هل يمكن القضاء على الفقر المدقع؟
هل يمكن القضاء على الفقر المدقع؟(*)
تعمل اقتصادات السوق والعولمة على انتشال معظم البشر من حالة
الفقر المدقع، إلا أن هناك بعض المعايير اللازمة لمساعدة أفقر الفقراء.
<D.J.ساش>
لقد عانى تقريبا كل من عاش في الماضي من الفقر الشديد. فقد كانت المجاعات ووفاة المواليد والأمراض المعدية ومخاطر أخرى لا حصر لها عبارة عن قاعدة عامة عبر معظم فترات التاريخ. ولكن الأزمة الرهيبة التي يواجهها البشر قد بدأت بالتغيير مع الثورة الصناعية التي بدأت نحو عام 1750. لقد ساعدت قريحة العلماء والابتكارات التقانية الحديثة عددًا متزايدًا من سكان العالم على التخلص من الفقر المدقع.
وفي غضون قرنين ونصف من بدء الثورة الصناعية تمكّن أكثر من 5 بلايين نسمة من سكان العالم البالغ عددهم 6.5 بليون من توفير احتياجات المعيشة الأساسية، ومن ثم يمكن القول إنهم تخلصوا من الأوضاع المحفوفة بالمخاطر التي سيطرت على الحياة اليومية. ولكن مازال هناك واحد من بين كل ستة من سكان هذا الكوكب يصارع يوميا لتوفير بعض أو جميع متطلباته الحيوية مثل الغذاء الكافي ومياه الشرب النقية والمأوى الآمن والصرف الصحي والرعاية الصحية الأساسية. يعيش مثل هؤلاء الناس على دولار أمريكي واحد أو أقل يوميا ويحرمون من الخدمات العامة الصحية والتعليم أو البنية التحتية. يموت كل يوم أكثر من 000 20 شخص نتيجة الفقر الشديد بسبب الحاجة إلى الطعام ومياه الشرب النقية والعلاج أو بسبب متطلبات أخرى ضرورية.
للمرة الأولى في التاريخ يتم تحقيق رفاهية اقتصادية للعالم أجمع من خلال التقدم العلمي والتقاني المستمر والتعزيز الذاتي لتراكم الثروة التي مكنت العالم من الاقتراب من القضاء على الفقر المدقع نهائيا. قد يبدو هذا البعد أمرا خياليا بالنسبة إلى البعض، لكن النمو الاقتصادي المذهل الذي حققته الصين والهند وغيرهما من الدول المنخفضة الدخل في آسيا خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية أوضح بجلاء أن هذا الأمر حقيقي. فضلا على ذلك، فإن الاستقرار المُتوقع لحجم السكان في العالم بحلول منتصف هذا القرن سوف يساعد على تخفيف الضغوط على مناخ الأرض والنظم البيئية والموارد الطبيعية، وهي الضغوط التي كان من الممكن أن تقضي على هذه المكاسب الاقتصادية.
على الرغم من أن النمو الاقتصادي قد أوضح أنه من الممكن انتشال عدد هائل من البشر من الفقر المدقع، فإن التقدم في هذا المجال ليس تلقائيا أو حتميا، فقوى السوق والتجارة الحرة ليست كافية. لقد وقع الكثير من الدول الفقيرة في مصيدة الفقر، حيث لا يتوافر عند تلك الدول الموارد المالية التي تُمكنها من القيام بالاستثمارات اللازمة لتأسيس البنية التحتية والتعليم وأنظمة الرعاية الصحية ومتطلبات حيوية أخرى. وتكون نهاية هذا الفقر ممكنة إذا تم القيام بجهد دولي، كما وعدت دول العالم عندما تبنت أهداف الألفية للتنمية Millennium Development Goals في قمة الألفية للأمم المتحدة عام 2000. لقد بدأ كادر مكرس من هيئات التنمية ومؤسسات مالية دولية ومنظمات غير حكومية ومجتمعات مختلفة في دول العالم النامي بإنشاء شبكة من الخبراء وذوي النوايا الحسنة للمساعدة على تحقيق هذا الهدف.
في الشهر 1/2005 في مشروع الألفية للأمم المتحدة قمتُ (المؤلف) مع زملاء لي بنشر خطة لتخفيض معدل الفقر المدقع إلى النصف بحلول عام 2015 (مقارنة بعام 1990) ولتحقيق أهداف كَمية أخرى لتخفيض مستويات الجوع والمرض والتدهور البيئي. وفي كتابي الأخير نهاية الفقر The End of Poverty افترضت أن الجهد الاستثماري العام الواسع النطاق والموجَّه قد يستطيع في الواقع أن يقضي على هذه المشكلة بحلول عام 2025، مثلما تم القضاء على مرض الجدري بشكل نهائي من العالم. إن هذا الافتراض مثير للجدل، ويسعدني لذلك أن أحصل على الفرصة لتوضيح حجته الأساسية وأن أرد على جوانب القلق المختلفة التي أُثيرت حوله.
فيما وراء العمل كالمعتاد(**)
في السنوات القليلة الماضية، تعلم الاقتصاديون الكثير عن كيفية نمو الدول وعن طبيعة العقبات التي تعوق طريقها. هناك حاجة حاليا إلى نوع جديد من اقتصادات التنمية يرتكز بشكل أفضل على العلم… اقتصادات تشخيصيةclinical economics مماثلة للطب الحديث. وحاليًا، يُدرك أساتذة الطب أن المرض ينشأ عن مجموعة كبيرة من العوامل والظروف التي تتفاعل فيما بينها، مثل: الكائنات الدقيقة المسببة للمرض وعوامل التغذية والبيئة والتقدم في العمر والعوامل الوراثية الخاصة بالفرد والمجموعة السكانية ونمط الحياة. كما يُدرك هؤلاء أن السبيل الوحيد للعلاج المناسب هو القدرة على التشخيص الفردي لسبب المرض. وعلى النمط نفسه، يحتاج الاقتصاديون المتخصصون في مجال التنمية إلى مهارات تشخيص أفضل لإدراك أن الأمراض الاقتصادية لها أسباب تشمل العديد من العوامل التي تختلف عن العوامل التقليدية المعروفة من خلال الممارسة الاقتصادية.
من الممكن أن يصير الفقر المدقع إحدى ذكريات الماضي في غضون عدة عقود إذا تمكنت الدول الغنية في العالم من تخصيص نسبة صغيرة من ثروتها لمساعدة 1.1 بليون نسمة من السكان الفقراء على هذا الكوكب للخروج من أوضاع الفقر الشديد الذي تعيشه. وفي الحقيقة يتم خدمة قرية بالكامل في غانا بوساطة ماسورة مياه رأسية واحدة. |
إن وجهة النظر العامة في الدول الغنية غالبا ما تنسب أسباب الفقر الشديد فيها إلى خطأ الناس أنفسهم ـ أو على الأقل إلى خطأ حكوماتهم. وكان من المُعتقد أن الأصل العرقي هو العامل الحاسم في ذلك؛ ثم توجه الاعتقاد إلى الثقافة، مثل: الحدود والمحظورات الدينية والنظم الطبقية وضعف عنصر المبادرة للقيام بالمشروعات وعدم المساواة بين الجنسين. مثل هذه النظريات أخذت تضعُف تدريجيا، حيث قامت مجتمعات ذات أديان وثقافات متعددة جدا بتحقيق رخاء نسبي. فضلا على ذلك، فإن العديد من النواحي الثقافية الجامدة (مثل الخيارات المرتبطة بالخصوبة والنوع والقواعد الطبقية) قد تتغير في الواقع بصورة مذهلة عندما تصير المجتمعات حضرية ومتقدمة اقتصاديا.
حديثا، ركز المعلقون على مصطلح «سوء الحكم»، وهو المصطلح الذي غالبا ما يُطلق على الفساد الإداري. فقد زعموا أن سبب الفقر الشديد يرجع إلى فشل الحكومات في فتح أسواقها وتوفير الخدمات العامة والقضاء على الرشوة. وقد قِيل إنه إذا قامت هذه الأنظمة بتنقية سياساتها، فإنها قد تزدهر أيضا. لقد صارت جهود المساعدة التنموية عبارة عن سلسلة من محاضرات عن الحكم الجيد بشكل كبير.
إن توافر بيانات السلاسل الزمنية والبيانات المقطعية بين الدول حاليًا يسمح للمتخصصين بإجراء تحاليل منظمة أكثر بكثير. وعلى الرغم من استمرار الجدل حول هذا الموضوع، فإن الشواهد تُشير إلى أن الحكم يُحدث فرقا، ولكنه ليس السبيل الوحيد للنمو الاقتصادي. ووفقا للدراسات التي تمت بوساطة مؤسسة الإفصاح الدولي Transparency International، لاحظ مديرو الأعمال أن العديد من الدول الآسيوية التي تنمو بمعدلات سريعة أكثر فسادا من بعض الدول الإفريقية التي تنمو ببطء.
مفترق طرق أمام الفقر(***)
المشكلة: منذ بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر، نجح معظم البشر في انتشال أنفسهم من الفقر الشديد. إلا أن نحو1.1 بليون نسمة من سكان العالم البالغ عددهم نحو 6.5 بليون نسمة في وقتنا الحالي هم مُعدمون كليا في عالم من الوفرة. هؤلاء التعيسون، الذين يعيشون على أقل من دولار أمريكي في اليوم لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء ومياه الشرب النقية والمسكن الآمن والنظافة، إضافة إلى الصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية. ماذا يستطيع العالم المُتقدم أن يفعل لانتشال هذه الشريحة الضخمة من سكان العالم من الفقر الشديد؟ الخطة: إن مضاعفة المساعدات الدولية للفقر من قِبل الدول الغنية إلى نحو 160 بليون دولار سنويا سوف يسهم بشكل كبير في جعل الأزمة الرهيبة التي يواجهها واحد من كل ستة أشخاص من البشر أقل سوءا. سوف يُمثل هذا المبلغ نحو 0.5% من مجمل الناتج القومي للدول الغنية على الكوكب. ولأن هذه الاستثمارات لا تتضمن أشكالا أخرى من المساعدات مثل الإنفاق على إنشاء البنية التحتية الرئيسية أو التعامل مع التغير المناخي أو إعادة الإعمار بعد الحروب. لذا، على الدول المانحة أن تلتزم بتحقيق الهدف الطويل الأجل المُتمثل في تخصيص نسبة 0.7% من إجمالي الناتج القومي بحلول عام 2015 لمساعدات التنمية. قد تحتاج هذه المساعدات التي تُقدم غالبا إلى المجموعات المحلية، إلى مراقبةٍ ومراجعةٍ دقيقة لضمان وصولها إلى من هم بحاجة إليها فعلا.
الطعام من أجل لاجئين صغار السن من أفريقيا |
إن العوامل الجغرافية ـ التي تشمل مصادر طبيعية، مثل: المناخ وطبوغرافية الأرض والقرب من مسارات التجارة والأسواق الرئيسية ـ لها على الأقل المستوى نفسه من الأهمية الذي يُمثله الحكم الجيد. في عام 1776، زعم <آدم سميث> أن ارتفاع تكاليف النقل تحول دون تقدم المناطق الداخلية في إفريقيا وآسيا. كذلك تتداخل مظاهر جغرافية أخرى مثل العبء الثقيل للمرض في المناطق المدارية. وفي دراسة أخيرة لزميل لي في جامعة كولومبيا (وهو <X.سالا-I-مارتين>) اتضح مرة أخرى أن الدول الاستوائية التي تُعاني انتشار مرض الملاريا حققت معدلات أقل للنمو من الدول الخالية من المرض. ولحسن الحظ أن العوامل الجغرافية تُشكل المصير الاقتصادي للدولة لكنها لا تُحدده. تستطيع التقانة أن تقوم بعملية توازن فيما بينها، كالآتي: يمكن مواجهة الجفاف بوساطة أنظمة الري ومواجهة العزلة بوساطة الطرق والهواتف النقالة ومواجهة الأمراض بوساطة الإجراءات الوقائية والعلاجية.
تتمثل الفكرة الرئيسية الأخرى في أنه على الرغم من أن أقوى آليات محاربة الفقر المُدقع تتمثل في تشجيع مستويات النمو الاقتصادي العام، فإن المد المرتفع لا يكفي بالضرورة لدفع جميع القوارب. من الممكن أن يرتفع متوسط الدخل، لكن إذا كان توزيع الدخل غير متساو فإن استفادة الفقراء ستكون قليلة، ومن ثم تستمر جيوب الفقر (بصفة خاصة في الأقاليم الجغرافية المحرومة). فضلا على ذلك، النمو ليس ببساطة ظاهرة خاصة بالسوق الحرة، إذ يتطلب توفير الخدمات الحكومية الأساسية، مثل: البنية التحتية والصحة والتعليم والابتكارات التقانية والعلمية. من ثم، فإن العديد من التوصيات التي قُدمت خلال العقدين الماضيين المنبثقة من واشنطن- والتي تنص على أن تقوم حكومات الدول المنخفضة الدخل بتخفيض مستويات إنفاقها لكي تُفسح المجال للقطاع الخاص ـ قد أخطأت الهدف. إن الإنفاق الحكومي الموجه نحو الاستثمار في المجالات المهمة يُعد في حد ذاته دعامة حيوية للنمو، وبصفة خاصة إذا تم توجيه تأثيراته نحو أفقر الفقراء في المجتمع.
الفقر المزمن: عالم غني، سكان فقراء(****)
مع أن السكان الذين يعانون الفقر المزمن يعيشون في كافة مناطق العالم، فهم يتمركزون في أمكنة محددة. ووفقا للعديد من الدراسات، فإن مواجهة مشكلة الفقر الشديد (هؤلاء الذي يعيشون على أقل من دولار في اليوم) تكون أقل في إفريقيا (الصحراء الجنوبية) والأندين ومرتفعات وسط أمريكا والدول المنعزلة جغرافيًا في وسط آسيا. توضح الخريطة في الأسفل ـ التي أعدها مركز أبحاث الفقر المزمن ChronicPovertyResearch Center ـ مقاييس حجم الدولة إلى عدد الفقراء الذين يعيشون في حالة فقر مزمن، وتشير الألوان إلى مستوى دخل معظم السكان الذين يعيشون في حالة فقر في كل دولة. قام الباحثون بتقدير معدلات الفقر القومي وأعداده في حالة عدم توافر البيانات الرسمية.
|
مصيدة الفقر(*****)
لذلك ماذا تخبرنا هذه الأفكار عن أكثر المناطق المصابة بالفقر اليوم، وهي إفريقيا؟ قبل خمسين عاما كانت المناطق المدارية في إفريقيا في نفس مستوى الغنى كالمناطق المدارية وتحت المدارية في آسيا. وفيما أخذت آسيا في النمو ظلت إفريقيا في حالة ركود. لقد أدت عوامل جغرافية خاصة دورا مهما في ذلك.
في المقام الأول، ومن بين تلك العوامل يؤدي وجود جبال الهيمالايا إلى مناخ موسمي وشبكة أنهار واسعة في جنوب آسيا. وقد مثلت الأراضي الزراعية المروية بشكل جيد نقطة البدء في نجاة دول آسيا من الفقر الشديد خلال العقود الخمسة الماضية. واستحدثت الثورة الزراعية في الستينات والتسعينات إدخال الحبوب العالية المحصول، ونُظُمًا أفضل للري والأسمدة التي أنهت حلقة الجوع والمرض واليأس.
كذلك ساعدت النهضة الزراعية على تحرير نسبة كبيرة من القوى العاملة للبحث عن وظائف في القطاع الصناعي في المدن. والتحضر بدوره أدى إلى دفع النمو ليس فقط باحتضان الصناعة والابتكار، ولكن أيضا من خلال تشجيع استثمار أكبر في أسواق عمل تتصف بتوافر عمالة عالية المهارات. قام سكان المناطق الحضرية بتخفيض معدلات الخصوبة، ومن ثم تمكنوا من الإنفاق بشكل أكبر على الصحة والتغذية وتعليم كل طفل. لقد ذهب أطفال المدن إلى المدارس بمعدلات أعلى من أطفال المناطق الريفية. ومع توافر البنية التحتية ونظام الرعاية الصحية الآمنة، صار سكان المدن أقل عرضة للأمراض من نظرائهم في الريف، حيث لا يجد السكان مياه الشرب النقية وخدمات الصرف الصحي الحديثة والرعاية الصحية الجيدة والحماية من الأمراض المتوطنة مثل الملاريا.
أسئلة وأجوبة العولمة والفقر والمساعدات الخارجية(******)
يثير عدد من المواطنين في الدول المتقدمة العديد من التساؤلات عن تأثيرات العولمة الاقتصادية في الدول الغنية والفقيرة، وعن كيفية إنفاق الدول النامية للمساعدات التي تحصل عليها، ونقدم هنا بعض الإجابات المختصرة لهذه الأسئلة:
هل تؤدي العولمة إلى زيادة ثراء الأثرياء وزيادة فقر الفقراء؟ إن الإجابة عن هذا السؤال بصفة عامة هي لا. فقد دعمت العولمة الاقتصادية التقدمات السريعة جدا للعديد من الاقتصادات الفقيرة، بصفة خاصة في آسيا. فقد أدت تدفقات التجارة الدولية والاستثمارات الخارجية دورا أساسيا في النمو الاقتصادي اللافت للنظر في الصين خلال الربع قرن الماضي، وفي النمو الاقتصادي السريع للهند منذ أوائل التسعينات. ولم تتدهور أوضاع أفقر الفقراء، بصفة خاصة في إفريقيا (جنوب الصحراء)، نتيجة للعولمة، وإنما تجاهلتهم العولمة. هل الفقر نتيجة استغلال الأغنياء للفقراء؟ قامت الدول الغنية بسلب الدول الفقيرة واستغلالها مرارا وتكرارا من خلال تجارة الرقيق ومبدأ الاستعمار وممارسات التجارة غير العادلة. ولكن يمكن القول بصورة أكثر دقة إن الاستغلال كان نتيجة للفقر (الذي جعل الدول الفقيرة أكثر عرضة للاستغلال) وليس سببا له. فالفقر بوجه عام هو نتيجة لانخفاض إنتاجية العامل الذي يعكس بدوره ضعف الصحة وانعدام المهارات في سوق العمل وضعف البنية التحتية (الطرق ومحطات الطاقة والمرافق العامة وموانئ الشحن) وسوء التغذية المزمن وما شابهها. لقد أدى الاستغلال دورا في خلق بعض هذه الأوضاع، إلا أن هناك عوامل أكثر عمقا كانت أكثر أهمية وصعوبة في التغلب عليها من دون مساعدة خارجية (مثل: العزلة الجغرافية والأمراض المستوطنة والدمار البيئي والظروف الصعبة لإنتاج الغذاء). هل يعني ارتفاع مستويات الدخول في الدول الفقيرة انخفاضا لمستويات الدخول في الدول الغنية؟ إن عملية التنمية الاقتصادية عملية ذات اثر إيجابي، مما يعني أن الجميع يستطيعون المشاركة فيها من دون أن يتسبب ذلك في معاناة البعض. خلال ال200 عام الماضية، تمكن العالم أجمع من تحقيق زيادة هائلة في الناتج الاقتصادي في إقليم معين من دون أن يترتب على ذلك انخفاض الناتج الاقتصادي في إقليم آخر. يمكن التأكيد أن القيود البيئية قد بدأت تفرض نفسها. عندما تتقدم الدول الفقيرة في وقتنا الحالي فإن المناخ ومصايد الأسماك والغابات سوف تتعرض للإجهاد بشكل متزايد. وبوجه عام، إن النمو الاقتصادي العالمي متوافق مع الإدارة المستمرة للنظم البيئية التي تعتمد عليها البشرية ككل ـ في الواقع يمكن أن تكون الثروة مفيدة للبيئة، ولكن فقط إذا قامت السياسة العامة والتقانات بتشجيع الممارسات السليمة وعمل الاستثمارات الضرورية لاستدامة البيئة. هل أسهمت المساعدات الأمريكية الخاصة في تعويض المستويات المنخفضة للمساعدات الأمريكية الرسمية؟ يدعي البعض أنه فيما تقدم ميزانية حكومة الولايات المتحدة مساعدات أقل نسبيا للدول الأكثر فقرا، فإن القطاع الخاص قد ساعد على سد هذه الفجوة. في الحقيقة، قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية The Organization of Economic Cooperation and Development أن المنظمات الخاصة وغير الحكومية قد أسهمت بنحو 6 بلايين دولار سنويا في المساعدات الدولية، أي نحو 0.05%من إجمالي الناتج القومي للولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، فإن المساعدات الدولية الأمريكية تمثل نحو 0.21% من إجمالي الناتج القومي ـ والتي مازالت تمثل أقل المعدلات بين كافة الدول المانحة. .J.D.S- |
لم تحدث ثورة زراعية في إفريقيا. إن إفريقيا المدارية تفتقد إلى السهول الضخمة الناتجة من الفيضانات التي تُسهل عملية الري على نطاق واسع وبتكاليف منخفضة مثل تلك الموجودة في آسيا. كذلك تتغير مواعيد سقوط الأمطار بها بدرجة كبيرة ولم يستطع المزارعون الفقراء شراء الأسمدة. إن المحاصيل الناجمة عن أبحاث الثورة الخضراء، وبصفة خاصة الأرز والقمح، لا يتم زراعتها على نطاق واسع في إفريقيا (وفي السنوات الأخيرة، تم تطوير أنواع عالية المحصول تناسب إفريقيا، لكنها لم تنتشر على نطاق واسع بعد). لقد انخفض متوسط نصيب الفرد من إنتاج الغذاء في القارة، بحيث صار معدل ما يحصل عليه الفرد من السعرات في إفريقيا هو الأقل على مستوى العالم؛ لقد تفشت ظاهرة نقص الغذاء في القارة. وظلت قوة العمل مربوطة بما يسمى زراعة الكفاف المعيشي.
إضافة إلى ويلاتها الزراعية، تتحمل إفريقيا أعباء الأمراض المدارية. وبسبب طبيعة المناخ وسلالات البعوض المتوطنة، تنتقل الملاريا بكثافة في إفريقيا أكثر من أي مكان آخر. كذلك تعمل تكلفة النقل المرتفعة على عزل إفريقيا من الناحية الاقتصادية. على سبيل المثال، في شرق إفريقيا تصل الأمطار إلى أعلى مستوياتها داخل القارة ولذلك يعيش معظم الناس هناك، أي بعيدا عن الموانئ ومسارات التجارة الدولية.
وينطبق الحال نفسه على مناطق فقيرة أخرى في العالم، وبصفة خاصة في الأندين وهضاب أواسط أمريكا والمناطق الداخلية في وسط آسيا. وبسبب العزلة الاقتصادية لتلك الأقاليم، فإنها لا تتمكن من جذب استثمارات خارجية كافية (باستثناء تلك التي تأتي لاستخراج النفط والغاز والمعادن النفيسة). وغالبا ما يميل المستثمرون إلي الرجوع عن فكرة السفر إلى تلك الأقاليم بسبب ارتفاع تكاليف النقل في المناطق الداخلية. وبناء على ذلك، فإن المناطق الريفية تظل متعلقة في دورات شرسة من الفقر والجوع والمرض والأمية. إن هذه المناطق تفتقر إلى المدخرات الكافية لعمل الاستثمارات اللازمة، لأن معظم الأفراد يحصلون بالكاد على احتياجاتهم الأساسية. إن العدد القليل من الأسر ذات الدخل المرتفع (الذين تتوافر لديهم المدخرات) تقوم بتوجيه مدخراتها نحو الخارج بدلا من استثمارها في الداخل. مثل هذا التدفق الرأسمالي للخارج لا يشمل فقط الأصول الرأسمالية، وإنما أيضا رأس المال البشري في صورة تدفق العمالة الماهرة نحو الخارج، مثل: الأطباء والممرضين والعلماء والمهندسين، الذين غالبا ما يهاجرون بحثا عن فرص اقتصادية أفضل في الخارج. تُعتبر الدول الأفقر هي المصدر الصافي لرأس المال.
|
لنضع الأموال حيث توجد الأفواه(********)
توجد حاليا تقانة تستطيع التغلب على هذه العقبات والعوائق والقفز بالنمو الاقتصادي. يمكن القضاء على الملاريا من خلال استخدام ناموسيات الأسِرة والمبيدات الحشرية المنزلية وتحسين مستوى العلاجات. والدول الإفريقية التي تعاني الجفاف والتربة الزراعية الفقيرة يمكنها أن تستفيد بشدة من نظم الري بالتنقيط والاستخدام الأوسع للمخصبات. ويمكن ربط الدولة المنعزلة جغرافيًا بشبكة من الطرق السريعة المُمَهدة والمطارات والكابلات الفيبرضوئية fiber-optic cables. وبالطبع تتكلف كافة هذه المشروعات الكثير من الأموال.
إن في العديد من الدول الأكبر، مثل الصين، مناطق مزدهرة يمكنها أن تساعد على تنمية المناطق التي تعاني بطئا في النمو. على سبيل المثال، تقوم المناطق الساحلية الشرقية في الصين حاليا بتمويل استثمارات عامة ضخمة في غرب الصين. إن معظم الدول النامية التي حققت نجاحا في وقتنا الحالي وبصفة خاصة الدول الصغيرة، قد تلقت على الأقل بعض الدعم الخارجي من متبرعين في الأوقات الحرجة. لقد قامت مؤسسة روكفلر بتمويل الابتكارات العلمية المهمة التي شكلت الثورة الزراعية، كما قامت الولايات المتحدة وحكومات مانحة أخرى ومؤسسات التنمية الدولية بتمويل تلك التقانة التي انتشرت في الهند وأمكنة أخرى في آسيا.
في مشروع الألفية بالأمم المتحدة قمنا بحصر الاستثمارات اللازمة لمساعدة المناطق الفقيرة في العالم في وقتنا الحالي على مواجهة احتياجاتها في مجالات الصحة والتعليم والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وإنتاج الغذاء والطرق وغيرها من المجالات الأساسية. كما قمنا بحصر حجم تلك المساعدات وكذلك حجم التمويل الذي يمكن أن يتم من قِبل الأفراد في المناطق الفقيرة والمؤسسات المحلية بها. الفرق في التكاليف هو فجوة التمويل التي يجب أن يتولى المانحون الدوليون مهمة سدها.
بالنسبة إلى المناطق المدارية في إفريقيا، يبلغ إجمالي الاستثمار نحو 110دولارات للفرد الواحد في السنة. لتوضيح ذلك، متوسط دخل الفرد في هذا الجزء من العالم يساوي 350 دولارا في السنة، يحتاج الفرد إلى معظم أو جميع هذا المبلغ فقط لكي يبقى على قيد الحياة. من الواضح أن التكلفة الكلية لإجمالي الاستثمارات تتجاوز إمكانات تلك الدول. من بين ال110 دولارات المطلوبة، يمكن تمويل 40 دولارا محليا؛ لذلك، يتم طلب ال70 دولارا المتبقية للفرد من دول مانحة على هيئة معونات دولية.
بجمع كل ذلك، فإن إجمالي متطلبات المساعدة عبر العالم يصل إلى نحو 160بليون دولار سنويا، أي نحو ضعف ميزانية المساعدات التي تقدمها الدول الغنية والتي تصل حاليا إلى 80 بليون دولار. يمثل هذا المبلغ 0.5% تقريبا من إجمالي الناتج القومي المُتجمع من الدول الغنية المانحة. لا يشمل هذا المبلغ مشروعات إنسانية أخرى مثل إعادة إعمار العراق بعد الحرب أو مساعدات كارثة المحيط الهندي (التسونامي). لتلبية مثل هذه الاحتياجات أيضا، يجب أن يصل الرقم المناسب إلى 0.7% من إجمالي الناتج القومي والذي يمثل النسبة التي تعهدت الدول المانحة بها ولم يتم الوفاء بها إلا من عدد قليل من الدول. وقد توصلت مؤسسات أخرى تشمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والحكومة البريطانية إلى الاستنتاج نفسه.
|
نعتقد أن هذه الاستثمارات سوف تُمكن أفقر الدول من خفض مستويات الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 ومن القضاء على الفقر نهائيا بحلول عام 2025 إذا استمرت تلك الاستثمارات. لا تُمثل تلك الاستثمارات «منح رفاهية» من قِبل الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، ولكنها تُمثل شيئا أكثر أهمية واستمرارية. وبالنسبة إلى الأفراد الذين يعيشون بالكاد فوق مستويات الكفاف المعيشي، فإنهم سوف يتمكنون من الادخار لمستقبلهم؛ وسوف يتمكنون من الالتحاق بالدورة المفضلة لهم التي تعمل على زيادة الدخول وزيادة المدخرات وتدفقات التقانة؛ ومن ثم سوف نتوقف عن تقديم يد المساعدة لبليون نسمة من سكان العالم.
إذا ما فشلت الدول الغنية بالقيام بهذه الاستثمارات، فسيجري استدعاؤها لتقديم المساعدات الطارئة لفترات غير محدودة. سوف تواجه تلك الدول المجاعات والأوبئة والصراعات الإقليمية وانتشار ملاجئ الإرهاب. وسوف يُحكم ليس على الدول الفقيرة فقط وإنما على الدول الغنية كذلك بحالات مزمنة من عدم الاستقرار السياسي وطوارئ إنسانية ومخاطر أمنية.
المعونة الخارجية: كيف يجب أن تُنفق الأموال؟(**********)
يوضح الجدول تفاصيل الاستثمارات المطلوبة لثلاث دول متماثلة ذات دخل منخفض في إفريقيا لمساعدتها على تحقيق أهداف مشروع الألفية للتنمية. بالنسبة إلى كافة الدول التي يتم منحها مساعدات، يصل متوسط المساعدة السنوية إلى نحو 110 دولارات للفرد سنويًا. ويمكن تمويل هذه الاستثمارات من خلال المساعدات الخارجية وكذلك من خلال الدول نفسها.
تم حسابها من بيانات الاستثمار في التنمية (مشروع الأمم المتحدة للألفية Earthscan publications, 2005). لا تشير الأرقام إلى المجموع الإجمالي بدقة، نظرا لعملية التقريب. |
يتحول الجدل الحالي من التشخيص الأساسي للفقر المدقع وحساب الاحتياجات التمويلية إلى الأمور التطبيقية حول كيفية تقديم المساعدات بطريقة أفضل. يعتقد الكثير من الناس أن جهود المساعدات قد فشلت في الماضي ويلزم الاهتمام لتلافي تكرار الفشل. بعض أوجه القلق تلك لها أساس من الواقع، لكن البعض الآخر قائم على الكثير من سوء التفاهم.
عندما يشرع القائمون على إجراء عمليات استطلاع الرأي بسؤال الأمريكيين عن حجم المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة، فإن الأمريكيين يغالون بشدة في تقديراتهم ـ ربما بنحو 30 ضعفا أكثر من الواقع. اعتقاد العامة بأنه قد تم منح مقدار كبير من المال للخارج وأن ما تم العمل به هو مقدار قليل يدفعهم إلى الاستنتاج بأن تلك البرامج قد فشلت. والحقيقة مختلفة عن ذلك تماما، فالمساعدات الرسمية التي تقدمها الولايات المتحدة لدول إفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى Sub-Saharan Africa) تراوح بين 2 و 4 بلايين دولار سنويا أو بين3 و 6 دولارات لكل فرد إفريقي. جاءت معظم هذه المساعدات على هيئة مساعدات فنية (تذهب إلى جيوب الاستشاريين) ومساعدات غذائية لضحايا المجاعات وإلغاء الديون غير المُسددة. وجاء القليل منها على هيئة استثمارات في نظم تعمل على تحسين الصحة والتغذية وإنتاج الغذاء والنقل. يجب أن نمنح المساعدات الخارجية فرصة عادلة قبل أن نحكم عليها بأنها تحقق أهدافها أو لا.
|
هناك سوء فهم آخر شائع يتعلق بالمدى الذي يمكن من خلاله أن يلتهم الفساد الأموال الممنوحة. صحيح إن جانبا من المساعدات الخارجية في الماضي قد تحول إلى حسابات في بنوك سويسرا، وقد حدث ذلك عندما كان يتم منح تلك المساعدات لأسباب جغرافية سياسية geopolitical وليس لأغراض التنمية. ولعل أحد الأمثلة الجيدة على ذلك هو دعم الولايات المتحدة لنظام <موبوتو سيسي سيكو> الفاسد بزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا) خلال فترة من فترات الحرب الباردة. لكن عندما تم توجيه المساعدات نحو التنمية بدلا من الأهداف السياسية، كانت النتائج مثمرة وراوحت بين الثورة الزراعية والقضاء على الجدري والقضاء شبه الكامل على شلل الأطفال في وقتنا الحالي.
سوف يتم توجيه حزمة المعونات التي نقترحها نحو تلك الدول التي تتمتع بدرجة معقولة من الحكم الجيد والشفافية العملية. ومن بين تلك الدول في إفريقيا: إثيوبيا وغانا ومالي وموزمببق والسنغال وتنزانيا. ولن يتم دفع الأموال إلى تلك الدول فحسب ولكن سوف يتم توجيهها وفقا لخطة تفصيلية ومُراقبة، وسوف يتم تقديم دورات جديدة من التمويل فقط عندما يتم البدء بتنفيذ تلك الخطط فعليا. وسوف يتم تقديم الكثير من هذه الأموال مباشرة إلى القرى والمدن لتقليل فرص احتمال تحويلها إلى أمكنة أخرى بوساطة الحكومات المركزية. يجب أن تتم مراجعة جميع هذه البرامج عن قرب.
الرجل الغني في القمة والرجل الفقير في القاع» يصف حالة المجتمع الإنساني منذ فجر الحضارة، لكن إدراك أن جميع البشر على هذا الكوكب بينهم اعتماد متبادل بشكل جوهري يعني أنه لا يمكن ترك أي شخص من دون مساعدة ولا حتى الأشخاص الأكثر فقرا فيما بيننا وذلك لصالح مستقبلنا. |
ويميل المجتمع الغربي إلى الاعتقاد بأن تقديم المساعدة الخارجية عبارة عن أموال مفقودة. لكن إذا تم تقديمها على نحو ملائم، فإنها سوف تتحول إلى استثمار يعود ذات يوم بعوائد ضخمة؛ مثلما حصل نتيجة للمساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوروبا الغربية وشرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية. إن حدوث ازدهار في الدول الفقيرة حاليًا سوف يساعد على قطع اعتماد تلك الدول اللانهائي على أعمال الخير. وسوف تُساهم تلك الدول في التقدم الدولي في العلوم والتقانة والتجارة. سوف يعمل الازدهار على حماية تلك الدول من عدم الاستقرار السياسي ـ الذي يُعرض الكثير من هذه الدول للعنف وتجارة المخدرات والحروب الأهلية وتفشي الإرهاب. كما سيؤدي الازدهار إلى دعم أمننا. وكونه أمينا عاما للأمم المتحدة، كتب <كوفي عنان> في بداية عام2005: «ليس هناك تنمية من دون أمن، ولا أمن من دون تنمية.»
المؤلف
Jeffrey D. Sachs
يقوم ساش بإدارة معهد الأرض في جامعة كولومبيا ومشروع الألفية للأمم المتحدة The United Nations Millennium Project. يشتهر ساش كاقتصادي بتقديمه الاستشارات لحكومات دول، مثل: أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق وآسيا وإفريقيا في مجالات الإصلاح الاقتصادي. وكذلك يشتهر بعمله مع المؤسسات الدولية لتخفيض مستويات الفقر والسيطرة على الأمراض وتخفيض مديونية الدول الفقيرة. إنه من سكان ديترويت وحصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة هارفرد.
مراجع للاستزادة
Institutions Matter, but Not for Everything. Jeffrey D. Sachs in Finance and Development (IMF), Vol. 40, No. 2, pages 38-41; June 2003. www.sachs.earth.columbia.edu
Determinants of Long-Term Growth: A Bayesian Averaging of Classical Estimates (BACE) Approach. X. Sala-i-Martin, Germot Doppelhofer and Ronald I. Miller in American Economic Review. Vol. 94, No. 4, pages 813-835; September 2004.
Ending Africa’s Poverty Trap. J.D.Sachs, J. W. McArthur, G. Schmidt-Traub, M. Kruk, C. Bahadur, M. Faye and G. McCord in Brookings Papers on Economic Activity, Vol. 1:2004, pages 117-216. www.sachs.earth.columbia.edu
The Development Challenge. J.D. Sachs in Foreign Affairs, Vol. 84, No. 2, pages 78-90; March/April 2005. www.sachs.earth.columbia.edu
The End of Poverty: Economic Possibilities for Our Time. J. D. Sachs. Penguin Press, 2005.www.earth.columbia.edu/indofpoverty
Investing in Development: A Practical Plan to Achieve the Millennium Development Goals. United Nations Millennium Project, 2005. www.unmillenniumproject.org
(*) CAN EXTREME POVERTY BE ELIMINATED?
(**) Beyond Business as Usual
(***) Crossroads for poverty
(****) Chronic Poverty: Rich World, Poor People
(*****) The Poverty Trap
(******) Globalization, Poverty and Foreign Aid
(*******) Extreme Poverty: Where We Stand
(********) Put Money Where Mouths Are
(*********) The Millennium Development Goals: How Are We Doing?
(**********) Foreign: How Should The Money Be Spent?