تثبيت الذاكرات
تثبيت الذاكرات(*)
تصبح بعض اللحظات ذاكرات مستديمة،
في حين يتبخر بعضها الآخر. وقد يتضمن سبب
ذلك السيرورات نفسها التي تتشكل أدمغتنا وفقها.
<D .R. فيلدس>
في فيلم مومِنتو Momento المثير، يستطيع البطل <ليونارد> أن يتذكر كل شيء حدث قبل الإصابة الدماغية التي تعرض لها في الليلة التي هوجم بها هو وزوجته، ولكن تختفي لديه ذكرى أي فرد أو شيء صادفه بعد تلك الليلة المصيرية. لقد فقد مقدرة تحويل الذاكرة القصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد. ويندفع <ليونارد> للبحث عن قاتل زوجته لينتقم منه؛ ونظرا لكون ذاكرته قصيرة الأمد، كان عليه أن يسجل دالات(1) بحثه كوشم على جسمه.
لقد ألهمت تلك القصة المزعجة قصة حالة طبية حقيقية لمريض يعرف في الأدبيات الطبية باسم <HM>. فعندما كان <HM> في التاسعة من عمره تعرض لحادث دراجة سبب له تلفًا بالرأس جعله مريض صرعٍ مُضَعْضِع. وكيما يفرِّج الجراحون نوبات صرعه التي لم يكن بالمقدور السيطرة عليها بأي شكل من الأشكال، عمدوا إلى استئصال أجزاء من الحُصَيْن hippocampus والمناطق الدماغية الملاصقة له. صحيح إن العملية الجراحية نجحت في إنقاص النوبات الدماغية، ولكنها قطعت، بشكل غير مقصود، الصلة الغامضة بين الذاكرة القصيرة الأمد والذاكرة الطويلة الأمد. فالمعلومات المخصصة لما يُعرف باسم الذاكرة التقريرية declarative memory (أي ذاكرة الناس والأمكنة والحوادث) يجب أن ترى عبر الحُصيْن قبل أن يتم تسجيلها في قشرة المخ cortex. ولذلك بقيت الذكريات القديمة التي كان قد اختزنها دماغ المريض <HM>، واضحة. أما خبراته الحاضرة جميعها، فإنها سرعان ما تتلاشى بدون أي أثر. لقد كان <HM> يرى طبيبته بشكل دوري شهريا، ولكن في كل زيارة كان يبدو وكأن الاثنين لم يسبق لهما أن التقيا.
لطالما فتن المختصين في العلوم العصبية هذا الانتقال من الخبرة العقلية الحاضرة إلى ذاكرة مستديمة. فحين يقدم إليك اسم شخص ما فإنه يُختزن في ذاكرة قصيرة الأمد ويمكن أن يتلاشى في غضون دقائق. ولكن ثمة معلومات، مثل اسم صديق عزيز، تتحول إلى ذاكرة طويلة الأمد، وقد تدوم طوال العمر. وحاليا اتضحت أكثر الآلية التي يستبقي بوساطتها الدماغ لحظات معينة، ويأذن بانزواء لحظات أخرى غيرها. ولكن لا بد أولا أن يحل علماء الأعصاب مفارقة جوهرية.
تنشأ الذاكرتان القصيرة الأمد والطويلة الأمد كلتاهما من ارتباطات بين العصبونات عند نقاط تماس تدعى مشابك synapses، حيث تقابل استطالة عصبون مُصْدِر للإشارات signal-emitting (تدعى المحوار axon) واحدة من عشرات أصابع عصبون مجاور مستقبل (تدعى التغصّنات dendrites). [انظر الإطار في الصفحة 21]. وحينما تنبثق ذاكرة ما قصيرة الأمد يكون تنبيه stimulationالمشبك كافيا في مستواه لتقوية المشبك أو «تحسيسه» sensitize لإشارات لاحقة. وفي حالة الذاكرة الطويلة الأمد تصير تقوية المشبك مستديمة. ولكن العلماء كانوا على علم منذ الستينات من القرن الماضي بأن هذا يتطلب جينات genes في نواة العصبون لتنشيط استهلال إنتاج الپروتينات.
نظرة إجمالية/ تشبيك الذاكرة(**)
▪ إن الخلايا العصبية الفرادى تعرف بطريقة ما أي ذاكرات ينبغي أن تحتفظ بها على شكل ارتباطات مستديمة مع خلايا عصبية أخرى وأي ذاكرات تتركها تأفُل. وعلى نحو مشابه، ينتقي الدماغ المتنامي بطريقة ما أي دارات عصبية ينبغي أن يحتفظ بها وأيُّها ينبغي أن ينبذها.
▪ تتطلب كلتا العمليتين إشارات كهركيميائية(2) تصدر عن الحواف البعيدة للخلية العصبية لتنشيط جينات في نواة الخلية والجينات اللازمة لرد جواب رجوعا إلى النهاية الخلوية. ▪ وعلى شاكلة العديد من قرارات الحياة، فإن خيار العصبون لتثبيت ارتباط ما لا يأتي إلا بعد أن تتبين أهمية ذلك الارتباط. |
لقد حير العلماء كيف تستطيع فعالية جينة في أعماق نواة الخلية أن تحكم أنشطة تجري في مشابك تبعد كثيرا عن تلك النواة. كيف تعرف جينة ما متى تقوّي مشبكا ما بشكل مستديم ومتى تدع لحظة عابرة تمر من دون تسجيل؟ وكيف تعرف الپروتينات التي تكوِّدها جينةٌ ما أيا من آلاف المشابك تستهدف للتقوية؟ إن لهذه المسائل نفسها مُضَمّنات(3) من أجل فهم تشكل دماغ الجنين ونموه حين يقرر الدماغ أية ارتباطات مشبكية يبقيها وأية ارتباطات مشبكية ينبذها. وقد توصل مختبري إلى حل مثير للاهتمام فيما يخص واحدا من أسرار الذاكرة هذه.
ذاكرة جينية(***)
اكتشف البيولوجيون الجزيئيون الأوائل أن الجينات تؤدي دورا ما في تحويل ذاكرة من قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد. وأظهرت تجاربهم على حيوانات جرى تدريبها على القيام بمهمات بسيطة، أن التعلم يتطلب صنع پروتينات جديدة في الدماغ في غضون دقائق التدريب، وإلا غابت هذه الذاكرة(4).
وكيما يتم إنتاج پروتين ما يجب انتساخ امتداد من الدنا(5) داخل نواة الخلية إلى شكل جوال(6) يدعى الرنا المرسال messenger RNA (أو mRNA اختصارا). وهذا بدوره يذهب خارج النواة إلى هيولى الخلية(7) حيث تقوم الآلية الخلوية بترجمة التعليمات المكوَّدة فيه إلى پروتين. وكان هؤلاء الباحثون قد وجدوا أن الحيلولة دون ترجمة الرنا المرسال إلى پروتين يعوق تكوين الذاكرة الطويلة الأمد في حين لا تتأثر بذلك الذاكرة القصيرة الأمد.
ولما كان عصبون واحد يستطيع تشكيل عشرات آلاف الارتباطات المشبكية، ومن غير الممكن أن يكون لكل منها جينة مخصصة بكل واحد من هذه الارتباطات، فقد سعى علم الأعصاب الخلوي إلى إيجاد تفسير لكيفية تحكم نواة الخلية في تقوية هذه الارتباطات الفرادى، فصاغوا نظريتهم بوجود جزيء تأشير signaling molecule مجهول لا بد أن يُولده المشبك حين يتنبه بشكل كاف. ومع تقوية موقتة لارتباط هذا المشبك، فإنه يستطيع استحواذ الذاكرة لمدة قصيرة أثناء عودة جزيء التأشير إلى نواة الخلية العصبية. وهناك يقوم هذا الجزيء المرسالي بتنشيط جينات مناسبة لاصطناع پروتينات مهمتها تقوية هذا الارتباط المشبكي بشكل مستديم. وثمة مشكلة أخرى تتعلق بكيفية عثور هذا الپروتين، حالما يتم اصطناعه في جسم خلية العصبون، على المشبك الواحد (بين آلاف المشابك) الذي كان قد طلبه.
لغرض محاكاة تشكيل الذاكرة، ثمة جهاز تسجيل فيزيولوجي كهربائي يستطيع تنبيه وتسجيل الإشارات الكهربائية الخاصة بشريحة من حصين hippocampus جرذ سمكها 400 ميكرون. |
لقد كان لدى الباحثين في موضوع الذاكرة صورة مفصَّلة عن الأحداث منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي [انظر الإطار في الصفحة 22]؛ إذ كشف بضعة منهم أن عامل استنساخ(8) (يدعى كريب CREB) أدى دورا رئيسيا في تحويل الذاكرة القصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد لدى حيوانات بعيدة القرابة فيما بينها، مثل الذباب والفئران. وتُعد عوامل الاستنساخ هذه پروتينات رئيسية في داخل نواة الخلية تعثر على تتاليات sequencies نوعية من الدنا DNAوترتبط بها. وبهذا تكون هذه العوامل مفاتيح التشغيل والتوقيف النهائية التي تتحكم في الاستنساخ الجيني. وهكذا يؤدي تنشيط العامل CREB داخل عصبون ما إلى تنشيط الجينة، مما يؤدي إلى تصنيع الپروتينات الغامضة التي تحول الذاكرة القصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد.
وفي العام 1997، بيَّن <U. فري> [من المعهد الفدرالي الألماني للبيولوجيا العصبية والتنظيم الجيني واللدونة plasticity] وكذلك <R. موريس> [من جامعة أدنبره] أن «پروتينات الذاكرة»، هذه، أيا كانت، لا تستهدف بالضرورة مشبكا بعينه. فهي تستطيع أن تنتشر في جميع أرجاء الخلية ولكنها لا تؤثر إلا في المشبك الذي سبق له أن استقوى موقتا، فتجعل ذلك الارتباط قويا بشكل مستديم.
ماتزال هذه الرؤى تترك سؤالا لاهبا واحدا على الأقل: ما هو جزيء التأشير الذي يمر من المشبك إلى النواة synapse-to-nucleus ليحدد متى يجب أن يُنشط العامل CREB وأن تُحفظ الذاكرة؟ وفي هذه الفينة، وجدتني وزملائي نقارب المشكلات ذاتها التي يتصدى لها باحثو الذاكرة من منظور مختلف. ففي مختبري في المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، ندرس الكيفية التي يتشبَّك wire up بها الدماغ أثناء التشكل الجنيني(9). وهكذا، فبينما كان بعض الباحثين يتساءلون عن الكيفية التي تؤثر بها الخبرة العقلية في الجينات، مما قد يؤثر بدوره في بعض الارتباطات المشبكية، كنا نحن نتساءل عن الكيفية التي تستطيع وفقها الجينات أن تعيّن جميع تلك الملايين من الارتباطات المشاركة في تشكل الدماغ في المقام الأول.
كيف «تَعرف» جينة ما متى ينبغي لها أن
تقوي مشبكا بشكل مستديم؟
لقد اشتبهنا، نحن وعلماء آخرون في علم الأعصاب التطوري، بأن الخبرة العقلية يمكن أن يكون لها بعض الدور في شحذ مخطط تشبيك wiring الدماغ. فدماغ الجنين يبدأ بدارية circuitry عصبية فجة تُعينها تعليمات جينية (وراثية). وبعدئذ، خلال قيام الدماغ الفتيّ بتنمية واختبار تلك الارتباطات، يستبقي أكثر الارتباطات جدوى ويقصي
الارتباطات الضعيفة. ولكننا تساءلنا كيف يحدد الدماغ أي الارتباطات يستحق الاستبقاء؟
تشييد دماغ(****)
في عام 1949، اقترح عالم نفس يسمى <دونالد هب> مبدأ بسيطا ينظم الكيفية التي يمكن للخبرة فيها أن تعزز دارات عصبية معينة؛ إذ استوحى من تجارب <بافلوف> الشهيرة نظرية رأى فيها أن الارتباطات القائمة بين العصبونات والتي تضطرم fire في وقت واحد لا بد أنها تتقوى. فعلى سبيل المثال، لا بد أن يزداد الربط بقوة بين العصبون الذي يضطرم عند سماع صوت الجرس والعصبون القريب الذي يضطرم عند تقديم الطعام إذا حدث اضطرامهما في وقت واحد، وبذلك تقوم بين العصبونين دارة خلوية تتلقن أن الحادثتين كلتيهما (سماع صوت الجرس ورؤية الطعام) مترابطتان.
ليس كل مدخول input إلى خلية عصبية هو من القوة بما يكفي لجعل تلك الخلية تُضرم إشارة من ذاتها. فالعصبون يشبه شيپة معالج ميكرويmicroprocessor من حيث إنه يستقبل آلاف الإشارات عبر تغصناته، ويكامل باستمرار جميع المدخول الذي يتلقاه من هذه الارتباطات. ولكن خلافا للمعالج الميكروي الذي يمتلك عدة أسلاك للخَرْج output، فإن العصبون يمتلك منفذَ خرج واحدًا هو محواره axon. وهكذا يستطيع العصبون أن يستجيب للمدخولات بطريقة واحدة فقط؛ بمعنى أنه إما أن يقرر أن يبعث بإشارة إلى العصبون المجاور له في الدارة نفسها عن طريق اضطرام نبضة عصبية تسير في محواره، أو أن لا يبعث بشيء.
وحينما يستقبل عصبون ما إشارة كهذه، تتغير ڤلطية voltage الغشاء في تغصناته بشكل طفيف في الاتجاه الموجب. ويسمى هذا التغير الموضعي في الڤلطية ب«اضطرام» مشبك العصبون(10). وحينما يضطرم مشبك ما بدفعات وجيزة عالية التواتر، تحدث التقوية الموقتة التي تلاحظ في تشكيل الذاكرة القصيرة الأمد. ولكن اضطرام مشبك واحد برهة وجيزة لا يكفي عموما لجعل العصبون يُضرم نبضة عصبية تعرف فنيا باسم كمون فعل action potential. أما حينما تضطرم عدة مشابك عصبونية بعضها مع بعض، فإن جهدها المتحد يغير ڤلطية الغشاء العصبوني بقدر يكفي لجعل هذا العصبون يضرم كمونات فعل ويُسيِّر الرسالة إلى العصبون المجاور له في الدارة ذاتها.
لقد اقترح <هب> أن المشبك الذي يضطرم خارج التزامن مع المدخولات الأخرى إلى العصبون سيبرز كعنصر شاذ ينبغي إقصاؤه، في حين ينبغي تقوية المشابك التي تضطرم معا بالقدر الذي يجعل العصبون يضرم كمون فعل. ولذلك يعمد الدماغ إلى تشبيك نفسه حسب تدفق النبضات العصبية في الدارات العصبية المتشكلة، منقحا بذلك المخطط الإجمالي العام.
ولكن إذا تحولنا عن نظرية <هب> لنفرز آلية هذه العملية، فإننا نواجه مجددا حقيقة كون الإنزيمات والپروتينات التي تقوي الارتباطات المشبكية أو تضعفها أثناء تشبيك الدماغ لا بد أن تصنعها جينات نوعية. ولذلك انطلقت مجموعتنا تفتش عن الإشارات التي تنشط تلك الجينات.
ولما كانت المعلومات في الجهاز العصبي تكوَّد بشكل نبضات عصبية في الدماغ، فقد بدأتُ من جانبي بافتراض أن جينات معينة في الخلايا العصبية لا بد من تشغيلها وإيقافها من خلال نموذج اضطرام النبضات العصبية. ولاختبار هذه الفرضية قمتُ، مع زميل يعمل في مختبري ويدعى <K. إيتوه>، بأخذ عصبونات من جنين فأر وأنميناها في مستنبت خلوي نستطيع فيه أن ننبهها باستخدام مساري (ألكترودات)(11) في طبق الاستنبات. ولدى تنبيه هذه العصبونات بحيث تضرم نماذج مختلفة من كمونات فعل، ومن ثم قياس كمية الرنا المرسال mRNA المنبثقة من جينات معروفة بكونها مهمة في تشكيل الدارات العصبية أو في تكيفها مع الوسط، لمسنا صحة تنبئنا. فنحن نستطيع تشغيل جينات معينة أو إيقافها عبر ضبط التواتر الصحيح للمنبه في جهاز التنبيه الذي نستعمله، على غرار الكيفية التي يوالف tunes بها المرء محطة الراديو الخاصة التي يريدها من خلال انتقاء تواتر الإشارة الصحيح.
صُنع ذاكرات(*****)
تنشأ الذاكرات حينما تزيد الخلايا العصبية في دارة عصبية ما قوة ارتباطاتها التي تعرف باسم مشابك synapses. ففي حالة الذاكرات القصيرة الأمد، يدوم التأثير من بضع دقائق إلى ساعات قليلة فحسب. أما في حالة الذاكرات الطويلة الأمد، فإن المشابك تصبح مقواة بشكل مستديم.
يسهم التأشير signaling نفسه في تشكيل الذاكرة، إذ تبدأ الرسائل بين عصبون (الخلية قبل المشبكية) وعصبون آخر حينما تسري نبضة كهربائية (تعرف باسم كمون الفعل) على طول استطالة من العصبون الأول (يدعى المحوار) وصولا إلى نهايته [الشكل في المستطيل الكبير]. التأشير عند المشبك عند نهاية المحوار، تجعل النبضة الكهربائية الحويصلات المشبكية الموجودة في العصبون قبل المشبكي presynaptic تطلق كيماويات (تدعى النواقل العصبية) في فرجة (تسمى الشق المشبكي) تقع بين المحوار وأحد التغصنات dendrite الموجودة على العصبون الثاني (الذي يدعى العصبون بعد المشبكي). وهنا ترتبط النواقل العصبية بمستقبلات لها موجودة على التغصن المذكور فتقدح موضعيا مزيلا للاستقطاب depolarization في غشاء الخلية بعد المشبكية، الأمر الذي يوصف بأنه «اضطرام» firing المشبك. تقوية المشبك وبعد أن يضطرم مشبك ما بشكل وجيز وبتواتر عال، فإنه يغدو أكثر حساسية، ويستجيب للإشارات اللاحقة بتذبذب ڤلطي أكبر. وتُعد هذه التقوية الموقتة للمشبك أساس الذاكرة القصيرة الأمد. ومع أن هذه العملية غير مفهومة جيدا، فإن الباحثين يعرفون أن التقوية المستديمة اللازمة لتشكيل الذاكرات الطويلة الأمد تتطلب أن تصنع الخلية بعد المشبكية پروتينات مقوية للمشبك (في اليمين). وهذه الپروتينات يمكن أن تضيف المزيد من المستقبلات. وبالمقابل فإنها تعيد تشكيل الجزء بعد المشبكي من المشبك على نحو يؤثر إيجابا في استجابات الخلية قبل المشبكية. |
كود زمني(******)
عندما لاحظنا أن الجينات العصبونية neuronal genes يمكن تنظيمها تبعا لنموذج النبضات العصبية التي تصدرها الخلية، أردنا تقصي سؤال أعمق، وهو: كيف يستطيع نموذج اللاإستقطابات depolarizations الكهربائية على سطح الغشاء الخلوي أن يتحكم في جينات عميقة داخل نواة العصبون؟ ومن أجل ذلك، كان لزاما علينا أن نحدِّق النظر في أعماق الهيولى الخلوية (السيتوپلازما) ونرى كيف تتم ترجمة المعلومات أثناء مسيرها من سطح العصبون إلى نواته.
لم يكن ما وجدناه مسارا واحدا من غشاء العصبون إلى نواته، بل شبكة تفاعلات كيماوية ذات ربط بيني شديد(12). وعلى غرار متاهات الطرق المؤدية إلى روما، ثمة مسارات بيوكيميائية عديدة متقاطعة يتصالب بعضها مع بعض أثناء نقلها الإشارات من الغشاء الخلوي إلى جميع أرجاء الخلية. وبطريقة ما تسري إشارات كهربائية ذات تواترات مختلفة عند السطح متدفقة عبر شبكة المرور هذه في هيولى الخلية لتصل إلى وجهتها الخاصة في النواة. لقد أردنا فهم كيفية حدوث ذلك.
إن الطريق الأولي الذي تدخل عبره المعلومات المتعلقة بالحالة الكهربائية للسطح الخلوي، إلى منظومة التفاعلات الكيميائية في الهيولى إنما يكون من خلال تنظيم ولوج influx أيونات الكلسيوم عبر قنيوات حساسة للڤلطية voltage-sensitive channels في غشاء الخلية. فالعصبونات تعيش كما لو كانت في بحر أيونات الكلسيوم، ولكن تركيز الكلسيوم في داخل العصبون يبقى شديد الانخفاض (أقل بعشرين ألف مرة من تركيزه في خارج العصبون). وحينما تبلغ الڤلطية عبر الغشاء العصبوني مستوى حدّيا، تضرم الخلية كمون فِعل يسبب انفتاح قنيوات الكلسيوم لبرهة وجيزة. وهنا يؤدي دخول دفقة من أيونات الكلسيوم إلى داخل العصبون لدى اضطرام كل نبضة عصبية، إلى ترجمة الكود الكهربائي إلى كود كيميائي تستطيع الكيمياء الحيوية الخلوية cellularbiochemistry في داخل العصبون فهمَه.
كيفية قيام الجينات بتثبيت الذاكرة(*******)
لقد اكتُشفت في الستينات من القرن المنصرم ضرورة تنشيط الجينة المؤدية إلى صنع الپروتين من أجل تكوين الذاكرة الطويلة الأمد. ولكن هذا الإنجاز أثار تساؤلات إضافية: كيف تعرف جينة ما في النواة متى يكون عليها أن تولِّد الپروتينات التي تقوي مشبكا ما بشكل مستديم، وبذلك تقلب الذاكرة القصيرة الأمد إلى ذاكرة طويلة الأمد؟ ومتى يكون عليها أن تبقى صامتة بحيث تسمح للذاكرة القصيرة الأمد بالتلاشي؟ وهل يوجد جزيء تأشير من المشبك إلى النواة غير مُكتشف يخبر الخلية متى يكون عليها أن تصنع پروتينات مقوية للمشبك؟ وحالما يتم تصنيع هذه الپروتينات في جسم الخلية، كيف تعرف تلك الپروتينات أي مشبك من بين آلاف المشابك يجب عليها تقويته؟ في أواسط التسعينات من القرن الماضي وفرت التجارب الأنيقة بعض الأجوبة عن هذه الأحجية.
|
وعلى شاكلة قِطع الدُّمينو، فإن أيونات الكلسيوم حين تدخل في الهيولى، تنشط إنزيمات تدعى كينازات الپروتين protein kinases. وهذه الأخيرة تشغل بدورها إنزيمات أخرى عبر تفاعل كيميائي (يدعى الفسفرة phosphorylation) يضيف عُلاّمات فسفاتية(13) إلى الپروتينات. وعلى غرار سباق التتابع(14)، فإن الإنزيمات الحاملة للعلامات الفسفاتية تصبح ناشطة بعد حالة هجوع، فتنبه بدورها فعالية عوامل الاستنساخ. فالعامل CREB على سبيل المثال، تنشِّطه الإنزيمات المعتمدة على الكلسيوم التي تفسفره(15) ومن ثم تخمد بفعل الإنزيمات التي تزيل العلامة الفسفاتية. ولكن ثمة مئات من عوامل الاستنساخ وكينازات الپروتين المختلفة في الخلية الواحدة. وهنا أردنا أن نعرف كيف يعمل تواتر معين لاضطرام كمونات الفعل من خلال تدفقات الكلسيوم، للوصول إلى كينازات الپروتين المناسبة، وفي نهاية المطاف إلى عوامل الاستنساخ الصحيحة بغية التحكم في الجينة الصائبة(16).
لقد استطعنا، عن طريق ملء العصبونات بصبغة تتفلور باللون الأخضر حينما يزداد تركيز الكلسيوم في الهيولى، أن نتتبع كيف تتم ترجمة النماذج المختلفة لاضطرام كمونات الفعل إلى تموجات دينامية في الكلسيوم الضمن خلوي intracellular. وتكمن أحد الإمكانات البسيطة في أن الاستنساخ الجيني يمكن أن يُنظمه مقدار ازدياد الكلسيوم في العصبون، مع قبول وجود جينات مختلفة تستجيب بشكل أفضل للمستويات المختلفة من الكلسيوم. ولكننا لاحظنا نتيجة أجدر بالاهتمام؛ فمقدار ازدياد الكلسيوم في العصبون هو، فيما يخص تنظيم جينات معينة، أقل أهمية بكثير من النماذج الموقتة لومضات الكلسيوم التي تعد صدى الكود الموقت للنبضات العصبية الذي ولَّد تلك النماذج.
لقد تتبع <F. إيشيت> [وهو باحث يعمل في مختبري] هذه الإشارات الكلسيومية إلى الإنزيمات التي تنشطها، وكذلك عوامل الاستنساخ التي تنظمها تلك الإنزيمات، وأخيرا بدأنا نقدِّر كيف يمكن لنماذج النبضات العصبية المختلفة أن تنتقل في مسارات تأشير داخل خلوية(17) مختلفة. لقد كان العامل المهم هو الوقت.
لقد وجدنا أن المرء لا يستطيع أن يُمثل المسار من غشاء الخلية إلى الدنا DNAالذي يخصها في تتال بسيط من التفاعلات الكيماوية. ففي كل خطوة، بدءا من دخول الكلسيوم عبر الغشاء، تتفرع التفاعلات في شبكة ذات ربط بيني شديد من مسارات تأشيرية، لكل منها حدود سرعة تحكم درجة استجابة ذلك المسار للإشارات المتقطعة. وتقرر هذه الخاصية أي المسارات التأشيرية سيسلكه تواتر معين وصولا إلى النواة.
لقد استجابت بسرعة بعض المسارات التأشيرية كما أنها ترممت سريعا، وبذلك استطاعت أن تتفاعل مع النماذج العالية التواتر من كمونات الفعل ولكنها لم تستطع أن تستبقي نشاطها استجابة لاندفاعات من كمونات فعل يفصل بعضها عن بعض فواصل زمنية طويلة من الفتور. وثمة مسارات أخرى بدت بليدة ولم تستطع الاستجابة جيدا لاندفاعات النبضات السريعة، ولكنها ما إن تتنشط حتى يتباطأ تخامدها، مما يعني أن هذه المسارات تدعم الإشارات فيما بين اندفاعات كمونات الفعل التي تفصلها فواصل زمنية طويلة من الفتور. ولذلك، فإن الجينات التي ينشطها هذا المسار ستستجيب للمنبهات التي تصل بشكل متكرر، ولكن لماما، على شاكلة التكرار اللازم لاستظهار معلومات جديدة.
وبعبارة أخرى، لاحظنا أن الإشارات ذات النماذج الموقتة المختلفة إنما تنتشر عبر مسارات مميزة كان قد تم توليفها بشكل مؤات لتلك النماذج الخاصة، ثم نظّمت في نهاية المطاف عوامل استنساخ مختلفة وكذلك جينات مختلفة. فعلى سبيل المثال، أظهرت قياساتنا أن العامل CREB تنشّط سريعا بوساطة كمونات الفعل ولكنه تنشط ببطء بعد أن أوقفنا تنبيه العصبون. وهكذا، يستبقي العاملCREB نشاطه فيما بين الاندفاعات المتكررة لمنبهات يفصل بعضها عن بعض فواصل زمنية تبلغ 300 دقيقة أو أكثر، وهي مشابهة لتلك الفواصل الزمنية بين جلسات التمرين المطلوبة لتعلم مهارات أو حقائق جديدة.
وإذا أخذنا في الحسبان دور العامل CREB في الذاكرة، لا بد لنا أن نتساءل ما إذا كان المسار التأشيري الذي كنا ندرسه لفهم تشكل الدماغ وتناميه يمكن أن يكون معنيا كذلك بآلية الذاكرة mechanism of memory. ولهذا عمدنا إلى ابتكار اختبار لذلك.
صورة لأيونات كلسيوم تتوهج في مقطع عرضي لأحد العصبونات (في اليمين مع نواة عتمة في المركز) مملوءة بصباغ حساس للكلسيوم. لقد استخدم المؤلف مجهرا ماسحا ليزريا متحد المركز في تقصي تدفق الكلسيوم بعد كل كمون فعل تُضرمه الخلية. وقد أُخذت مقاطع المشهد الأول العرضية في فواصل زمنية مدتها مليثانيتان ثم جرى تنضيدها، وهي تقدم تمثيلا زمني الانحسار time lapse representation لكثافة الكلسيوم ضمن الخلوي (اللونان الأخضر والأحمر). |
ذاكرة في طبق(********)
إذا أُخذ من جُرذٍ جزء الدماغ (الحُصين) الذي استؤصل من المريض <HM>، وأُبقي هذا الجزء حيا في محلول ملحي، فإن الإلكترودات الميكروية والمضخمات الإلكترونية تستطيع أن تسجل الومضات الكهربائية الصادرة عن ارتباطات مشبكية فرادى على أحد العصبونات. ولدى توجيه اندفاعة من صدمات كهربائية إلى أحد المشابك بحيث تجعلها تضطرم حسب نمط نوعي، فإن ذلك الارتباط المشبكي بالذات يتقوى. وبتعبير آخر، يستجيب هذا المشبك بڤلطية مضاعفة تقريبا للتنبيهات stimulations اللاحقة بعد استقباله المنبه العالي التواتر.
إن هذه التقوية الزائدة، التي تعرف باسم «التمكين الطويل الأمد» long-termpotentiation LTPاختصارا ، قد تكون على الرغم من اسمها، قصيرة العمر نسبيا. ولكن حينما يجري تطبيق نبضات الاختبار في سلسلة من الفواصل الزمنية تلي المنبه العالي التواتر، تتضاءل الڤلطية التي يولدها المشبك بشكل بطيء حتى تصل إلى قيمتها الأصلية في غضون بضع ساعات. وتعد هذه التقوية المشبكية الموقتة، التي تعرف بالتقوية المبكرة LTP، نموذجا خلويا للذاكرة القصيرة الأمد.
الكيفية التي تعرف بها الجينات متى ينبغي لها تقوية مشبك ما(*********)
تبين تجارب أجراها المؤلف عدم ضرورة جزيء تأشير نظري من المشبك إلى النواة؛ إذ إن التنبيه القوي الناجم إما عن الاضطرام المتكرر لمشبك واحد، أو عن الاضطرام المتزامن لبضعة مشابك على خلية ما في آن واحد، ينزع استقطاب غشاء الخلية، مما يجعل الخلية تُضرم كمونات فعل خاصة بها، الأمر الذي يجعل قنيوات الكلسيوم الحساسة للڤلطية تنفتح. وهنا تتآثر أيونات الكلسيوم مع إنزيمات تنشط انتساخ العامل CREB الذي ينشط الجينات المسؤولة عن تصنيع پروتينات مقوية للمشبك. وفي المحصلة، «تُصغي» نواة الخلية إلى خرج الخلية (كمونات الفعل المضرمة) كي تقرر متى تقوي مشبكا ما بشكل مستديم وتجعل ذاكرة ما ثابتة.
|
ومن اللافت للنظر أنه إذا جرى تطبيق نفس المنبه العالي التواتر بشكل متكرر (ثلاث مرات في تجربتنا)، يصبح المشبك دائم التقوية، وهي حالة تدعى التقوية المتأخرة LTP. بيد أن المنبهات لا يمكن تكرارها الواحدة تلو الأخرى. بل يجب أن تكون ثمة فواصل زمنية كافية من الفتور بين اندفاعات المنبه (وكانت في تجربتنا عشر دقائق). ونشير إلى أن إضافة كيماويات تعيق اصطناع الرنا المرسال (mRNA)، أو اصطناع الپروتين، إلى المحلول الملحي الحاضن للشريحة الدماغية سيجعل المشبك يضعف عائدا إلى قوته الأصلية في غضون ساعتين أو ثلاث ساعات. ومثلما هي الحال في جميع المتعضيات (الكائنات) الحية، فإن النموذج الخلوي للذاكرة القصيرة الأمد لا يعتمد على النواة، لكنه يعتمد على النواة في الذاكرة الطويلة الأمد.
وفي الواقع، استخدم الباحثان <فري> و<موريس> هذه التقنية لتبيان أن الپروتينات المقوية للمشبك تؤثر في أي مشبك مقوى وقتيا. ففي البداية، قاما بتنشيط وجيز لأحد المشابك بغية تحريض التقوية المبكرة LTP، يدوم في العادة ساعات قليلة فقط. ثم عمدا إلى إضرام مشبك ثان على العصبون نفسه بطريقة تولِّد تقوية متأخرة LTP في ذلك المشبك؛ وذلك عبر استخدام ثلاثة اندفاعات منفصلة بعشر دقائق فيما بينها. وبالنتيجة، تقوّى كلا المشبكين بشكل مستديم؛ إذ يرسل المنبه الأقوى إشارة إلى النواة تستدعي تصنيع پروتين الذاكرة، ثم تهتدي هذه الپروتينات إلى أي مشبك يكون قد تمت تهيئته للانتفاع بها.
وبالاستناد إلى بحثنا، الذي يبين مقدرة النماذج المختلفة من النبضات العصبية على تنشيط جينات نوعية، واستذكار نظرية <هب> بأن إضرام عصبون ما أمر ضروري لتحديد أي من ارتباطات ذلك العصبون ستتم تقويته، تساءلنا ما إذا كان جزيء التأشير المرسل من المشبك إلى النواة ضروريا حقا لإطلاق عملية تشكيل الذاكرة الطويلة الأمد. وعوضا عن ذلك، اقترحنا أن المشبك حين يضطرم بقوة كافية، أو بالتزامن مع مشابك أخرى غيره، بحيث يجعل العصبون يُضرم كمونات فعل في المحوار axon التابع له، فإن الكلسيوم لا بد أن يدخل بشكل مباشر عبر القنيوات الحساسة للڤلطية voltage sensitive في جسم الخلية وأن ينشط المسارات التي سبق أن درسنا أنها تُفضي إلى تنشيط العاملCREB في النواة.
وأخيرا بدأنا ندرك أن الزمن هو العامل المهم.
ومن أجل اختبار نظريتنا عمدت مع باحثة في مختبري إلى إعطاء الشريحة الدماغية دواء يعوق الوظيفة المشبكية؛ ومن ثم جعلنا العصبونات تُضرم كمونات فعل عبر استخدامنا إلكترودا ينبه أجسام خلايا العصبونات ومحاويرها بشكل مباشر. وهكذا، أضرمت العصبونات كمونات فعل، بيد أن المدخولات المشبكية إلى هذه العصبونات لم تستطع الاضطرام. فلو أن جزيء التأشير من المشبك إلى النواة ضروري لقدح التقوية المتأخرة LTP، التي هي نموذجنا الخلوي لتشكيل الذاكرة الطويلة الأمد، لكان هذا الإجراء صالحا، بسبب إسكات المشابك بفعل الدواء. ومن ناحية أخرى، إذا تولَّدت الإشارات المرسلة إلى النواة من العصبونات الضارمة لكمونات الفعل، فإن إسكات المشابك يجب أن يمنع تنشيط جينات پروتين الذاكرة في النواة.
وبعد ذلك عمدنا إلى معالجة النسيج الدماغي لتحديد ما إذا كان عامل الانتساخ (كريب CREB) قد تنشط. وبالفعل، ففي المنطقة الصغيرة التي تم تنبيهها من الشريحة الدماغية لتُضرم كمونات فعل في حالة الغياب التام للفعالية المشبكية وجدنا أن للعوامل CREB جميعها جزيء فسفات مضافا، مما يشير إلى أن تلك المنطقة قد تم تحويلها إلى الحالة المفعلة activated state.
عندئذ عمدنا إلى مراقبة نشاط الجينة zif 268، الذي نعرف أنه يصاحب تشكيل التقوية LTP والذاكرة. فوجدنا أنه، هو أيضا، يتفعل لدى الاضطرام العصبوني الحُصيني من دون أي تنبيه مشبكي. ولكننا حين نفذنا التنبيه نفسه بوجود دواء آخر يسد قنوات الكلسيوم الحساسة للڤلطية، والتي نشتبه بأنها المصدر الرئيسي للإشارة الذاهبة من الغشاء إلى النواة، وجدنا أن فسفرة الكريب CREB phosphorylation والجينة zif 2688 والپروتين، الذي يرافق التقوية المتأخرة LTP ويدعى MARK، لم تتنشط عقب اضطرام العصبونات.
لقد بينت هذه النتائج بوضوح عدم الحاجة إلى ساع يذهب من المشبك إلى النواة. فزوال الاستقطاب بفعل كمونات الفعل يؤدي إلى فتح قنيوات الكلسيوم في الغشاء العصبوني وبذلك ينشِّط مسارات تأشيرية باتجاه النواة ويشغّل الجينات الملائمة. ويبدو من المنطقي أن الذاكرة يجب أن تعمل بهذا الأسلوب. فبدلا من أن يكون على كل مشبك على العصبون أن يرسل رسائله الخاصة إلى النواة، تصغي الآلية الانتساخية(18) في النواة إلى خرج العصبون لتقرر ما إذا كان عليها أولا اصطناع الپروتينات المثبتة للذاكرة.
تذكِرة جزيئية(**********)
ربما لم تكتشف جزيئات تأشير من المشبك إلى النواة تُسهم بالفعل على نحو ما في سيرورة الذاكرة، بيد أن تجاربنا تشير إلى أن هذه الجزيئات ليست ضرورية بالمطلق. فحسبما تتنبأ قواعد <هب> في التعلم، يكون اضطرام العصبون الناجم عن الاستثارة الناجمة عن جميع المدخولات المشبكية إلى الخلية، هو الحدث الضروري لتوطيد الذاكرة.
يوفِّر هذا الفهم تشبيها خلويا جذابا جدا لممارستنا اليومية مع الذاكرة. فعلى شاكلة <ليونارد> في الفيلم Momento أو أي شاهد على جريمة، فإن المرء لا يعرف سلفا على الدوام أي الأحداث عليه أن يستودعها بشكل دائم في ذاكرته. فالذاكرات اللحظية moment-to-moment الضروري تشغيلها في الحال تديرها بشكل جيد تعديلات عابرة في شدة المشابك الفرادى. أما حينما يكون حدث ذا أهمية أو يتكرر بما فيه الكفاية، فإن المشابك تضطرم لتجعل العصبون يُضرِم بدوره نبضات عصبية بشكل متكرر وقوي، مُعلنة أنه «حدث ينبغي تسجيله». عندئذ تشتغل الجينات المعنية، كما أن المشابك الممسكة بالذاكرة القصيرة الأمد عندما تهتدي إليها الپروتينات المقوية للمشابك، تصير منقوشة فعلا.
المؤلف
R. Douglas Fields
هو رئيس شعبة «لدونة وتنامي الجهاز العصبي» في المعهد الوطني لصحة الطفل والتنامي البشري، وهو كذلك أستاذ في برنامج العلوم العصبية والمعرفية في جامعة مريلاند. ومقالته الأخيرة في مجلة العلوم [العددان 1/2(2005)، ص 46] بعنوان «النصف الآخر من الدماغ» The other half of the Brain، تصف أهمية الخلايا الدبقية فيما يخص التفكير والتعلم.
مراجع للاستزادة
Regulated Expression of the Neural Cell Adhesion Molecule L1 by Specific Patterns of Neural Impulses. Kouichi Itoh, B. Stevens, M. Schachner and R. D. Fields in Science, Vol. 270, pages 1369-1372; November 24, 1995.
Synaptic Tagging and Long-Term Potentiation. Uwe Frey and Richard G. M. Morris in Nature, Vol. 385, pages 533-536; February 6, 1997.
Somatic Action Potentials Are Sufficient far Late-Phase LTP-Related Cell Signaling. Serena M. Dudek and R. Douglas Fields in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Val. 99, No. 6, pages 3962-3967; March 19, 2002.
Memory Systems of the Brain: A Brief History and Current Perspective. Larry R. Squire in Neurobiology of Learning and Memory, Vol. 82, pages 171-177; November 2004.
Scientific American, February 2005
(*) MAKING MEMORIES STICK
(**) Overview/ Hardwiring Memory
(***) Genetic Memory
(****) Building a Brain
(*****) Making Memories
(******) Time Code
(*******) How Genes Make Memories
(*******) Memory in a Dish
(********) How Genes “Know” When to strengthen a Synapse
(*********) Molecular Memento
(1) clues
(2)electrochemical
(3)implications
(4) [انظر: “Memory and Protein Synthesis” by B. Agranoff; Scientific American, June 1967].
(5) stretch of DNA
(6)portable
(8) transcription Factor
(9)fatal development
(10)firing” of the neuron’s synapse”
(11)electordes ـ ج: مَسْرى.
(12)highly interconected network
(13)phosphate tags
(14)لتمرير عصا السباق من متسابق إلى آخر في فريقه. (التحرير)
(15) phosphorylate
(16)the right gene
(17)intracellular
(18) transcriptional machinary
<=”” td=”” style=”font-family: tahoma; font-size: 12px; color: rgb(0, 0, 0);”><=”” td=”” style=”font-family: tahoma; font-size: 12px; color: rgb(0, 0, 0);”>