تقانة نانوية ـ نظرة إجمالية
تقانة نانوية ـ نظرة إجمالية
العِلم الصغير الكبير(*)
التقانة النانوية بدعة سائدة، لكن هل ستحقق
أهدافها الطموحة؟ وما هي هذه البدعة في واقع الأمر؟
<G. ستيكس>
في الجزء المتعلق بالتجارب المختبرية من أطروحة الدكتوراه، قام <A. آينشتاين> بحساب حجم جزيء واحد من السكر من معلومات تجريبية عن انتشار السكر في الماء. وقد أظهرت أعماله أن قطر جزيء واحد من السكر يعادل نانومترا واحدا تقريبا. والنانومتر يساوي جزءا من بليون من المتر، ويعادل عرض عشر ذرات من الهدروجين موضوعة جنبا إلى جنب، وجزءا من ألف من طول پكتيريا نموذجية، وجزءا من مليون من حجم رأس دبوس، وجزءا من بليون من طول الساقين القويتين للاعب كرة السلة الأمريكي <M. جوردان>.
بعد نحو مئة عام على تبصُّر آينشتاين، أخذ مقياس النانومتر يظهر بشكل واسع على جداول أعمال البحث العلمي. فلو كان آينشتاين طالب دراسات عليا حاليا ويسبر مساره المهني، لفرض عليه أستاذه المشرف أن يفكر بالأشياء الصغيرة، ولقال له: «عليك الاهتمام بتقانة النانو يا ألبرت.»
بعد بحوث الطب الحيوي وبحوث الدفاع ـ حيث مازال بناء دروع الصواريخ ومكافحة السرطان يحظيان بالأسبقية ـ أضحت تقانة النانو أكثر الفروع نشاطا في العلم والتقانة. ويشمل هذا الحقل أشياء متنوعة لها علاقة بإيجاد أشياء متناهية في الصغر، مفيدة أحيانا. وهو يقتبس بحرية من فيزياء المواد المكثفةcondensed-matter physics، والهندسة والبيولوجيا الجزيئية وجزء كبير من الكيمياء. فالباحثون الذين كانوا يلقبون أنفسهم في يوم من الأيام علماء المواد أو كيميائيين عضويين، تحولوا الآن إلى تقانيي النانو.
قد يفضل بعض الأكاديميين المتزمتين أن يصفوا أنفسهم بمهندسي الميزو(1). غير أن «النانو» nano هي التي تولد الأقاويل. ومنذ أن صاغ <D. پونت> شعاره «أشياء أفضل لحياة أفضل من خلال الكيمياء،» لم يتمكن العلماء المنخرطون في المعالجة الجزيئية من أن يستحوذوا بمهارة على الاهتمام العام ـ والمقصود في هذه الحالة، أصوات المشرعين في واشنطن الذين يُقرّون تمويل البحث العلمي. ويقول <D. مور> [المسؤول السابق في البيت الأبيض والذي ساعد على تنظيم حملة إدارة الرئيس كلينتون لتمويل التقانة النانوية]: «يتعين عليك أن تأتي بأشياء جديدة ومثيرة ومتقدمة كي تستطيع أن تقنع جهاز الموازنة وواضعي السياسات بمنحك المزيد من المال.»
وقد ترافق الاعتراف بأهمية التقانة النانوية مع تدفق الكثير من الأموال من أجل بعض الأشياء التي هي ليست دروع صواريخ. فالمبادرة الوطنية لتقانة النانو (NNI) التي أعلن عنها عام 2000 الرئيس بيل كلينتون، هي برنامج متعدد الوكالات يهدف إلى توفير تمويل ضخم للعلوم والهندسة النانوية. إن اعتماد ميزانية تقدر بنحو 422 مليون دولار في السنة المالية الفدرالية التي انتهت في 30/9/2001 يمثل قفزة في الإنفاق على تقانة النانو مقدارها 56 في المئة مقارنة بالعام 2000. ويخطط لزيادة هذه الميزانية بنسبة 23 في المئة في السنة المالية 2002 على الرغم من أن إدارة الرئيس بوش اقترحت تخفيضا في برامج تمويل معظم الوكالات الفدرالية التي تدعم أعمال البحث والتطوير(2). ويزدهر الولع بالنانو في كل مكان. فقد تبرعم في الجامعات أكثر من 30 مركز بحث ومجموعات بينية متعددة الاختصاصات interdisciplinary في مجال تقانة النانو، في حين أنه منذ عامين لم يتجاوز عددها عشرة. إضافة إلى ذلك، لا تقتصر النزعة النانوية على الولايات المتحدة فقط. فقد قفز التمويل الإجمالي لتقانة النانو في البلدان الأخرى من 316 مليون دولار في عام 1997 إلى نحو 835 مليون دولار في عام 2001، وذلك وفقا للمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF).
كذلك يُغذَّى الاهتمام بالنانو على نحو غريب برؤى فئة من المستقبليينfuturists تتنبأ بامتدادات الحياة حسب التوراة وبثراء لامحدود، وعلى العكس من ذلك، بدمار شامل يتأتى من حشود من الإنسالات (الروبوتات) الذاتية التجدد يستحيل السيطرة عليها ولا تكبُرُ إلا قليلا جزيئات سكّر آينشتاين(3).
عندما طرح الرئيس السابق كلينتون عام 2000 في خطاب له مبادرة تقانة النانو، كان غنيا بالرؤى وفقيرا بالتفاصيل: فقد أشار إلى أن تقانة النانو قد تخزن يوما ما مكتبة الكونگرس على جهاز بحجم مكعب السكر، أو تنتج مواد لها عشرة أضعاف متانة الفولاذ وجزءا ضئيلا من وزنه. غير أن ذلك لم يكن مجرد أقوال سياسي مفعم بآمال خيالية. فمن المستغرب أن المؤسسة العلمية ذاتها ليست واضحة تماما في حديثها عن النانو. وقد تحدث عالم الفيزياء الحيوية <M. بلوك> [من جامعة ستانفورد] في ندوة معاهد الصحة الوطنية عن تقانة النانو قائلا (في حديث له عام 2000 محاولا تعريف الموضوع): «يعتمد هذا على من تسأله». وأضاف قائلا: «إن بعض الناس يستخدمون كلمة نانو للتعبير حصرا عما يقومون به، أيا كان، مقابل ما يفعله الآخرون، أيا كان.»
ما الذي يعنيه هذا الاسم(**)
إن هذا التعريف هو بالتأكيد غامض. فبعض تقانات النانو ليست نانوية حقا وتتعامل عوضا عن ذلك مع بنى بمقياس الميكرون (جزء من مليون من المتر)، وهو أكبر بألف مرة من النانومتر أو أكثر. كذلك فإن تقانات النانو في العديد من الحالات ليست حقا بتقانات؛ بل تتضمن بحوثا أساسية على بنى لها على الأقل بعد واحد يتراوح بين نانومتر واحد وعدة مئات من النانومترات. (من هذا المنطلق يعد آينشتاين عالم نانو أكثر منه تقاني نانو.) ولإضفاء المزيد من الإرباك، فإن بعض تقانات النانو موجودة بالفعل منذ فترة: فجزيئات الكربون السوداء التي هي بحجم النانو تضاف إلى إطارات السيارات كعنصر تسليح منذ مئة عام، أي قبل أن تولد البادئة «نانو» تلك الإثارة بوقت طويل. وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللقاحات vaccine التي تتكون غالبا من بروتين واحد أو أكثر بأبعاد النانو.
ولكن هناك فسحة ما في كل من علم النانو وتقانته. فعالَم النانو يقع في أرض مائعة غريبة بين عالم الذرات المنفردة والجزيئات (حيث يحكم علم الميكانيك الكمومي) والعالم الماكروي (حيث تنبثق الخواص الشاملة للمواد من السلوك الجماعي لترليونات الذرات، سواء كانت هذه المادة جسرا من الفولاذ أو كانت حشوة كريما في قطعة حلوى). وعند النهاية الصغرى، في منطقة النانومتر الواحد، تبرز أرض النانو في مواجهة بنى المادة الأساسية. وهي بذلك تحدد أصغر بنى طبيعية على الإطلاق وتضع نهاية قاسية للانكماش: فلا يسعك ببساطة بناء أشياء أصغر.
إن رأس مجهر المسح النفقي المستخدم في سبر السطوح وفي معالجة الجزيئات يعد رمزا لثورة تقانة النانو. |
لقد كونت الطبيعةُ بنى نانوية منذ بلايين السنين. غير أن <C .M. روكو> [المشرف على مبادرة تقانة النانو في المؤسسة الوطنية للعلوم NSF] يطرح تعريفا أكثر تقييدا. إن الحقل الناشئ ـ أي التقانة الجديدة في مواجهة تقانة النانو القديمة ـ يتعامل مع مواد ونظم لها الصفات الرئيسية التالية: لها على الأقل بعد واحد يتراوح بين نانومتر واحد ومئة نانومتر، وتصمم من خلال عمليات تظهر تحكما أساسيا في الخصائص الفيزيائية والكيميائية لبنى بمقياس الجزيء، ويمكن جمعها لتشكيل بنى أكبر. ويردُّ الاهتمام الشديد في استخدام البنى النانوية إلى فكرة أنها قد تعطي خواص كهربائية أو كيميائية أو ميكانيكية أو ضوئية فائقة، نظريا على الأقل. [انظر: «ثمة مجال واسع حقًا»، في الصفحة 30، حيث تعرض مناقشة حول السبب في عدم كون الأشياء الأصغر ليست أفضل دائما.]
إن نانو العالم الحقيقي الذي يوافق تعريف روكو موجود بالفعل. فإقحام عدة طبقات غير مغنطيسية سماكة كل منها أقل من نانومتر واحد بين طبقات مغنطيسية يمكن أن ينتج مجسات لسواقات الأقراص disk drives تتجاوز حساسيتها عدة مرات حساسية الأجهزة السابقة، مما يسمح بتخزين المزيد من البتات على سطح كل قرص. ومنذ إطلاقها للمرة الأولى عام 1997 استخدمت هذه الرؤوس المغنطيسية المقاومة الضخمة كتقانة مؤهلة في صناعة التخزين التي يبلغ تمويلها عدة بلايين من الدولارات.
الماكرو والميكرو والنانو(***)
كم يبلغ صغر النانومتر الواحد؟ الهبوط التدريجي في القياس بقوى 10 في كل خطوة، يأخذك من ظهر الكف إلى نانومتر واحد حيث تبدو الذرات في بنية الدنا DNA. وتدل حافة كل صورة من الصور على طول أكبر بعشر مرات من الطول الذي تحدده الصورة المجاورة تماما. ويحدد الإطار المربع الأسود في كل صورة حجم الصورة التالية. |
وقد واكب العصر الجديد للنانو ظهور أدوات حديثة قادرة على تصوير ومنابلة جزيئات أو ذرات منفردة. وتعد مجاهر مسابير المسح(4) ـ مجهر المسح النفقي scanning tunneling microscope ومجهر القوة الذرية atomic force microscopeوغيرهما ـ أيقونات هذه الثورة، وهي قادرة على تكوين صور لذرات منفردة أو تحريكها من مكان إلى آخر. وقد قام مختبر الشركة IBM في زيوريخ بتركيب الرأس tip الحاد، الذي هو بمقياس النانو والمستخدم في مجاهر القوة الذرية، على أكثر من ألف ظفر ميكروي في شيپة ميكروية microchip. وتستطيع هذه الرؤوس في الجهاز الذي هو من إنتاج الشركة Millipede أن تنحت بتات رقمية على صفيحة مصنوعة من الپوليمر. ويمكن أن تقود هذه التقنية إلى جهاز تخزين بيانات قادر على تحقيق كثافة تخزين تعادل عشرين ضعفا كثافة أفضل محركات الأقراص الحالية أو تفوقها.
وقد انبثقت في عالم النانو مناهج مختلفة لتصنيع البنى النانوية. فالشيپات الميكروية التي تنحت الآن خطوط دارات كهربائية أكبر بقليل من مئة نانومتر، على وشك أن تغدو المثال الأكثر أهمية. وفي المقابل، فإن الصناعيين الصعوديين bottom-up يستخدمون عمليات ذاتية التركيب في تجميع بنى أكبر ـ ذرات أو جزيئات تَصنع تلقائيا أنساقا منظمة عند ظروف مناسبة. وتعد الأنابيب النانوية ـ وهي أسطوانات من الگرافيت لها صفات كهربائية غير اعتيادية ـ مثالا جيدا عن المنشآت النانوية الذاتية التركيب [انظر: «فن التصغير في صنع الأشياء»، في الصفحة 20].
ما بعد السيليكون(****)
يستقطب الحجم المتضائل للدارات الكهربائية في الشيپات الإلكترونية الاهتمام الأكبر في النانو. ولشركات الحواسيب التي تتوافر لديها مختبرات بحث كبيرة كالشركة IBM والشركة Hewlett-Packard برامج نانوية ضخمة. وبمجرد أن تخفق الإلكترونيات التقليدية السيليكونية ـ وهو الشيء المحتمل وقوعه خلال ما بين 10 و 25 سنة قادمة ـ يصبح الرهان على أن الأجهزة الإلكترونية الجديدة التي تعتمد تقانة النانو ستحل محل الإلكترونيات التقليدية السيليكونية، رهانا جيدا. لكن هذا رهان مرجح حدوثه وليس رهانا مؤكدا. فلا أحد يدري ما إذا كان تصنيع الإلكترونيات باستخدام الأنابيب النانوية أو أي مواد جديدة أخرى سيسمح بالتحسينات التي لا تفتر في أداء الشيپات دون أية زيادة في التكلفة، وهو الشيء المميز في صناعة الشيپات السيليكونية [انظر: «الدارة الكهربائية المتضائلة بشكل لا يصدق»، في الصفحة 38].
بمجرد أن تخفق الإلكترونيات السيليكونية المعهودة يصبح رهانا جيدا
أن الأجهزة الإلكترونية النانوية ستحل محل تلك، لكن ذلك مرجح وليس مؤكدا.
وحتى لو لم تطحن الترانزستورات الجزيئية المقياس رقمي الصفر والواحد في المعالج Pentium XXV، فقد تجد الإلكترونيات المصممة من قبل تقانيي النانو طريقها إلى أجهزة تفشي أسرار الآلة المتناهية الصغر: الخلية البيولوجية. ففي واقع الأمر، تجد تقانات النانو البيولوجية حاليا تطبيقات حقيقية قبل حلول الحواسيب النانوية في مرحلة ما بعد السيليكون [انظر: «صغير حجمها لكن شأنها عظيم في الطب»، في الصفحة 44]. ونسبيا هناك حاجة إلى عدة رقع نانوية nanotags مصنوعة من مادة شبه موصلة لتقصي النشاط الجزيئي، وذلك مقارنة ببلايين أو ترليونات الترانزستورات التي يجب أن تعمل جميعا معا لتأدية وظيفتها في حاسوب نانوي. وقد انبثقت الآن إحدى الشركات وتدعىQuantum Dot Corporation لاستغلال النقاط الكمومية شبه الموصلة كواسماتlabels في التجارب البيولوجية وبحوث اكتشاف الأدوية والاختبارات التشخيصية، إلى جانب تطبيقات أخرى.
وخارج نطاق البيولوجيا، تتضمن الموجة المبكرة من المنتجات استخدام الجسيمات النانوية في تحسين الخصائص الأساسية للمواد. فعلى سبيل المثال، تنتج الشركة Nanophase Technologies، وهي إحدى الشركات القليلة في هذا الميدان والتي يتم التعامل بها في البورصة، جسيمات أكسيد الزنك بحجم النانو للاستخدام في الدهون الواقية من أشعة الشمس، والتي جعلت الدهن ذا اللون الأبيض عادة شفافا لأن الجسيمات الدقيقة لا تبعثر الضوء المرئي.
الأشكال العليا: بدأت مبادرة تقانة النانو الوطنية NNI في السنة المالية 2001، وهي تساعد على المحافظة على مستوى المنافسة مع الإنفاق العالمي على التقانة النانوية (في الأعلى) كما أنها توفر دعما ماليا للعلوم الفيزيائية والهندسية، حيث كان التمويل لهذه العلوم شديد الانخفاض مقارنة بعلوم الحياة (في الأسفل). |
تذهب مبادرة تقانة النانو التي أطلقتها الحكومة إلى أبعد من الدهون الواقية من أشعة الشمس. فهي تتصور أن المواد النانوية البنى قد تساعد على تقليل حجم المركبات الفضائية ووزنها واحتياجاتها من الطاقة، وتكوّن سيرورات تصنيع خضراء(5) تخفض من نشوء المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها، وتشكل أساس المبيدات الحشرية المهندسة جزيئيا molecularly engineeredوالمتحللة بيولوجيا biodegradable. ولهذا الحقل مدى واسع ـ والبحوث الأساسية مازالت حديثة في بعض اختصاصات النانو الفرعية ـ بحيث أثار القلق حول قدرته على تحقيق أهداف تقنية طموحة قد يتطلب إنجازها 20 عاما. وقد أشار تقرير بحوث للكونگرس عام 2000 إلى أنه «في حين أن تقانة النانو تبدو واعدة للغاية، يقر بعض العلماء بأن تعريف هذا الحقل مبهم للغاية وأن الكثير من الضجة التي يثيرها ربما لا تتماشى مع واقع التوقعات العلمية الحالية.»
أحلام النانو(*****)
يحمل كل بحث متقدم مخاطر متأصلة فيه. غير أن تقانة النانو تحمل عبئا خاصا. فسعي هذا الحقل إلى كسب الاحترام يشوهه ترافق هذه الكلمة مع وجود عصبة من المستقبليين الذين يتوقعون أن يكون النانو طريقا إلى أرض الطوبى techno-utopia: ازدهار لا مثيل له وصناعة غير ملوِّثة وحتى شيء يشبه الحياة الأبدية.
وفي عام 1986 ـ بعد خمس سنوات من قيام الباحثَيْن <G. بينيگ> و < H. روهرر> [من الشركة IBM] باختراع مجهر المسح النفقي الذي أكسبهما جائزة نوبل ـ أحدث كتاب محركات الخَلق Engines of Creation ل<E .K. دركسلر> أثرا بالغا لتصويره تحكما شبه إلهي بالأشياء؛ حيث يصف هذا الكتاب آلات نانوية ذاتية التجدد تستطيع أن تنتج فعليا أي سلعة مادية، وهي في آن معا تُخفض حرارة الكرة الأرضية وتشفي الأمراض وتطيل أمد الحياة. وقد سفه هذه الرؤى علماء ذوو مواقع أكاديمية ثابتة وحائزين منحا من المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)، مبينين أن عدم احتمال وقوعها الأساسي جعل منها تصورا عبثيا لما يحمله المستقبل.
غير أن الأحاسيس الوهمية التي أحاطت بتقانة النانو منذ نشوئها قد توفر بعض الفوائد غير المتوقعة. فبالنسبة إلى العديد من علماء النانو قرَّبت تصورات دركسلر لتقانة النانو الحدود بين العلم والخيال بطريقة لافتة. فالحديث عن آلات لإصلاح الخلايا يمكن أن تقضي على الشيخوخة، وآلات منزلية لإنتاج الطعام تستطيع إنتاج الأطعمة دون قتل أي كائن ساعد على تكوين سحر في كل ما هو صغير لدرجة أن بعض العلماء عمدوا لاحقا، عن إدراك منهم أو من دون إدراك، إلى استخدام هذا السحر للفت الانتباه إلى أعمالهم في مشروعات أكثر دنيوية لكنها أكثر واقعية. ومن المؤكد أن تصنيف مشروع بحث على أنه يقع ضمن مجال تقانة النانو يكسبه وقعا أكثر إغراء وسحرا مما لو سمي «علم المواد التطبيقي بمقياس الميزو.(6)»
وبشكل غير مباشر تماما، قد يجذب عمل دركسلر الناس إلى العلوم. فقد غذت تخيلاته عرقا غنيا من أدبيات الخيال العلمي. وإذا ما اعتبر فرعا من فروع الخيال العلمي ـ أكثر من كونه تنبؤا حرفيا بالمستقبل ـ فإن ما كُتب حول تقانة دركسلر النانوية قد يؤدي الوظيفة نفسها التي أداها مسلسل ستار ترِك StarTrek في إثارة اهتمام الشباب بالفضاء، وهو شغف يؤدي في بعض الأحيان إلى اختيار مهنة في علم الطيران أو في الفيزياء الفلكية.
وتكمن الخطورة عندما يأخذ أناس أذكياء تنبؤات دركسلر بقيمتها الظاهرية فقط. فقد اجتذبت تقانة دركسلر النانوية دعاية متجددة في عام 2000 عندما أعرب مكتئب يسمى <B. جوي>، وهو كبير علماء الشركة Sun Microsystems عن قلقه للمجلة Wired من عواقب الإنسالات(7) النانوية التي يمكن أن تتكاثر بشكل لا يمكن ضبطه. وقد قال متأملا إن جماهير منتشرة من الإنسالات الذاتية التجدد ـ والتي أطلق عليها دركسلر اسم «المادة الرمادية اللزجة» gray goo ـ قد تشكل تهديدا كافيا للمجتمع يُجبرنا على إيقاف تطوير تقانة النانو. غير أن هذا الاقتراح يحول الانتباه بعيدا عن حقيقة الميل العاطفي المفرط نحو النانو اللزج: الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
إن سعي حقل تقانة النانو إلى كسب الاحترام يشوهه ترافق كلمة نانو مع وجود عصبة من المستقبليين الذين يتوقعون أن يكون النانو طريقا إلى أرض الطوبى.
وقد اتخذت تنبؤات دركسلر فيما بين الكيميائيين وعلماء المواد (الذين أضحوا الآن تقانيي نانو) بعض الطرافة؛ فالعلم ليس قريبا بأي شكل من الأشكال من إمكانية إنتاج آلات نانوية مجهرية يمكنها أن تساعد على إعادة إحياء الأدمغة المجمدة التي علق نشاطها. وقد أدركت الشركة Zyvex، وهي شركة أسسها قطب من أقطاب البرمجيات الذين أغرتهم تقانة دركسلر النانوية، مدى صعوبة إيجاد إنسالات بمقياس النانومتر. وتقوم الشركة الآن باللهو بعناصر ميكروميكانيكية أكثر ضخامة استخف بها دركسلر في كتابه [انظر: «أطقم إنشاء إنسالية نانوية»، في الصفحة 62].
بعض معالم 9-10 (******)
منذ 3.5 بليون سنة انبثقت أولى الخلايا الحية. تضم الخلايا آلات بيولوجية بمقياس النانو تؤدي مهام كمعالجة المواد الجينية والإمداد بالطاقة.
400 عام قبل الميلاد: صاغ ديموقريطس كلمة «ذرة» التي تعني باليونانية القديمة «غير قابل للانشقاق». 1905: نشر آينشتاين بحثا علميا قدر فيه قطر جزيء واحد من السكر بنحو نانومتر واحد. 1931: طور <M. نول> و <.R روسكا> المجهر الإلكتروني الذي مكن من مشاهدة أشياء بأبعاد أقل من النانومتر. 1959: ألقى <R. فاينمان> محاضرته الشهيرة «هناك متسع من المكان عند القاع» حول آفاق التصميم بحجوم صغيرة. 1968: اخترع <.Y .A تشو> و<J. آرثر> وزملاؤهما من مختبرات بل التوضع الفوقي بالشعاع الجزيئي molecular-beam epitaxy، وهي تقنية يمكن أن ترسب طبقات وحيدة الذرات على سطح ما. 1974: أوجد <N. تانگويشي> مصطلح «تقانة النانو» للدلالة على تصنيع آلي بدقة أقل من ميكرون واحد. 1981: ابتدع <G. بينيگ> و<H. روهرر> مجهر المسح النفقي الذي يمكن باستخدامه مشاهدة ذرات منفردة. 1985: اكتشف <R .F. كيرل> و <W .H. كروتو> و<E .R. سمولي> الزbuckministerfullerenesسالمعروفة أيضا باسم زbuckyballsس التي يبلغ قطرها نحو نانومتر واحد. 1986: نشر <E .K. دركسلر> كتاب محركات الخَلق، وهو كتاب يحكي توقعات دركسلر في المستقبل ويبسط تقانة النانو. 1989: كتب <M .D. إيگلر> من الشركة IBMأحرف اسم شركته باستخدام ذرات زينون منفردة. 1991: اكتشف <S. ليجيما> من الشركة NEC في مدينة تسوكوبا باليابان الأنابيب النانوية الكربونية. 1993: اخترع <W. روبينيت> [من جامعة نورث كارولينا] و<S .R. ويليامز> [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس] نظام واقع افتراضي موصولا بمجهر مسح نفقي يسمح للمستخدم بمشاهدة الذرات ولمسها. 1998: ابتدعت مجموعة <C. ديكير> [من جامعة دلفت للتقانة في هولندا] ترانزستورا مصنوعا من أنبوب نانوي كربوني. 1999: برهن <M .J. تور> [الذي يعمل الآن في جامعة رايس] و <A .M. ريد> [من جامعة ييل] أن الجزيئات المنفردة يمكن أن تعمل كمفاتيح جزيئية molecular switches. 2000: أعلنت إدارة الرئيس كلينتون عن المبادرة الوطنية لتقانة النانو NNI التي وفرت تمويلا كبيرا وأعطت لحقل تقانة النانو ظهورا أعظم. 2000: اخترع <إيگلر> وباحثون آخرون سرابا كموميا quantum mirage. إن وضع ذرة مغنطيسية في بؤرة حلقة بيضاوية من الذرات يولد سرابا للذرة نفسها في بؤرة أخرى، وتعد هذه الطريقة وسيلة محتملة لإرسال المعلومات من دون أسلاك. |
نانو للبيع(*******)
لا تعود تقانة النانو كلها إلى العشرين عاما الماضية. وهذا ما تؤكده عينات التطبيقات التالية المطروحة في الأسواق: التطبيق: مواد حفازة الشركة: EXXONMOBIL الوصف: الزيوليت وهي معادن لها مسامات حجمها أقل من نانومتر واحد تخدم كمحفزات أكثر كفاءة لتجزئة أو شق الجزيئات الهدروكربونية الكبيرة من أجل تكوين الگازولين gasoline. التطبيق: تخزين البيانات الشركة: IBM الوصف: خلال الأعوام القليلة الماضية، أضافت سواقات الأقراص طبقات بمقياس النانو ـ تستغل التأثير المغنطيسي الهائل ـ للوصول إلى تخزين بيانات عالي الكثافة. التطبيق: توريد العقاقير الشركة: GILEAD SCIENCES الوصف: تغطي حبيبات الدهون التي تدعى ليپوزومات liposomes والتي يبلغ قطرها نحو مئة نانومتر دواء مضادا للسرطان لمعالجة ساركومة كاپوسي Kaposi’s sarcoma المرتبطة بمرض الإيدز. التطبيق: تصنيع المواد الخام الشركة: CARBON NANOTECHNOLOGIES الوصف: إن الشركة التي شارك في تأسيسها <E .R. سمولي> صنعت أنابيب نانوية كربونية أقل تكلفة باتباع سيرورات تصنيع جديدة. التطبيق: تحسين خواص المواد الشركة: NANOPHASE TECHNOLOGIES الوصف: تدمج جسيمات بلورية نانوية في مواد أخرى لإنتاج سيراميك أقوى وواقيات شمس شفافة لحجب الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، ومواد حفازة للاستخدامات البيئية، إضافة إلى تطبيقات أخرى. |
ويناضل حقل تقانة النانو من أجل التماسك حتى ما بعد التأملات في المادة الرمادية اللزجة. وبعض البحوث كانت ستستمر بغض النظر عن واسماتها. فدمج «النانو» و«التقانة» هو تحصيل حاصل: فالشركة IBM كانت ستمضي قدما في بناء رؤوس مغنطيسية مقاومة عملاقة سواء صنفت البحوث التي تقوم بها ضمن تقانة النانو أو لم تصنف كذلك.
ولكي يرسخ هذا الحقل نفسه كموحد كبير للعلوم التطبيقية، عليه أن يبرهن على فائدة تجميع محاولات واسعة التفاوت. فهل يمكن لعلماء ومهندسين يجرون أبحاثا عن المساحيق النانوية المستخدمة في المراهم الواقية من أشعة الشمس، أن يشتركوا مع أولئك الذين يعملون على حوسبة الدنا (DNA) في مجموعة من الأهداف؟ في بعض الحالات يمكن تبرير هذه الأحلام المشتركة. فاستخدام النقاط الكمومية quantum dot شبه الموصلة والمطورة أصلا للإلكترونيات، في تحري نشاط الخلايا البيولوجي يعد برهانا راسخا على المبدأ الذي يقوم عليه هذا النوع من الانتقال عبر الاختصاصات.
إذا ما تماسكت فكرة النانو، فإنها تستطيع في الواقع إرساء قواعد ثورة صناعية جديدة. لكن لكي تنجح يتعين عليها أن تهمل ليس فقط التفاهات المتعلقة بالإنسالات النانوية التي تعيد إحياء الجثث بعد تجميد طويل، وإنما أيضا الجدل المحتدم الذي يمكن أن يبعد أية جهود تمويلية كبيرة. والشيء الأهم، هو أن علم النانو الأساسي لا بد أن يكون مستعدا للمساعدة على تعيين تقانات نانوية جديرة بالاهتمام لمتابعتها. وسيبقى التمييز بين ما هو حقيقي في النانو وما هو غير حقيقي خلال هذه المرحلة الواسعة من الاستكشاف مهمة ليست بضئيلة. ▪
(*)LITTLE BIG SCIENCE
(**) What’s in a Name?
(***) Macro, Micro, Nano
(****) Beyond Silicon
(*****) Nanodreams.
(******) A Few 10-9 Milestones
(*******) Nano for Sale
(1)mesoscale engineers
(2) انظر: موقع المبادرة NNI على الإنترنت www.nano.gov.
(3) يمكن زيارة موقع مجلة تقانة النانو Nano Technology على الإنترنت http://planet-hawaii.com/nanozine.
(4) Scanning probe microscopes
(5) لا تلوث البيئة.
(6) applied mesoscale materials science
(7) ج: إنسالة، وهذه نحت من إنسان آلي.