة من معلومات المجس المشوّشة وتحويلها إلى خرائط يعتمد عليها عن طريق تجميع دلائل إحصائية لدرجة الفراغ أو درجة الامتلاء في كل خلية من خلايا شبكة تمثل البيئة المحيطة. وقد أفلحت هذه المقاربة بصورة جيدة في بعدين، وهي تقوم بتوجيه عدد كبير من أنواع الإنسالات التي سبق وصفها.
أما الخرائط الثلاثية الأبعاد، والتي تعد أدق من الأولى 1000 مرة، فقد بشّرت بإمكانية أن تكون أفضل من الأولى، ولكنها بدت لسنين عدة صعبة التحقيق من الناحية الحسابية. وفي عام 1992 استخدمنا أساليب الاقتصاد في المقياس وحِيَلا أخرى لتقليل تكلفة الخرائط الثلاثية الأبعاد 100 مرة. ولدينا الآن برنامج اختباري يجمع آلاف القياسات من لقطات مجسّمة للكاميرا لعمل خريطة لحيّز بحجم غرفة، بحيث لا تتجاوز مساحة الخريطة بضعة سنتيمترات مربعة. ومع توفر الـ MIPS 1000، يستوعب البرنامج لقطة في كل ثانية وهي تكفي للحركة داخل المبنى.
عند سؤالها لماذا توجد شموع على المنضدة، قد تجيب إنسالة
الجيل الثالث بأنها وضعتها هناك؛ لأن مالكها يحب العشاء
في ضوء الشموع وهي تحب أن ترضي مالكها.
ظهرت حاليًا قوة الألف مليون تعليمة في الثانية (MIPS 1000) في الحاسوب المكتبي. وسوف توجد خلال سنين قليلة في الحاسوب الحضني وغيره من أنواع الحواسيب الصغيرة الأرخص سعرًا المناسبة للإنسالات. وللإعداد لهذا اليوم، بدأنا حديثًا برنامجًا مكثفًا يمتد ثلاث سنوات لإنتاج نموذج أوليprototype لمنتج تجاري يعتمد على مثل هذا الحاسوب. ونخطط لجعل سبل التعلّم أوتوماتية لتفعيل أداء مئات العوامل المؤثرة، وكذلك لكتابة برامج لإيجاد ممرات وأمكنة وأرضيات وحوائط وأبواب واضحة وأشياء أخرى في الخرائط الثلاثية الأبعاد. وسنختبر أيضًا برامج لتنسيق المَقْدرات الأساسية لكي تؤدي أعمالاً أكبر، مثل توصيل الأشياء وتنظيف الأرضيات والقيام بدوريات الأمن.
سيكون مجال الاختبار الأول إنسالة صغيرة متحركة رُكِّبت عليها كاميرا. وستستمد ذكاءها من جهازي حاسوب: أپل آي بوك حضني يوضع على متن الإنسالة، وأپل جي فور بقوة نحو MIPS 10000 متصل لاسلكيًّا بآي بوك. وستكون الشيپات الدقيقة للكاميرا الرقمية والمنتجة على نطاق واسع أرخص طريقة للحصول على ملايين القياسات المطلوبة للخرائط الكثيفة.
ونخطط لكي يكون أول إنتاج تجاري لنا عبارة عن «رأس توجيه» بحجم كرة السلة يثبّت في المركبات الصناعية الموجودة حاليًا. وسيكون له عدة كاميرات مجسّمة، وبرنامج عام لعمل الخرائط والتعرف والتحكم، وبرنامج آخر لاستخدامات محدّدة (على سبيل المثال تنظيف الأرضيات)، ووصلة لمصدر قوة المركبة، وأدوات تحكم ومجسّات. والمركبات المجهزة برأس والتي لها برامج للقيام بأعمال النقل أو الدورية patrol، يمكن تعليمها مسارات جديدة عن طريق إرشادها خلال الممر مرة واحدة. أما برامج تنظيف الأرضيات فسوف تبيَّن لها حدود منطقة عملها.
ستَفْهم المركبة عند وجودها في مكان العمل محيطَها المتغير بكفاءة كافية لجعلها تعمل ستة أشهر من دون أخطاء تُوهنها. وهناك عشرة آلاف مركبة موجّهة أوتوماتيا و 100000 آلة تنظيف، ونحو مليون شاحنة ذات شوكة رافعة، وجميعها مرشح لتركيب الرأس عليها بحيث إن تحويلها إلى إنسالة يمكن أن يوسع هذه الأسواق بدرجة كبيرة.
إعادة سريعة(******)
إن العائد والخبرة اللذين نحصل عليهما من الإنسالة الصناعية الواعية للمكان سوف يمهدان الطريق لمنتجات أكثر ذكاء وأرخص (1000 دولار بدلا من 10000 دولار)، بدءًا من الإنسالة الصغيرة للتنظيف بالشفط التي تستطيع معرفة طريقها أوتوماتيا داخل المنزل وتكتشف الغرف غير المشغولة وتنظف عند الحاجة. وأتخيل هنا آلة منخفضة الارتفاع بدرجة كافية تخولها الدخول تحت بعض قطع الأثاث، ولها فُرشة أكثر انخفاضًا وقابلة للمد، وبإمكانها الرجوع إلى محطة تفريغ لكي تشحن وتفرغ محتوياتها من الأتربة. يمكن لمثل هذه الآلة أن تفتح الباب أمام سوق الإنتاج الكبير للإنسالات.
سيثير النجاح التجاري المنافسة ويسرع الاستثمار في الإنتاج والهندسة والأبحاث. وسينتج من الإنسالة التي تشفط إنسالة تنظيف أكثر ذكاء لها أذرع لإزالة الغبار والدعك scrubbing والتقاط الأشياء. وسوف يأتي بعدها إنسالة أكبر متعددة الاستخدام لها أذرع أقوى وأكثر براعة وحواس أفضل. وستكتب برامج تمكن هذه الآلات من التقاط الركام وخزن الأشياء واسترجاعها وتوصيلها، وجرد المخزون وحراسة المنازل وفتح الأبواب وجزّ الحشائش ولعب المباريات وما شابه. وستوسع التطبيقات الجديدة السوق وتحفّز إلى مزيد من التقدم عندما تزداد الإنسالة رهافة ودقة وقوة وبراعة ومهارة وإمكانية وصول وقوة تنفيذ. وسوف تتزايد المقدرة والكميات المباعة، والجودة الهندسية والتصنيعية وفعالية التكاليف cost-effectiveness بطريقة تؤازر بعضها بعضًا. وربما تؤدي هذه الطريقة بحلول عام 2010 إلى إنتاج أول إنسالة عالمية ماهرة، بحجم الإنسان ولكن بعقل السحلية (MIPS 50000)، يمكن برمجتها لأداء جميع الأعمال البسيطة.
ومثل الزواحف القادرة ولكن المحكومة بغرائزها، فإن الجيل الأول من الإنسالة العالمية لن يتعامل إلا مع الأحداث الطارئة المنصوص عليها بشكل صريح في برنامجه التطبيقي. ولما كانت إنسالات ذلك الجيل غير قادرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، فسوف تؤدي عملها في الغالب بشكل سيئ أوْ لا تؤديه على الإطلاق. ومع ذلك فهناك أعمال مادية كثيرة مازالت تنتظرها للقيام بها في أمكنة العمل والشوارع والحقول والمنازل، بحيث صار بإمكان علم الإنسالة أن يستولي على تقانة المعلومات تجاريًّا.
وفيما لم يتمكن الجيل الأول من الإنسالة العالمية من التأقلم، سيتأقلم الجيل الثاني الشبيه بالفأر ذي المئة ألف مليون تعليمة في الثانية (MIPS 100 0000)، إضافة إلى أنه سيكون قابلاً للتدريب. وستحتوي مثل هذه الإنسالة على مجموعة من الوحدات البرمجية المنظمة للحالة إلى جانب برنامج التطبيق، وستولد هذه الأحداث إشارات موجبة وسالبة في ظروف محددة مسبقًا. وعلى سبيل المثال، يعتبر إنجاز الأعمال بسرعة والمحافظة على بطارية الإنسالة مشحونة عملاً إيجابيًّا، في حين يعد ضرب أحد الأشخاص أو كسر أحد الأشياء عملاً سلبيًّا. وستتوفر طرق أخرى لإنجاز كل مرحلة من مراحل برنامج التطبيق، ابتداء بتلك المحددة بدقة كبيرة (مسك مقبض تحت مستوى الكتف أو فوقه)، وانتهاء بالمراحل العامة العريضة (العمل في الداخل أو في الخارج). ومع تكرار الأعمال، فإن البدائل التي تؤدي إلى تقوية إيجابية هي التي سوف يكون لها الأفضلية، وتلك التي تؤدي إلى نتيجة سلبية هي التي سيجري تجنبها. وهكذا سوف يعمل الجيل الثاني للإنسالة بصورة أفضل على نحو متزايد.
تبلغ تكلفة صنع الإنسالة P3 عدة ملايين من الدولارات. وهي حاليًا واحدة من أكثر أنواع الإنسالات تطورًا واكتفاء ذاتيًّا. مهارتها الأساسية هي المشي، وتستطيع أن تؤديه صعودًا وهبوطًا على الدرج (السلم) وعلى الأرض المنبسطة والمنحدرة. ولسوء الحظ فإنها تستطيع أن تستمر 25 دقيقة فقط قبل أن تفرغ بطاريتها. تم صنعها في الشركة هوندا موتورز باليابان. |
أما الإنسالة الشبيهة بالقرد ذات الخمسة آلاف مليون تعليمة في الثانية فإنها ستؤدي إلى جيل ثالث من الإنسالات يتعلم بسرعة كبيرة من التدريبات الذهنية في مجال المحاكيات التي تصور عوامل فيزيائية أو ثقافية أو نفسية. وتشمل الخواص الفيزيائية للأشياء الشكلَ والوزن والمقاومة والنسيج والمظهر وكيفية التعامل معها. أما الخواص الثقافية فتشمل اسم الشيء وقيمته وموضعه المناسب والغرض منه. وتشمل الخواص النفسية الأهدافَ والمعتقدات والشعور والأولويات، وتطبّق على البشر والإنسالات بصورة متشابهة. وسيكون تطوير المحاكيات عملاً ضخمًا يتطلب آلاف المبرمجين والإنسالات التي تراكم الخبرة.
وتتتبع المحاكيات الأحداث الخارجية وتضبط نموذجها لتجعله مطابقًا للواقع. وتسمح المحاكاة للإنسالة بأن تتعلم إحدى المهارات عن طريق التقليد وتوفر لها نوعًا من الوعي. وعند سؤالها: لماذا توجد شموع على المائدة، فإن إنسالة الجيل الثالث قد تستشير نموذج المنزل الموجود في داخلها ومالكها ونفسها لتجيب بأنها وضعتها هناك، لأن صاحبها يحب العشاء في ضوء الشموع وهي تود أن ترضي صاحبها. وقد تثير تساؤلات أخرى تفاصيل أكثر عن حياة ذهنية داخلية بسيطة متعلقة بمواقف وأناس في محيط عملها.
سوف يكون بوسع الإنسالات العالمية من الجيل الرابع، الشبيهة بالبشر ولها 100 مليون مليون تعليمة في الثانية (100 مليون MIPS) القيام بأعمال على قدر من التجريد والتعميم. وسوف تُنتج هذه الإنسالات من جراء دمج برامج استدلالية reasoning قوية في آلات الجيل الثالث. هذه البرامج الاستدلالية ستكون الوليدة الأكثر تطورا للبرامج الحالية لأجهزة إثبات النظريات والنظم الخبيرة expert systems، والتي تقلد التفكير المنطقي البشري لتقوم بالتشخيص الطبي وجدولة الطرق واتخاذ القرارات المالية وتشكيل نظم الحاسوب وتحليل المعلومات الزلزالية لتحديد مواقع الترسبات النفطية، وما شابه.
ينقل بصر الإنسالة العناصر الأساسية لمنظر في خريطة تستعمل لتحديد الاتجاه. إن أحدث هذه الخرائط، مثل تلك التي في اليمين، تكون ثلاثية الأبعاد وتنقل تفاصيل تصل إلى دقة السنتيمتر. تم إعداد الخريطة من 20 صورة مجسّمة. |
ستصبح الإنسالة الناتجة، إذا ما أحسن تعليمها، أمرًا هائلاً، إنني متأكد، في الواقع، من أنها ستكون متفوقة علينا في أي مجال يمكن تخيله، سواء كان ذهنيًّا أو ماديًّا. وسيؤدي مثل هذا التقدم لا محالة إلى إعادة صياغة أساسية للمجتمع. وستوجد مؤسسات كاملة من دون موظفين أو مستثمرين من البشر. وسيؤدي البشر دورًا محوريًّا في تشكيل المجمع المعقد من القوانين التي ستحكم سلوك المؤسسات. وفي النهاية من المحتمل أن يحجم أحفادنا عن العمل بالطريقة التي نقوم بها حاليًا. ويحتمل أن يقضوا أيامهم في أداء مجموعة من الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والفنية لا تختلف عما يقوم به المتقاعدون الميسورون أو الطبقة الغنية المترفة.
إن المسار الذي بينتُ خطوطه العريضة يلخص تطور الذكاء البشري ـ ولكن بمعدل أسرع بعشرة ملايين مرة. وهو يشير إلى أن ذكاء الإنسالة سيتعدى ذكاءنا قبل عام 2050 بفترة طويلة. وفي هذه الحالة، فإن الإنسالة العالِمة robotscientist، المنتجة على نطاق واسع، الكاملة التعلم، والتي تعمل بتفانٍ وبكلفة قليلة وبسرعة وفاعلية متزايدة، ستؤكد أن معظم ما يعرفه العلم في عام 2050 سيكون قد اكتشف عن طريق ذرّيتنا الصنعية.
المؤلف
Hans Moravec
باحث رئيسي في معهد الإنسالات بجامعة كارنيگي ميلون. عمل خلال الأربعين سنة الماضية على ثمانية أنواع من الإنسالات المتحركة، أولها (كان تجميعًا من علب صفيح وبطاريات ومصابيح ومحرك) ركّبه عندما كان في العاشرة. يركز في عمله الحالي على تمكين الإنسالة من تحديد موقعها وسيرها اعتمادًا على إدراك ثلاثي الأبعاد لمحيطها.
مراجع للاستزادة
VEHICLES: EXPERIMENTS IN SYNTHETIC PSYCHOLOGY. Valentino Braitenberg. MIT Press, 1984.
AI: THE TUMULTUOUS HISTORY OF THE SEARCH FOR ARTIFICIAL INTELLIGENCE. Daniel Crevier. Basic Books, 1993.
ROBOT: MERE MACHINE TO TRANSCENDENT MIND. Hans Moravec. Oxford University Press, 1999.
Scientific American, December 1999
(*) Rise of the Robots
(**) Reasons for Optimism
(***) Nervous Tissue and Computation
(****) Brainpower and Utility
(*****) A Sense of Space
(******) Fast Replay
(1) Rosetta stone، اكتشف عام 1799 في رشيد بمصر، يحمل نقوشًا متوازية باليونانية والهيروغليفية المصرية، مما ساعد على حل رموز هذه الأخيرة. (التحرير)