مخترع الأحلام
مخترع الأحلام(*)
<نيكولا تسلا>،
كثيرا ما أخفق<تسلا>، أبو نظم التيار الكهربائي المتناوب الحالية
والمخترَعات الأساسية الأخرى، في حمل أفكاره النيرة إلى التطبيق العملي.
<B.W.كارلسون>
حينما أتى أعضاء نادي شيكاگو التجاري للاستماع إلى محاضرة ألقاها المخترع الشهير<نيكولا تسلا> بتاريخ 13/5/1899، أدهشهم منظر البحيرة الصنعية في وسط دار الاجتماعات العامة. وعرف الجميع أن<تسلا>، مُبتكر نظام التيار الكهربائي المتناوب الذي أدخل الكهرباء إلى منازلهم وإلى مصالحهم، كان استعراضيا بارعا. فقبل ست سنوات، وفي معرض شيكاغو الكولومبي، على سبيل المثال، بهر المهندسُ الرشيق المشاهدين بإرساله صدمات كهربائية جهدها 000 250ڤلط عبر جسده. أما الآن، فقد بدت الحيرة على جمهور المستمعين الذين تساءلوا عما سيفعله <تسلا> ببحيرته الصغيرة وبالزورق الطافي على سطحها بطوله البالغ ست أقدام.
ومن دون إنذار، بدأ الزورق بالتجوال في البحيرة وحده، وأخذت أضواؤه بالوميض. فقد شغَّل <تسلا> من جانب البحيرة وحدةَ تحكم من بُعد أرسلت أوامر إلى الزورق بوساطة موجات راديوية غير مرئية. وقد ذُهِل الحشد بما شاهده. ثم دعا <تسلا> أشخاصا لينطقوا أوامر مثل: «دُر يسارا! اجعل الأنوار تومض!». وباستخدام المرسل اللاسلكي، أوصل <تسلا> إشاراته إلى الزورق الذي نفَّذ المناورات المطلوبة [انظر الشكل في الصفحة 15]. وفي الوقت الذي توقفت فيه الحرب الأمريكية الإسبانية، أدهش <تسلا> الجمهور بمقترحه تسليح زورق كبير بالديناميت ثم قيادته من بُعد نحو سفينة معادية. لقد كان هذا، قبل أكثر من قرن، نموذجا أوليا لصاروخ موجَّه.
وعلى الرغم من هذا الاستعراض المثير، لم يحوِّل <تسلا> إطلاقا زورقه الذي يتحكم فيه من بعد إلى سلاح مكتمل. وإخفاقه في فعل ذلك يمثل رمزا لإخفاقه في أمور أهم تخللت حياته، رمزا لمثالية جوهرية لم تصل إلى الواقع العملي إلا نادرا. فطوال حياته، عمل <تسلا> جاهدا لإيجاد المبدأ المثالي ليقيم عليه اختراعا ثوريا. وبعد أن يُحدد مفهوما عظيما، كان يرغب في تسجيله اختراعا واستعراضه، غالبا ما كان يترك لغيره القيام بالعمل الوضيع ألا وهو هندسة مُنتَج يُدر الربح. إن ما يُحزن هو أن هذا المخترع الشهير، ومع تقدمه في عمله، وجد صعوبة متزايدة في إقناع الداعمين المحتملين لمساعدته على العملية الوضيعة في نظره ألا وهي تحويل الاختراع إلى منتَج تجاري. وتزايدت نتيجةَ ذلك خيبة أمله من الناس وعزلته عنهم.
نظرة إجمالية/ نيكولا تسلا(**)
■ كان <تسلا> (1856-1943) مخترعا وباحثا صربيا أمريكيا اكتشف الحقل المغنطيسي الدوَّار الذي يُعد أساس معظم آلات التيار المتناوب، كالمولدات والمحولات والمحركات. واخترع أيضا وشيعة تسلا، وهي وشيعة تحريض تعمل بالجهود العالية وتُستخدم كثيرا في أجهزة الراديو والتلفاز والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
■ كان <تسلا> رجل استعراض عظيما، وكان مفضلا لدى مراسلي الصحف الذين كانوا يسعون إلى قدوة مثيرة. لكن ادعاءه الخيالي بأنه اتصل بكواكب أخرى، وأنه ابتكر شعاعا مميتا، أدى إلى توجيه كثير من الانتقاد إليه. ■ ومع أن <تسلا> ابتكر الكثير من المفاهيم التقنية الجوهرية المهمة، فإنه نادرا ما اكترث بهندسة تلك المفاهيم وبتحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام. ومن المحزن أنه كان غير عملي فيما يتعلق بالأمور المالية، فانتهى إلى الموت فقيرا وخامل الذكر. |
تبصر المحرك(***)
وُلِد <تسلا> في10/7/1856 لأسرة صربية كانت تعيش على حدود الإمبراطورية النمساوية الهنغارية فيما يسمى حاليا كرواتيا. وفي العقد الثاني من عمره اختار<تسلا> دراسة الهندسة في Joanneum Polytechnic Schoolبمدينة گراتس النمساوية. وبرغبة شديدة كان هذا التلميذ اليافع يحضر محاضرات الفيزياء التي ألقاها <J.پويشل> في عامي 1876 و 1877.
وأثناء محاضرات <پويشل>، بدأ <تسلا> يفكر لأول مرة بما سوف يصبح اختراعه الأكثر أهمية، وهو محرك التيار المتناوب المحسَّن(1). فقد شاهد يوما أستاذه وهو يحاول التحكم في الشرر المنطلق من مسافر المبدِّل(2) في محرك تيار مستمر، وهي تماسات كهربائية تُصنع من أسلاك نحاسية، وتعكس التيار مرتين كل دورة بحيث تَجعل الحقولُ المغنطيسية المعكوسة الناتجة القلبَ الدوارَrotor في المحرك يتابع الدوران. واقترح <تسلا> أنه قد يكون من الممكن تصميم محرك دون المبدِّل. ولضيق <پويشل> من صفاقة التلميذ، قدم محاضرة عن استحالة إيجاد مثل هذا المحرك، وخلص إلى القول: «يمكن للسيد <تسلا> أن يُحقِّق أشياء عظيمة، لكنه حتما لن ينجح في هذا.» لكن هذا التوبيخ لم يؤد إلا إلى إذكاء نار طموح الشاب. فقد استمر بالتفكير في كيفية صنع محرك خال من الشرر، وذلك أثناء متابعة دراسته في گراتس ثم في براغ.
وفي عام 1881، سافر <تسلا> إلى بوداپست آملاً العملَ لدى صديقيْ أسرته <تيڤادار> و<فرنس پوسكاس> فقد سبق أن قام <تيڤادار>، وهو متعهد طموح، بإقناع <A.Th.إديسون> بمنحة الحقوق التجارية لتسويق اختراعاته في القارة الأوروبية. وكان الأخوان <پوسكاس> قد خططا لإقامة مقسم هاتفي في بوداپست باستخدام تصميم هاتف <إديسون> المحسَّن. لكنهما، ومن سوء طالعهما، لم يتمكنا فورا من استئجار أي شخص. وأثناء الانتظار، مرض<تسلا> مرضا شديدا، ولم يشف منه إلا بمساعدة صديق دراسته <Szigeti.A> الذي شجعه على المشي كل مساء لاستعادة قوته.
<تسلا> في عام 1896 وهو يجلس قُبالة وشيعته الكبيرة ذات الشبكة العنكبوتية. في تلك السنة، كتب <تسلا>: «لا أعتقد أن ثمة أي شيء مثير يمكن أن يدخل قلب الإنسان كذاك الذي يشعر به المخترع حين يرى بعض إبداعات الدماغ تتفتح نحو النجاح… إن مثل تلك المشاعر تجعل المرء ينسى الطعام والنوم والأصدقاء والحب وكل شيء.» |
لقد كانت أمسية من أمسيات المشي تلك مع Szigeti حينما حملت الرسل إلى<تسلا> بشائر المحركات. فقد أُلهم <تسلا> فجأة، وهما يستمتعان بغروب الشمس، استخدام حقل مغنطيسي دوَّار في محركه، وهذا خروج كبير عن المألوف. لقد كانت رؤية الشاب الصربي انقلابا على ما هو معروف، فعوضا عن تغيير القطبين المغنطيسيين في القلب الدوار، يُبدّل الحقل المغنطيسي في الجزء الثابت stator من المحرك. إن هذا التركيب يُمكن أن يلغي الحاجة إلى المبدأ الذي يطلق الشرر. فقد رأى <تسلا> أنه إذا دار الحقل المغنطيسي في الجزء الثابت، فإنه سوف يحرض حقلا كهربائيا معاكسا في القلب الدوار يؤدي إلى دورانه. وتصور أنه يمكن إنتاج الحقل المغنطيسي الدوار باستخدام التيار المتناوب بدلا من التيار المستمر، لكنه لم يعرف حينئذ كيفية تحقيق ذلك الهدف الكبير.
من مُعْدم إلى شديد الغنى(****)
لقد جَهَد <تسلا> طوال السنوات الخمس التالية لتحصيل المعرفة العملية التي احتاج إليها لصنع محركه. فبعد أن ساعد الأخوين <پوسكاس> على بناء مقسم الهاتف في بوداپست، سافر مع <تيڤادار> إلى پاريس للعمل لدى الشركةSociété Electrique Edison في تركيب نظم إضاءة بالمصابيح الكهربائية الحرارية. وفي عام 1884، انتقل <تسلا> إلى الشركة Edison Machine Works في مدينة نيويورك. ومن سوء طالعه أنه لم يحتك شخصيا تقريبا بالمخترع الشهير <إديسون>. وأثناء وجوده هناك، كاد ذلك المخترع الصربي أن يخبر <إديسون> عن فكرة المحرك. «لقد كان ذلك في جزيرة كوني Coney»، قال مستذكرا، «وبينما كنت أهم بالشرح له، أتى شخص وصافح <إديسون>. تلك الليلة، وحين عدت إلى المنزل، ارتفعت حرارتي، وتنامى عزمي على عدم الحديث ثانية عن [محركي] بحرية أمام الآخرين.» وبعد بضعة أشهر، وبعد أن أكمل <تسلا> تصميم نظام محسَّن للإضاءة بالقوس الكهربائية (سطوع يقوم على شرر كهربائي يعبر فجوة بين قطبين)، حنث مديروه في وعدهم إياه بعلاوة، وهذا ما جعل المهندس الطموح يترك العمل غاضبا.
كان <تسلا> يفكر في إيجاد حل لمشكلة محركه وهو
يتأمل معجبا بغروب الشمس على مدينة بوداپست.
وسرعان ما قام متعهدا أعمال من راهوي بنيوجرسي بتوظيف <تسلا> لديهما وشجعاه على تسجيل اختراعه لنظام الإضاءة بالقوس الكهربائية كي يستطيعا تسويقه تجاريا. ومن دون تبصر، تنازل <تسلا> عن الاختراع لهذين المتعهدين المراوغين، ظنًا منه أنهما ينويان صنع أجهزة ومنافسة <إديسون>. لكنهما ارتأيا أن فرصة الربح تكمن في إقامة شركة للإضاءة الكهربائية. وحين وضع <تسلا> نظام الإضاءة بالقوس الكهربائية في العمل، طرده ممولاه وأعادا تنظيم الشركة. واضطر <تسلا> الذي عانى بعد التخلي عنه مرارة العوز، إلى العمل في حفر المجاري.
محرك تحريضي يعمل بالتيار المتناوب الثنائي الطور كان <تسلا> قد صنعه عام 1887. فبتغذية وشيعتي تحريض متوضعتين على جانبي الجزء الثابت، بتيارين متناوبين منفصلين بينهما فرق طور، ولَّد <تسلا> حقلا مغنطيسيا دوارا حرّض حقلا كهربائيا معاكسا في القلب الدوار، ما أدى إلى دورانه. |
ورغم تحمل سنة من المشقة التي تقصم الظهر، عقد <تسلا> العزم في الشهر 3/1886 على تسجيل اختراع لمحرك حراري مغنطيسي، وهو أداة جديدة تستمد طاقتها من تسخين وتبريد المغانط. وقادت نقاشاته عن اختراعه مع رئيس عمال حفر المجاري الذي كان يعمل معه إلى تقديمه إلى<Ch.پك>، المحامي الذكي. ومأسورا بمفهوم المحرك الحراري المغنطيسي، عرض<پك>تحمل نفقات بحث <تسلا>. ونظرا لأن <پك> لم يكن خبيرا فنيا، فقد دعا <S.A.براون>، وهو مناظر لدى الشركة Western Union، إلى الانضمام إليه في دعم<تسلا>.
استأجر<پك> و<براون> مختبرا <لتسلا> في مانهاتن حيث كرَّس المخترع المهاجر نفسه في البداية لتطوير المحرك الحراري المغنطيسي. وحينما ثبت أن ذلك المفهوم غير قابل للتطبيق، دفع <پك> <تسلا> إلى العمل على تحسين محركات التيار المتناوب. وبدأ <تسلا>، بناء على تصوره في بوداپست، بتجريب تيارات متناوبة متعددة في المحرك. ولم يكن هذا نهجا مألوفا، إذ إن معظم المجربين المعاصرين لـ<تسلا> استخدموا تيارا متناوبا واحدا في نظمهم. وبحلول الشهر9/1887، اكتشف <تسلا> أنه يستطيع توليد حقل مغنطيسي دوار بتغذية تيارين متناوبين في وشيعتين توضعان في جانبين متقابلين من الجزء الثابت [انظر الشكل في هذه الصفحة]. وفي تعبير حديث، ثمة فرق طور مقداره 90 درجة بين التيارين، والمحرك يعمل بتيار ثنائي الطور. مبتهجا، تقدم <تسلا> بعدة طلبات لتسجيل اختراعه تضمنت تفاصيل مبدأ الحقل المغنطيسي الدوَّار. وقد أدخل في سجلات الاختراع تلك فكرة أن التيارات المتناوبة المتعددة يمكن أن تنقل الطاقة إلى مسافات شاسعة، وهي فكرة غدت على قدر من الأهمية فيما بعد.
«مدينة أضواء» في المعرض الكولومبي عام 1893 في سوق شيكاغو الموسمي العالمي، غُذيت بالطاقة من مولدات تيار متناوب استطاعتها 000 121حصان من تصميم <تسلا>. وخرج ال27 مليون زائر من السوق وهم على ثقة بأن طاقة التيار المتناوب هي مستقبل الكهرباء. |
وحينما اتضح أن لمحرك <تسلا> الذي يعمل بالتيار المتناوب مستقبلا واعدا حقا، بدأ داعماه بالتفكير بكيفية تعزيزه. وخطط <پك> و<براون> لبيع اختراع <تسلا> إلى من يدفع الثمن الأعلى بدلا من صنع المحركات. وتحقيقا لتلك الغاية، رتبا ل<تسلا> أن يحاضر أمام الهيئة الأمريكية لمهندسي الكهرباء في الشهر 5/1888. وقد لقي حديث <تسلا> تغطية واسعة في مجلات الكهرباء، وحظي سريعا باهتمام <C.وستنگهاوس>، الذي جنى ثروة طائلة من صنع المكابح الهوائية ونظم إشارات السكك الحديدية. وفي ذلك الوقت، كانت شركات الإضاءة الكهربائية تنظر في التحول من التيار المستمر إلى التيار المتناوب، لأنه يمكن نقل التيار المتناوب إلى مسافات أبعد ومن ثم جعله يصل إلى مزيد من الزبائن. وفي حين أن <إديسون> ركز على تقانة التيار المستمر، راهن <وستنگهاوس> على التيار المتناوب، وبذا استطاع <پك>و<براون> إقناعه بدفع ثمن سخي مقابل اختراعات<تسلا>.وفي الشهر 7/1888 قدم <وستنگهاوس> إلى المجموعة 000 25 دولار نقدا و000 50 دولار أوراقا مالية، إضافة إلى حق انتفاع مقداره 2.5 دولار لكل حصان استطاعة(3) في كل محرك يُنتج. وأعطى <تسلا> بسخاء لداعميه خمسة أتساع العوائد واحتفظ بالباقي لنفسه.
مولدات كهرمائية لتوليد طاقة تيار متناوب ثلاثي الطور بناها مهندسو <وستنگهاوس> على شلالات نياگارا بنيويورك عام 1896. في البداية، نقلوا الكهرباء مسافة 25 ميلا فقط إلى بفالو بنيويورك، لكن بعد بضع سنوات، جعلت خطوط الطاقة التي وصلت إلى مدينة نيويورك، منطقة برودواي تلتهب بالأنوار. |
وأمل <وستنگهاوس> استخدامَ محرك <تسلا> لتسيير السيارات، لذا ذهب <تسلا> إلى بتسبور لمواءمة تصميمه مع هذا التطبيق. لكن <تسلا> ومهندسي <وستنگهاوس> وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي. فنظرا لاحتياج المحرك إلى تيارين متناوبين وإلى أربعة أسلاك، لم يكن الأمر مجرد وضعه ضمن نظم التيار المتناوب الوحيدة الطور الموجودة. إذ يجب تركيب أسلاك إضافية في الشبكة. ومع أن <تسلا> طوَّر عدة محركات ذات سلكين، فإن تلك التصاميم المسماة بتصاميم الطور المنفصل(4) عملت على الوجه الأفضل بتيارات ترددها يساوي 50 دورة cycle أو أقل. لكن في ذلك الوقت، كانت نظم <وستنگهاوس> الوحيدة الطور تستخدم تيارات ترددها يساوي 133 دورة كي تجعل الزبائن لا يرون وميض مصابيحهم الحرارية.
برق اصطناعي ينبثق من وشيعة <تسلا> في محطة المخترع التجريبية بكولورادو سبرينگز في عام 1899 أو 1900 (في الأعلى). وغالبا ما استخدم < تسلا>وشائع سلكية كبيرة، بعضها ملفوف على إطار يتوضع حول المختبر، بغية الحصول على هذه المفاعيل المثيرة. في الصورة اليمنى (التي التقطت في مختبر مدينة نيويورك في عام 1898)، ينظر <تسلا> إلى حقول مغنطيسية شديدة تحرض تيارات كهربائية يساوي جهدها نحو مليون ڤلط في الوشيعة الأمامية. |
وفي نهاية المطاف، تمكّن مهندسو <وستنگهاوس> من حل تلك المشكلات وذلك بتعديل محرك <تسلا> وبتطوير نظام تيار متناوب جديد ثلاثي الأطوار يعمل بتردد يساوي 60 دورة. وفي عام 1895، استعرض <وستنگهاوس> هذه التقانة الجديدة بطريقة مثيرة وذلك حين بنى محطة كهرمائية على شلالات نياگارا، وهي محطة أرسلت فيما بعد الطاقة لمسافة 25 ميلا إلى المصانع في بفالو. وهكذا شكّل محرك تسلا ذو التيار المتناوب ونظم التيار المتناوب المتعددة الأطوار، الأساس لنظم توزيع الطاقة في أمريكا الشمالية القائمة حاليا. [انظر الشكل السفلي في الصفحة 13].
لكن، وقبل وضع محطة نياگارا في الخدمة بمدة طويلة، تملك الضجر <تسلا>، فترك <وستنگهاوس>. فقد اخترع محرك التيار المتناوب المثالي لكنه لم يكن مهتما بوضع تفاصيل اختراعه.
واعتمادا على عوائده من اختراعه، أسس <تسلا> عام 1889 مختبرا جديدا بمدينة نيويورك. وبغية جذب انتباه العموم والمستثمرين الجدد، تقمص صورة عبقري غريب الأطوار. وتماما كما أشهر الصحفيون إنجازات <إديسون> في منلو بارك في سبعينات القرن التاسع عشر، فقد تقاطروا إلى مختبر <تسلا> في التسعينات لنشر اكتشافاته العظيمة وتصريحاته المثيرة [انظر الشكل الأيمن في الصفحة المقابلة].
باحثا عن طريقة لتوليد ضوء قوس كهربائية للاستخدام في شبكات التيار المتناوب، وجد <تسلا> فكرة جوهرية جديدة ليركز عليها، وهي ظاهرة الكهرباء ذات الترددات العالية. فقد تساءل: إذا كان من الممكن صنع محرك عملي باستخدام تيار متناوب تردده 60 دورة، فماذا يمكن أن يُفعل بتيار تردده 000 10 دورة في الثانية؟ وبينما كان <تسلا> يجمِّع وشائع تحريض مغنطيسية ومقاومات ومكثفات معا لتحقيق محركاته ذات الأطوار المنفصلة، كان يُوصل وشائع التحريض والمكثفات في تركيب جديد بغية إنتاج تيارات ذات ترددات عالية.
لقد كان <تسلا> يعتقد أن إشاراته وصلت إلى المريخ وأنه تسلم
ردودا على إشاراته هذه من المريخيين.
واستقصى <تسلا> هذا المفهوم العظيم طوال الخمسة عشر عاما التالية. فبتشبيه المكثف بصهريج تخزين، ووشيعة التحريض بنابض حلزوني، أدرك <تسلا> أنه يمكن لدارة مشكلة تشكيلا ملائما أن تضخم الإشارات الكهربائية وأن ترفع قيم تردداتها وجهودها إلى قيم عالية. وبناء على هذه الرؤية، صمم <تسلا> «مرسلات تكبير»(5) ضخمة، تسمى حاليا وشائع <تسلا>، تولد شررا يزيد طوله على 135 قدما [انظر الشكل الأيسر في الصفحة المقابلة]. وفيما بعد أدرك <تسلا> أن الطنين resonance يُمكّن من توليف إشارات الراديو. فتزويد المرسل بسعة وتحريض معينين يجعله يولد إشارات بالتردد المرغوب فيه. وعلى نحو مشابه، يسمح تزويد دارة استقبال بنفس السعة والتحريض بالاستجابة إلى إشارات أُرسلت بذاك التردد الأصلي.
في عام 1898، كشف <تسلا> النقاب عن زورق يُتحكم فيه راديويا. وفي السنة التالية، استعرض <تسلا> أمام نادي شيكاغو التجاري قدرته على تسيير زورق (المنظر من الأعلى) من دون أن يلمسه، جاعلا إياه يدور ويتسارع، وأضواءه تومض، في أي وقت يرسل إشارات إليه. ينظر بعض الخبراء إلى دارات الزورق الكهربائية على أنها سلف الدارة المنطقية AND المستخدمة في الحواسيب الحديثة. |
واعتمادا على الفكرة الجوهرية للطنين الكهربائي، تابع <تسلا> في الوقت نفسه اختراعات في الإضاءة والاتصالات اللاسلكية وتوزيع الطاقة اللاسلكي. وآملا تطويرَ مصباح ترددات عالية ليحل محل مصباح <إديسون> الحراري، لم يُنتج المخترع اللامع مصابيح الفلوريسانت الأولية فحسب، بل لاحظ أيضا أن الصمام المخلَّى من الهواء يستطيع كشف الموجات الراديوية؛ لكن <تسلا> لم يتابع تطوير ما لاحظه، فكان أن طوَّر <A.J.فلمينگ> و<L.دو فورست> صماماتهما الراديوية radio tubes.
وبعد أن أكمل <تسلا> تحسين الدارات اللازمة لإرسال الموجات الراديوية واستقبالها، قام باختبارها باستخدام هوائيات معلقة ببالونات حلقت فوق مختبره الموجود في مركز المدينة وفندقه الموجود في مانهاتن. لكن، وما كاد يحصل على نتائج واعدة، حتى دمر حريق مختبره في الشهر 3/1895، فضاعت أجهزة مختبره وأوراق أبحاثه.
بث الطاقة عالميا(*****)
في ربيع عام 1899، أغلق <تسلا> مختبره بنيويورك الذي أعيد بناؤه، وبنى منشأة على سفح پايكس پيك عند كولورادو سبرينگز بكولورادو. وهناك عالج المخترع ما اعتقد أنه سوف يكون التطبيق الأكثر أهمية للموجات الكهرمغنطيسية، وهو البث اللاسلكي للطاقة حول العالم. في تلك الفترة، بدا الأمر وكأن أمريكا برمتها ستكون مرتبطة سلكيا. وبدا أن الطلب على الكهرباء لا يمكن إشباعه، لذا حلم <تسلا> بالتفوق على شبكات الخطوط الأرضية المزدهرة، وذلك بتوزيع كل من الطاقة والرسائل من دون أسلاك.
لقد قام أحدث حلم ل<تسلا> على الطنين الكهربائي. فعلى غرار الباحثين الأوائل في اللاسلكي، نظر تسلا إلى العلاقة بين المرسل والمستقبل على أنها ذات وجهين. أولا، يرسل المرسل موجات راديوية عبر الهواء إلى المستقبل. ثم، ونظرا لكون كلا الجهازين موصولين بالأرض، يمر تيار عودي return current عبر الأرض من المستقبل إلى المرسل. لكن وخلافا للآخرين الذين ركزوا على إرسال الموجات الراديوية جوا، قرر<تسلا> التركيز على التيار المار عبر الأرض. وفكر: لماذا لا نجعل المرسل يرسل الموجات عبر الأرض إلى المستقبل، ثم نستخدم الجو دارة عودية؟ وتخيل <تسلا> أنه يجب أن يكون من الممكن لمحطة إرسال ضخ طاقة كهرمغنطيسية في قشرة الأرض إلى أن يتم الوصول إلى تردد الطنين الكهربائي للكرة الأرضية. عندئذ، وحينما ينبض العالم كله بالطاقة، يمكن قبسها tapped بوساطة محطات الاستقبال المنتشرة في أرجاء العالم. وجمّع <تسلا> عدة مرسلات مضخمة كبيرة في كولورادو سبرينگز لاختبار هذه النظرية، وأقنع نفسه بأن هذه المرسلات بثت طاقة بنجاح حول العالم. (لقد اعتقد <تسلا> أيضا أن إشاراته وصلت إلى المريخ وأنه استقبل رسالة جوابية من المريخيين!).
<M.تواين> [<S.كلمنز>] يستعرض النقل اللاسلكي للطاقة. لقد حرضت وشيعة طنانة كبيرة (لا تظهر في الصورة) تيارا عالي الجهد في الحلقة السلكية التي يحملها. ومر التيار في جسد <تواين> دون أن يؤذيه في الوقت الذي جعل مصباحا كهربائيا حراريا يتوهج. يُرى <تسلا> (في أقصى يسار الصورة) وهو يُشغل أدوات التحكم في الجهاز. |
عاد تسلا إلى مدينة نيويورك عام 1900 وهو مقتنع بأنه يمكن إرسال الطاقة حول العالم تحت الأرض. وكان على درجة من اليقين بالنجاح جعلته يحجز غرفا في الفندق Waldorf-Astoria الفخم. وكتب <تسلا>حينئذ رسالة مكوَّنة من 60 صفحة للمجلة Century عنوانها «مسألة زيادة طاقة الإنسان The Problem ofIncreasing Human Energy». وأثمرت جهوده الدعائية. ففي عام 1901، استثمر الثري <P.J.مورگان> 000 150 دولار في مشروع <تسلا> للطاقة اللاسلكية. وقد أنفق <تسلا> سريعا هذه السلفة ولم يقتصد في النفقة على تجهيز مختبر جديد على الشاطئ الشمالي للونگ آيلاند. وعلى الرغم من رفض <مورگان> تقديم مزيد من المال وإخفاق <تسلا> في الوصول إلى نتائج تقنية إيجابية، فقد بنى المخترع برجا هوائيا antenna tower ارتفاعه 1877 قدما في ووردنكلف [انظر الشكل في الصفحة المقابلة]. وحتى صلات <تسلا> بنخبة نيويورك الغنية، لم تسعفه في الحصول على المال اللازم لإكمال مشروعه، الأمر الذي جعله يعاني انهيارا عصبيا.
وبعد شفاء <تسلا> جزئيا، أمل الحصول على بعض التمويل لمتابعة العمل في ووردنكلف، وذلك بتحويل جهوده الخلاقة من الهندسة الكهربائية إلى الهندسة الميكانيكية. وبإدراكه أن محطات توليد الطاقة الكهربائية تستعيض عن المحركات البخارية الثنائية الشوط القائمة على المكابس بالتوربينات البخارية الدوارة ذات الكفاءة العالية، بدأ <تسلا> باستقصاء تصميم جوهري لتوربين خال من الشفرات. وعلى غرار اختراعاته الأخرى، اعتمد التوربين الخالي من الشفرات على فكرة عظيمة. فتماما كما «جرَّ» الحقلُ المغنطيسي الدوَّار القلب الدوار في محرك التيار المتناوب، اعتقدَ <تسلا> أن من الممكن الحصول على جرٍّ بخاري steam drag حول سلسلة من الأقراص الرقيقة، المتقاربة التوضع والمثبتة في جذع محور التوربين، وذلك عن طريق قوى اللزوجة viscousforces، وهي قوى احتكاك تعتمد على سرعة تدفق سائل. وكان على توربين <تسلا> أن يعمل بسرعات تتجاوز000 10 دورة في الدقيقة؛ ولكن من سوء طالعه، كان هذا أسرع كثيرا مما تستطيع أقراص فولاذية رقيقة أن تتحمله.
<تسلا> في مكتبه بمدينة نيويورك في عام 1916. كثيرا ما اجتاز المخترع الشارع إلى بريانت پارك لإطعام الحمام هناك. وتمثل الرسوم خلف <تسلا> تصميمه للمحرك البخاري. |
ومع أن <تسلا> لم يستطع إقناع أحد بصنع توربينه الخالي من الشفرات، فقد استطاع تسجيل اختراع لعداد سرعة للسيارات يقوم على المبدأ نفسه، أي على استخدام قوى اللزوجة التي تُدوّر الأقراص المتقاربة التوضُّع. وخلال العقدين التاليين، عاش <تسلا> من عوائد حق اختراع عداد السرعة هذا. وكتب <تسلا> أثناء ذلك مقالات للمجلات الشعبية تنبأ فيها بمستقبل الكهرباء والراديو. لكن وتدريجيا، أصيب بالكآبة وأصبح في النهاية منعزلا متجولا، ينتقل من فندق إلى آخر حين استحقاق دفع قيمة فاتورته.
واحتفاء بعيد ميلاد <تسلا> الخامس والسبعين في عام 1931، نشرت المجلةTime قصة غلاف تحدَّث فيها المخترع باعتزاز عن إرسال إشارات إلى النجوم من «تلسكوبه»، أي من مرسله الراديوي الضخم. ومستمتعا بشهرته المستعادة، عقد <تسلا> مؤتمرات صحفية سنوية في عيد ميلاده هذا. وأثناء ذلك، كان <تسلا> يحذّر من أخطار حرب عالمية، وجادل بأنه لا يمكن درء كارثة نشوب حرب عالمية إلا بتطوير سلاح فائق يستطيع الحفاظ على توازن الرعب. أما الرادع المطلق، وفقا لادعائه، فهو مدفع أشعة أو جهاز حزمة جسيمات يستطيع توجيه مقادير هائلة من الطاقة إلى طائرات العدو وسفنه وجيوشه. وفي عام 1937، وبينما كان <تسلا> في إحدى نزهاته اليومية حول المدينة، صدمته سيارة أجرة، ولم يتعاف المخترع الشهير من الصدمة تماما، وتوفي في 8/1/1943.
برج ووردنكلف، وارتفاعه 187 قدما، يقع قرب مختبر <تسلا> الذي بناه عام 1901 فيما يُعرف اليوم بشورهام في لونگ آيلند. لقد قُصد من المنشأة أن تكون للاتصالات اللاسلكية والبث الراديوي عبر المحيط الأطلسي، إضافة إلى نقل الطاقة الكهربائية عالميا. |
لقد ترك <تسلا> تراثا مختلطا. فمن ناحية، اعتُرف بـ<تسلا> بوصفه أبا محرك التيار المتناوب، واعتُمدت ال«تسلا tesla» واحدة قياس دولية لكثافة سيالة الحقل المغنطيسي. ومن ناحية أخرى، جعلته نبوءاته المفعمة بالألوان القديس الراعي لجماعات يعتنقون عقائد روحية غير العقائد الروحية السائدة. وجادل أنصاره، الذين سحرتهم دعاوى <تسلا> كشف أسرار الكون الغامضة، بأن أفرادا من ذوي النفوذ، مثل <إديسون> و<مورگان>، تآمروا لمنعه من إيصال اختراعاته إلى الكمال، ومن ثم إحداث تغيير ثوري في العالم.
ولكن على الرغم من الادعاءات المبالغ فيها ونظريات التآمر، فقد قدَّم <تسلا> إسهامات هائلة إلى الهندسة. وكانت مقدرته على التركيز على المبادئ الجوهرية مكمن قوته العظمى، لكنها كانت نقطة ضعفه الكبرى أيضا. ففي معظم الأحيان، كان جمال مفاهيمه الأساسية يُسكِره إلى حد جعله غير راغب في الكشف عن التفاصيل العملية لاختراعاته.
المؤلف
W.Bernard Carlson
أستاذ مشارك للعلوم والتقانة والمجتمع بمدرسة الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة ڤرجينيا. حصل على الدكتوراه في تاريخ العلوم وعلم الاجتماع من جامعة بنسلڤانيا عام 1984، ودرس تاريخ الأعمال العامة بوصفه زميل دراسات ما بعد الدكتوراه في مدرسة هارڤارد للأعمال العامة وذلك من عام 1988 حتى عام 1989. وقد أنهى قبل مدة قصيرة مؤلّفة المكون من سبعة أجزاء بعنوان «التقانة في تاريخ العالم» Technology in World History الذي سوف تنشره دار النشر أكسفورد. وبدعم من مؤسسة A.P.Sloan، يستكمل كارلسون حاليا سيرة <تسلا> التي سوف تنشرها دار النشر پرنستون.
مراجع للاستزادة
My Inventions: The Autobiography of Nikola Tools. Edited by Ben Johnaton. (Originally published in Electrical Experimenter in 1919.) Reprinted by Hart Brothers, Williston, Vt„ 1982,
The Inventions, Researches, and Writings of Nikola Toole, Thomas Commerford Martin. (Originally published in 1893.) Reprinted by Barnes & Noble, 1995.
Prodigal Genius: The Life of Nikola Tools. John J. O’Neill, (Originally published by Ives Washburn, New York, 1944.) Reprinted by Keaein4er Publishing Company, 1996.
Wizard: The Life and Times of Nikola Teals. Marc J. Seifer. Birch Lane Press, L996,
The Tesla Collection, Vols, 1-23. Full-text periodical/newspaper bibliography, Edited by Iwona Vujavic, The Tools Project, 1998,
Tesla; Muter of ll6htnlny. Margaret Cheney and Robert Uth. Barnet & Noble, 1999.
Empires of Light: Edison, Toole, Westinghouse, and the Race to Electrify the World. Jill Jonnes, Random House, 2003.
Nikola Tesla Museum, Belgrade, Serbia: www.teala•muaeum.org
Tesla Werdenclyffe Project: www.teslascience.org/
Scientific American, March 2005
(*) INVENTOR OF DREAMS
(**) Overview/ Nikola Tesla
(***) Motor Visionary
(****)Rags to Riches
(*****) Broadcasting Power Globally
(1)محسن بالنسبة إلى محرك التيار المستمر.
(2)brush commutator (التحرير)
(3) horsepower
(4)split-phase designs
(5) magnifying transmiters