ألغاز الكتلة
ألغاز الكتلة(*)
يجدّ الفيزيائيون في البحث عن جسيم مراوغ يمكنه أن يكشف عن
وجود نوع جديد من الحقول (حقل هيگز) ينتشر في الوجود المادي كله.
فوجود هذا الحقل سيوفر فهمًا أكمل عن الكيفية التي يعمل بها الكون.
<G. كين>
يعتقد معظم الناس أنهم يعرفون ما هي الكتلة، لكنهم لا يدركون سوى جزء من الحكاية. فالفيل، على سبيل المثال، أكبر كثيرا من النملة حجما ووزنا. وحتى في غياب الثقالة، تبقى كتلة الفيل أكبر ـ فدفعه أو تحريكه أصعب. ومن الواضح أن الفيل أكبر كتلة لأنه مؤلف من عدد من الذرات أكبر كثيرا مما في النملة، ولكن ما الذي يحدد كتلة كل من الذرات المنفردة؟ وماذا عن الجسيمات الأولية التي تشكل الذرات ـ ما الذي يحدد كتلها؟ وبالفعل لماذا يكون لها كتلة أصلا؟
وهكذا نرى أن لمسألة الكتلة وجهين مستقلين. أولا، يلزم أن نعرف كيف تنشأ الكتلة أصلا. يبدو أن الكتلة تنتج من ثلاث آليات مختلفة على الأقل، وهي التي سوف أصفها فيما يلي. إن أحد العوامل الأساسية في النظريات التلمّسية (التجريبية) tentative theories للفيزيائيين حول الكتلة هو نوع جديد من الحقول ينتشر في الوجود المادي كله، يدعى حقل هيگز Higgs field. ويُعتقد أن كتل الجسيمات الأولية تأتي من التآثر مع حقل هيگز. فإذا كان حقل هيگز موجودا بالفعل فإن النظرية تتطلب أن يكون له جسيم مرفق به، هو بوزون هيگز Higgsboson. ويحاول العلماء حاليا، باستخدام مسرّعات الجسيمات particleaccelerators. العثور على هذا البوزون.
والوجه الثاني هو أن العلماء يريدون أن يعرفوا لماذا تمتلك مختلف أنواع الجسيمات الأولية مقادير كتلة خاصة بها تغطي مدى يبلغ 1110 ضعفا على الأقل، ولكننا مازلنا لا نعرف سببا لذلك [انظر الشكل في الصفحة 16]. وعلى سبيل المقارنة، فإن كتلة الفيل تفوق كتلة أصغر نملة بنحو 1011 ضعفا.
ما هي الكتلة؟(**)
قدم <إسحق نيوتن> أول تعريف علمي للكتلة في عام 1687 في مؤلفه الشهير «المبادئ» Principia: «إن كمية المادة هي قياس هذه الكمية الناشئة عن كثافتها وحجمها معا.» وكان ذلك التعريف الأساسي جدا كافيا تماما لـ<نيوتن> وللعلماء الآخرين لمدة تزيد على 200 سنة. لقد أدركوا أن العلم ينبغي أن يبدأ أولا بوصف كيفية سير الأمور، ثم بفهم السبب بعد ذلك. وفي السنوات الأخيرة، على أية حال، أصبح «سبب» الكتلة موضوع بحث في علم الفيزياء. فَفَهْم معنى الكتلة وأصولها سوف يكمل النموذج العياري Standard Model لفيزياء الجسيمات ويوسعه. هذا النموذج هو النظرية المعترف بها والتي تصف الجسيمات الأولية المعروفة وتآثراتها. كما أن هذا الفهم سوف يحل ألغازا مثل المادة الخفية التي تشكل نحو 25 في المئة من الكون.
إن أساس فهمنا الحديث للكتلة أعقد بكثير من تعريف <نيوتن>، وهو يستند إلى النموذج العياري. ففي قلب هذا النموذج توجد دالة رياضياتية تدعى «لاگرانجيان» Lagrangian هي التي تمثل كيف تتآثر الجسيمات المختلفة. ويستطيع الفيزيائيون انطلاقا من هذه الدالة، وباتباع القواعد المعروفة باسم النظرية الكمومية النسبوية(1)، أن يحسبوا سلوك الجسيمات الأولية، بما في ذلك كيفية تجمعها لتشكل جسيمات مركبة مثل الپروتونات. ونستطيع بعدئذ أن نحسب كيف تستجيب الجسيمات، الأولية منها والمركّبة، للقوى. فبالنسبة إلى قوة معينة F يمكن أن نكتب معادلة <نيوتن> على الصورة F = ma التي تربط بين القوة والكتلة والتسارع الناتج. وتفيدنا دالة لاگرانجيان في معرفة ماذا نستخدم من أجل m هنا، وهذا هو المقصود بكتلة الجسيم.
لكن الكتلة، كما نفهمها عادة، تظهر بوضوح في أكثر من مجرد العلاقة F =ma. فنظرية النسبية الخاصة لـ<آينشتاين>، على سبيل المثال، تتنبأ بأن الجسيمات المعدومة الكتلة تسير في الخلاء بسرعة الضوء وأن الجسيمات ذات الكتلة تسير أبطأ كثيرا من ذلك بصورة يمكن معها حساب سرعتها إذا عرفنا كتلتها. كما تتنبأ قوانين الثقالة بأن الثقالة تؤثر في الكتلة وفي الطاقة أيضا بصورة محددة تماما. والكمية m المستنتجة من دالة لاگرانجيان لكل جسيم تسلك سلوكا صحيحا وفق أي من هذه الطرق؛ تماما كما نتوقع بالنسبة إلى كتلة معينة.
إن للجسيمات الأساسية كتلا ذاتية تُعرف باسم الكتلة السكونية rest mass (أما تلك الجسيمات التي كتلها السكونية تساوي صفرا فتدعى جسيمات معدومة كتلة massless). وبالنسبة إلى الجسيمات المركّبة فإن الكتلة السكونية للمكوّنات، وكذلك طاقتها الحركية والطاقة الكامنة لتآثراتها تسهم جميعها في كتلة الجسيم الكلية. ذلك أن الطاقة والكتلة مرتبطتان حسب معادلة <آينشتاين> الشهيرة E = mc2 (الطاقة تساوي جداء الكتلة في مربع سرعة الضوء).
وكمثال على الطاقة التي تسهم في الكتلة ما يحدث في أكثر أنواع المادة انتشارا في الكون ـ الپروتونات والنيوترونات التي تشكل النوى الذرية في النجوم والكواكب والناس وفي كل ما نراه. تشكل هذه الجسيمات من 4 إلى 5 في المئة من الكتلة-الطاقة في الكون [انظر الإطار في الصفحة 17]. ويدلنا النموذج العياري على أن الپروتونات والنيوترونات مؤلفة من جسيمات أولية تدعى كواركات quarks، وهذه يرتبط بعضها ببعض بوساطة جسيمات معدومة الكتلة تدعى گلوونات gluons. وعلى الرغم من أن المكونات تدور وتلف داخل كل پروتون، فإننا نرى الپروتون من الخارج جسيما متسقا ذا كتلة ذاتية تُعطَى بوساطة حاصل جمع كتل وطاقات مكوناته.
كتلة الفيل الإفريقي الذَكر (نحو 6000 كيلوغرام) تفوق كتلة أصغر أنواع النمل (0.01 مليغرام) بأكثر من 1011 ضعفا، وهذا تقريبا هو الفرق نفسه بين الكوارك الذروي والنيوترينو. أما لماذا يجب على كتل الجسيمات أن يختلف بعضها عن بعض بمثل هذا القدر الكبير فيبقى لغزا. |
ويتيح لنا النموذج العياري أن نجد بالحساب أن الكتلة الكلية تقريبا للپروتونات والنيوترونات تأتي من الطاقة الحركية للكواركات والگلوونات المكونة لها (والباقي يأتي من الكتلة السكونية للكواركات). وهكذا فإن بين 4 و 5 في المئة من الكون كله ـ أي كل المادة المعروفة من حولنا تقريبا ـ تأتي من طاقة حركة الكواركات والگلوونات في الپروتونات والنيوترونات.
آلية هيگز(***)
إن الجسيمات الأولية فعلا ـ مثل الكواركات والإلكترونات، بخلاف الپروتونات والنيوترونات ـ ليست مؤلفة من أجزاء أصغر منها. وتفسير كيفية وجود كتلة لها يمسّ اللبّ من مسألة أصل الكتلة. وكما ذكرت آنفا، فإن التفسير الذي تقترحه الفيزياء النظرية المعاصرة يقضي بأن كتل الجسيمات الأولية تنشأ عن تآثرات مع حقل هيگز. ولكن لماذا يوجد حقل هيگز خلال الكون كله؟ ولماذا لا تساوي شدته الصفر أساسا على المستوى الكوني، شأنه في ذلك شأن الحقل الكهرمغنطيسي؟ وما هي حقيقة حقل هيگز؟
إن حقل هيگز هو حقل كمومي. قد يبدو هذا غامضا، لكن الحقيقة هي أن جميع الجسيمات الأولية تنشأ على شكل كمّات (كمومات) عن حقل كمومي مناظر. والحقل الكهرمغنطيسي هو أيضا حقل كمومي ( جسيمه الأولي المناظر هو الفوتون). وهكذا في هذا الخصوص، لا يشكل حقل هيگز لغزا أكثر مما تشكله الإلكترونات أو الضوء، لكنه يختلف، على أية حال، عن جميع الحقول الكمومية الأخرى بثلاث طرق حاسمة.
الاختلاف الأول تقني بعض الشيء. فلجميع الحقول خاصية تدعى سپينspin، وهي كمية ذاتية للاندفاع الزاوي angular momentum يحملها كل من جسيماتها. فجسيمات مثل الإلكترونات لها سپين مقداره 1|22، ومعظم الجسيمات المرفقة بقوة ما، مثل الفوتون، لها سپين 1. أما بوزونات هيگز (وهي جسيمات حقل هيگز) فلها سپين 0. ووجود هذا الأخير (سپين 0) يمكّن حقل هيگز من الظهور في دالة لاگرانجيان بطرق تختلف عنها بالنسبة إلى الجسيمات الأخرى، وهذا بدوره يتيح ـ ويؤدي إلى ـ خاصّتيه الأخريين المميزتين له.
لماذا ينتشر حقل هيگز في الكون كله؟ ما هو حقل هيگز؟
تفسر الخاصية الثانية الفريدة لحقل هيگز كيف أن شدته ليست صفرا في جميع أنحاء الكون، وتوضح سبب ذلك. فكل منظومة، بما في ذلك الكون، تهوي إلى حالة الطاقة الدنيا لها، مثل كرة تتدحرج نازلة إلى قاع الوادي. وبالنسبة إلى الحقول المألوفة، مثل الحقول الكهرمغنطيسية التي توفر لنا البث الإذاعي، تكون حالة الطاقة الدنيا هي تلك التي تكون فيها الحقول معدومة القيمة (أي حين تتلاشى الحقول) ـ إذا أدخل أي حقل غير معدوم فإن الطاقة المختزنة في الحقول تُزيد الطاقة الصافية للمنظومة. لكن طاقة الكون، في حالة حقل هيگز، تكون أقل إذا لم يكن الحقل معدوما بل كانت له قيمة ثابتة مختلفة عن الصفر. وبلغة التشبيه بالوادي مجازا يكون أسفل الوادي بالنسبة إلى الحقول العادية في الموضع الذي يكون فيه الحقل معدوما. أما بالنسبة إلى حقل هيگز فتكون للوادي هضبة صغيرة في مركزه (حيث ينعدم الحقل) وأخفض نقطة في الوادي تشكل دائرة حول الهضبة [انظر المؤطر في الصفحة المقابلة]. والكون، مثله مثل كرة، يستقر في مكان ما في هذا الخندق الدائري الذى يقابل قيمة غير معدومة للحقل. أي إن الكون، في حالته الطبيعية ذات الطاقة الأكثر انخفاضا، ينتشر فيه حقل هيگز غير معدوم.
نظرة إجمالية / فيزياء هيگز(****)
▪ تبدو الكتلة خاصية عادية من خصائص المادة ولكنها في الواقع غامضة بالنسبة إلى العلماء من عدة نواح: أولا كيف تكتسب الجسيمات الأولية كتلة، ثم لماذا يكون لها هذه الكتل؟
▪ سوف تساعد الأجوبة عن هذه الأسئلة النظريين على استكمال النموذج العياري لفيزياء الجسيمات وتوسيعه، هذا النموذج الذي يصف الفيزياء التي تحكم الكون. ويمكن للنموذج العياري الموسع أن يساعد أيضا على حل أحجية المادة الخفية التي تشكل نحو 25 في المئة من الكون. ▪ تقضي النظريات بأن الجسيمات الأولية تكتسب كتلة بوساطة التآثر مع حقل كمومي ينتشر في الوجود المادي كله. ويمكن للتجارب التي تجرى في مسرّعات الجسيمات أن تكشف قريبا الدليل المباشر على وجود هذا الحقل الذي يسمى حقل هيگز. |
والصفة الأخيرة المميزة لحقل هيگز هي شكل تآثراته مع الجسيمات الأخرى. فالجسيمات التي تتآثر مع حقل هيگز تسلك كما لو أن لها كتلة متناسبة مع حاصل ضرب شدة الحقل في شدة التآثر. وتنشأ الكتل عن حدود دالة لاگرانجيان التي تكون فيها الجسيمات متآثرة مع حقل هيگز.
لايزال فهمنا لكل هذا غير كامل على كل حال، ولسنا متأكدين من عدد أنواع حقول هيگز الموجودة. ومع أن النموذج العياري لا يتطلب سوى حقل هيگز واحد لتوليد كتل جميع الجسيمات الأولية، إلا أن الفيزيائيين يعلمون أنه ينبغي أن تحل محل النموذج العياري نظرية أكثر كمالا. والنظريات الرئيسية المنافسة، وهي امتدادات للنموذج العياري، تدعى النماذج العيارية الفائقة التماثلSupersymmetric Standard Models (واختصارا SSMs). يكون لكل جسيم من النموذج العياري في هذه النماذج ما يسمى بالقرين الفائق superpartner (لم يكتشف بعد) له خصائص مشابهة جدا(2). ويحتاج الأمر في النموذج العياري الفائق التماثل إلى نوعين مختلفين على الأقل من حقول هيگز. والتآثرات مع هذين الحقلين هي التي تعطي كتلة لجسيمات النموذج العياري. وهي تعطي كذلك بعض (ولكن ليس جميع) الكتلة للقرائن الفائقة. وتنشأ عن حقليْ هيگز خمسة أنواع من بوزونات هيگز: ثلاثة منها متعادلة كهربائيا واثنان مشحونان. ومن الممكن لكتل الجسيمات المدعوة نيوترينوهات neutrinos، وهي كتل صغيرة جدا مقارنة بكتل الجسيمات الأخرى، أن تنشأ بصورة غير مباشرة غالبا عن هذه التآثرات، أو عن نوع ثالث آخر من حقول هيگز.
توجد لدى النظريين عدة أسباب تجعلهم يتوقعون أن تكون صورة النموذج العياري الفائق التماثل SSM حول تآثر هيگز هي صورة صحيحة. أولا، من دون آلية هيگز، سيكون البوزونان WوZ ، وهما اللذان ينقلان القوة الضعيفة، معدومي الكتلة مثلهما مثل الفوتون (الذي يتعلقان به)، وسيكون التآثر الضعيف في مثل قوة التآثر الكهرمغنطيسي.
خصائص حقل هيگز المراوغ(*****)
كيف يولّد حقل هيگز الكتلة
انتشار في الوجود المادي الحقل العادي، مثل الحقل الكهرمغنطيسي، تكون طاقته الدنيا عند شدة الحقل المعدومة (في اليمين). والكون مثل كرة كانت تتدحرج ثم سكنت في قعر الوادي ـ أي إنه استقر عند شدة الحقل المعدومة. أما حقل هيگز، على العكس من ذلك، فله طاقة دنيا عند شدة حقل غير معدومة، و«الكرة» تسكن عند قيمة لا تساوي الصفر (في اليسار). وعلى هذا فالكون، في حالته الطاقية الدنيا الطبيعية، ينتشر في حقل هيگز الذي قيمته غير معدومة. التسبب في ظاهرتين يسبب التآثر نفسه ظاهرتين مختلفتين تماما ـ اكتساب الجسيم كتلة (في الأعلى) وإنتاج بوزون هيگز (في الأسفل). وسوف تكون لهذه الحقيقة فائدة عظمى في اختبار نظرية هيگز بوساطة التجارب.
التآثر مع جسيمات أخرى تمثل مخططات القوة المسماة «مخططات فينمان» Feynman diagramsكيفية تآثر جسيم هيگز مع جسيمات أخرى. ويمثل المخطط (a) جسيما مثل الكوارك أو الإلكترون وهو يُصدر أو يمتص جسيم هيگز (مرسوم). ويبين المخطط (b) العملية المناظرة بالنسبة إلى بوزون W أو Z. ويمكن للبوزونين W وZ أن يتآثرا كذلك آنيا مع جسيمي هيگز كما هو مبين في المخطط (c) الذي يمثل أيضا بعثرة W أو Z لجسيم هيگز (أو تصادمهما معه إن صح القول). إن التآثرات الممثلة بوساطة المخططات من (a) إلى (c) هي أيضا المسؤولة عن توليد كتل الجسيمات. فجسيم هيگز يتآثر كذلك مع نفسه كما هو ممثل في المخططين (d) و (e). ويمكن بناء عمليات أكثر تعقيدا بوساطة ربط نسخ من هذه المخططات الأولية بعضها ببعض. والتآثران الموضحان في المخططين (d) و (e) مسؤولان عن شكل المنحني البياني للطاقة [في الأعلى إلى اليمين].
|
وتبين النظرية أن آلية هيگز تمنح كتلة للبوزونين WوZ بطريقة خاصة جدا. وقد أُثبتت تجريبيا تنبؤات تلك المقاربة (مثل النسبة بين كتلتي W و Z).
ثانيا، لقد اختُبرت جميع أوجه النموذج العياري اختبارا جيدا، ومن العسير تغيير جزء من هذه النظرية المفصلة المتشابكة (مثل الهيگز) من دون أن يؤثر ذلك في بقيتها. فعلى سبيل المثال، قاد تحليل القياسات الدقيقة لخواص البوزونينW وZ إلى التنبؤ الصحيح بكتلة الكوارك الذروي top quark قبل إنتاج هذا الكوارك بصورة مباشرة، وسوف يفسد تغيير آلية هيگز ذلك التنبؤ وتنبؤات أخرى ناجحة.
تختلف كتل جسيمات النموذج العياري بعضها عن بعض بمقدار 1011 ضعفا على الأقل، ويُعتقد أن التآثرات مع حقل هيگز هي التي تولد هذه الكتل. ويرجح وجود خمسة من جسيمات هيگز على الأقل، ولكن كتلها غير معروفة؛ وقد أُشير إلى كتل هيگز الممكنة. |
ثالثا، تنجح آلية هيگز في النموذج العياري نجاحا تاما في إعطاء كتلة لجميع جسيمات النموذج العياري، وللبوزونين W وZ، وكذلك للكواركات واللپتونات leptons، في حين تفشل المقترحات البديلة عادة في ذلك. ثم إن النظرية SSM، بخلاف النظريات الأخرى، توفر إطارا لتوحيد فهمنا لقوى الطبيعة. وأخيرا فإن بإمكان النظرية SSM أن تفسر لماذا يكون «وادي» الطاقة الخاص بالكون بالشكل الذي تتطلبه آلية هيگز. ففي النموذج العياري الأساسي ينبغي وضع شكل الوادي كفرضية، أما في النظرية SSM فيمكن استنتاج ذلك الشكل بطريقة رياضياتية.
اختبار النظرية(******)
من الطبيعي أن يرغب الفيزيائيون في إجراء اختبارات مباشرة لفكرة أن الكتلة تنشأ عن التآثرات مع حقول هيگز المختلفة. وبإمكاننا اختبار ثلاث سمات دليلية. أولا، بإمكاننا البحث عن الجسيمات المميزة المدعوة بوزونات هيگز. فهذه الكمّات quanta يجب أن تكون موجودة وإلا كان التفسير غير صحيح. ويبحث الفيزيائيون حاليا عن بوزونات هيگز في المصادم تيڤاترون Tevatron Collider بمختبر مسرّع فيرمي الوطني في باتاڤيا بولاية إيلينوي.
ثانيا، بمجرد أن تُكشف بوزونات هيگز يصبح بإمكاننا ملاحظة الكيفية التي تتآثر بها هذه البوزونات مع الجسيمات الأخرى. وحدود دالة لاگرانجيان التي تحدد كتل الجسيمات هي ذاتها التي تحدد أيضا خصائص مثل هذه التآثرات. ولهذا يمكننا إجراء تجارب لاختبار وجود حدود ذلك النوع من التآثر كميا، ذلك أن شدة التآثر ترتبط بكتلة الجسيم ارتباطا فريدا.
ثالثا، تتضمن المجموعات المختلفة من حقول هيگز، كتلك الموجودة في النموذج العياري أو في النماذج SSM المتنوعة، مجموعات مختلفة من بوزونات هيگز ذات الخصائص المتباينة. ولذلك فإن بإمكان الاختبارات أن تميز بين هذه الخيارات أيضا. وكل ما نحتاج إليه لإجراء الاختبارات هو مصادمات جسيمات مناسبة ـ أي مصادمات ذات طاقة كافية لإنتاج بوزونات هيگز المختلفة، وذات شدة كافية لإنتاج عدد كاف منها، وكذلك مكاشيف جيدة لتحليل ما ينتج.
والمشكلة العملية في إجراء مثل هذه الاختبارات هي أننا لم نفهم بعد النظريات فهما جيدا يكفي لحساب الكتل التي ينبغي أن تكون لبوزونات هيگز نفسها، وهذا يجعل البحث عنها أكثر صعوبة لأن المرء عليه أن يتفحص سلسلة من الكتل. إن الجمع بين الاستدلال المنطقي النظري والبيانات التجريبية يمكن أن يرشدنا إلى الكتل التقريبية المتوقعة. كان المصادم الإلكتروني-الپوزيتروني الكبير (LEP) (3) في المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات CERN بالقرب من مدينة جنيڤ قد جرى تشغيله على مدى كتلي يشتمل، باحتمالية عالية، على بوزون هيگز. لكنه لم يجده ـ على الرغم من أنه كان ثمة دليل ختّار tantalizingعلى وجود بوزون عند حدود طاقة المصادم وشدته بالضبط ـ قبل أن يغلق عام 2000 مفسحا مكانه لبناء منشأة أحدث هي مصادم الهادرونات الكبير(4)(LHC) التابع لمختبر سيرن. وعلى هذا ينبغي أن تكون بوزونات هيگز أثقل بنحو 120 مرة من كتلة الپروتون. ومع ذلك تمكّن المصادم LEP من إعطاء دليل غير مباشر على وجود بوزون هيگز: فقد أجرت التجارب في المصادم LEP عددا من القياسات الدقيقة يمكن ضمها إلى قياسات مشابهة من التيڤاترون ومن المصادم في مركز المسرّع الخطي في ستانفورد. ولا تتفق مجموعة البيانات جميعها اتفاقا جيدا مع النظرية إلا إذا أُدخلت تآثرات معينة للجسيمات مع أخف بوزون من بوزونات هيگز، وإلا إذا لم يكن هذا البوزون أثقل بنحو 200 مرة من كتلة الپروتون. وهذا يوفر للباحثين حدا أعلى لكتلة بوزون هيگز مما يساعد على تركيز البحث.
تقييم كوني(*******)
تفسر نظرية حقل هيگز كيف تكتسب الجسيمات الأولية، وهي أصغر لبنات الكون، كتلها. لكن آلية هيگز ليست المصدر الوحيد للكتلة-الطاقة في الكون [تشير «الكتلة-الطاقة» إلى كل من الكتلة والطاقة المرتبطتين بعلاقة آينشتاين E = mc2].
يوجد نحو 70 في المئة من الكتلة-الطاقة في الكون على شكل ما يسمى بالطاقة الخفيةdark energy، والتي لا ترتبط مباشرة بالجسيمات. والمؤشر الرئيسي على وجود الطاقة الخفية هو أن تمدد الكون متسارع. وتعتبر الطبيعة الدقيقة للطاقة الخفية من أكثر المسائل العميقة التي لاتزال مفتوحة في الفيزياء(5). أما كتلة-طاقة الكون المتبقية والتي تشكل 30 في المئة فتأتي من المادة، من الجسيمات التي لها كتلة. وأكثر أنواع المادة شيوعا هي الپروتونات والنيوترونات والإلكترونات التي تشكل النجوم والكواكب والناس وكل ما نراه. وتوفر هذه الجسيمات نحو سدس مادة الكون أو نحو 4 إلى 5 في المئة من الكون كله. وكما هو مشروح في النص الرئيسي لهذه المقالة فإن معظم هذه الكتلة ينشأ عن طاقة حركة الكواركات والگلوونات الدائرة داخل الپروتونات والنيوترونات. ويأتي إسهامٌ أصغر في مادة الكون من الجسيمات المدعوة نيوترينوهات، والتي تضم ثلاثة أنواع. إن للنيوترينوهات كتلة إلا أنها صغيرة إلى حد مذهل، ولم يتم قياس الكتل المطلقة للنيوترينوهات بعد، لكن البيانات الموجودة تضع لها حدا أعلى ـ فهي أقل من نصف في المئة من الكون. وبقية المادة جميعها تقريبا ـ نحو 25 في المئة من مجمل كتلة-طاقة الكون ـ هي مادة لا نراها، تدعى المادة الخفية. ونستنتج وجودها من آثارها التثاقلية على ما نراه. ولا نعرف بعد ما هي هذه المادة الخفية بالفعل، لكن هناك آراء جيدة مطروحة، والتجارب تجرى لاختبار مختلف الأفكار [انظر: «البحث عن المادة المعتمة»، مجلة العلوم، العددان 8/9(2003)، ص 50]. يجب أن تكون المادة الخفية مؤلفة من جسيمات كبيرة الكتلة لأنها تشكل تجمعات حجمها بحجم المجرة تحت تأثيرات قوة الثقالة. وهناك عدد من المبررات تجعلنا نستنتج أن المادة الخفية لا يمكن أن تكون مؤلفة من أي من جسيمات النموذج العياري المألوفة.
والجسيم الأول المرشح للمادة الخفية هو القرين الفائق الأخف [LSP] الذي جرى الحديث عنه بتفصيل أكبر في النص الرئيسي لهذه المقالة. ويأتي القرين الفائق الأخف في توسعات النموذج العياري المسماة النماذج العيارية الفائقة التماثل. ويعتقد أن كتلة الجسيم LSP تبلغ نحو 1000 ضعف من كتلة الپروتون. وكان قد تبين للنظريين أن الجسيمLSPهو مرشح جيد للمادة الخفية قبل أن يعرف الكوسمولوجيون أنه يلزم نوع جديد من المادة الأساسية لتفسير المادة الخفية.
|
وبالنسبة إلى السنوات القليلة المقبلة فإن المصادم الوحيد الذي يمكنه أن يعطي دليلا مباشرا على وجود بوزونات هيگز هو التيڤاترون. فطاقته تكفي لاكتشاف بوزون هيگز في المدى الكتلي الذي حدده الدليل غير المباشر من المصادم LEP، وذلك إذا تمكن من التوصل إلى الشدة الثابتة للحزمة التي كان يتوقع له أن ينتجها، والتي لم يمكن التوصل إليها حتى الآن. ومن المخطط له أن يبدأ المصادم LHC، والذي تفوق طاقته سبع مرات طاقة التيڤاترون والمصمم أن تكون شدته أكبر بكثير، بإعطاء البيانات عام 2007. سيكون هذا المصادم مَصْنعًا لبوزونات هيگز (بمعنى أنه سوف ينتج العديد من الجسيمات كل يوم). إذا افترضنا أن المصادم LHC سيعمل كما هو مخطط له، فإن جمع البيانات ذات الصلة وتعلُّم كيفية تفسيرها سيستغرق سنة أو اثنتين. أما إجراء كامل الاختبارات التي تبين بالتفصيل أن التآثرات مع حقول هيگز هي التي تسبب الكتلة فسوف يحتاج إلى مصادم إلكتروني-پوزيتروني إضافة إلى المصادمLHC (الذي يصادم الپروتونات) والتيڤاترون (الذي يصادم الپروتونات والپروتونات المضادة).
المادة الخفية(********)
لن تَخْتبر المكتَشَفات حول بوزونات هيگز ما إذا كانت آلية هيگز توفر الكتلة فحسب، وإنما سوف تشير أيضا إلى الطريقة التي يوسَّع بها النموذج العياري لكي يحل مسائل مثل منشأ المادة الخفية.
وفيما يتعلق بالمادة الخفية، فإن الجسيم الأساسي في النظرية SSM هو القرين الفائق الأخف lightest superpartner LSP. ومن بين القرائن الفائقة لجسيمات النموذج العياري المعروفة والتي تنبأت بها النظرية SSM فإن القرينLSP هو الجسيم ذو الكتلة الأخفض. وتتفكك معظم القرائن الفائقة في الوقت المعين إلى قرائن فائقة ذات كتل أقل، وتنتهي سلسلة التفككات بالجسيم LSPالمستقر لأنه ليس هناك جسيم أخف منه يتفكك إليه. (حين يتفكك قرين فائق فإن أحد نواتج التفكك على الأقل يجب أن يكون قرينا فائقا آخر؛ ولا ينبغي أن يتفكك إلى جسيمات النموذج العياري كليا). يجب أن تكون الجسيمات القرائن الفائقة قد وُجدت في وقت مبكر في الانفجار الأعظم لكنها سرعان ما تفككت إلى الجسيمات LSP. والجسيم LSP هو المرشح الرئيسي للمادة الخفية.
يمكن لبوزونات هيگز أن تؤثر مباشرة أيضا في كمية المادة الخفية في الكون. فنحن نعلم أن كمية الجسيمات LSP حاليا ينبغي أن تكون أقل من الكمية التي كانت موجودة بعد الانفجار الأعظم بقليل، لأن بعضها لا بد أن يكون قد تصادم وفَنِيَ متحولا إلى كواركات ولپتونات وفوتونات، وربما كانت الجسيمات LSP المتآثرة مع بوزونات هيگز هي المسيطرة على معدل الفناء.
وكما ذكرنا آنفا، فإن حقلي هيگز الأساسيين فى النماذج SSMيعطيانلجسيمات النموذج العياري كتلة، كما يعطيان بعض الكتلة للقرائن الفائقة مثلLSP. وتكتسب القرائن الفائقة مزيدا من الكتلة بوساطة التآثرات الإضافية التي يمكن أن تحدث مع حقول هيگز أخرى أو مع حقول مماثلة لحقول هيگز. ويوجد لدينا نماذج نظرية لكيفية حدوث هذه العمليات، ولكننا لن نتمكن من معرفة كيفية عملها بالتفصيل ما لم تكن لدينا بيانات حول القرائن الفائقة نفسها. ومن المتوقع الحصول على مثل هذه البيانات من المصادم LHCأو ربما حتى من التيڤاترون.
يمكن أيضا أن تنشأ كتل نيوترينو عن تآثرات مع حقول هيگز إضافية أو مع حقول تشبه حقول هيگز بطريقة مشوقة جدا. لقد افترض في الأصل أن النيوترينوهات معدومة الكتلة، لكن منذ عام 1979 تنبأ النظريون بأن لها كتلا صغيرة، وعلى مدى العقد الماضي أثبتت عدة تجارب مثيرة للإعجاب هذه التنبؤات [انظر: «حل مشكلة النيوترينو الشمسي»،مجلة العلوم، العددان 8/9(2003)، ص 40]. إن كتل النيوترينوهات أقل من جزء من المليون من كتلة أصغر الجسيمات كتلة وهي كتلة الإلكترون. ولما كانت النيوترينوهات متعادلة كهربائيا فإن الوصف النظري لكتلها أكثر حذاقة منه بالنسبة إلى الجسيمات المشحونة. فهناك عدة عمليات تسهم في كتلة كل من أنواع النيوترينو، ولأسباب فنية فإن قيمة الكتلة الفعلية تنشأ عن حل معادلة بدلا من مجرد جمع الحدود.
وهكذا نكون قد فهمنا الطرق الثلاث التي تنشأ بوساطتها الكتلة: يأتي الشكل الرئيسي المألوف لدينا للكتلة ـ كتلة الپروتونات والنيوترونات، ومن ثم الذرات ـ من حركة الكواركات المرتبطة بالپروتونات والنيوترونات. فكتلة الپروتون تبقى هي نفسها تقريبا حتى من دون حقل هيگز. أما كتل الكواركات نفسها وكتلة الإلكترون فهي ناشئة عن حقل هيگز. وهذه الكتل يمكن أن تنتفي من دون هذا الحقل. وأخيرا، وبالتأكيد ليس آخرا، فإن معظم مقدار كتل القرائن الفائقة، ومن ثم كتلة جسيم المادة الخفية (إذا كان بالفعل هو القرين الفائق الأخف) تأتي من تآثرات إضافية غير تآثر هيگز الأساسي.
لقد رصد المصادم الإلكتروني-الپوزيتروني الكبير دليلا ختّارا على وجود جسيم هيگز. |
وأخيرا لننظر في أمر يعرف باسم مسألة الأسرة (العائلة) family problem. فقد بيّن الفيزيائيون على مدى نصف القرن الماضي أن العالم الذي نراه، من الناس إلى الأزهار إلى النجوم، مبني من ستة جسيمات فقط: من ثلاثة جسيمات مادية (كواركات علوية وكواركات سفلية وإلكترونات) ومن كَمَّيْ قوة(6) (فوتونات وگلوونات) ومن بوزونات هيگز ـ وهذا وصف رائع وبسيط لدرجة مدهشة. إلا أن هناك إضافة إلى ذلك أربعة كواركات أخرى وجسيمين آخرين شبيهين بالإلكترون وثلاثة نيوترينوهات. وهذه جميعها ذات عمر قصير جدا أو أنها تتآثر بالكاد مع الجسيمات الستة الأخرى. ويمكن أن تصنف في ثلاث عائلات: علوي، سفلي، نيوترينو الإلكترون، الإلكترون؛ ثم: فاتن، غريب، نيوترينو الميون، الميون؛ وأخيرا: ذروي، قعري، نيوترينو التاو، تاو. وللجسيمات في كل عائلة تآثرات مماثلة لتلك التي للجسيمات في العائلات الأخرى. وهي تختلف فقط في أن تلك التي في العائلة الثانية تكون أثقل من تلك التي في العائلة الأولى، وتلك التي في العائلة الثالثة تكون بدورها أثقل. ونظرا لأن هذه الكتل تنشأ عن التآثر مع حقل هيگز فإنه ينبغي أن تكون للجسيمات تآثرات مختلفة مع هذا الحقل.
وعلى هذا فإن مسألة العائلة ذات شطرين: لماذا توجد ثلاث عائلات في حين أنه يبدو أن واحدة فقط تلزم لوصف العالم الذي نراه؟ ولماذا تختلف العائلات عن بعضها بالكتلة، ولماذا لها هذه الكتل؟ ربما لا يكون جليا لماذا يُدهش الفيزيائيون من أن الطبيعة تحتوي على ثلاث عائلات متماثلة تقريبا على الرغم من أن واحدة منها كافية. السبب في ذلك أننا نرغب في أن نفهم فهما كاملا قوانين الطبيعة والجسيمات والقوى الأساسية. ونتوقع أن يكون كل مظهر من مظاهر القوانين الأساسية ضروريا.
فالهدف إذًا هو أن تكون لدينا نظرية تنشأ فيها جميع الجسيمات ونسب كتلها بصورة محتومة من دون افتراضات مفترضة خصيصا حول قيم الكتل ومن دون تعديل الوسطاء. فإذا كان وجود ثلاث عائلات أمرا أساسيا فإن في هذا مؤشرا لايزال مغزاه غير مفهوم حتى الآن.
ربما يكون جسيم هيگز قد أُحدث حين تصادم پوزيترون وإلكترون عاليا الطاقة في المكشاف L3 بالمصادم الإلكتروني الپوزيتروني الكبير في المركز CERN. تمثل الخطوط مسارات الجسيمات. وتصور اللطخات الخضراء والأرجوانية والرسم البياني histogramm ذو اللون الذهبي مقادير الطاقة التي تودعها الجسيمات المتناثرة من التفاعل في طبقات المكشاف. ولا يستطيع الفيزيائيون أن يستنتجوا ما إذا كانت جسيمات هيگز موجودة في بعض التفاعلات أم أن جميع البيانات كانت ناتجة من تفاعلات أخرى حدثت لتخفي إشارة هيگز، إلا بعد ضم الكثير من مثل هذه الأحداث. |
ربط الأمور جميعها معا(*********)
بإمكان النموذج العياري والنظرية SSM أن يستوعبا البنية العائلية المرصودة ولكنهما لا يستطيعان تفسيرها. وهذه إفادة قوية. ليس الأمر في أن النظرية SSM لم تفسر بعد البنية العائلية وإنما في أنها لا تستطيع ذلك. وبالنسبة إلي، فإن أكثر ما يثير في نظرية الأوتار ليس فقط أنها يمكن أن توفر لنا نظرية كمومية لجميع القوى، وإنما كذلك لأنها يمكن أن تخبرنا عن ماهية الجسيمات الأولية والسبب في وجود ثلاث عائلات. وتبدو نظرية الأوتار قادرة على معالجة مسألة لماذا تختلف التآثرات مع حقل هيگز بين العائلات. ففي نظرية الأوتار يمكن أن توجد عائلات مكررة، ولكنها غير متطابقة. وتصف الاختلافاتِ بينها الخصائصُ التي لا تؤثر في القوى الشديدة والضعيفة والكهرمغنطيسية والثقالية، وإنما تؤثر في التآثرات مع حقول هيگز التي تتلاءم مع وجود ثلاث عائلات ذات كتل مختلفة. وعلى الرغم من أن نظريي الأوتار لم يحلوا بعد تماما مسألة وجود ثلاث عائلات فإنه يبدو أن النظرية تمتلك البنية الصحيحة لتوفير حل. تتيح نظرية الأوتار العديد من البنى العائلية وحتى الآن لا يعرف أحد لماذا تختار الطبيعة البنية التي نرصدها دون غيرها(7). ويمكن أن يوفر وجود بيانات عن كتل الكواركات واللپتونات وعن كتل أقرانها الفائقة دلائل مهمة تفيدنا في فهم نظرية الأوتار.
بإمكان المرء الآن أن يفهم لماذا استغرق الأمر تاريخيا كل هذا الوقت لنبدأ بفهم الكتلة. فمن دون فيزياء جسيمات النموذج العياري، ومن دون تطور نظرية الحقل الكمومية لوصف الجسيمات وتآثراتها، لم يكن بإمكان الفيزيائيين حتى أن يصوغوا الأسئلة الصحيحة. وفي حين أن أصول الكتلة وقيمها ليست بعد مفهومة تماما إلا أنه من المرجح أن الإطار اللازم لفهمها موجود. لم يكن فهم الكتلة ممكنا قبل وجود نظريات مثل النموذج العياري وامتداده الفائق التماثل ونظرية الأوتار. وليس من الواضح بعد ما إذا كانت ستوفر بالفعل الجواب الكامل. لكن الكتلة أصبحت الآن موضوع بحث روتيني في فيزياء الجسيمات.
المؤلف
Gordon Kane
متخصص في نظرية الجسيمات، وهو أستاذ الفيزياء في جامعة ميتشيگان بآن آربر. يعمل <كين> على اكتشاف طرق لاختبار النموذج العياري لفيزياء الجسيمات وتوسيعه. وبصورة خاصة يدرس فيزياء هيگز وتوسّعات النموذج العياري الفائقة التماثل والكوسمولوجيا، مع التركيز على الربط بين النظرية والتجربة. وقد أكد حديثا على ضم هذه الموضوعات مع نظرية الأوتار وعلى دراسة نتائج ذلك على تجارب المصادمات.
مراجع للاستزادة
The Particle Garden. Gordon Kane. Perseus Publishing, 1996.
The Little Book of the Big Bang: A Cosmic Primer. Craig J. Hogan. Copernicus Books, 1998.
Mass without Mass II: The Medium Is the Mass-age. Frank Wilczek in Physics Today, Vol. 53, No. 1, pages 13-14; January 2000.
Supersymmetry: Unveiling the Ultimate Laws of Nature. Gordon Kane. Perseus Publishing, 2001.
An excellent collection of particle physics Web sites is listed at
particleadventure.org/particleadventure/other/othersites.html
Scientific American, July 2005
(*) THE MYSTERIES OF MASS :العنوان الأصلي
(**) What is Mass?
(***) The Higgs Mechanism
(****) Overview / Higgs Physics
(*****) Properties of the Elusive Higgs
(******) Testing the Theory
(*******) A Cosmic Stocktaking
(********) Dark Matter
(*********) Tying It All Together
(1) relativistic quantum theory
(2) [انظر: “The Dawn of Physics beyond the Standard Model,” by Gordon Kane; Scientific American, June 2003].
(3) Large Electron-Positron Collider
(4) Large Hadron Collider
(5) [انظر: “A Cosmic Conundrum”, by Lawrence M. Krauss – Michael S. Turner; Scientific American, September 2004].
(7) [انظر: “The String Theory Landscape,” by Raphael Bousso and Joseph Polchinski; Scientific American, September 2004].