قفزة رأسية للشيپات الميكروية
قفزة رأسية للشيپات الميكروية(*)
لقد اكتشف المهندسون طريقة لحشر المزيد من الطاقة الحاسوبية
في الدارات الميكروية وذلك ببنائها رأسيا إضافة إلى بنائها أفقيا.
<H .Th. لي>
تمتد مدينة سان فرانسيسكو على مساحة قدرها 45 ميلا مربعا، وهي مساحة تساوي نحو ضعف مساحة جزيرة مانهاتن. ومع ذلك، يبدو ناتج سان فرانسيسكو الاقتصادي قزما أمام نظيره في مانهاتن. إن أحد أسباب التفاوت الرئيسية هو أن أرباب العمل في كاليفورنيا المعرضة للزلازل ينزعون نحو توزيع عمالهم وآلاتهم قريبا من مستوى الأرض، في حين أن المنشآت التجارية في نيويورك جرى تكديسها رأسيا نحو الأعالي. فعن طريق البناء رأسيا نحو الأعلى عوضا عن البناء أفقيا، لا يرفع القائمون بالتنمية قيمة عقاراتهم فحسب، بل يزيدون أيضا من الطاقة التشغيلية بمجملها في المدينة.
وبتطبيق استراتيجية مشابهة على العالم الميكروي لشيپات الحاسوب يمكن لصناعة أشباه الموصلات أن تستعيد شبابها بعد أن بدأت تظهر عليها مؤخرا علامات الشيخوخة. إن ما يثير الدهشة هو أن كل ترانزستور تقريبا، من بين المئة كوادريليون(1) ترانزستور التي يُقدِّر <E .G. مور> [أحد مؤسسي الشركة إنتل] أنها قد أُنتجت حتى الآن، كان قد بُني «عند مستوى الأرض»، أي على سطح البلورات السيليكونية مباشرة. وقد حقق المهندسون تضاعفا منتظما مثيرا للدهشة في كثافة الترانزستورات داخل الشيپة الميكروية ـ وهذا ما نسميه بقانون مور في الصناعة ـ وذلك بزيادة رقعة الشيپة الميكروية وتقليص حجم الترانزستور. وهذا يشابه بناء مراكز تسوق، لا ناطحات السحاب.
إن التكديس الرأسي لخلايا الذاكرة يستطيع تخزين 8 بتات من المعلومات في مساحة تُخصص عادة لبتة واحدة. لقد أعدت مثل هذه الشيپات الميكروية الثلاثية الأبعاد من أجل تخفيض كلفة الذاكرة الرقمية على نحو كبير. |
لكن هذا آيل إلى التغير. ومن أسباب ذلك أن الفيزيائيين يُخبروننا بأن قانون مور سينتهي عندما تصبح البوابات التي تتحكم في تدفق المعلومات داخل الشيپة صغيرة بقدر طول موجة الإلكترون (من المرتبة 10 نانومترات في سيليكون)، لأن الترانزستورات تتوقف عندئذ عن عملها، أي عن «الترانزسترة». وهناك العديد من العوائق التقنية المرعبة، التي تلوح في الأفق بين آخر ما تم التوصل إليه حاليا وبين ذلك الحد الأساسي. لقد بدأ مسار التقدم بالهبوط فعلا.
طبقات السيليكون المتعدد التبلور التي تُشكل ما يشبه قرص عسل من خلايا الذاكرة (في اليسار) موصولة معا بواسطة «جسور» (الأعمدة الرأسية في اليمين). وهذه موصولة بدورها بأسلاك تنگستين (البُنى الفاتحة اللون). |
لكن من حسن الطالع أنني ومهندسين آخرين وجدنا حديثا طريقة للالتفاف على بعض تلك العقبات من أجل إعطاء قانون مور فسحة جديدة من الحياة، بل وحتى من أجل تسريع تأمين مزيد من الطاقة الحاسوبية بتكاليف أقل. لقد أثبتنا أن من المجدي صنع شيپات تحوي دارات ميكروية عمودية باستخدام مسابك (منشآت مصاهر) أشباه الموصلات نفسها، والمواد القياسية نفسها، وتقانات مشابهة لتلك التي تستخدم لإنتاج شيپات الحاسوب المألوفة.
إن مثل هذه الشيپات «الثلاثية الأبعاد» هي الآن قيد التسويق التجاري من قبل الشركة Matrix Semiconductor، وهي شركة شاركتُ في تأسيسها عام 1998 في سانتا كلارا بكاليفورنيا مع عالم الحاسوب <M .P. فارموالد> وخبير تصميم الشيپات <C .M. جونسون>. وفي الشهر 1/2002 توفرت في الأسواق دارات ذاكرة ثلاثية الأبعاد، وهذه الدارات هي الأولى من جيل جديد من الشيپات الكثيفة والمنحفضة الكلفة التي تَعِد بجعل وسائط التسجيل الرقمية رخيصة وملائمة على نحو كاف لتحل محل الأفلام الفوتوغرافية والأشرطة الصوتية. وقد قمنا أيضا في مختبرات جامعة ستانفورد والشركة Matrix بتصميم نماذج أولية لشيپات تتضمن دارات منطقية رأسية. ويبدو أن هناك سببا جيدا لتوقع أن تكون للمعالجات الميكروية آفاق لا حدود لها.
الدارات الميكروية الثلاثية الأبعاد(**)
• قانون مور ـ أي قانون النمو المستمر في تعقيد الشيپات الميكروية القائمة على السيليكون والتي تعتمد عليها صناعة تقانة المعلومات ـ يقترب من حدود فيزيائية جوهرية. والتحول من السيليكون إلى أنواع جديدة من أشباه الموصلات قد يكون باهظ التكاليف.
• وجد المهندسون حديثا طريقة لتمديد حياة قانون مور وربما لتسريعه على نحو كبير. لقد صمموا وأنتجوا تجاريا شيپات متعددة الطبقات لم تعد فيها أجزاء الدارات شبه الموصلة محصورة في مستو وحد، بل تمتد رأسيا أيضا. • إن المنتجات الأولى التي تتضمن مثل تلك الشيپات الميكروية الثلاثية الأبعاد ـ كبطاقات ذاكرة رخيصة التكلفة بما يسمح باستخدامها كوسائط تسجيل أفلام وأصوات رقمية ـ يتوقع ظهورها أواخر العام الحالي. |
أسوار الأرض المسطحة(***)
إن آخر ما تم التوصل إليه حاليا من الدارات الميكروية ليس ثنائي البعد كليا. فمعالج إنتل پنتيوم 4، على سبيل المثال، يتباهى بسبع طبقات من أسلاك التوصيل المحتواة ضمن أنماط من المادة العازلة. ولكن مناطق أشباه الموصلات الفعالة فيه ليست موجودة إلا في الطبقة السفلى من السيليكون النقي.
لقد تمكنت الصناعة من الحفاظ على قانون مور حتى الآن بتحسين الطريقة التي تُستخدم بها الرقاقة wafer السيليكونية. فقد ابتكر علماء المواد طرائق لإنماء بلورات ضخمة من السيليكون ذات أقطار تبلغ 300 سنتيمترا وذات درجة عالية من النقاوة، حيث تحتوي على إشابة تقل عن جزء واحد في البليون. وتقوم إنسالات الغرف النظيفة clean-room robots بقذف جرعات محكمة المقدار من الأيونات على رقاقات مقتطعة من تلك البلورات. وتحدد سيرورة تسمى الطباعة الضوئية (الليثوگرافيا) photolithography المناطق المفعلة بالأيونات وأنماط الحَفْر بالضوء والحمض من أجل صنع الترانزستور [انظر الشكل في الصفحة المقابلة]. إن حشر المزيد من الترانزستورات على رقاقة واحدة يتطلب ضوءا ذا طول موجة أشد قصرا. لذلك استعيض عن مصابيح بخار الزئبق بليزرات إكسايمر excimer lasers في المجال فوق البنفسجي العميق تطبع أشكالا من رتبة 130 نانومترا وتستطيع وضع بليون ترانزستور على شيپة واحدة. وينبغي للتحسينات المستقبلية أن تدفع ذلك الحد إلى 65 نانومترا وربما إلى 16 بليون ترانزستور.
نزلت دارات الذاكرة الثلاثية الأبعاد إلى الأسواق هذا العام، وهي الأولى من جيل جديد
من الشيپات الكثيفة والمنخفضة الكلفة التي تَعِد بالحلول محل الفيلم الفوتوغرافي والشريط الصوتي
كل تطور جديد في صنع الشيپات
قانون مور ـ التزايد الدوري في تعقيد الشيپات الميكروية ـ تباطأ نحو عام 1990 عندما كان المهندسون يكافحون من أجل اختراع نظم الطباعة الضوئية التي تحفر بنى أصغر فأصغر في السيليكون (الأعلى). ومع أن التغيرات البنيوية أدت إلى تزايد حجوم البوابات وعددها في المعالج پنتيوم 4، يُتوقع أن يتباطأ قانون مور بدرجة أكبر مع انتقال نظم الطباعة الضوئية من الضوء فوق البنفسجي باتجاه الأشعة السينية الأشد صعوبة في تبئيرها. لكن بزيادة التعقيد الرأسي للدارات الميكروية، يستطيع مصممو الشيپات الحصول على القدرة الحاسوبية نفسها بتكاليف أقل كثيرا (الأسفل). |
ولكن الطريق ما وراء تلك النقطة قد يكون وعرا. فنظم الطباعة الضوئية في المجال فوق البنفسجي العميق والتي تستخدم أطوال موجات أقصر بدأت لتوها تعمل على مستوى المختبر. وهي لاتزال تعاني الكثير من المشكلات المعقدة(2).
وإذا كان التاريخ مرشدا، فربما يتخطى المهندسون تلك العقبات. فالحافز الاقتصادي لفعل ذلك هائل. لكن مع تزايد عدد العقبات، يمكن لمعدل التطور أن يتباطأ على نحو ملحوظ. إن «الخريطة» الرسمية التي نشرتها جمعية صناعة أشباه الموصلات(3) تتوقع أن يكون نموَّ مساحات الشيپات بمعدل 4 إلى 55 في المئة سنويا (تاريخيا، كان نمو المساحة بمعدل 155 في المئة سنويا). والانخفاض الدوري بمقدار 30 في المئة في الحجم الأصغري للأشكال يحتمل أن يحصل الآن كل ثلاث سنوات بدلا من كل سنتين. وحتى عند هذا المعدل الأبطأ، سوف يبلغ قانون مور على الأرجح حدودا أساسية في وقت ما بين عامي 2010 و 2020.
ولكن عاملا مهما بقي ثابتا تقريبا: وهو الكلفة العقارية لمنشآت أشباه الموصلات التي تقدر ببليون دولار للإكر(4) الواحد من السيليكون المعالج. فلماذا لم يتخذ مطورو السيليكون الخطوة التي تبدو واضحة في البناء نحو الأعلى؟ إن أبسط سبب لذلك هو أن الترانزستورات تكون أسرع وأعلى وثوقية فقط عندما تُشكل من الذرات الأمثلية التحاذي في رقاقة مقتطعة من بلورة سيليكونية واحدة.
وحالما نُغشِّي تلك الرقاقة شبه الموصلة بأكسيد عازل أو بأسلاك معدنية، ليس هناك من طريقة معروفة لاستعادة الأنماط البلورية الموجودة تحتها ـ فالأمر يشبه محاولة مطابقة أشكال زخارف أرضية (پاركيه) بعد تغطيتها بسجادة. والسيليكون المرسب على سطح غير متبلور ينزع نحو أن يكون عديم الانتظام وعديم التبلور كليا. غير أنه يمكننا، بواسطة معالجة حرارية ملائمة، تشجيع السيليكون على تشكيل جزر صغيرة «حبيبات» من البلورات المنفردة، لكن الخطوط المنتظمة للذرات تتقاطع فجأة في زوايا شاذة عند الحدود بين الحبيبات. وتستطيع الملوثات أن تتراكم عند تلك الحدود وتحبط عمل أي ترانزستور أو خلية ذاكرة يقعان في الوسط. لذلك، وطوال سنوات عديدة، كانت الشيپات المصنوعة من مثل هذا السيليكون غير المتبلور والمتعدد البلورات عديمة القيمة بحيث لم ينظر أحد في إمكانية استخدامها في أي شيء أكثر تعقيدا من الخلايا الشمسية.
يمكن للإلكترونيات الرأسية خفض تكاليف التصنيع 10 مرات أو أكثر، وكثافة الشيپات الثلاثية
الأبعاد يجب أن تزداد بسرعة قانون مور على الأقل فيما نضيف مزيدا من الطبقات.
ولكن في بدايات ثمانينات القرن العشرين، حفزت مخاوف سابقة لأوانها من أن قانون مور يقف على عتبة الإخفاق هَبّةً من المحاولات لصنع دارات ميكروية ثلاثية الأبعاد تمتد فيها الترانزستورات في أبراج رأسية من السيليكون عوضا عن الجسور الأفقية. فقد استخدم <F .J. گيبسون> وآخرون [في جامعة ستانفورد] حزما ليزرية من أجل تحسين نوعية أغشية السيليكون المرسبة على ركائز substrates غير سيليكونية. وحاول آخرون تنضيد الشيپات الثنائية الأبعاد المألوفة بعضها فوق بعض. لكن ما يؤسف له هو أن النهج الأول كان بطيئا جدا، وكان الثاني مكلفا جدا، مما جعلهما غير منافسين اقتصاديا. وبقي صنع الشيپات التقليدي هو السائد، وتوقف المهندسون عن المزيد من التفكير في الدارات الرأسية.
استعمال جديد لأدوات قديمة(****)
في عام 1997 بدأتُ مع فارموالد تقصي الشيپات الثلاثية الأبعاد ثانية وأدركنا أن تقانتين فاعلتين كانتا قد طورتا لأغراض أخرى جعلتا الدارات الثلاثية الأبعاد عمليةً حقا للمرة الأولى. إحداهما كانت تقانة لترسيب السيليكون المتعدد التبلور على نحو تكون فيه كل جزيرة مؤلفة من بلورة منفردة، كبيرة بما يكفي لاحتضان كثير من خلايا الذاكرة أو الترانزستورات. أما التقدم الآخر فكان طريقة لتسوية كل غشاء من مادة جديدة بحيث لا تظهر في سطح الشيپات نتوءات تبدو كأبراج أقامها بناءون سكارى.
يمكننا شكر صناعة شاشة اللوحة المسطحة flat-panel-display industry من أجل الاختراق الأول. فقد حل مهندسوها مسألة كيفية صنع ملايين الترانزستورات من غشاء رقيق منثور فوق ركيزة كبيرة لابلورية (الزجاج في حالتهم؛ ومواد أخرى في حالتنا)، وترانزستورات الغشاء الرقيق تكاد تملأ حاليا لوحات العرض في كل حاسوب محمول. إن جزءا من السر يكمن في ترسيب السيليكون عند درجة حرارة 400 سيلزية على شكل غشاء ناعم جدا (مع أنه لابلوري)، ثم في «طبخ» الرقاقة برمتها بشكل متجانس عند درجة حرارة تفوق 500 سيلزية لبضع دقائق. وهذا يحول الغشاء إلى سيليكون متعدد التبلور ذي مناطق تبلور منتظمة يبلغ قطرها ميكرونا واحدا أو أكثر. ومع أن لوحات العرض ذات الكريستال السائل (LCD) تتطلب طبقة وحيدة من الترانزستورات، فإن الآلات نفسها التي تصنع تلك اللوحات تستطيع أيضا صنع رقاقات متعددة الطبقات.
أما التطور المفتاحي الفاعل الثاني، الذي يسمى الصقل الكيميائي الميكانيكي chemical-mechanical polishing، فقد انبثق في مختبرات الأبحاث لدى الشركة IBM في أواخر ثمانينات القرن العشرين. في ذلك الوقت، كان مصممو الشيپات يعتبرون إضافة طبقتين أو ثلاث طبقات من المعدن فوق الشيپة السيليكونية أمرا محفوفا بالمخاطر، لأن كل طبقة جديدة كانت تضيف هضابا ووديانا جعلت من الصعب الإبقاء على أنماط الطباعة الضوئية مبأرة.
ومن أجل إزالة النتوءات في كل طبقة، تبنى تقانيو السيرورات processtechnologists أسلوبا يستخدمه صناع العدسات لصقل المرايا. وقد استُخدمت التقنية الأساسية في جميع معالجات إنتل 804866: فبعد كل عملية تغشية بالسيليكون أو بالمعدن أو بالأكسيد العازل، توضع الرقاقة ووجهها إلى أسفل على وسادة. بعدئذ تُدوَّر محاور دوران الرقاقة والوسادة في اتجاهين متعاكسين ويُمرَّر بينهما ملاط من المواد الكيميائية القلوية التفاعلية الكاشطة. وبعد بضع دقائق من الصقل تكون الرقاقة مستوية ضمن حدود 50 نانومترا، وهذه ركيزة مثلى لمزيد من المعالجة. وبحصول تطورات في آلات الصقل الميكانيكي الكيميائي، أصبحت الطبقات السبع أو الثماني شائعة في تصميم الشيپات الميكروية، ويبدو أن الصبر هو العامل المحدِّد الرئيسي في إضافة المزيد من الطبقات.
وبالبناء مباشرة على تلك التقانات الثنائية الأبعاد، صنعنا دارات ثلاثية الأبعاد بتغشية شيپات السيليكون العادية بطبقات عديدة متتالية من السيليكون المتعدد التبلور (إضافة إلى طبقات عازلة ومعدنية)، ثم بصقل السطح ليكون مستويا بعد كل خطوة. ومع أن الإلكترونات لا تنتقل في السيليكون المتعدد التبلور بالسهولة نفسها التي تتحرك بها في النوع الوحيد التبلور، فقد أنتج البحث ترانزستورات ثلاثية الأبعاد تمتلك حركية للإلكترونات تتفاوت من 90 إلى 95 في المئة من تلك التي لنظيراتها الثنائية الأبعاد.
يوفر تكديس الشيپات رأسيا طريقة للالتفاف حول بعض العقبات المستعصية التي تهدد بإفشال قانون مور. إن استمرار الشيپات ذات الطابع المشابه لمراكز التسوق بالتوسع نحو الخارج، على سبيل المثال، يزيد صعوبة الحفاظ على الصورة المطبوعة ضوئيا مبّأرة عند الحافات. إن الأسلاك الطويلة نسبيا التي تصل المقاطع المتباعدة في المعالج الميكروي التقليدي، تسبب تأخيرات تخفض الأداء وتعقد التصميم.
وتُبدي الدارات المستمرة بالتضاؤل مشكلات أخرى. فالترانزستورات تعتمد بصورة رئيسية على طبقة عازلة رقيقة تحت إلكترود (مسرى) التحكم. وفي أغلب الشيپات المتطورة الثنائية الأبعاد، تبلغ سماكة هذه الطبقة العازلة من أكسيد السيليكون 3 نانومترات فقط، أي نحو 24 ذرة. وهذه السماكة يجب أن لا تتغير من ترانزستور إلى آخر بأكثر من ذرة أو اثنتين. إن الصناعة تواجه هذا التحدي بشكل متكرر، لأن إنماء أغشية فائقة الرقة أسهل بكثير من حفر قنوات فائقة الضيق. ولكن ربما لا تكون هناك طريقة عملية لجعل تلك الطبقات العازلة أكثر رقة، لأن تدفق تيار المفعول الحقلي الكمومي يجعلها عوازل أشد سوءا. ومن المحتمل أن يكون على مادة أخرى أن تحل قريبا محل أكسيد السيليكون، إلا أن على صانعي الأدوات أن يتفقوا على ماهية تلك المادة.
تخزن البتات بشكل دائم في شيبة الذاكرة الثلاثية الأبعاد هذه عندما تصهر عكسيات الانفصام (البقع الداكنة في الوسط ) لتصل بين نصفين من دارة |
كان هناك العديد من تصاميم الشيپات المبتكرة التي اقترحت لمعالجة تلك المشكلات. وأغلبها يعتمد على إبدال السيليكون كليا بمواد غريبة متنوعة، من قبيل الپوليمرات العضوية والفولرينات الكربونية(7) ومركبات النحاس والمواد الكهرحديدية والسبائك المغنطيسية. ولكن التخلي عن السيليكون يعني تبديد أساس ذي قيمة عظيمة من المعرفة التي تم تشييدها على مدى 50 عاما وكلفت نحو 100 بليون دولار من الاستثمارات.
وفي المقابل، لا تُدخِل سيرورة التصميم الإلكتروني الثلاثي الأبعاد ذرات جديدة، وهي تستفيد من الاستثمار الصناعي الهائل في أجهزة الغشاء الرقيق والصقل الكيميائي الميكانيكي. ولما كان إنتاج قالب السيليكون الفائق النقاوة باهظ التكاليف، فإن كلفة السيليكون تتناسب إلى حد كبير مع المساحة المستهلكة (لا مع الحجم). لذلك فإن الإلكترونيات الرأسية تستطيع خفض تكاليف التصنيع 10 مرات أو أكثر مقارنة بالشيپات التقليدية. كذلك يجب أن تزداد كثافة الشيپات الثلاثية الأبعاد بالسرعة التي يتطلبها قانون مور على الأقل عندما نضيف طبقات أكثر فأكثر.
الغشاء الرقمي وما بعده(*****)
قامت شركات أشباه الموصلات بتخليص سيرورات التصنيع الجديدة من العلل من خلال صنع شيپات ذاكرة قبل محاولة الإنتاج على نطاق واسع لشيپات أكثر تعقيدا، كالدارات المنطقية. إن الذواكر هي صفيفات ضخمة من خلايا بسيطة أساسا، وهي تتطلب مهارات أقل يجب إتقانها، وفيها مشكلات أقل يجب حلها.
ذاك هو النهج الذي نتبعه في الشركة ماتريكس Matrix في العام 2002 لدى تقديمنا لشيپة ذاكرة ثلاثية الأبعاد تتكدس فيها 8 خلايا رأسيا [انظر الشكل في الصفحة 42]. فخلافا لذواكر النفاذ العشوائي RAM المستخدمة في الحواسيب الشخصية، تستخدم هذه الشيپات خلايا ذاكرة غاية في البساطة تجعلها أقرب إلى الغشاء، ويتعذر محوها ما إن يُكتب فيها. ويُقصد منها أن تكون وسط خزن منخفض التكاليف للصور والصوت الرقميين. وبوجود 512 مليون خلية ذاكرة، تمتلك هذه الشيپات الميكروية الرأسية سعة تكفي لتخزين ما يزيد على ساعة من الصوت العالي الجودة (باستخدام ضغط البيانات) وبضع مئات من الصور الفوتوغرافية (يحتوي كل منها على مليون پيكسل [عنصورة (عنصر-صورة)]pixel. وسوف تزداد السعة، وينخفض سعر الوحدة مع الزمن. لقد أثبتنا سلفا أن الشيپات التي يبلغ ارتفاعها 12 خلية ممكنةُ، وأن شيپات ال16 طبقة تبدو في متناول اليد.
وقمنا أيضا باستعراض دارات ميكروية ثلاثية الأبعاد أشد تعقيدا في المختبر، ومنها ذاكرة نفاذ عشوائي استاتيكية وبوابات منطقية، وحتى ذواكر قراءة فقط قابلة للمحي EPROM. ومع أنها في المراحل المبكرة جدا من تطويرها، فإن لبنات البناء الأساسية تلك هي كل ما يلزم من أجل إعادة بناء أي دارة ثنائية الأبعاد ـ ومنها ذاكرة النفاذ العشوائي الديناميكية والذواكر اللامتلاشيةnonvolatile memories والمرسلات والمستقبلات اللاسلكية والمعالجات الميكروية ـ بالشكل الثلاثي الأبعاد. إن الترانزستورات في مثل هذه الدارات يمكن أن تكون ضئيلة جدا لأن قنواتها سوف تصنع من أغشية رقيقة أعلى دقة بعشر مرات من القنوات المعرّفة بالضوء فوق البنفسجي.
وكما هي الحال في التطورات الهندسية كافة، فإن لتقانة التصنيع الجديدة هذه محدودياتها وتنازلاتها. فجزء من خلايا الذاكرة أو الترانزستورات في دارة ميكروية رأسية قد ينشئ حدودا بين حبيبات السيليكون المتعدد التبلور، وقد يخفق نتيجة لذلك. وسوف يكون علينا أن نستخدم إجرائيات كشف الخطأ وتصحيحه، من قبيل تلك المستخدمة في الأقراص المدمجة الصوتية، وأن نجد طرقا لتوجيه الإشارات بعيدا عن المسارات المعطوبة. أما استراتيجيات الحساب المسامح للخلل، مع أنها معروفة تماما، فلم تُبنَ عموما في الدارات الميكروية نفسها. إن مثل هذه التقانات ليست ضرورية، وهي معقدة التطبيق في أغلب المجالات الثنائية الأبعاد، لكن خفض التكاليف الذي توفره المعالجة الثلاثية الأبعاد يجعل، بضربة حظ، تقانة المعالجة مجدية اقتصاديا عندما تصبح ضرورية.
والسرعة هي مقايضة أخرى. فترانزستورات الغشاء الرقيق الحديثة تعمل عادة بسرعة تساوي نصف سرعة الشيپات الأحادية البلورة. ومع ذلك فإن الفارق يكون أصغر عندما نقارن دارات برمتها، لأن المكونات المرزومة في أبعاد ثلاثة تحتاج إلى أسلاك أقصر بكثير. ويقوم العديد من الباحثين بتقصي طرائق لسد تلك الفجوة بشكل أفضل.
إلى جانب تلك الاعتبارات الخاصة، تواجه الشيپات الثلاثية الأبعاد التحديات الأساسية نفسها التي تواجهها الإلكترونيات الثنائية الأبعاد ـ وإن كانت بعض المشكلات المحددة سوف تظهر في وقت أبكر بسبب التسارع الفاعل لقانون مور. وقد تكون الحرارة المسألة الأشد إشكالا للتجهيزات الثلاثية الأبعاد بسبب صغر مساحة سطحها. إن كثافة الاستطاعة power التي يمتلكها معالج ميكروي حديث قد تجاوزت فعلا كثافة قدرة حراق (شعلة) موقد عادي. وإن عدم فاعلية الاستراتيجيات الحالية لتبديد تلك الحرارة كلها، من قبيل تخفيض الڤلطية أو تفعيل بعض أجزاء الدارة انتقائيا، يمكن أن يحد من أداء الدارات الكثيفة الثلاثية الأبعاد ما لم يجرِ استخدام تقانة تبريد أكثر تطورا. ولحسن الحظ، تستطيع البرادات الميكروية الحديثة الآن تبديد 200 واط للمليمتر المربع الواحد في الوقت الذي تستهلك فيه واطا واحدا فقط. لذلك فإن المشكلات الحرارية لم تعد عائقا أساسيا.
هناك بالتأكيد متسع كبير للتحسين. فالدماغ البشري المبرد بالسائل، والذي تفوق أبعاده بكثير أبعاد الدارات الثلاثية الأبعاد التي ننظر فيها حاليا، يبدد 25 واط فقط. وفي المقابل، يستهلك المعالج الميكروي پنتيوم 4 الذي تساوي مساحته 2.2 سنتيمتر مربع نحو 80 واط. ومع أننا لا نستطيع استبعاد إمكانية أن عدم المقدرة على حل مشكلة التبريد يمكن في نهاية المطاف أن يضع حدودا قاسية على ما تستطيع الدارات الثلاثية الأبعاد فعله، فإن التاريخ يوحي بأن الحوافز الاقتصادية القوية سوف تقدح في النهاية شرارة حلول خلاقة.
إن تأهيل قانون مور للاستمرار حتى لبضع سنوات إضافية سوف ينطوي على نتائج ذات مضامين مهمة. فقد سعى مصنعو الشيپات باستمرار لمدة 30 عاما من أجل طبع بنى أصغر فأصغر ضمن مستو منفرد. ويبدو أنه لا مفر من أننا في المستقبل سوف نبني الدارات الميكروية رأسيا وأفقيا. فهذه التقانة ممكنة وعملية، وفوائدها كبيرة إلى حد لا يسمح بتجاهلها.
المؤلف
Thomas H. Lee
عمل مصمِّم دارات لدى الشركة Analog Devices عام 1999، وذلك بعد حصوله على الدكتوراه من المعهد MIT. وفي عام 1992، التحق بالشركة Rambus لتطوير دارات نظيرية عالية السرعة من أجل استخدامها في شيپات الذاكرة. وقد استُخدمت أعماله أيضا في المعالجات الميكروية التي تصنعها الشركتان Advanced Micro Devices و Digital Equipment Corporation. وفي عام 1994، انضم إلى هيئة التدريس بقسم الهندسة الكهربائية في جامعة ستانفورد حيث تركزت بحوثه على دارات الاتصالات التي تعمل بسرعة الجيگاهرتز. وهو الآن محاضر متميز لدى جمعيتين مهنيتين وزميل لدى مؤسسة پاكارد، وقد سجلت له 14 براءة اختراع بالولايات المتحدة الأمريكية، أربع منها حول بناء الدارات المتكاملة الثلاثية الأبعاد وإنتاجها على نطاق واسع.
مراجع للاستزادة
The Solid-State Century. Scientific American Special Issue, Vol. 8, No. 1; October 1997.
Multiple Layers of CMOS Integrated Circuits Using Recrystallized Silicon Film. Victor W. C. Chan et al. in IEEE Electron Device Letters, Vol. 22, No. 2, pages 77-79; February 2001.
Scientific American, January 2002
(*) A Vertical Leap for Microchips
(**)D Microcircuits -3
(***) The Fences of Flatland
(****) A New Use for Old Tools
(*****)Digital film and Beyond
(1) الكوادريليون = 1015 (في أمريكا؛ أما في بريطانيا فهو يساوي 1024).
(2) المقصود بعكسية الانفصام أن المادة تصبح موصلة كهربائيا لدى حرقها، خلافا للفاصمة fuse التي تقطع الدارة الكهربائية.
(3) [انظر: by Gary Stix; “Getting More from Moore’s”
Scientific American, April 2001].
(4) The Semiconductor Industry Association
(5) إكر واحد = 4061 مترا مربعا
(6) أجهزة تعريض ضوئي ليزرية تُستخدم في الطباعة الضوئية. تعمل الأجهزة من نوع الخط G بضوء طول موجته 436 نانومترا وتعمل الأجهزة من نوع الخط I بضوء طول موجته 365 نانومترا.
(7) carbon fullerenes: الفولرينات، طائفة من الجزيئات المنفصلة، كرية الشكل، ذات ثبات غير عادي.