توشك الخلايا الشمسية وتوربينات (عنفات) الرياح والوقود البيولوجي أن تصبح مصادر الطاقة الأهم.
ومن الممكن أن تسرع هذا التحولَ سياساتٌ جديدة.
<M.D.كامن>
لا يمكن لأية خطة تهدف إلى التقليل من انبعاثات غاز الدفيئة greenhouse gas emissions تقليلا جوهريا أن تنجح من خلال زيادة الكفاءة في الطاقة(1) فقط؛ ذلك أنه لما كان النمو الاقتصادي يزيد الطلب على الطاقة زيادة مستمرة ـ المزيد من الفحم الحجري لتشغيل مصانع جديدة والمزيد من النفط لتزويد سيارات جديدة والمزيد من الغاز الطبيعي لتدفئة منازل جديدة ـ فإن انبعاثات الكربون ستبقى في ازدياد على الرغم من استخدام سيارات وأبنية وأدوات أكثر كفاءة طاقية. ولمواجهة التزايد الحالي المثير للخوف في الاحترار العالمي، لابد من أن تلتزم الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التزاما أساسيا بتطوير مصادر الطاقة المتجددة التي لا تولّد الكربون أو تولّد القليل منه.
إن تقانات الطاقة المتجددة أصبحت فجأة موضع الاهتمام منذ ثلاثة عقود، وذلك ردا على حظر النفط في السبعينات، لكن الاهتمام والدعم لم يستمرا. إلا أن التحسن الهائل في أداء الخلايا الشمسية solar cells وتوربينات الرياح(2)والوقود البيولوجي(3) ـ الإيثانول وأنواع الوقود الأخرى المشتقة من النباتات ـ أدى في السنوات الأخيرة إلى تمهيد الطريق أمامها لانتشارها انتشارا تجاريا واسعا. وتبشر المصادر المتجددة، إضافة إلى فوائدها البيئية، بتعزيز أمن أمريكا الطاقي وذلك بوساطة تخفيض اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري المستورد من بلدان أخرى. إضافة إلى أن أسعار النفط المرتفعة والمتقلّبة جعلت البدائل المتجددة أكثر إغراءً.
إننا في عصر أصبحت فيه فرص الطاقة المتجددة مواتية، وهذا يجعله الوقت المثالي لتقدّم الطاقة النظيفة خلال العقود القادمة. لكن هذا المسعى يتطلب استثمارا طويل الأمد للموارد العلمية والاقتصادية والسياسية. وينبغي للسياسيين والمواطنين العاديين أن يطالبوا بإصرار وأن يتحدى بعضهم بعضا في تسريع الانتقال إلى الطاقات المتجددة.
لتسطع الشمس(**)
تستخدم الخلايا الشمسية، المعروفة أيضا بالفوتوکلطية (الکلطية الضوئية)photovoltaics، المواد شبه الموصلة لتحويل ضوء الشمس إلى تيار كهربائي. ولا تقدم هذه الخلايا حاليا سوى جزء ضئيل من كهرباء العالم: إن قدرتها الإجمالية البالغة 5000 ميگاواط (MW) لا تشكل سوى 0.15 في المئة من القدرة الكهربائية العامة المتولدة من جميع المصادر، مع أن ضوء الشمس يمكن أن يوافر، من حيث المبدأ، 5000 ضعف من الطاقة التي يستهلكها العالم حاليا. وبفضل التحسينات التي طرأت على التقانة وانخفاض التكلفة وبفضل سياسات المساعدة في العديد من الولايات والبلدان، فإن الإنتاج السنوي من الطاقة الفوتوکلطية ازداد أكثر من 25 في المئة كل سنة خلال العقد الماضي وازداد بمقدار 45 في المئة عام 2005. وقد أضافت الخلايا التي صنعت في العام الماضي1727 MWإلى مقدرة التوليد العالمية، كان منها 833 MWفي اليابان و353 MWفي ألمانيا و153 MWفي الولايات المتحدة.
يمكن لعالم طاقته نظيفة أن يعتمد على توربينات الرياح والخلايا الشمسية لتوليد كهربائه وعلى الوقود البيولوجي المستخرج من الثُّمام العصوي switchgrass ونباتات أخرى لتزويد سياراته بالطاقة.
ويمكن صنع الخلايا الشمسية حاليا من عدد من المواد، بدءا من شرائح السيليكون المتعدد البلورات multicrystalline silicon التقليدية التي ما زالت تهيمن على السوق وانتهاء بخلايا الأغشية السيليكونية الرقيقة والنوابض المؤلفة من الپلاستيك أو أشباه الموصلات العضوية. إن إنتاج الخلايا الشمسية من الأغشية الرقيقة(4) أرخص من إنتاج خلايا السيليكون البلوري، لكنها في المقابل أقل كفاءة في تحويل الضوء إلى طاقة كهربائية. لقد وصلت كفاءة الخلايا البلورية في المختبر إلى 30 في المئة أو أكثر من ذلك، في حين تراوح كفاءة الخلايا التجارية العادية من هذا النوع بين 15 و 20 في المئة. إن الكفاءة المختبرية والتجارية لجميع أنواع الخلايا الشمسية قد ارتفعت باستمرار في السنوات الأخيرة، وهذا يشير إلى أن زيادة الجهود البحثية يمكن أن تحسّن أداء الخلايا الشمسية في السوق.
إن الخلايا الشمسية سهلة الاستخدام جدا، لأنها يمكن أن توضع في أي مكان ـ على سطوح المنازل وأبنية المكاتب أو جدرانها وعلى شكل صفيفاتarrays كبيرة في الصحراء، وحتى إنه يمكن أن تُخاط في الملابس لتزويد الأجهزة الإلكترونية المحمولة بالطاقة الكهربائية. وقد انضمت ولاية كاليفورنيا إلى اليابان وألمانيا في قيادة دفع عالمي للمنشآت الشمسية، ويرمي الالتزام المسمى «مليون سطح شمسي» إلى توليد 3000 MWجديدة في الولاية بحلول عام 2018. وتبين الدراسات التي أجرتها مجموعتي البحثية ـ في مختبر الطاقة المتجددة والمناسبة Renewable and Appropriate Energy Laboratory بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ـ أن الإنتاج السنوي من الخلايا الشمسية في الولايات المتحدة وحدها يمكن أن ينمو إلى 000 10 MW في غضون 20 عاما فقط إذا استمر التوجه الحالي.
وسيكون تخفيض سعر الخلايا الشمسية، الباهظة الثمن نسبيا في الوقت الحالي، أكبر تحدٍّ؛ إذ تبلغ التكلفة الإجمالية للكهرباء التي تنتجها الخلايا البلورية ما بين 20 و 25 سنتا لكل كيلوواط-ساعة، مقارنة بتكلفة الكهرباء التي ينتجها الفحم الحجري البالغة أربعة إلى ستة سنتات أو تلك المنتجة بوساطة حرق الغاز الطبيعي البالغة خمسة إلى سبعة سنتات أو تلك التي تنتجها محطات توليد الكهرباء العاملة بالكتلة البيولوجية البالغة ستة إلى تسعة سنتات (يصعب تحديد تكلفة توليد الكهرباء نوويا لأن الخبراء يختلفون حول التكاليف التي ينبغي أن يشملها الحساب، والمجال التقديري هو بين سنتين و12سنتا لكل كيلوواط-ساعة). ولحسن الحظ فقد انخفضت أسعار الخلايا الشمسية انخفاضا مستمرا خلال العقد الماضي، وكان ذلك إلى حد كبير بسبب ما طرأ على عمليات التصنيع من تحسينات. ففي اليابان، حيث أضيفت 290MWمن مقدرة توليد الكهرباء الشمسية عام 2005 وصُدّرت كمية أكبر منها، انخفضت تكلفة الخلايا الشمسية بمعدل 8 في المئة كل عام؛ وفي كاليفورنيا، حيث رُكّبت 50 MWمن الطاقة الكهربائية الشمسية عام 2005، انخفضت التكاليف بمعدل 5 في المئة سنويا.
وما يثير الدهشة أن كينيا هي البلد الأول في العالم في عدد منظومات الطاقة الكهربائية الشمسية المركّبة لكل فرد (ولكن ليس في عدد الواطات المضافة). ففيها يباع سنويا أكثر من 000 30 لوح شمسي صغير جدا ينتج كل منها 12 إلى 30 واط. ويمكن لمنظومة لا تكلف أكثر من نحو 100 دولار للوح والأسلاك أن تُستخدم لشحن بطارية سيارة، يمكنها بعدئذ أن توافر طاقة كهربائية كافية لتشغيل مصباح متفلور أو تلفزيون أبيض-أسود صغير ساعاتٍ قليلة كل يوم. ويزداد عدد الكينيين الذين يختارون الطاقة الكهربائية الشمسية كل عام عوضا عن استخدامهم شبكة كهرباء البلد. وتستخدم اللوحات عادة خلايا شمسية مصنوعة من السيليكون اللابلوري amorphous silicon؛ ومع أن كفاءتها هي فقط نصف كفاءة الخلايا البلورية فإن تكلفتها أقل بكثير (بأربع مرات على الأقل)؛ فتكون القدرة على شرائها أكبر، وهي تفيد بليونين من البشر في أنحاء العالم ليست لديهم كهرباء في الوقت الراهن. وتزداد مبيعات منظومات الكهرباء الشمسية الصغيرة ازديادا سريعا في الدول الإفريقية الأخرى أيضا، ويمكن أن يسرّع هذا الازدياد التقدمَ الذي تحرزه صناعة الخلايا الشمسية القليلة التكلفة.
5000 ميگاواط مقدرة توليد الكهرباء من الخلايا الشمسية في العالم
37 في المئة الكفاءة القصوى للخلايا الشمسية التجريبية
20 إلى 25 سنتا تكلفة الكيلوواط-ساعة للكهرباء الشمسية
وأكثر من ذلك، ليست الخلايا الشمسية هي الشكل الوحيد من الطاقة الكهربائية الشمسية الذي ينمو بسرعة. فالمنظومات الشمسية الحرارية التي تجمع ضوء الشمس لتوليد الحرارة تشهد ولادة جديدة. فقد كانت هذه المنظومات مدة طويلة تُستخدم لتوفير الماء الساخن للبيوت أو المصانع، لكنها يمكن أن تنتج الكهرباء أيضا من دون الحاجة إلى الخلايا الشمسية الباهظة الثمن. ففي أحد التصاميم، على سبيل المثال، تركّز المرايا الضوء على مولّد استيرلنگ Stirling engine، وهو جهاز عالي الكفاءة يحوي مائعا عاملا(5) يدور بين حجرتين إحداهما حارة والأخرى باردة. يتمدد المائع عند تعرضه لضوء الشمس فيدفع مكبسا يدير توربينا.
نظرة إجمالية(***)
بفضل تقدم التقانة، يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تصبح مساهما كبيرا في الطاقة العالمية.
لتسريع هذا الانتقال إلى الطاقات المتجددة، ينبغي للولايات المتحدة أن تزيد ما تخصصه للإنفاق على التطوير والبحث في مجال الطاقة.
كذلك ينبغي للولايات المتحدة أن تفرض رسما على الكربون لتكافئ مصادر الطاقة النظيفة مقابل تلك التي تؤذي البيئة.
وفي خريف عام 2005، أعلنت شركة من مدينة فونيكس تدعى( Stirling EnergySystems ( SES أنها كانت تخطط لبناء منشأتي طاقة كهربائية شمسية حرارية كبيرتين في جنوب كاليفورنيا. وقد وقّعت الشركة SES اتفاقية شراء مدتها عشرون عاما مع الشركة Southern California Edison التي سوف تشتري الكهرباء من منشأة شمسية قدرتها 500 MWستُبنى في صحراء موهاکي Mojave Desert. وسوف تضم المنشأة التي تمتد على مساحة 4500 أكر (أكثر من 16 كيلومتر مربع)، 000 20 مرآة على شكل صحن مقعر يركّز كل منها الضوء على مولّد استيرلنگ حجمه مثل حجم برميل النفط تقريبا. ويُتوقع أن تبدأ المنشأة العمل عام 2009 ويمكن توسيعها فيما بعد إلى 850 MW. ووقّعت الشركة SES أيضا عقدا مدته عشرون عاما مع شركة غاز وكهرباء سان دييگو San Diego Gas &Electricity لبناء منشأة قدرتها 300 MW تضم 000 12 صحن في إمبريال کالي. ويمكن فيما بعد تطوير هذه المنشأة لتنتج 900 MW.
لم تُعلن التفاصيل المالية المتعلقة بمشروعي كاليفورنيا على الملأ، لكن الكهرباء التي تنتجها التقانات الشمسية الحرارية الحالية تكلف ما بين 5 و13 سنتا لكل كيلوواط-ساعة، علما أن المنظومات المزوّدة بصحون مرايا تقع عند الحد الأعلى من هذا المجال. ولما كان المشروعان يتضمنان تقانة ذات وثوق عال وإنتاج بالجملة فيتوقع أن تنخفض تكلفة التوليد لتصبح قريبة من أربعة إلى ستة سنتات لكل كيلوواط-ساعة، أي تصبح منافسة لسعر الطاقة الكهربائية المنتجة بوساطة الفحم الحجري.
نمو متسارع للطاقة من الرياح(****)
لقد نمت الطاقة الكهربائية التي تولدها الرياح بسرعة تضارع تلك التي نمت بها الصناعة الشمسية. وازدادت مقدرة التوليد العالمية لتوربينات الرياح أكثر من 25 في المئة كل عام وسطيا، خلال العقد الماضي، حتى وصلت إلى 60000MWفي عام 2005. وكان هذا النمو بين عامي 1994 و 2005 أشبه ما يكون بالانفجار في أوروبا، فقد قفزت مقدرة الطاقة الكهربائية التي تولّدها الرياح في دول الاتحاد الأوروبي من 1700 إلى 40000 MWوعند ألمانيا وحدها أكثر من 18000MWبفضل برنامج بناء مدعومٍ سريع. وتلبي المقاطعة الألمانية الشمالية شلزکيك-هولشتاين حاليا ربع حاجتها من الكهرباء سنويا بوساطة أكثر من2400 توربين رياح؛ وفي أشهر معيّنة توافر الطاقة الكهربائية المولّدة بوساطة الرياح أكثر من نصف كهرباء هذه المقاطعة. يضاف إلى ذلك أن عند إسبانيا10000 MWمن القدرة المولدة بالرياح(6)، وعند الدنمارك 3000 MW,وعند كل من بريطانيا العظمى وهولندا وإيطاليا والبرتغال أكثر من 1000 MW.
تنمو بسرعة، لكنها لاتزال صغيرة(*****)
تكتسب الخلايا الشمسية والكهرباء المولّدة بوساطة الرياح والوقود البيولوجي بسرعة مكانة في أسواق الطاقة، لكنها تبقى هامشية مقارنة بمصادر الوقود الأحفوري، مثل الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط.
مصادر الطاقة المتنافسة
التحدي قادم
ينبغي لمزوّدي الطاقة المتجددة أن يتغلبوا على عدة عقبات تقانية واقتصادية وسياسية لكي يضارعوا حصة السوق الخاصة بمزوّدي الطاقة من المصادر الأحفورية. مثلا، ينبغي أن تستمر أسعار الخلايا الشمسية بالانخفاض لكي تصبح منافسة لمنشآت توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري. وينبغي لمطوّري مزارع الرياح أن يعالجوا المسائل المتعلقة بالبيئة وبالمعارضة المحلية. وتضم المصادر المتجددة الواعدة الأخرى مولّدات تعمل بالبخار الصاعد من المنافذ الجيوحرارية(7) ومنشآت توليد الكهرباء من الخشب والنفايات الزراعية.
ازدهار الطاقة المتجددة
تَسارع التداول التجاري لمصادر الطاقة المتجددة منذ عام 2000 تسارعا مذهلا. فقد قفز الإنتاج الطاقي السنوي العالمي للخلايا الشمسية، التي تعرف أيضا بالخلايا الفوتوکلطية، 45 في المئة عام 2005. وإن بناء مزارع رياح(8) جديدة، وبخاصة في أوروبا، قد رفع مقدرة التوليد العالمية لكهرباء الرياح(9) عشرة أضعاف خلال العقد الماضي. وارتفع إنتاج الإيثانول، أكثر أنواع الوقود البيولوجي شيوعا، إلى 36.5 بليون لتر في السنة. وكانت حصة الأسد للإيثانول المقطّر من الذّرة المزروعة في أمريكا.
كهرباء حارة من المرايا(******)
يمكن لمنظومات شمسية-حرارية، مستخدمة منذ زمن طويل لتأمين الماء الساخن للمنازل والمصانع، أن تولّد الكهرباء أيضا.ولما كانت هذه المنظومات تنتج الكهرباء من حرارة الشمس وليس من الضوء، فإنها لا تحتاج إلى الخلايا الشمسية الباهظة الثمن.
المركّزات الشمسية(10)
يتألف الصفيف array الشمسي الحراري من آلاف المركّزات الشمسية، التي لها شكل صحون يرتبط كل منها بمولّد استيرلنگ الذي يحوّل الحرارة إلى كهرباء. توضع المرايا بحيث تركّز ضوء الشمس المنعكس على مستقبِل مولّد استيرلنگ.
مولّد استيرلنگ
يقوم مولّد استيرلنگ العالي الأداء بتحريك مائع عامل(11)، مثل غاز الهدروجين، ذهابا وإيابا بين حجرتين (a). تكون الحجرة الباردة (الزرقاء) مفصولة عن الحجرة الحارة (البرتقالية) بوساطة مسترجِعregenerator يحافظ على فرق درجة الحرارة بينهما. تسخّن الطاقة الشمسية الآتية من المستقبِل الغازَ في الحجرة الحارة فتؤدي إلى تمدده، وتحريكه المكبسَ الحار (b). ثم يعكس هذا المكبس جهة حركته فيدفع الغاز الحار إلى الحجرة الباردة (c). وعند تبرّد الغاز يستطيع المكبس البارد أن يضغطه بسهولة فيتيح للدورة أن تبدأ من جديد (d). وتشغّل حركة المكابس توربينات تدير المولد alternator فتتولد الكهرباء.
أما في الولايات المتحدة فقد تسارعت صناعة توليد الكهرباء بوساطة الرياح تسارعا مذهلا في السنوات الخمس الماضية، حتى إن مقدرة التوليد الكلية قفزت 36 في المئة فوصلت إلى 9100 MWعام 2005. ومع أن توربينات الرياح لا تنتج حاليا سوى 0.5 في المئة من كهرباء البلاد فإن إمكانية التوسع هائلة وبخاصة في ولايات السهول الكبرى «گريت بلينز» ذات الرياح الشديدة. (على سبيل المثال، عند ولاية داكوتا الشمالية موارد طاقة رياح أكبر مما عند ألمانيا، لكن لا توجد سوى 98 MWمن مقدرة التوليد مركّبة هناك). ولو أن الولايات المتحدة بنت مزارع رياح كافية لاستغلال هذه الموارد استغلالا كاملا لأمكن للتوربينات أن تولّد من الكهرباء ما مقداره 11 تريليون كيلوواط-ساعة، أي ثلاثة أضعاف مقدار الطاقة الإجمالية التي أنتجتها جميع مصادر الطاقة في الولايات المتحدة في العام الفائت. وقد طوّرت الصناعة المتعلقة بطاقة الرياح توربينات تزداد كبرا وكفاءة، ويستطيع كل منها إنتاج ما بين 4 و 6 MWوفي العديد من المواقع تكون الكهرباء التي تولدها الرياح أرخص من أشكال الكهرباء الجديدة الأخرى وتراوح تكلفتها بين أربعة وسبعة سنتات لكل كيلوواط-ساعة.
000 60 ميگاواط مقدرة توليد الكهرباء من الرياح في العالم
0.5 في المئة الجزء من كهرباء الولايات المتحدة المنتَج بوساطة توربينات الرياح
1.9 سنت الدعم الضريبي للكهرباء المولَّدة من الرياح لكل كيلوواط-ساعة من الكهرباء
لقد حفّز الدعم الضريبي للإنتاج نموَّ مزارع الرياح الجديدة في الولايات المتحدة، حيث وافر لها إعانة متواضعة تعادل 1.9سنت لكل كيلوواط-ساعة، وهذا يتيح لتوربينات الرياح أن تنافس المنشآت العاملة بالفحم الحجري. إلا أن الكونگرس، لسوء الحظ، هدد مرارا بإلغاء الدعم الضريبي، فكان أن أدى عدم اليقين باستمرار الدعم السنوي إلى إبطاء الاستثمار في مزارع الرياح. ويهدد الكونگرس أيضا بأن يطيح بمشروع مزرعة رياح تقع خارج سواحل ماساتشوستس تضم 130 توربينا كانت ستوافر 486 MWمن مقدرة توليدية(12) تكفي لتزويد معظم مناطق كيب كود ومارتاس کاينْيارد ونانتوكت بالكهرباء.
وتأتي التحفظات حول الكهرباء التي تولّدها الرياح في أحد أجزائها من شركات توليد الكهرباء التي تمانع في تقبّل التقانة الجديدة، وفي جزئها الآخر ممن يسمون أنفسهم «ليس في فنائي الخلفي» الذين يرمز لهم بالأحرف(NIMBY)(13). ومع أن قلق الأهالي من تأثير توربينات الرياح في المنظر الطبيعي فيه بعض الحق، فإنهم يجب أن يوازنوا هذا بالتكاليف الاجتماعية للبدائل؛ فحيث تنمو حاجات المجتمع للطاقة بلا هوادة، فإن رفض مزارع الرياح غالبا ما يعني الحاجة إلى بناء منشآت تحرق الوقود الأحفوري أو توسيع تلك المنشآت، وهذا سيكون له آثار بيئية أكبر ضررا بكثير.
الوقود الأخضر(*******)
يندفع الباحثون أيضا بسرعة لتطوير أنواع الوقود البيولوجي biofuelsالذي يمكن أن يحل على الأقل محل جزء من النفط الذي تستهلكه حاليا محركات السيارات. والوقود البيولوجي الأكثر انتشارا من غيره بكثير في الولايات المتحدة هو الإيثانول ethanol الذي يُصنع عادة من الذرة الصفراء ويمزج في البنزين. ويستفيد مصنعو الإيثانول من دعم ضريبي سخي: بفضل المعونة السنوية البالغة بليوني دولار، باعوا أكثر من 16 بليون لتر من الإيثانول عام2005 (تقريبا 3 في المئة حجما من مجمل وقود السيارات)، ويُتوقع أن يرتفع الإنتاج 50 في المئة بحلول عام 2007. وقد تساءل بعض السياسيين حول الحكمة من المعونة مشيرين إلى أن الدراسات تبين أن الطاقة الواجب صرفها لجني الذُّرة وتكرير الإيثانول أكبر من تلك التي يمكن أن يقدمها هذا الوقود لمحركات الاحتراق. ولكنني اكتشفت وزملائي، في تحليل حديث، أن بعضا من هذه الدراسات لم يأخذ بالحسبان بشكل سليم المحتوى الطاقي للمنتجات الثانوية التي تصنع في الوقت نفسه مع الإيثانول. وحين أخذنا جميع هذه البيانات بالحسبان وجدنا أن للإيثانول طاقة صافية موجبة تقدر بنحو 5 ميگاجول لكل لتر.
ووجدنا كذلك أن تأثير الإيثانول في انبعاثات غاز الدفيئة أكثر غموضا(14).وتشير أفضل تقديراتنا إلى أن الاستعاضة عن النفط بالإيثانول الذي أساسه الذُّرة يُنقص انبعاثات غاز الدفيئة بمقدار 18 في المئة، لكن هذا التحليل تكتنفه ارتيابات كبيرة تتعلق بممارسات زراعية معينة، وعلى الأخص الثمن البيئي للأسمدة. فإذا استخدمنا افتراضات مختلفة حول هذه الممارسات أصبحت نتائج الانتقال إلى استخدام الإيثانول تراوح بين انخفاض في الانبعاثات مقداره 36 في المئة وارتفاع فيها مقداره 29 في المئة؛ ومع ذلك فإن الإيثانول الذي أساسه الذُّرة يمكن أن يساعد الولايات المتحدة على خفض اعتمادها على النفط الأجنبي، ولكنه لن يفيد كثيرا في إبطاء الاحترار العالمي ما لم يصبح إنتاج الوقود البيولوجي أنظف.
عند أمريكا مصادر هائلة لطاقة الرياح(15) تكفي لتوليد 11 ترليون كيلوواط-ساعة من الكهرباء كل سنة. وتقع بعض أفضل المواقع المناسبة لتوربينات الرياح في ولايات السهول الكبرى، والبحيرات الكبرى، وفي سلاسل جبال روكي وأبالاتشيانز.
لكن الحسابات تتغير تغيرا جوهريا حين يكون الإيثانول مصنوعا من مصادر سِلْيلوزية: من النباتات الخشبية مثل الثُمّام العَصوي switchgrass(واسمه اللاتيني Panicum Virgatum) أو الحور. ففي حين يحرق معظم مصنعي الإيثانول الذي أساسه الذرة الوقود الأحفوري، لتوفير الحرارة اللازمة للتخمر فإن منتجي الإيثانول السليلوزي يحرقون الخشبين lignin ـ وهو الجزء الذي لا يتخمر من المادة العضوية ـ لتسخين السكاكر النباتية. ولا يضيف حرق الخشبين (اللجنين) أية غازات دفيئة إلى الجو، لأن امتصاص ثنائي أكسيد الكربون أثناء نمو النباتات المستخدمة لصنع الإيثانول يعادل الانبعاثات، ونتيجة لذلك يمكن أن تخفض الاستعاضة عن البنزين بالإيثانول السليلوزي انبعاثات غاز الدفيئة بما يعادل 90 في المئة أو أكثر.
16.2 بليون لتر من الإيثانول أُنتجت في الولايات المتحدة عام 2005
2.8 في المئة حصة الإيثانول من مجمل وقود السيارات حجما
2 بليون دولار الدعم السنوي للإيثانول الذي أساسه الذُّرة
أما الوقود البيولوجي الآخر الواعد فهو ما يسمى الديزل الأخضر greendiesel. لقد أنتج الباحثون هذا الوقود بقيامهم أولا بتغويز gasifying الكتلة البيولوجية ـ أي تسخين المواد العضوية تسخينا يكفي لأن يتحرر الهدروجين وأحادي أكسيد الكربون ـ ثم بتحويل هذه المركّبات إلى هدروكربونات طويلة السلسلة باستخدام عملية فيشر-تروبْش (وقد استخدم المهندسون الألمان خلال الحرب العالمية الثانية هذه التفاعلات الكيمياوية لصنع وقود محركات تركيبي من الفحم الحجري)، وسوف تكون النتيجة وقودا سائلا منافسا من الناحية الاقتصادية للاستخدام في محركات السيارات لا يضيف تقريبا أية غازات دفيئة إلى الجو. وتتقصى حاليا شركة النفط العملاقة دُتْش/شل هذه التقانة.
الحاجة إلى البحث والتطوير(********)
حاليا يمر كل من هذه المصادر المتجددة في منعطف خطير، فهذه هي المرحلة الحاسمة حين يمكّن الاستثمار والابتكار والتسويق هؤلاء المنجذبين المترددين عموما من أن يصبحوا مساهمين رئيسيين في تزويد الطاقة محليا أو عالميا. وفي الوقت نفسه بدأت تنتشر الخطط الطموحة المصممة لفتح الأسواق أمام الطاقات المتجددة على مستوى المدن والولايات والمستوى الفدرالي في جميع أنحاء العالم. وقد تبنت الحكومات هذه الخطط لأسباب متنوعة جدا: لتشجيع تنوع الأسواق أو الأمن الطاقي ولدعم الصناعات والتوظيف ولحماية البيئة على المستويين المحلي والعالمي. ففي الولايات المتحدة هناك أكثر من 20 ولاية تبنّت معايير تضع حدا أدنى لجزء الكهرباء الذي يجب أن يقدَّم بوساطة موارد متجددة. وتخطط ألمانيا لتوليد 20 في المئة من كهربائها من الموارد المتجددة بحلول عام 2020، وتنوي السويد التخلي عن الوقود الأحفوري كليا.
وصل السيارات الهجينة بمقابس الكهرباء(*********)
سوف تكون الفوائد البيئية أكبر إذا استُخدم الوقود البيولوجي المتجدد لتشغيل السيارات الكهربائية الهجينةplug-in hybrid electric vehicles، واختصاراPHEV. فهذه السيارات والشاحنات، مثلها مثل معظم السيارات الهجينة التي تعمل بالبنزين والكهرباء، تجمع بين محرك الاحتراق الداخلي والمحرك الكهربائي لجعل كفاءة الوقود عظمى. لكن في السياراتPHEV بطاريات أكبر يمكن إعادة شحنها بوصلها بمقبس (مأخذ) الكهرباء. وبإمكان هذه العربات أن تسير بوساطة الكهرباء وحدها خلال رحلات قصيرة نسبيا، أما في الرحلات الطويلة فيبدأ محرك الاحتراق الداخلي بالعمل حين لا يبقى في البطاريات طاقة كافية. وبإمكان هذه التوليفة أن تخفض استهلاك البنزين تخفيضا كبيرا؛ ففي حين تستهلك سيارات الركاب العادية من الوقود ما يقارب الگالون (3.8 لتر) لكل 45 كيلومتر (30ميل) وتستهلك وسطيا السيارات الهجينة عندما لا توصل بالكهرباء (مثل سيارة الشركة تويوتا المسماة Prius) گالونًا لكل75 كيلومتر، فإن السياراتPHEV يمكن أن تستهلك ما يعادل كالونًا لكل120 إلى 240 كيلومتر. وينخفض استهلاك الوقود أكثر إذا عملت محركات الاحتراق في السياراتPHEV باستخدام مزائج الوقود البيولوجي، مثل الوقود EBS وهو مزيج15 في المئة من البنزينو85 في المئة من الإيثانول.
فإذا استعيض عن أسطول سيارات الولايات المتحدة كله بين ليلة وضحاها بالسياراتPHEV لانخفض استهلاك النفط فيها 70 في المئة أو أكثر، وهذا ينفي الحاجة كليا إلى استيراد النفط. وستكون لمثل هذه الاستعاضة أيضا نتائج عميقة تتعلق بحماية مناخ الأرض الهش، إضافة إلى زوال الضبخانsmog. ولما كان معظم الطاقة الذي تُزوّد به السيارات يأتي من شبكة الكهرباء بدلا من أن يأتي من خزانات الوقود فسوف تتركز الآثار البيئية في آلاف قليلة من منشآت توليد الكهرباء عوضا عن مئات الملايين من السيارات. وسوف يركّز هذا الانتقالُ التحديَ المتعلق بحماية المناخ مباشرة على مهمة إنقاص انبعاثات غاز الدفيئة الناتجة من توليد الكهرباء.
وكذلك بإمكان السياراتPHEV أن تكون وسيلة لإنقاذ صناعة السيارات الأمريكية المريضة(16). فبدلا من الاستمرار في خسارة حصة السوق لصالح الشركات الأجنبية يمكن لمصنّعي السيارات أن يصبحوا منافسين من جديد إذا أعادوا تجهيز مصانعهم بهدف إنتاج السيارات PHEV التي كفاءة استهلاكها للوقود أفضل من السيارات الهجينة التي لا توصل بمقابس الكهرباء التي تبيعها حاليا الشركات اليابانية. وسوف تستفيد شركات الكهرباء أيضا من هذا التحول، لأن معظم مالكي السيارات PHEV سوف يعيدون شحن بطاريات سياراتهم أثناء الليل حين تكون الكهرباء أرخص ما تكون، فيساعدون بذلك على تخفيف حدة الطلب الأعظم والأدنى على الكهرباء. ففي كاليفورنيا، على سبيل المثال، تؤدي الاستعاضة عن 20 مليون سيارة عادية بالسيارات PHEV إلى زيادة الطلب الليلي على الكهرباء إلى مستوى الطلب النهاري نفسه تقريبا فيحسّن بذلك كثيرا استخدام شبكة الكهرباء والعديد من منشآت توليد الكهرباء التي تبقى متوقفة أثناء الليل. وإضافة إلى ذلك فإن السيارات الكهربائية التي لا تُستخدم نهارا يمكنها أن تقدم الكهرباء إلى شبكات التوزيع المحلية في أوقات يكون فيها الضغط على الشبكة كبيرا. إن الفوائد الكامنة بالنسبة إلى صناعة الكهرباء تكمن بالضغط على شركات الكهرباء لتجعلها راغبة في تشجيع بيع السيارات PHEV، وذلك بتقديم أسعار كهرباء مخفضة لشحن بطاريات السيارات. وأهم ما في الأمر أن السياراتPHEV ليست سيارات غير مألوفة تنتمي إلى المستقبل البعيد. فقد قدمت الشركة DaimlerChryslerنموذجا أوليا للسيارةPHEV، وهي مماثلة لسيارة الشركةMercedes-Benz المسماةSprinteVan واستهلاكها للبنزين أقل بمقدار40 في المئة من النموذج العادي. وتَعد السياراتPHEV بأن تصبح أكثر كفاءة مما هي عليه حاليا، حين تُحسّن التقانات الجديدة كثافة البطاريات الطاقية فتتيح للسيارات أن تقطع مسافات أطول باستخدامها الكهرباء فقط.
.D.M.K
حتى الرئيس <جورج دبليو بوش> ذكر في خطابه الشهير حول حالة الاتحاد في الشهر 1/2006: إن الولايات المتحدة «مدمنة على النفط.» ومع أن <بوش> لم يشر إلى علاقة ذلك بالاحترار العالمي(16)، فإن جميع العلماء متفقون تقريبا على أن إدمان البشرية على الوقود الأحفوري يسبب اضطرابا في مناخ الأرض. لقد حان وقت الفعل(17)، فالوسائل أصبحت موجودة أخيرا لتعديل إنتاج الطاقة واستهلاكها بطرق تفيد في الوقت نفسه كلا من الاقتصاد والبيئة. وخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية تراجع التمويل الخاص والعام للبحث والتطوير في قطاع الطاقة. وبين عامي 1980 و 2005 انحدر الإنفاق في الولايات المتحدة كلها على البحث والتطوير المخصصين للطاقة من 10 إلى 2 في المئة؛ وهوى التمويل العام السنوي للبحث والتطوير في مجال الطاقة من 8 بلايين إلى 3 بلايين دولار (بدولارات عام 2002)؛ كما انخفض البحث والتطوير الخاص من 4 بلايين إلى بليون دولار [انظر الإطار في الصفحة 40].
ولوضع هذه الانحدارات في منظورها العام، كانت شركات الطاقة في بداية الثمانينات تنفق على البحث والتطوير أكثر مما تنفقه شركات الأدوية، في حين لا يشكل إنفاق شركات الطاقة اليوم سوى نحو عُشر ما كان عليه. إن مجمل تمويل البحث والتطوير الخاص بقطاع الطاقة يقل عن تمويل شركة واحدة كبيرة للتقانة البيولوجية biotech. (على سبيل المثال، بلغت مصروفات الشركةAmgen على البحث والتطوير 2.3 بليون دولار عام 2005). ومثلما تضاءل الإنفاق على البحث والتطوير تضاءل كذلك الابتكار. فمثلا تناقص تمويل البحث والتطوير للخلايا الشمسية وتوليد الكهرباء من الرياح خلال ربع القرن الماضي، وهبط تبعا لذلك عدد التطبيقات الناجحة المرخصة ببراءة اختراع في هذين المجالين. كما أن غياب الانتباه إلى البحث الطويل الأمد والتخطيط أضعف إضعافا ذا شأن مقدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات المتعلقة بتغير المناخ والفوضى في التزود بالطاقة.
قد أصبحت الدعوة إلى تعهد أساسي جديد بالبحث والتطوير في مجال الطاقة دعوة شائعة. وكانت دراسة أجرتها لجنة مستشاري الرئيس (الأمريكي) في شؤون العلم والتقانة عام 1997 وتقرير أعدّته هيئة الحزبين الوطنية (الأمريكية) لسياسة الطاقة عام 2004، أوصيا كلاهما بأن تضاعف الحكومة الفدرالية إنفاقها على البحث والتطوير في مجال الطاقة. ولكن هل سيكون مثل هذا التوسع كافيا؟ على الأغلب لن يكون. لقد قامت مجموعتي البحثية بحسابٍ مبني على تقديرات تكلفة إبقاء كمية ثنائي أكسيد الكربون في الجو ثابتة وعلى دراسات أخرى تُقدِّر نجاح برامج البحث والتطوير في مجال الطاقة وما يمكن أن ينتج من ذلك من وفر بفضل التقانات التي يمكن أن تظهر، فوجدتْ أن تمويلا عاما يراوح بين 15 و 30 بليون دولار كل سنة سيكون ضروريا ـ وهذا يفوق المستويات الحالية بخمس إلى عشر مرات.
البحث والتطوير هو الحل(**********)
انخفض الإنفاق على البحث والتطوير في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة بصورة ثابتة منذ ذروته عام1980. وتدل دراسة النشاط في براءات الاختراع أن الهبوط في التمويل أبطأ تطويرَ تقانات الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال انخفض عدد التطبيقات الناجحة (في الخلايا الشمسية وتوليد الكهرباء من الرياح) المرخصة ببراءات اختراع مع انحدار الإنفاق على البحث والتطوير في هذين المجالين.
الإنفاق على البحث والتطوير في الطاقة في الولايات المتحدة
تأخر الابتكار في مجال الخلايا الشمسية…
… وفي مجال توليد الكهرباء من الرياح
مبالغ الإنفاق مقدرة بدولارات عام 2002 لأخذ التضخم بالحسبان.
لقد وجدتُ مع <F.G.نِمِت> [طالب الدكتوراه في مختبري] أن زيادة بهذا القدر ستكون مشابهة تقريبا لتلك التي حدثت خلال مبادرات فدرالية سابقة، مثل مشروع منهاتن وبرنامج أبولو، وقد أنتج كل منهما فوائد اقتصادية واضحة، إضافة إلى أنه حقق أهدافه. وبإمكان شركات الطاقة الأمريكية أن تزيد إنفاقها الخاص بالبحث والتطوير عشر مرات وستبقى مع ذلك دون الوسطي بالنسبة إلى صناعة الولايات المتحدة بمجملها. ومع أن التمويل الحكومي أساسي لدعم التقانات في مراحلها المبكرة، فإن البحث والتطوير في القطاع الخاص هو المفتاح لغربلة أفضل الأفكار ولإزالة الحواجز أمام جعلها متداولة تجاريا.
ولكن زيادة الإنفاق على البحث والتطوير ليست الطريقة الوحيدة لجعل الطاقة النظيفة أولوية وطنية. فبإمكان المربّين، في جميع المستويات من روضة الأطفال حتى الكلّية، إثارة اهتمام الجمهور وجعله يؤكد اتخاذ الإجراءات الفعالة، وذلك بأن يعلّموا كيف يؤثر استخدام الطاقة وإنتاجها في كل من البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية. وبإمكان المنظَّمات اللاربحية تنظيم سلسلة من المنافسات تمنح جوائز لأول شركة أو مجموعة خاصة تتوصل إلى تحقيق هدف صعب جدير بالاهتمام في مجال الطاقة، مثل تصميم جهاز أو بناء يستطيع توليد كهربائه بنفسه، أو مثل تطوير سيارة تجارية تستطيع قطع 300 كيلومتر (200 ميل) باستهلاك گالون واحد (3.8 لتر) من الوقود. ويمكن أن تكون الجوائز مماثلة لجوائز أشوكا التي تُمنح للرواد في السياسة العامة ولجائزة Ansari Xالتي تُمنح لمطوري المركبات الفضائية. وكذلك ينبغي للعلميين والمقاولين أن يركّزوا على إيجاد طرق مقبولة التكلفة ونظيفة لمواجهة حاجات الناس إلى الطاقة في العالم النامي. وعلى سبيل المثال، قمت مع زملائي مؤخرا بتبيان الفوائد البيئية الناتجة من تحسين مواقد الطبخ في إفريقيا.
لكن ربما كانت أكثر الخطوات أهمية نحو إيجاد اقتصاد طاقي مستدام هو إنشاء خطط على أساس السوق لجعل أسعار الوقود الكربوني تمثل تكلفته الاجتماعية؛ ذلك أن استخدام الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي يفرض عبئا جماعيا ضخما على المجتمع بصورة مصروفات على العناية الصحية المتعلقة بأمراض مزمنة يسببها تلوث الهواء، ونفقات عسكرية لجعل التزود بالنفط آمنا، وتخريب للبيئة بسبب أعمال التنقيب، وتأثيرات اقتصادية ضارة ناتجة من الاحترار العالمي. إن رسما يُفرض على انبعاثات الكربون يمكن أن يوافر طريقة بسيطة ومنطقية وشفافة لمكافأة مصادر الطاقة المتجددة النظيفة مقابل تلك التي تضر بالاقتصاد وبالبيئة. ويمكن أن تفي عائدات الضريبة بعض التكاليف الاجتماعية المتعلقة بانبعاثات الكربون، كما يمكن أن يُخصص جزء منها لتعويض الأُسر ذات الدخل المنخفض التي تنفق جزءا كبيرا من دخلها على الطاقة. وأكثر من ذلك يمكن دمج رسم الكربون في البرنامج المسمى التزم و تاجر cap-and-trade، الذي يضع حدودا على انبعاثات الكربون ولكنه يسمح أيضا لمزودي الطاقة النظيفة ببيع رخصهم إلى منافسيهم منتجي الطاقة الملوِّثة. لقد استخدمت الحكومة الفدرالية (الأمريكية) مثل هذه البرامج بنجاح كبير لكبح الملوّثات الأخرى، وتختبر بعض الولايات الشمالية الشرقية حاليا تجارة انبعاثات غاز الدفيئة.
أقل أنواع الوقود الأحفوري سوءا(***********)
مع أن مصادر الطاقة المتجددة تقدم أفضل الطرق للخلاص نهائيا من انبعاثات غاز الدفيئة، فإن توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي عوضا عن الفحم الحجري يمكن أن يقلل كثيرا من كمية الكربون المضافة إلى الجو. إن منشآت توليد الكهرباء العادية العاملة بالفحم الحجري تُصدر0.25 كيلوغرام من الكربون لتوليد كل كيلوواط-ساعة من الكهرباء. (تصدر المنشآت الأحدث العاملة بالفحم الحجري20 في المئة أقل من الكربون). لكن للغاز الطبيعي[CH4] نسبة أعلى من الهدروجين ونسبة أخفض من الكربون مما للفحم الحجري. ولا تُصدر منشأة توليد كهرباء ذات دورة مركّبة تحرق الغاز الطبيعي سوى نحو0.1 كيلوغرام كربون لكل كيلوواط-ساعة (انظر المخطط في اليسار).
كيفية تراكم انبعاثات منشآت توليد الكهرباء
ولكن الازدياد الكبير في استخدام الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى رفع، لسوء الحظ، سعر هذا الوقود. فخلال العقد الماضي كان الغاز الطبيعي أسرع مصادر طاقة الوقود الأحفوري نموا، وهو يزوّد حاليا نحو20 في المئة من كهرباء أمريكا. وفي الوقت نفسه ارتفع سعر الغاز الطبيعي من متوسط يبلغ نحو2.5 إلى 3 دولارات لكل مليون Btu(وحدة الحرارة البريطانية) في عام 1997 إلى أكثر من7 دولارات لكل مليونBtu اليوم.
كانت زيادات السعر خطرة لدرجة أن <A.كرينسبان> [الذي كان حينذاك رئيس مجلس المخزون الفدرالي] حذّر في عام2003 من أن الولايات المتحدة تواجه أزمة في الغاز الطبيعي. وكان الحل الأول الذي اقترحه البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونگرس هو زيادة إنتاج الغاز. وقد تضمن قانون سياسة الطاقة لعام 2005 معونات لدعم منتجي الغاز وزيادة الاستكشاف والتوسع في استيراد الغاز الطبيعي المُسال. ولكن هذه الإجراءات يمكن ألا تعزز الأمن الطاقي، لأن معظم الغاز الطبيعي المُسال يأتي من بعض بلدان أوپيكOPEC نفسها التي تزوّد الولايات المتحدة بالنفط. وماعدا ذلك فإن توليد الكهرباء حتى من أنظف منشآت التوليد العاملة بالغاز الطبيعي سوف يُصدر من الكربون أكثر مما يحقق الوصول إلى هدف إبقاء ثنائي أكسيد الكربون في الجو دون 450 إلى550 جزءا في المليون حجما. (ذلك أن مستويات أعلى من هذه يمكن أن تكون لها عواقب كارثية بالنسبة إلى المناخ العالمي).
يمكن أن يكون تحسين كفاءة الطاقة وتطوير المصادر المتجددة أسرع وأرخص وأنظف ويوافر أمنا أفضل من تطوير مصادر غاز جديدة. إن تكلفة الكهرباء من مزرعة رياح أقلُّ من تلك المنتجة بوساطة منشأة توليد تعمل بالغاز الطبيعي إذا ما أخذت المقارنة بالحسبان التكلفة الكلية لبناء المنشأة وتنبأت بأسعار الغاز. أضف إلى ذلك أن مزارع الرياح والصفيفات الشمسية يمكن أن تبنى بصورة أسرع من منشآت الغاز الطبيعي ذات المقياس الكبير. والشيء الأكثر أهمية أن تنويع المصادر هو أكبر حليف لأمريكا في الحفاظ على قطاع طاقة منافس ومبتكِر. إن دعم المصادر المتجددة منطقي من الناحية الاقتصادية فقط، حتى قبل أخذ الفوائد البيئية بعين الاعتبار.
D.M.K.
وأفضل ما في الأمر أن هذه الخطوات يمكن أن توافر لشركات الطاقة حافزا ماليا هائلا لدفع تطوير مصادر الطاقة المتجددة وطرحها تجاريا. وفي الحقيقة تمتلك الولايات المتحدة الفرصة لأن ترعى صناعة جديدة كليا. وخطر تغير المناخ يمكن أن يكون نداءً لثورة تقانة نظيفة تستطيع أن تقوّي القاعدة الصناعية في البلاد وأن تخلق آلاف الوظائف وتخفف العجز التجاري الدولي ـ فعوضا عن استيراد النفط الأجنبي يمكن تصدير سيارات عالية الكفاءة وتجهيزات وتوربينات رياح وخلايا شمسية. وبإمكان مثل هذا التحول أن يجعل قطاع الطاقة في البلاد شيئا كان يُعتقد أنه مستحيل: محرك نموٍ نابضٍ بالحياة مستدام بيئيا.
المؤلف
Daniel M. Kammen
تخرّج عام 1935، وهو أستاذ متميز في الطاقة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي حيث يشغل عدة مناصب في مجموعة الطاقة والموارد وفي مدرسة گولدمان للسياسة العامة وفي قسم الهندسة النووية. وهو مدير مؤسس لمختبر الطاقة المتجددة الملائمة ومدير مشارك في معهد بيركلي للبيئة.
مراجع للاستزادة
Reversing the Incredible Shrinking Energy R&D Budget.
D.M. Kammen and G.F. Namet in Issues in Science and Technology, pages 84-88; Fall 2005.
Science and Engineering Research That Values the Planet.
A. Jacobson and D.M. Kammen in The Bridge, Vol. 35, No. 4, pages 11-17; Winter 2005.
Renewables 2005: Global Status Report. RenewableEnergyPolicy Network for the 21st Century. Worldwatch Institute, 2005.
Ethanol Can Contribute to Energy and Environmental Goals.
A. E. Farrell, R. J. Plevin, B.T. Turner, A.D. Jones, M. OصHare and D. M. Kammen in Science, Vol. 311, pages 506-508; January 27, 2006.