تسونامي : موجة تغيير
تسونامي : موجة تغيير(*)
في أعقاب النتائج الكارثية لأمواج المحيط الهندي التسونامية (1)
في الشهر 12/2004 ، صار العلماء ومراكز الرصد والتحذير أكثر أهبة واستعداد للتنبؤ بمثل هذه الأمواج الرهيبة .
<L.E .جيست > ـ < V.V. تيتوف > ـ < E.C.سينولاكيس >
في 26/12/2004 ، ضربت سلسلة من الأمواج المدمرة كافة شواطئ المحيط الهندي ، مسببة أكبر خسارة من أية موجة تسونامية سجلت حتى هذا التاريخ . دمرت الأمواج العاتية المدن والقرى ، وتسببت في قتل أكثر من 225000 نسمة خلال ساعات معدودة وخلفت علي الأقل مليونا من الناس من دون مأوي .
أكدت هذه الكارثة المفجعة الحقيقة المهمة : إنه بازدياد عدد السكان في المناطق الساحلية في جميع أنحاء العالم تشكل الأمواج التسونامية خطرا أكبر بكثير من ذي قبل . وفي الوقت نفسه كانت الموجة التسونامية هذه ، هي الأفضل توثيقا في التاريخ وكانت فاتحه لفرصة فريدة لنتعلم كيف نتجنب مثل هذه الكوارث في المستقبل . فمن تصوير المياه الموحلة المغرقة للفنادق علي شاطئ المنزلية إلي قياسات الأقمار الصنعية ( السواتل ) للأمواج المنتشرة علي امتداد المحيط المفتوح ، أمكن نتيجة لهذا التدفق الكبير من المعلومات إعادة صياغة ما يعرفه العلماء عن الموجة التسونامية بطرق متعددة .
لقد أدي جدار مائي ارتفاعه 30مترا بعد أن ضرب السواحل في الشهر 12/2004 إلي العمل علي إفراز محاكيات حاسوبية محسنة لسلوك موجة تسونامية . |
شيء واحد ، وهو المنشأ المحير للموجة التسونامية . التي اندلعت من مكان كان يعتقد أن تولُّد الأمواج العملاقة فيه قليل الاحتمال ـ قد أقنع الباحثين بتوسيع نطاق بحثهم ليتضمن مناطق خطرة محتملة . كما أمدتنا الأرصاد الجديدة بأول اختبار حاسم للمحاكاة الحاسوبية التي تتنبأ بأين سوف تضرب موجة تسونامية ومتي وكيف سيكون سلوكها علي الشواطئ والأكثر من ذلك أن هذه الحادثة كشفت بشكل استثنائي عن التعقيدات الدقيقة للهزة الأرضية وتأثيرها الكبير في حجم الموجة التسونامية وشكلها . وستعمل هذه النماذج التي تم تطويرها من هذه الاكتشافات ، إلي جانب أنظمة المراقبة والتحذير الجديدة ، علي المساعدة علي الحفاظ علي الأرواح .
قبل الحدث الكبير(**)
منذ فترة طويلة ، عرف الباحثون أن أسس تولد معظم الأمواج التسونامية الناجمة عن الهزات الأرضية سببها وجود مناطق فيها انزلاق لحافة صفحية ما للقشرة الأرضية تحت حافة صفحية أخري (2) هذه المناطق تميزها أخاديد ضخمة في قاع البحر ، وتتشكل مثل هذه المناطق حين تنغمس إحدى الصفائح التكتونية الخارجية للقشرة الأرضية تحت صفيحة أخري . تعمل قوي الجاذبية وحركة المادة اللزجة في عمق طبقة الدثار الأرضي علي تحريك الصفائح بشكل دائم متفادية إحداها الأخرى ، لكن الاحتكاك في القشرة السطحية الضحلة يعمل علي ربط بعضها ببعض مؤقتا . ونتيجة لذلك يتزايد الإجهاد عبر السطح البيني الواسع أو الصدع بين الصفحتين . وفي بعض الأحيان يفرغ هذا الإجهاد فجأة علي شكل هزة أرضية كبيرة . وتغوص الصفيحة السفلية أكثر نحو الأسفل ، دافعة الصفيحة العلوية بحركة خاطفة بعنف إلي أعلي ـ فتنطلق مياه البحر التي تعلوها للجريان بمحاذاتها من دون عوائق . إن حجم الموجة التسونامية الناجمة يعتمد علي مدي تحرك قاع البحر . وحالما تتولد الموجة التسونامية فإنها تنقسم إلي جزأين . الأول يتحرك بسرعة باتحاه اليابسة ، في حين يتجه الآخر باتجاه المحيط المفتوح .
في المحيط الهندي الشرقي ، بعيد عن الساحل الغربي لسومطرة ( أندونيسيا ) ، تنزلق حافة الصفيحة الهندية أسفل حافة الصفيحة الأوروآسيوية بمحاذاة منطقة سومطرة . وفي الماضي أنتجت الأجزاء الجنوبية لمنطقة الصدع هزات أرضية كبيرة ( قوتها 9علي مقياس ريختر ) ، كانت أخرها في عام 1833 . لقد وجد <K.سييه> وزملاؤه [ من معهد كاليفورنيا التقاني ] أن الشعب المرجانية ارتفعت نتيجة لهذه الأحداث . وكان الخبراء يترقبون حدوث هزة أخري كبيرة هناك .
وقد احتار هؤلاء الخبراء عندما تولدت الموجة التسونامية المسببة لحادثة الشهر 12/2004 في الجزء العلوي لهذه المنطقة فقط إلي الشمال الغربي من سومطرة ، حيث أوضحت التسجيلات السابقة حركة بطيئة جدا علي طول الصدع بعيدا عن الشاطئ ولذلك ، لم يتضح أنه كان بالإمكان أن يتزايد الإجهاد بشكل كاف لينتج مثل هذا الاهتزاز العنيف . ومع ذلك كشف التحليل الأخير أن هزة بقوة 9علي مقياس ريختر رفعت قاع البحر بامتداد 1200 كم بمقدار وصل إلي ثمانية أمتار في بعض المناطق ، محررة مساحة في منطقة الصدع تعادل مساحة ولاية كاليفورنيا ، ومزيحة بذلك مئات الكيلومترات المكعبة من ماء البحر فوق المستوي الطبيعي للبحر . ونتيجة لذلك يتوقع الباحثون الآن تهديدات إضافية محتملة لموجة تسونامية قرب ألاسكا وبورتوريكو ومناطق مشابهة في منطقة دخول حافة صفيحة تحت حافة صفيحة أخري (SubductionZones ) [ أنظر الإطار في الصفحة المقابلة ].
بدأت هزة سومطرة ـ أندامان عند الساعة 7.59 قبل الظهر بالتوقيت المحلي ، وأنذرت شبكات الاتصالات العالمية للمراكز الزلزالية مباشرة مركز التحذير الباسيفيكي للتسونامي في شاطئ أيوا بجزية هاواي كانو من الأوائل الذين علموا بالهزة الأرضية من خارج المنطقة فإنه لم يكن لديهم أية وسيلة لأثبات أن الموجة التسونامية المدمرة تتدفق علي امتداد المحيط الهندي حتى تلقيهم نشرة الأخبار الأولي عن استفحال الكارثة .
في المحيط الهادئ ( الباسيفيكي ) .، حيث تحدث 85في المئة من الأمواج التسونامية في العالم ، يمكن لأجهزة الاستشعار عن بعد (3) الموجودة هناك ، والتي تعرف بأجهزة قياس التسونامي ، أكتشاف أمواج تسونامية بعيدا عن الشاطئ وتحذير علماء المركز الباسيفيكي وأولئك العلماء في المركز الثاني في بالمر بولاية ألاسكا قبل أن تصطدم الأمواج باليابسة [ أنظر ” تسونامي ” مجلة العلوم , العددان 8/9 (1999) ص 4 ] ولكن هذه التقنية لم توجد في المحيط الهندي ، ولم توجد خطوط اتصالات لنقل التحذير إلي الناس علي الشاطئ . وعلي الرغم من أن الأمواج الأولي استغرقت نحو ساعتين أو أكثر للوصول إلي تايلند وسيريلانكا ومناطق أخري وضربها بقوة شديدة ، فإن الجميع تقريبا أصابتهم الدهشة .
نظرة إجمالية / تنبؤات مستقبلية(***)
· في أعقاب كارثة الشهر 12/2004 للتسونامي في المحيط الهندي ، أدي التدفق الهائل للمعلومات حول الحادثة إلي إعادة صقل فهمنا لمثل هذه الأمواج المرعبة .
· من المعلومات الجديدة ، تعلم العلماء كيف يقومون بتنبؤ أفضل عن البقاع التي يمكن أن تنتج موجة تسونامية وأين ستذهب هذه الموجة وإلي أي مدي ستطفو علي اليابسة .
· سوف تعمل النماذج الحاسوبية المطورة مع أنظمة التخدير والمراقبة الجديدة علي المساعدة علي إنقاذ الأرواح . |
في المحيط المفتوح (****)
ما حدث في ذلك اليوم من الشهر 12 غيًّر وإلي الأبد إدراك العالم مدي الضرر البالغ الذي يمكن أن تسببه الأمواج التسونامية ، أين يمكنها أن تضرب ، وكم هي كثيرة المجتمعات التي تفتقر إلي الحماية التامة . ومنذ ذلك الحين تدافعت مجموعات عالمية لتصحيح الوضع ( انظر الإطار في الصفحة 40 ) . وفي الوقت نفسه قام الباحثون بالفحص الدقيق للدلائل والمؤشرات التي خلفتها هذه الكارثة لتفعيل فهمهم عن كيفية نشوء موجة تسونامية وكيفية انتشارها وضربها الشواطئ بعدئذ ـ للقيام بتحذير أفضل عن حادثة قادمة .
خلال خمس عشرة سنة . طور الباحثون في اليابان والولايات المتحدة نماذج حاسوبية تحاكي انتشار الأمواج التسونامية خلال المحيط المفتوح . ومن ناحية أخري كان عند الباحثين من قبل قليل من الملاحظات للمقارنة بنظرياتهم . وتتطلب جميع النماذج الحاسوبية لانتشار الأمواج التسونامية متغيرين أساسيين للبدء بهما وهما تقدير موقع ومساحة قاع البحر المشوهة التي يعتمد الباحثون عليها لمعرفة قو الهز الأرضية ومركز الزلزال السطحي ، وقياس ارتفاع أو سعة الماء المزاح ويمكن استنتاج المتغير الأخير بكفاءة لزوم إجراء تنبؤات في الوقت الفعلي فقط وبعد عمل أرصاد مباشرة علي الأمواج التسونامية في المحيط المفتوح.
ولكن بالنسبة إلي الأمواج التسونامية الأساسية التي حدثت في الماضي ، فقد توافرت للعلماء القياسات التي سجلتها أجهزة قياس المد والجزر قرب المساحون من الدمار الذي يسببه الماء في اليابسة . والمشكلة الأساسية تكمن قرب الشاطئ حيث لا يظهر الحجم الفعلي للموجة التسونامية ، وذلك بسبب الأمواج الإضافية المتولدة من ارتدادات الأمواج التسونامية علي الحواجز البحرية أو الالتفاف حول الجزر أو حركة الماء دهابا وإيابا في الخليج ـ كل هذا يشكل مؤشرا بالغ التعقيد .
وبمحض المصادفة ، أعطت الأقمار الصنعية الثلاثية المخصصة لمراقبة الأرض علماء النمذجة قياسات لارتفاعات الأمواج الأصلية وغير المشوهة واللازمة من أجل نمذجة الموجة التسونامية في المحيط الهندي . وقد حدث أن كانت الأقمار الصنعية تدور فوق المنطقة من ساعتين إلي تسع ساعات بعد الهزة الأرضية ، أخدة القياسات الرادارية الأولي للأمواج التسونامية المنتشرة علي امتداد المحيط المفتوح ـ أن تدفق الماء بارتفاع نصف متر فقط في المحيط المفتوح يمكن أن يتحول فعلا إلي أمواج عاتية تسبب دمارا كبيرا علي اليابسة .
أيضا أعطت الأقمار الصنعية التي تدور حول الأرض بسرعة نحو 5.8كيلومتر بالثانية أول مقطع عرضي للتذبذبات في ارتفاعات الأمواج التسونامية بعد مراقبتها للأمواج بشكل مستمر علي طول مسارها وليس عن طريق إجراء القياسات في نقطة محددة فقط كما هي القياسات في نقطة محددة فقط كما هي الحال بالنسبة إلي أجهزة قياس المد والجزر . وكما تبين فإنا ارتفاعات الأمواج المقاسة بشكل جيد تمام ( انظر الإطار في الصفحة 38 ) محققة بذلك النظريات العامة حول كيفية تحرك الأمواج التسونامية عبر المحيط المفتوح ـ ومؤكدة أن النماذج المصاغة حاليا هي أدوات فعالة من أجل السلامة العامة حتى مع حدوث أكبر موجة تسونامية .
|
|
حدود الانتشار حول العالم (*******)
إن المنظور الشامل لتسونامي يعضد فعالية هذه النماذج من أجل التنبؤ . وحيث إن الموجة التسونامية تتحرك في عرض المحيط بسرعة مقاربة لسرعة الطائرة النفاثة ( نحو 500 إلي 1000 كيلو متر في الساعة ) ، فإن الموجة الأولي لها استغرقت أقل من ثلاث ساعات لتنتقل شرقا من سومطرة الشمالية وجزر أندامان إلي مانيمار ( بورما ) وتايلند وماليزيا ، وغربا إلي سيريلانكا والهند وجزر والمالديف . وبعد إحدى عشرة ساعة ضربت الشاطئ الإفريقي الجنوبي علي بعد 8000 كيلومتر ، وهي أبعد نقطة سجلت فيها حادثة وفاة واحدة من جراء موجة تسونامية .
ولكن الأمواج لم تتوقف هناك ، وفي الوقت نفسه الذي تصدرت فيه الكارثة الأخبار ، بدأ العلماء بأخذ التسجيلات من محطات قياس المد والجزر حول العالم . وفي مسارها باتجاه الغرب . انعطفت الموجة التسونامية حول الطرف الجنوبي لإفريقيا ، ثم انقسمت إلي قسمين عند انفصالها باتجاه الشمال في المحيط الأطلسي (4)القسم الأول اتجه نحو البرازيل والقسم الآخر اتجه نحو نوفاسكوتيا . وفي مسارها باتجاه الشرق ، تسارعت الموجة التسونامية خلال الفتحة بين استراليا والقارة القطبية الجنوبية وتوغلت في المحيط الهادئ إلي حد بعيد باتجاه الشمال حتى كندا . فمنذ ثوران بركان كراكاتو في عام 1883 لم تعرف أية موجة تسونامية من النوع الذي يقطع مثل هذا البعد وهذه المسافات .
عندما تم رسم المسار الكامل لموجة تسونامية علي الماكي الحاسوبي المتطور لإدارة المحيطات والأرصاد الجوية الوطنية ، والذي يدعي MOST ( اختصارا لطريقة انقسام تسونامي Method Of Splitting Tsunami ) ، تطابقت ارتفاعات الأمواج المحاكية بشكل تام مع القياسات عند محطات قياس المد والجزر المختلفة وأكثر من ذل ، ما كشفه النموذج عن كيفية تمكن الموجة التسونامية من الانتقال لهذه المسافة البعيدة . وأظهرت خريطة ارتفاعات الموجة المحاكية لحادثة المحيط الهندي أنها كانت الأعلي في منتصف المحيط علي امتداد السلاسل المرتفعة في قاعة هذه السلاسل المرتفعة ، التي تربط بين أحد الأحواض في المحيط والحوض المجاور ، تبدو وكأنها توجه طاقة الموجة أبعد عما يمكن مهما من أجل التنبؤ ، لأنه يمكن لخبراء النمذجة أن يخمنوا بشكل أفضل المكان الأكثر احتمالا لأن تذهب إليه الموجة الأقوى في طاقتها .
السكة الحديدية المفتوحة قرب مجمع سينكم في الساحل الجنوبي الغربي في سيريلانكا, حيث أخرجت موجة تسونامية في الشهر 12/2004 قطارا للركاب من ثماني عربات عن القضبان مسببة قتل نحو 1500 شخص . |
الآثار المباشرة للكارثة (********)
إن التحدي الأكبر هو التنبؤ بكيفية سلوك موجة تسونامية حالما تغمر الشاطئ . وكما يحدث دائما في الأمواج التسونامية ، فإن أمواج حادثة الشهر12 بتاطأت تدريجيا بدخولها المياه الضحلة . ومع استمرار تتابع وصول الأمواج إلي الشاطئ فإن المسافة بين قمم الأمواج ، والتي كانت تقدر بمئات الكيلومترات في المحيط المفتوح ، انخفضت إلي ما بين 15 و 20 كيلومترا . ولكن مع وجود الماء الجارف الذي ظل يدفع من الخلف ، فإن قمم الأمواج أخذت تعلو وتعلو أكثر حتى وصلت إلي ارتفاع أكثر من 30 مترا في مقاطعة أكية بسومطرة ، وهي أول منطقة تلقت الضربة .
باستمرار تحركها بسرعة في حدود 30 إلي 40 كيلومترا في الساعة ، فإن الأمواج اجتازت اليابسة لمسافة أكثر من أربعة كيلومترات في أجزاء من مدينة أكيه باندا ( انظر الإطار في الصفحة المقابلة ) . وانحسرت الأمواج بالعنف نفسنه ، حاملة ولمسافة بعيدة في البحر أي شيء أخذته في طريقها عندما كانت متجهة نحو اليابسة . ضربت الأمواج السواحل علي طول حافة الشاطئ المغمور بشكل استمر لساعات وخلال ثلاثين دقيقة أو أكثر بين تواتر القمم الموجية ، عاد لسوء الحظ عدد من الناس إلي السواحل ليتعرضوا لهجمات الأمواج المتلاحقة . إن محصلة الدمار الذي لحق بالبيئة الطبيعية كانت ضخمة جدا إلي الحد الذي مكن رواد الفضاء من مشاهدته ، كما كان الدمار أيضا متغيرا إلي حد كبير .
|
وكيف يمكن للنماذج التنبؤ بمثل هذه التغيرات بصورة واقعية مع الأخذ في الاعتبار العوامل الكثيرة المتضمنة ؟ حتى بداية التسعينات وبسبب التعقيدات الحاسوبية التي لم تجد حلا حينذاك . لدرجة أن أفضل المحاكيات الحاسوبية انتهت حساباتها عند حافة الماء أو بالكاد قرب الشاطئ . استخدم الباحثون الارتفاع الأخير لتقدير مدي الغمر علي اليابسة الذي يمكن لموجة تسونامية أن تقوم به . ولكن المسح الأولي الدقيق لكارثة التسونامي أثبت أن التخمينات كانت بعيدة عن الواقع تماما . أما بالنسبة إلي الموجة التسونامية التي ضربت ينكارغوا في عام 1992 فلقد أجري العلماء المرة الأولي القياسات الميدانية الشاملة للمقارنة بالقيم المتوقعة من النموذج . ولكن مستويات الفيضان الحقيقية كانت في بعض المناطق قد وصلت إلي عشرة أضعاف في العلو أكثر من القيم المتوقعة من النماذج .
ومن ثم نشأ نوع من التسابق بين خبراء النمذجة اليابانيين والأمريكيين ساعين لوصف الغمر بشكل أكثر دقة ، وذلك عن طريق حساب التطور الكامل لموجة تسونامية علي اليابسة . ومن خلال الجمع بين التجارب المختبرية علي مقياس واسع والقياسات الميدانية للأمواج التسونامية المتتابعة ، قام الباحثون بتدقيق نموذج TUSNAMH-N2 الياباني ونموذج U.S MOST الأمريكي حتى تمكنوا من مطابقة تشكيلات المناطق المغمورة لمعظم الأمواج التسونامية الماضية بشكل جيد ، وهذا يمكن تحقيقه مادامت البيانات ذات الدقة العالية المتعلقة بالمعالم الطوبوغرافية للساحل وعلي بعد من الشاطئ متوافرة . ومع ذلك ، لم يعلم الباحثون أن هذه النماذج صالحة للعمل في تحليل الأمواج التسونامية الأكبر . وكما تبين فلقد طابقت هذه النماذج فيضان المحيط الهندي بشكل أفضل مما كان متوقعا ، علي الرغم من النقص النسبي لمعالم طبيعة الأرض علي الشاطئ . لوحظ سريعا من عمليات المسح بعد الموجة التسونامية في أندونيسيا ومناطق أخري أن تنبؤات مدي عمق مياه الفيضان وحده لا يمكن أن تعطي التأثير الكامل لموجة تسونامية . وفي عدة أمكنة محلية من تايلند وسيريلانكا كان عمق موجة التسونامي علي الأرض أقل من 4.5 متر ومع ذلك كان الدمار يضاهي الدمار في أكيه ، حيث كان عمق الماء أكثر بنحو ستة أضعاف . والحقيقة المرة الأخري كانت في باندا أكيه ، حيث حطمت الأمواج المنشآت الخرسانية المسلحة ، كتله بعد أخري ، والتي من المحتمل أن تكون قد قاومت الهزات الناجمة عن الزلازل .
ولتحديد مقدار الحطام ، ابتكرا العالم <أحمد يالسنز> [ من جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة ، تركيا ] وواحد منا ( سينووليكس ) أنظمة جديدة بالمقياس المتري لتحديد الدمار ـ وهي أنظمة يستطيع أن يستخدمها مهندسو البحرية لتخمين قوة الأمواج التسونامية علي المنشآت . والتي تأخذ بعين الاعتبار التيارات القوية ، وهي أقوي في فيضانات الموجة التسونامية منها في تيارات المد والجزر العادية وأمواج العواصف .
|
مفاجآت مقلقة (***********)
اللغز العلمي الكبير القابل للناقشة والمتعلق بالموجة التسونامية في المحيط الهندي هو الهزة الأرضية نفسها . حتى قوة الهزة الأرضية لاتزال في طور النقاش والجدل مع بعض التقديرات التي توصل إلي درجة 9.3 علي مقياس ريختر . وعلي الرغم من أن هذه الهزة الزلزالية كانت الأكبر من هزة ألاسكا في عام 1964 ، فقد يكون ثمة تحد لوصف كيف يحدث صدع سومطرة ـ أندامان تلك الموجة التسونامية الضخمة .
وبأي معيار كان ، فقد اعتبرت هذه الهزة الأرضية معقدة بشكل هائل . وبالتحديد يكون انزلاق الصدع هو الأكبر قرب مصدره منذ البداية ، ومع ذلك في بعض الحالات يبدأ انكسار الصدع بالانزلاق بمعدلات صغيرة ، موحيا أ، الهزة الأرضية قد تكون صغيرة ، ثم يضرب الجزء الضعيف أو الجزء الشديد الإجهاد من الصدع والذي يجعله مخلخلا بشكل عنيف ، مسببا يذلك هزات أرضية وأمواج تسونامية أكبر ، وهذا ما حدث في الموجة التسونامية لعام2004. إن تحليل مثل هذه الحالات في الوقت المناسب يشكل تحديا كبيرا لعمل التحذير المفيد . وضعت نماذج التنبؤ بموجة تسونامية التابعة لإدارة المحيط والأرصاد الجوية الوطنية (NOAA )(5) في المحك من أجل هذه الأحداث المربكة . إن تحليل النموذج بالاعتماد عل المعلومات الزلزالية فقط يؤدي إلي تقدير أقل عشرات المرات أو أكثر لارتفاعات الموجة التسونامية في المحيط المفتوح . لكن بإضافة نتائج المقياس الأولي المباشر لارتفاع الموجة التسونامية ، والتي وصلت للعلماء من محطة قياس المد والجزر في جزيرة كوكوس بعد حدوث الهزة الأرضية بنحو ثلاث ساعات ونصف ، تحسنت النتاج بشكل كبير ولكن مازال هناك شيء غير معروف .
وبعد أيام علي حدوث الهزة الأرضية أشارت تحليلات الأمواج الزلزالية القوية إلي أن انكسار الصدع المبدئي تسرع باتجاه الشمال من سومطرة بسرعة 2.5 كيلومتر في الثانية . وحددت هذه التحليلات مساحات الانزلاق الأكبر ، ومن ثم تولد أكبر الأمواج التسونامية . وكانت المشكلة التي واجهت خبراء نمذجة الموجة التسونامية هي أن أيا من هذه الحلول الزلزالية لا يتضمن حركة الصدع الكلية بشكل كاف لكي تطابق أرصاد الأقمار الصنعية لارتفاعات الموجة في المحيط المفتوح أو الفيضان الخطير في باندا أكيه .
أتي مفتاح الحل الحاسم من المحطات الأرضية التي تستخدم نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)(6) لتتبع التحركات الأرضية الأكثر بطئا مما تنتجه الأمواج الزلزالية . كسفت هذه القياسات أن الصدع استمر بالانزلاق ، ولو بشكل بطئ ، بعد أن توقف عن إصدار الطاقة الزلزالية . وعلي الرغم من ذلك فإن هناك حدا لمدي بطء انزلاق الصدع واستمرارية توليده لموجة تسونامية . ومن المرجح كثيرا أن هذه الظاهرة التي لا يلتفت إليها في الغالب ، وتدعي ظاهرة ما بعد الانزلاق ، يعزي إليها ارتفاعا الموجة التسونامية المفاجئة . إذا كان الأمر كذلك يمكن أن يشكل العنصر المهم لأنظمة التحذير من الموجة التسونامية في المستقبل .
تضرب أو تخطئ (************)
من الواضح أن عوالم معينة في أية هزة أرضية تؤثر ضمن حدود مخيفة في الأمواج التسونامية . ومما يؤكد هذه النقطة أن كوكب الأرض أنت اهتزازا هائلا علي امتداد الصدع نفسه في 28/3/2005 . وحدث الانكسار المبدئي علي مسافة مساوية من الشاطئ سومطرة ، ويفترض أنه علي العمق نفسه تحت أرض البحر مثلما حدث في هزة الشهر 12/2004 وكلتا الهزتين كانت ضمن أقوي هزات أرضية مسجلة من عام 1900، ومازالتا تولدان أمواجا تسونامية مختلفة بصورة اساسية .
وبمشاهدتهم ظهور هزة الشهر 3/2005 بشكل فجائي علي شاشاتهم الحاسوبية ، بمقدار 8.7 علي مقياس ريختر ، توقع العلماء في مركز التحذير الباسيفيكي للتسونامي وأمكنة أخري حدوث الأسوأ . وبالفعل حدث دمار شديد الخطورة من اهتزاز الأرض العنيف ولكن بدون تقارير فورية عن الدمار الناتج من موجة تسونامية وعندما مسح الفريق العالمي [ بمن فيهم واحد منا ( تبتوف)] المنطقة بعد نحو أسبوعين ، وجدوا أن ارتفاعات الموجة التسونامية وصلت أربعة أمتار ، ولا تزال في جوهرها ميتة . وذكر بعض الأندونيسيين أنهم تعلموا من خبرتهم الأولية وركضوا باتجاه اليابسة بعيد عن الساحل عندما اهتزت الأرض . وكان الإخلاص الأفضل هو السبب الوحيد في التخفيف عن الخسائر البشرية في تسونامي الشهر 3.
أوحي تحليل الهزات الارتدادية في هزة الشهر 12/2004 للباحث < A.نيومان > [ من معهد جورجيا التقاني ] وللباحثة <S.بليك > [ من معهد مكسيكو التقاني للمناجم ] أن الصدع قد انزاح قرب الأخدود العميق في ذلك الوقت ، وهكذا كان واقعا تحت مياه أكثر عمقا من الجزء الرئيسي لصدع الذي انزلق في الشهر3/2005. ولذلك كانت للموجة التسونامية في الشهر 12/2004 فرصة أكبر لتزداد ارتفاعا خلال انتقالها من المياه العميقة إلي الشاطئ . إضافة إلي ذلك ، وبشكل مخالف لتسونامي الشهر 12/2004 فإن حركة الصدع في الشهر 3/2005 حدثت تحت جزر نياس وسيمولو ، وبذلك حدت من كمية الماء التي كان يمكن أن تزيحها القشرة الأرضية عند ارتفاعها .
وأدي الفرق البسيط في ميل الصدع إلي تقدم أمواج تسونامية بوجه عام في اتجاهين مختلفين . فبالنسبة إلي هزة الشهر 3/2005، ضربت الأمواج المتجهة شرقا جزيرة سومطرة ، التي أعاقت كيرا من طاقة الموجة في التحرك باتجاه تايلند وماليزيا . واندفعت الأمواج المتجهة غربا إلي المحيط المفتوح إلي الجنوب الغربي متجاوزة بشكل كبير سيريلانكا والهند وجزر المالديف ، التي عانت كلها بشكل مرعب في الشهر 12/2004 . هذه الأمثلة توضح الأهمية الخطيرة لما يمكن أن تفعله تغيرات صغيرة في موقع الهزة الأرضية .
علي الرغم مما يتبقى من شكوك علمية قد تظل علي الدوام محيطة بمثل هذه الظاهرة المعقدة ، فإن علم تسونامي الجديد أصبح جاهزا للتطبيق. والتحدي الأكبر لإنقاذ الأرواح هو تطبيق المنجزات العلمية في عمليات التعليم والتخطيط والتحذير المناسبة .
المؤلفون
Eric L . Gest – Vasily V.Titov – Synolakis
يمثلون تنوعا من الخبرات لدراسة الأمواج التسونامية . جيست باحث جيوفيزيائي من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في متنزه منلو بكاليفورنيا . وقد استخدم المحاكيات الحاسوبية لدراسة كيفة تأثير التعقيدات المتأصلة بمناطق تداخل الصفائح في نشوء موجة تسونامية . وطور تيتوف في إدارة المحيطات والأرصاد الجوية الوطنية ( NOAA) النموذج الحاسوبي الرئيسي للتنبؤ بالأمواج التسونامية . وهو أحد أكبر خبراء النمذجة لوكالة برنامج البحث عن تسونامي في سياتل ، كما أنه أستاذ مساعد في جامعة واشنطن . وأما سينولاكيس فيقوم بإدارة مركز التسونامي لجامعة كاليفورنيا الجنوبية ، وهو الذي أسس هذا المركز في عام 1995 . ويتضمن عمله حاليا المسح الميداني لدمار التسونامي والنماذج المتختبرية علي مقياس واسع لأمواج تسونامية ومحاكيات حاسوبية للطوفان علي طول السواحل المعرضة لتسونامي ، بما في ذلك سواحل كاليفورنيا .
مراجع للاستزادة
Furious earth: The Science and Nature of Earthwuakes, Volcanoes, and Tsunamis.
Ellen J. McGraw-Hill, 2000.
A companion article on land use and tsunamism called”Echoes for the past,” is avaliable atwww.sciam.com
National Oceanic and Atmospheric Administration tsunami pages: www.tsunami.noaa.gov/
Universtiy od Southern California Tusnami Research Center:
http://cwis.usc.edu/dept/tsunamis/2005/index.php
U.S. Geilogical Survey Tsunami and Earthwuake research: http://walurs.wr.usgs.gov/tsunami/
(*)TSUNAMIN: WAVE OF CHANGE
(**)Before The Big One
(***) Overview / Future Forecasts
(****)In The Open Ocean
(*****)Rethinking Tsunami Origins
(******)Predicting Tsunami Behavior
(*******)Global Reach
(********)Immediate Aftermath
(*********)Warning For The Future
(**********)Shocking Differences
(***********)Shaking Surprises
(************)Hit or Miss
(1)انظر ” تهديدات الزلازل الصامتة ” العلوم . العددان 6/7 (2004) ص 42 .
(2) Subduction Zones
(3) Remote sensors
(4) أنظر : ” أمواج تسونامية : أخطار في المحيط الأطلسي وفي البحر الأبيض المتوسط ” . العلوم ، العددان 1/2 (2005) ص 2.
(5) National Oceanic and Atmospheric Administration
(6) Global Positioning Systems