ما الخطأ في هذه الصورة؟(*)
كثيرًا ما يستخدم الإخصائيون النفسيون اختبار رورشاخ الشهير لبقع
الحبر والأدوات الأخرى ذات الصلة وذلك من أجل تقييم الشخصية
وتشخيص الأمراض العقلية. ولكن نتائج البحوث تشير إلى أن
هذه الأدوات كثيرًا ما تكون غير فعالة لمثل هذين الهدفين.
<O.S. ليليانفيلد> – <M.J.وود> – <N.H. گارب>
ولكن ما مقدار صحة ما يعتقدون؟ الإجابة مهمة هنا، لأن الإخصائيين النفسيين كثيرًا ما يستخدمون مثل هذه الأدوات «الإسقاطية»projectiveinstruments (حيث يعرضون على الناس صورًا أو كلمات أو أشياء مبهمة) بوصفها مكونات للمقاييس العقلية، ولأن النتائج يمكن أن تؤثر تأثيرًا بالغًا في حياة المستجيبين. وتُستخدم هذه الأدوات ـ على سبيل المثال ـ للمساعدة على تشخيص مرض عقلي، وعلى التنبؤ بإمكان أن يصبح المتهمون عنيفين بعد الإفراج المشروط عنهم، وعلى تقييم الاتزان العقلي للوالدين عند دخولهما في نزاعات قضائية حول حق رعاية الأبناء، وكذلك على بيان تعرض الأطفال لتحرش جنسي(1).
وقد قمنا حديثًا بمراجعة قدر كبير من البحوث التي تدور حول فعالية الطرائق الإسقاطية. وقمنا بالتركيز على ثلاث أدوات من أوسعها انتشارا وأكثرها حظا في الدراسة المستفيضة. وكانت النتيجة العامة لما خلصنا إليه غير حاسمة.
فراشات أم جاموس أمريكي؟(**)
يعد اختبار رورشاخ الشهير لبقع الحبر، الذي يُطلب فيه إلى الناس أن يصفوا ما يرونه في سلسلة من عشر نقاط من بقع الحبر، أكثر المقاييس الإسقاطية شيوعًا، وهو يطبق على مئات الألوف وربما الملايين من الأشخاص في كل عام. وتشير البحوث التي ستناقَش لاحقًا إلى الصيغة الحديثة المعدَّلة له، وليس إلى البنية الأصلية التي نشرها في العشرينات الطبيب النفسي السويسري < هِرْمان رورشاخ>.
ماذا لو طلب إليك أن تصف صورًا
تراها في بقعة حبر، أو أن تبتكر قصة عن صورة غير واضحة الدلالة معروضة أمامك، ولتكن صورة لرجل في منتصف العمر يتجه ببصره بعيدًا عن امرأة تمسك بذراعه؟ لتفهم الموقف عليك الاعتماد على انفعالاتك الخاصة وخبراتك وذاكرتك وخيالك. عليك باختصار إضفاء ذاتك على الصور. ويؤكد العديد من الإخصائيين النفسيين الممارسين أنك ما إن تفعل ذلك حتى يبدأ المقيِّمون المدرَّبون بسبر تأملاتك بغية التوصل إلى استنتاجات عن سماتك الشخصية واحتياجاتك اللاشعورية وصحتك العقلية العامة.
وقد تعرضت الصيغة الأولية لهذا الاختبار إلى هجوم حاد في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، لأنها تفتقد ـ جزئيًّا ـ الطرائق القياسيةstandardized procedures ومجموعة أخرى من المعايير norms (أي: المتوسطات المستخلصة من الجمهور العام). ويعد التوحيد القياسي standardization من الأمور المهمة، لأن ما يبدو بمثابة فروق ضئيلة في الطريقة التي تطبق بها الأداة يمكن أن يؤثر في استجابات الشخص لها. وتوفر المعايير حدودًا مرجعية تعين متى تقع استجابة الشخص خارج المدى المقبول.
وفي السبعينات من القرن الماضي قام <E.J. إكسنر، جونير> [حين كان يعمل في جامعة لونگ آيلاند] بإجراء تصويب ظاهري لتلك المشكلات التي عابت الصيغة الأولية لاختبار رورشاخ بأن قدم ما أطلق عليه اسم النظام الشاملcomprehensive system. وقد أرست هذه المجموعة من التعليمات قواعد تفصيلية لتقديم اختبار بقع الحبر ولتفسير الاستجابات ووفرت معايير لأداء الأطفال والراشدين.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع حاليًا لهذا النظام الشامل، فمازال قاصرًا وفق إشكالية تتمثل في محكّين جوهريين كانا مشكلتين أيضًا في الصيغة الأصلية لاختبار رورشاخ، وهما: وثوقية التقييم (وثوقية إحراز النقاط) scoringreliability وصحة الاختبار validity. إن الأداة التي تتمتع بوثوقية التقييم توفر نتائج متشابهة بصرف النظر عن من قام بوضع الدرجات أو صنّف الاستجابات. وكذلك إن أداة القياس الصحيحة (الصادقة) تقيس فعلاً ما تستهدف قياسه، وتكون نتائجها متسقة مع تلك التي استخلصت من مقاييس أخرى موثوق بها، أو تكون قادرة على التنبؤ بالسلوك، أو كلا الأمرين معًا.
ولكي نفهم عيوب وثوقية التقييم في اختبار رورشاخ يجب أن نعرف كيفية تفسير ردود الفعل لنقط الحبر. فأولا يقوم الإخصائي النفسي بتقدير مجموع الاستجابات على أكثر من 100 سمة (أي: متغير). يقوم المقيِّم، على سبيل المثال، بتسجيل ما إذا كان الشخص قد نظر إلى نقطة الحبر كلها أو إلى جزء منها، وما إذا كان قد تبين أن الصور غير معتادة أو نمطية بالنسبة إلى معظم من طُبِّق عليهم الاختبار، ويشير إلى أي مظهر من مظاهر نقطة الحبر (مثل الشكل أو اللون) كان الأكثر تأثيرًا في المستجيب.
بعدئذ يقوم الفاحص (أو الفاحصة) بتصنيف النتائج في سجل (صحيفة) الحالة النفسية psychological profile للفرد. ويتعين على الإخصائيين النفسيين ـ في جزء من هذه السيرورة التفسيرية ـ أن يستخلصوا أن التركيز على التفاصيل الصغرى (مثل البقع الشاردة) في نقطة الحبر، بدلا من النظر إلى النقطة كلها، يعد علامة على وقوع المريض تحت تأثير وساوس قسرية، وأن رؤية الأشياء في الفضاءات البيض في نقاط الحبر الكبيرة بدلاً من المناطق المحبرة يكشف عن اندفاع سلبي مناقض.
ولكي نصنف أي متغير على أنه يتمتع بوثوقية عالية، يتعين أن يكون هناك اتفاق كبير بين التقييمات التي يقدمها مقيّمان مختلفان عند فحص استجابات أي شخص. وعلى أي حال، تبين البحوث الحديثة أن هناك اتفاقًا كبيرًا يتحقق في نحو نصف السمات فقط من بين تلك التي يفحصها مقيّمو استجابات اختبار رورشاخ؛ وقد ينتهي المقيِّمون إلى تقديرات شديدة الاختلاف بالنسبة إلى سائر المتغيرات.
ومما يثير قدرا مشابها من القلق، أن تحليلات صحة اختبار رورشاخ تشير إلى أنه معد بطريقة تفتقر إلى إمكانية تحديد معظم الاضطرابات النفسية-العقلية باستثناء واضح للفصام وسائر الاعتلالات التي تتسم باضطراب التفكير مثل الاضطراب الثنائي القطب (الهوس الاكتئابي manic-depression). وعلى الرغم من ادعاءات بعض أنصار اختبار رورشاخ، فإن هذا الأسلوب لا ينبئ بصورة متسقة عن الاكتئاب واضطرابات القلق، أو عن الشخصية السيكوپاتية psychopathic personality (وهي حالة تتسم بانعدام الأمانة وتحجر المشاعر وافتقاد الشعور بالذنب).
يضاف إلى ذلك، أنه على الرغم من كثرة تطبيق الإخصائيين النفسيين لاختبار رورشاخ لتقييم النزعات نحو العنف والرعونة impulsiveness والسلوك الإجرامي، فقد انتهت معظم البحوث إلى أن هذا الاختبار غير ملائم أيضًا لهذه الأغراض. ولا تتوفر بالمثل دلائل حاسمة تدعم استخدامه للكشف عن الاعتداء الجنسي على الأطفال.
وظهرت أيضًا مشكلات أخرى. فهناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن معايير اختبار رورشاخ التي استهدفت تمييز الصحة العقلية mental health من المرض العقلي mental illness، لا تمثل سكان الولايات المتحدة، وتؤدي ـ خطأ ـ إلى اعتبار الكثير من الراشدين والأطفال غير متوافقين مع محيطهم. مثال ذلك أن دراسة أجريت عام 1999 على 123 من الراشدين المتطوعين في بنك للدم بكاليفورنيا، حصل فيها سدس الأفراد على درجات يفترض أنها تدل على إصابتهم بالفصام.
ويبدو أن نتائج اختبار بقع الحبر أكثر ميلا إلى إعطاء دلالات مضللة بالنسبة إلى الأقليات. فقد أوضح عدد من الباحثين أن النقاط التي أحرزها الأمريكيون من ذوي الأصول الإفريقية وسكان أمريكا الأصليين وذوو الأصول الألاسكية والإسبانية وأبناء أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية تختلف بصورة واضحة عن المتوسطات الأمريكية. وتثير النتائج المتجمعة للبحوث المختلفة شكوكًا حادة حول استخدام اختبار رورشاخ لبقع الحبر في عيادات العلاج النفسي وفي المحاكم.
اختبار رورشاخ
أَحِبْر مهدر؟(***)
«إنها تبدو مثل اثنين من الدينوصورات لهما رأسان ضخمان وجسمان صغيران، وهما يتحركان أحدهما بعيدًا عن الآخر، ولكنهما ينظران خلفهما. أما النقطة السوداء في الوسط فتذكرني بسفينة فضاء». إن اختبار رورشاخ لبقع الحبر ـ الذي اعتبر يومًا ما بمثابة الأشعة السينية للعقل ـ ما زال أشهر المقاييس الإسقاطية وأسوأها سمعة. وفيه يقدم الفاحص للمشاهد مجموعة من 10 بقع متناظرة للحبر وفق ترتيب معين. وعلى المفحوص أن يذكر ما الذي تشبهه هذه البقع. وتحتوي خمس من بقع الحبر ألوانًا، والخمس الأخرى ذات لون أسود ورمادي. ويستطيع المجيب أن يدير الصور. ومن المفترض أن يكشف فحوى الاستجابات لبقع الحبر عن جوانب شخصية المجيب وصحته العقلية. ويعتقد المدافعون عن الاختبار، على سبيل المثال، أن الإشارة إلى حيوانات متحركة ـ مثل الدينوصورات التي سبق أن أشرنا إليها ـ غالبا ما تعني الرعونة، وأما الإشارة إلى “سواد” النقطة ـ كما في حالة سفينة الفضاء ـ فغالبًا ما تشير إلى الاكتئاب. ويحتمل أن يكون الطبيب النفسي السويسري <H. رورشاخ> قد استوحى فكرة عرض بقع الحبر من مباراة أوروبية. وقد ظهر الاختبار أول مرة عام 1921 وحقق شهرة كبيرة عام 1945. ولكنه تعرض لنقد عنيف منذ الخمسينات من القرن العشرين عندما وجد الباحثون أن الإخصائيين النفسيين دائمًا ما يفسرون الإجابات نفسها بصور مختلفة، وأن استجابات معينة لا ترتبط ارتباطًا قويًّا بأمراض عقلية معينة أو بسمات نوعية للشخصية. ويستخدم الآن على نطاق واسع النظام الشامل الذي يهدف إلى علاج هذه الجوانب من القصور في تقييم وتفسير الاستجابات على اختبار رورشاخ. ولكنه تعرض أيضًا للنقد على أسس مشابهة؛ إضافة إلى ذلك، تشير الكثير من النتائج الحديثة إلى أن هذا النظام الشامل يخطئ، إذ يصنف العديد من المستجيبين الأسوياء في فئة المرضى. |
الشكوك حول اختبار
فهم الموضوع (التات)(****)
وهناك أداة إسقاطية أخرى هي اختبار فهم الموضوع التات TAT ThematicApperception Test، قد لا تكون أقل إشكالية من اختبار رورشاخ. وفي هذا الاختبار يطلب إلى المجيب أن يؤلف قصةً اعتمادًا على مشاهد غامضة مرسومة على بطاقات. ومن بين ال31 بطاقة المتاحة للإخصائيين النفسيين، هناك واحدة تصور ولدًا يتأمل آلة كمان، وأخرى تصور امرأة ذاهلة تمسك بباب مفتوح، وثالثة تصور الرجل والمرأة اللذين أشرنا إليهما في بداية هذه المقالة؛ وأخيرًا، هناك بطاقة واحدة بيضاء تمامًا تمثل جِمَاعَ الغموض.
وقد أطلق على اختبار التات اسم «بهجة السريريين (الإكلينيكيين) وكابوس الإحصائيين»، ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى أن تطبيقه يفتقر عادة إلى التوحيد القياسي، إذ يقدم الإخصائيون السريريون المختلفون عددًا مختلفًا ومجموعات مختلفة من البطاقات إلى المستجيبين، وكذلك يفسر معظم الإخصائيين السريريين قصص الناس بطريقة حدسية بدلا من اتباع منهج سبق اختباره جيدًا. وفي الواقع، فقد ظهر ـ من خلال مسح حديث لنحو 100 إخصائي نفسي في أمريكا الشمالية ممن يمارسون العمل في محاكم الأحداث ومحاكم الأحوال الشخصية ـ أن 3% منهم فقط يعتمدون على نظام تقييم مقنن لاختبار التات. ولسوء الحظ، فإن بعض الدلائل تشير إلى أن الإخصائيين السريريين الذين يفسرون اختبار التات بطريقة حدسية يميلون إلى المبالغة في تشخيص الاضطرابات النفسية.
ويتوفر الكثير من نظم التقييم المقنَّنة لاختبار التات، ولكن الكثير من النظم الأكثر انتشارًا يشير إلى وثوقية منخفضة عند إعادة الاختبار؛ إذ إنها تميل إلى إعطاء نتائج غير متسقة ما بين جلسة تقييم وأخرى. وكذلك إن صحة هذه النظم محل تساؤل متكرر؛ فالدراسات التي تسفر عن نتائج إيجابية، غالبًا ما تتعرض للنقض من باحثين آخرين. وعلى سبيل المثال، فقد عجز العديد من نظم التقييم عن التفرقة بين الأفراد الأسوياء وبين الذهانيين أو الاكتئابيين.
وقد ظهر بالفعل أن عددًا من نظم التقييم المقنَّنة لاختبار التات نجح في بيان جوانب معينة في الشخصية ـ منها على وجه الخصوص الحاجة إلى تحقيق الإنجازات، وإدراك الشخص للآخرين (وهي خاصية يطلق عليها اسم «العلاقة بالموضوع»). ولكن كثيرًا ما حدث أن الأشخاص الذين يظهرون حاجة كبيرة إلى تحقيق الإنجازات لم يحصلوا على درجات مرتفعة في الاختبارات الخاصة بالإنجاز الفعلي. وعلى هذا فإن قدرة هذا المتغير على التنبؤ بسلوك الشخص قد تكون محدودة. وتفتقر هذه النظم حاليا إلى معايير، ومن ثم فهي ليست جاهزة بعد للتطبيق خارج مجال البحوث، وإن كانت تستحق المزيد من الدراسة.
اختبار فهم الموضوع (التات)
صورة غير متقنة(*****)
يعد اختبار فهم الموضوع (التات TAT) ـ الذي ابتكره <H. موري> [الطبيب النفسي بجامعة هارڤارد] وتلميذته <Ch. مورگان> في الثلاثينات من القرن العشرين ـ من بين أكثر المقاييس الإسقاطية استخدامًا. وفيه يعرض الفاحصون على الأفراد مجموعة فرعية (عادة ما تتكون من 5 إلى 12 بطاقة) من بين 31 بطاقة تتضمن صورًا لمواقف غامضة، غالبًا ما تضم أشخاصا. وعلى المستجيبين أن يقوموا بتأليف قصة عن كل صورة تصف الأحداث التي تظهر فيها، وما الذي أدى إليها، وما الذي تفكر وتشعر به الشخصيات، وما الذي سيحدث بعد ذلك. وتُستخدم الكثير من التنويعات الخاصة باختبار التات، مثل اختبار التات للأطفال الذي يصور حيوانات تتآثر في مواقف غامضة، واختبار بلاكيBlacky Test الذي يصور مغامرات كلب أسود وأسرته.
ولدى الإخصائيين النفسيين طرائق متعددة لتفسير الاستجابات لاختبار التات، وإحدى هذه الطرق الواعدة ـ التي طورها عالم النفس <D. ويستِن> [من جامعة بوسطن] ـ تعتمد على نظام قياس معين لتقييم إدراك الناس للآخرين (العلاقة بالموضوع). ووفقا لهذه المقاربة إذا نسج شخص ما قصة حول امرأة ناضجة تتآمر على شاب استجابة للمنظر المرئي في الصورة المعروضة (في اليسار) فإن القصة ستعني أن المستجيب يميل إلى افتراض سوء النية في الآخرين، غير أن ذلك لا ينكشف إلا إذا رُويت موضوعات مشابهة في القصص التى تروى عن البطاقات الأخرى. وتشير الدراسات المسحية، على أية حال، إلى أن معظم الممارسين لا يستخدمون نظم تقييم منهجية لتفسير قصص اختبار التات، بل يعتمدون بدلاً من ذلك على حدسهم. ولسوء الحظ تشير البحوث إلى أن مثل هذه التفسيرات «الانطباعية» لاختبار التات مشكوك في صحتها. وقد تؤدي إلى جعل اختبار التات مجرد تدريب إسقاطي يمارسه كل من الفاحص والمفحوص. |
أخطاء في الصور(******)
هناك مقاربة إسقاطية ثالثة يطلب فيها إلى الناس أن يرسموا صورًا ثم يتم تقييمها، وذلك على النقيض من اختباري رورشاخ والتات اللذين يثيران ردود فعل لصور معروضة. وهناك عدد من هذه المقاييس مثل اختبار رسم الشخصTestDraw-a-Person الواسع الانتشار، الذي يطلب فيه إلى بعض المفحوصين رسم صورة إنسان، ويطلب إلى آخرين رسم منازل وأشجار أيضا. وعادة ما يفسر الإخصائيون السريريون هذه الرسوم بالربط بين «علامات» معينة فيها ـ مثل ملامح الجسم أو الملابس ـ وبين جوانب الشخصية أو بعض الاضطرابات النفسية المعينة. من ذلك أنهم يربطون بين العيون الكبيرة والزَّوَر (جنون العظمة) paranoia وبين ربطات العنق الطويلة والاعتداءات الجنسية، وكذلك بين غياب ملامح الوجه والاكتئاب، إلى غير ذلك.
إن البحوث التي أجريت في مجال اختبارات الرسم توفر أسبابًا عميقة للقلق، شأنها شأن الاختبارات الأخرى. فقد كان هناك اتفاق جيد بين المقيِّمين في بعض الدراسات، في حين كان الاتفاق في بعضها الآخر ضعيفًا. والأسوأ من ذلك أنه لا توجد دلائل قوية تؤيد صحة هذه المقاربة التي تعتمد العلامات أساسًا للتفسير. بمعنى آخر إنه لا توجد لدى السريريين على ما يبدو أسس للربط بين علامات معينة في الرسوم وخصائص معينة في الشخصية، أو للربط بينها وبين التشخيص الطبي النفسي. وكذلك لا توجد دلائل متسقة على أن بعض العلامات signs (مثل الألسنة أو الأعضاء التناسلية) التي ترتبط في مفاهيمنا بالاعتداء الجنسي على الأطفال، إنما تكشف في الواقع عن محاولات سابقة للتحرش. والنتيجة الإيجابية الوحيدة التي تكرر التوصل إليها، هي أن من لا يجيدون رسم البشر يعانون معدلات مرتفعة نوعًا ما من الاضطرابات النفسية. وأظهرت الدراسات من ناحية أخرى أن الإخصائيين السريريين يميلون إلى اعتبار الكثير من الأفراد الأسوياء الذين يفتقدون قدرات فنية ضمن المصابين بأمراض عقلية.
ويذكر أحد مؤيدي هذه الاختبارات أن مقاربة استخدام العلامات يمكن أن تكون صحيحة إذا ما استخدمها خبراء متمرسون. ومع ذلك، فقد ذكرت مجموعة من الباحثين أن الخبراء الذين طبقوا اختبار «رسم الشخص» كانوا أقل دقة من طلبة الدراسات العليا في تمييزهم للسَّواء النفسي من اللاسَواء.
بعض المقاييس الإسقاطية الأخرى(*******)
ما نتيجة التقييم؟(********)
هناك العشرات من المقاييس الإسقاطية التي يستطيع الإخصائيون النفسيون الاختيار من بينها غير اختبارات رورشاخ والتات ورسم الأشكال
البشرية(2). وكما تبين الأمثلة التالية فإن بعضها يؤكده البحث في حين يتعذر ذلك للكثير منها. اختبار اليد Hand Test في هذا الاختبار يذكر المفحوصون ما الذي تفعله اليد المصورة في أوضاع مختلفة. وتستخدم هذه الطريقة لتقييم العدوانية والقلق وبعض سمات الشخصية الأخرى، ولكنها لم تدرس جيدًا. تحليل الخط اليدوي الگرافولوجيا Graphology Handwriting Analysis يعتمد مفسر الخطوط على «علامات» معينة في خط يد الشخص لتقييم خصائص شخصيته. وعلى الرغم من عدم جدوى هذا الأسلوب، فلايزال مستخدما لفرز المتقدمين للوظائف. اختبار لوشر للألوان Lüscher Color Test يقوم الناس فيه بترتيب بطاقات الألوان بحسب تفضيلهم لها، وذلك بهدف الكشف عن سماتهم الشخصية. وقد توصلت أكثر الدراسات إلى أن الأسلوب ليس له أية مزيّة تذكر. اللعب بالدمى السليمة تشريحيا Play withAnatomically Correct Dolls توصلت البحوث إلى أن الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي غالبًا ما يلعبون بالأعضاء التناسلية للدمى. ومع ذلك فإن هذا السلوك ليس تشخيصيا، لأن الكثير من الأطفال الذين لم يتعرضوا للاعتداء الجنسي يفعلون الأمر نفسه. صور روزنزْڤايگ في دراسة الإحباط Rosenzweig Picture Frustration Study بعد قيام شخصية كرتونية بإبداء ملاحظات استفزازية إلى شخصية أخرى، يقرر المشاهد الكيفيةَ التي يتعين على هذه الأخيرة أن تستجيب بها. وتنجح هذه الأداة التي عرضت في الفيلم A clockwork Orange في التنبؤ بالسلوك العدواني لدى الأطفال. اختبار إكمال الجمل Sentence Completion Test اختبار زوندي Szondi Test في هذا الاختبار تعرض على المشاهدين مجموعة من الصور الفوتوغرافية أخذت لمصابين باضطرابات نفسية متعددة، ويتعين عليهم اختيار أكثر الصور وأقلها تفضيلاً لديهم. ويفترض هذا الأسلوب أن الاختيارات تكشف شيئًا ما عن احتياجات صاحب الاختيار، غير أن البحوث لم تؤيد ذلك. |
وقد يكون بعض نظم التقييم الإجمالية global scoring systems، التي لا تعتمد على العلامات، مفيدًا. فبدلاً من افتراض المقابلة التامة الدقيقة بين خاصية ما في الرسم وسِمَةٍ شخصية معينة، يَجمع الإخصائيون النفسيون الذين يطبقون مثل هذه الطرائق العديد من جوانب الصورة للوصول إلى انطباع عام عن توافُق adjustment الشخص. وفي دراسة أجريت على 522 طفلاً ساعد نظام تقييم إجمالي على التمييز بين الأطفال الأسوياء وأولئك الذين يعانون الاضطرابات المزاجية أو القلق. وفي تقرير عن دراسة أخرى أمكن التمييز بصورة صحيحة بين 54 طفلاً ومراهقا سويًّا وبين أولئك الذين يتسمون بالعدوانية أو بالإفراط في عدم الطاعة. وقد تعمل المقاربة الإجمالية بصورة أفضل من مقاربة العلامات، لأن عملية تجميع المعلومات يمكن أن تستبعد «الشوائب» من المتغيرات التي تتضمن معلومات مضللة أو غير كاملة.
حتى عندما تُقيِّم المقاييس الإسقاطية ما تدعي أنها تقيسه، فإنها نادرا ما تضيف
الكثير من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بمقاييس أخرى عملية بقدر أكبر
إذًا تشير مراجعتنا أدبيات البحوث السابقة إلى أن استخدام اختبارات رورشاخ والتات ورسوم الأشكال البشرية بالأسلوب الذي تطبق به عادة، لا يفيد إلا في ظروف محدودة للغاية. ويصح القول نفسه بالنسبة للكثير من المقاييس الإسقاطية الأخرى، التي يوجد وصف لبعضها في الإطار في الصفحة المقابلة.
وقد وجدنا أيضًا أنه حتى عندما تُقيِّمُ هذه المقاييس ما تزعم أنها تقيسه، فإنها تميل إلى افتقاد ما يطلق عليه علماء النفس اسم «الصحة المضافة»incremental validity؛ أي إنها نادرًا ما تضيف الكثير إلى المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالمقاييس الأخرى الأكثر عملية مثل جلسات المقابلة الشخصية أو تطبيق اختبارات الشخصية الموضوعية (تسعى الاختبارات الموضوعية إلى الحصول على إجابات عن أسئلة شديدة الوضوح نسبيًّا، مثل: كثيرًا ما تكون لديّ أفكار حول إيذاء نفسي ـ صح أو خطأ؟) وهذا القصور في المقاييس الإسقاطية يجعل من الصعب تبرير تكلفتها من الوقت والمال.
رسوم الأشكال البشرية
علامات مضللة(*********)
يتوافر لدى الإخصائيين النفسيين الكثير من المقاييس الإسقاطية التي تستخدم الرسوم، غير أن اختبار «رسم الشخص» يعد الأكثر شيوعًا لاختبار الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص. يطلب الإخصائي السريري (الإكلينيكي) إلى الطفل أن يرسم شخصًا من نفس جنسه، ثم شخصًا من الجنس الآخر، بأي طريقة يرغبها/ أو ترغبها (ومن التنويعات الممكنة أن يطلب إلى الطفل أن يرسم شخصًا ومنزلاً وشجرة). ويعتقد أولئك الذين يستخدمون الاختبار أن الرسوم تكشف عن معلومات ذات معنى عن شخصية الطفل أو عن صحته العقلية.
وفي رسم رجل، على سبيل المثال، يفترض أن القدمين الصغيرتين تشيران إلى الشعور بعدم الأمان أو عدم الاستقرار ـ ويشير الرأس الصغير إلى الشعور بعدم الكفاية. ويمكن اعتبار الأيدي أو الأسنان الكبيرة علامات على العدوانية، كما تعد الأذرع القصيرة علامة على الخجل. وتشير الخصائص الأنثوية مثل طول الأهداب أو الشفاه ذات الألوان القاتمة إلى خلط في الدور الجنسي. ومع ذلك، فإن البحوث تشير إلى أن مثل هذه «العلامات» ليس لها أي علاقة تقريبًا بالشخصية أو الأمراض العقلية. ويتهم العلماء تفسيرات هذه العلامات بأنها فرينولوجيا (علم تفرس الجماجم)(3)phrenology القرن العشرين، مشيرين بذلك إلى علم القرن التاسع عشر الزائف الذي كان يستنبط شخصيات الناس من أنماط حدبات (نتوءات) جماجمهم. ومازال أسلوب العلامات يستخدم على نطاق واسع؛ حتى إن بعض الإخصائيين النفسيين يدّعون أنهم يستطيعون تشخيص الاعتداء الجنسي استنادًا إلى بعض العلامات الأساسية. وعلى سبيل المثال، فإن الرسم الذي نفذته الطفلة (في اليسار) يتضمن علامات مزعومة عن تعرض للاعتداء الجنسي، تشمل رسمها شخصًا أكبر منها عمرًا، وجسمًا مُعرّى جزئيًا، ويدًا قريبة من الأعضاء التناسلية، ويدًا مخبأة في الجيب، وأنفًا كبيرًا وشاربًا. وفي الحقيقة فإن الربط بين هذه العلامات والاعتداء الجنسي على الطفل سيظل في أفضل الأحوال موضع شك. |
ما الذي يتعين عمله؟(**********)
لا يوافق بعض العاملين في مجال الصحة العقلية على استنتاجاتنا. وهم يرون أن المقاييس الإسقاطية لها تاريخ طويل من الاستخدام المفيد، ويمكن ـ عند تطبيقها وتفسيرها بصورة ملائمة ـ أن تخترق القشرة الخارجية التي تقف عندها التقارير الشخصية للمستجيبين لتوفر صورة عن أعمق أعماق العقل. ويؤكد النقاد أيضا أننا نركز على النتائج السلبية إلى حد استبعاد النتائج الإيجابية.
ومع ذلك، نظل على ثقة من صحة استنتاجاتنا. والواقع، إنه على الرغم من السلبية في نتائجنا، فهي تشكل على العموم صورة زاهية للمقاييس الإسقاطية نتيجة لما يسمى «تأثير أدراج الملفات». فكما هو معروف جيدا أن الدوريات العلمية أكثر ميلا إلى نشر تقارير تبين أن بعض الإجراءات أدت إلى نتائج إيجابية من ميلها إلى نشر التقارير التي تعكس نتائج سلبية. ومن ثم كثيرًا ما يستبعد الباحثون بهدوء بياناتهم السلبية، التي لا ترى النور بعد ذلك على الإطلاق.
ما مدى استعمال هذه المقاييس(***********)
استطلاع مدى الشيوع(************)
أُجري في عام 1995 استطلاع شمل 412 من الإخصائيين النفسيين السريريين اختيروا بطريقة عشوائية من قبل الجمعية الأمريكية لعلم النفس، وسئلوا حول استخدامهم للمقاييس الإسقاطية واللاإسقاطية بما في ذلك الاختبارات الواردة في القائمة أدناه. والمقاييس الإسقاطية تقدم للناس صورًا غامضة، وكلمات أو أشياء، أما المقاييس الأخرى فهي أكثر تحديدًا. وربما تقلص عدد الإخصائيين النفسيين الذين يستعملون المقاييس الإسقاطية قليلاً منذ عام 1995، غير أن هذه المقاييس مازالت واسعة الاستعمال.
▪ الاختبارات الواردة هي الاختبارات اللاإسقاطية الأكثر استخدامًا لقياس معامل ذكاء الراشدين (WAIS) والشخصية (MMP1-2) ومعامل ذكاء الأطفال (WISC) والاكتئاب (قائمة بيك للاكتئاب Beck Depression Inventory) المصدر: المقاييس المعاصرة للتقييم النفسي للإخصائيين النفسيين السريريين C.E. Watkins et al. in Professional Psychology: Research and Practice. Vol. pp 54 – 60; 1995 و 26, No. 1 |
ونحن نجد أنه من المربك أن يطبق الإخصائيون النفسيون المقاييس الإسقاطية في مواقف عندما لا تكون قيمة هذه المقاييس قد اتضحت من خلال دراسات متعددة، وقد يعاني الكثير من الناس إذا ما أثر تشخيص خطأ في خطط علاجهم أو في قرارات المحاكم بالوصاية عليهم أو في قرارات المحاكم الجنائية. وبناء على نتائجنا ندعو الإخصائيين النفسيين بقوة إلى تقليص استخدامهم لمعظم المقاييس الإسقاطية. ويجب أن يقتصروا، عندما يكون عليهم اختيار هذه المقاييس، على وضع التقييم والتفسير للعدد القليل من المتغيرات التي ثبت أنها موضع ثقة.
وكذلك تقدم نتائجنا درسًا واضحًا للإخصائيين النفسيين الممارسين ولطلبة علم النفس وللجمهور على وجه العموم، وهو أنه: حتى المهنيون المتمرسون يمكن أن يخدعهم حدسهم وثقتهم في المقاييس التي تفتقر إلى الدلائل القوية على فعاليتها. وعندما توضح مجموعة كبيرة من البحوث أن الحدس القديم خطأ، يصبح الوقت سانحًا لتبني طرائق جديدة في التفكير.
المؤلفون
Scott O. Lilienfeld – James M. Wood – Howard N. Garb
يُجري ثلاثتهم بحوثًا على أدوات القياس النفسية، وقاموا حديثًا بمراجعة شاملة للبحوث التي أجريت على المقاييس الإسقاطية نشرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس American Psychological Society. ليليانفيلد و وُد أستاذان مشاركان في قسمي علم النفس بجامعتي إمري وتكساس على الترتيب، وأما گارب فهو اختصاصي نفسي سريري في إدارة الرعاية الصحية للمحاربين القدماء في پتسبرگ، وفي جامعة پتسبرگ وهو مؤلف كتاب Studying the Clinician: Judgement Research and Psychological Assessment.
مراجع للاستزادة
The Rorschach: A Comprehensive System, Vol. l: Basic Foundations. Third edition. John E. Exner. John Wiley & Sons,1993.
The Comprehensive System forthe Rorschach: A Critical Examination. James M. Wood, M. Teresa Nezworski and William J. Stejskal in Psychological Science, Vol. ?,No. 1, pages 3-10; January 1996.
Studying the Clinician: Judgment Research and Psychological Assessment. Howard N. Garb. American Psychological Association, 1998.
Evocative Images: The Thematic Apperception Test and the Art of Projection. Edited by Lon Gieser and Morris I. Stein. American Psychological Association, 1999.
Projective Measures of Personality and Psychopathology: How Well Do They Work? Scott O. Lilienfeld in Skeptical Inquirer, Vol. 23, No. 5, pages 32-39; September/October 1999.
The Scientific Status of Projective Techniques. Scott O. Lilienfeld, James M. Wood and Howard N. Garb in Psychological Science in the Public Interest, Vol. 1, No. 2, pages 27-66; November 2000. Available atwww.psychologicalscience.arg/newsresearch/publicationsfjoumals/pspil2.html
Scientific American, May 2001
(*) What’s Wrong with This Picture?
(**) Butterflies or Bison?
(***) Wasted Ink?
(****) Doubts about TAT
(*****) Picture Imperfect
(******) Faults in the Figures
(*******) Other Projective Tools
(********) What’s the Score?
(*********) Misleading Signs
(**********) What to Do?
(***********) How Often the Tools Are Used
(************) Popularity Poll
(1) sexually molested
(2) human figure drawings
(3) دراسة شكل القحف للدلالة على شخصية الفرد وقواه العقلية. (التحرير)