تطوّر السَّنانير
تطوّر السَّنانير(*)
أوضحت دراسة الآثار الجينومية للدّنا DNA في عالم
السنانير البرية، تفرع شجرة نسب الفصيلة السنورية،
وكشفت النقاب عن هجرات متعددة جديرة بالملاحظة قامت بها.
<J.S.أوبراين> ـ <E.W.جونسون>
مفاهيم مفتاحية
كان تاريخ الفصيلة السِّنَّوْرِيّة غامضا بسبب نُدرة البيانات الأحفورية (المستحاثية) عنها وصعوبة تمييز بعضها من بعض. لكن تقدم دراسات الدّنا DNA مكّن من وضع أول شجرة نسب واضحة لهذه الفصيلة. بيّنت حقائق الدنا أن جميع السنانير المعاصرة ترجع إلى حيوان مفترس شبيه بالنمر كان يعيش في جنوب شرق آسيا قبل10.8 مليون سنة. وكانت السنانير الكبيرة الزائرة roaring أول الفروع التي تشعبت، تبعتها سبعة خطوط أنساب lineages أخرى. مع ارتفاع مستوى سطح البحار وانخفاضه، كانت السنانير تهاجر نحو قارات جديدة وقد تطورت أنواع جديدة أيضًا. وقد جرى تدجين قِطّ بري صغير في الشرق الأدنى قبل 8000 إلى10000سنة مضت. على الرغم من نجاح تطور السنانير البرية، فإن جميعها تقريبا مهدد الآن بالانقراض. محررو ساينتفيك أمريكان |
لا تُحيّر السنانير (القطط) الرائعة الأنيقة والمبهمة أولئك الذين يشركون أنواعها الصغار الاستلقاء على أرائكهم الوثيرة، وإنما أيضا العلماء الذين حاولوا حل لغز أصل أبناء عمومتهم الكبار وتطورهم. أين بدأ ظهور الفصيلة السِّنَّوْرِيّة الحديثة؟ ولماذا ومتى تركت مواطنها وهاجرت عبر القارات؟ وما هو عدد الأنواع الموجودة حاليا؟ ومن منها يرتبط بعضه ببعض ارتباطا وثيقا؟
يتفق الخبراء عموما أنه يوجد 37 نوعا في الفصيلة السنورية، ولكنهم قدموا عشرات من مشاريع التصنيف لترتيب أنواع السنانير في عدد من الأجناس يراوح بين جنسين فقط و23 جنسا. مَن الذي يحسم الخلاف؟ في الظاهر يبدو أحد أنواع السنانير مماثلا للآخر إلى حد كبير، فهي تبدو وكأنها مجرد سنانير كبار وسنانير متوسطة وسنانير صغار. فتمييز جمجمة أسد عن جمجمة بَبْرtiger يشكل نوعا من التحدّي حتى بالنسبة لخبير، بل إن الأبحاث الوراثية التي أجريناها خلال العَقْدين الماضيين فشلت في تصنيف السنانير في مجموعات محددة.
لكن حدث في السنوات الأخيرة، من ناحية ثانية، أن الثورة الوراثية الخاصة بكشف متواليات الجينوم (المجين) لمخلوقات مختلفة، وفي مقدمتها مشروع الجينوم البشري، وإمكانات التقانات الضخمة لسبر أغوار الدنا DNA، قد وافرت بعض الوسائل الحديثة ذات القيمة المعتبرة لكشف الحقيقة. وعلى هدى هذه التقنيات الحديثة، قام كل منا، بمساعدة زملاء في مؤسسات أخرى، ببناء أول شجرة نسب واضحة المعالم للفصيلة السنورية. فبمقارنة متواليات الدنا ذاتها في ثلاثين جينة (مورثة) من كل نوع سنور حي، أصبح بإمكاننا تحديد فروع الشجرة؛ ثم، كي نتوصل إلى معرفة الزمن الذي ظهر فيه كل فرع، استخدمنا أحافير (مستحاثات) موثوقة التأريخ و«تحاليل الساعة الجزيئية» (التي تمكّن، اعتمادا على مدى الفروق بين الجينات المحددة، من تقدير الزمن الماضي الذي تم فيه افتراق الأنواع بعضها عن بعض). وأعطت النتيجة الفكرة النهائية الأولى عن كيفية ارتباط السنانير ذات القدود (الأحجام) المختلفة بعضها ببعض ومكَّنتنا من استنتاج كيف ومتى استعمرت هذه الضواري الرائعة القارات الخمس.
لقد لاحظنا على الفور أن دراسات الدّنا مكَّنَتْ من تجميع الأنواع السبعة والثلاثين في ثماني مجموعات clusters أو خطوط أنساب (سلالات) lineages. وقد فُتِنَّا ـ وتشجعنا ـ برؤية أن المجموعات الثماني المحددة حصرا بالتحليل الجزيئي، تتوافق مع أصناف الملاحظات الأخرى. ومثال ذلك أن الأنواع في خط الأنساب الواحد تشترك غالبا في خصائصها المورفولوجية والبيولوجية والفيزيولوجية التي لا توجد إلا في مجموعتها. فمثلا، يضم أحد الخطوط جميع السنانير الكبيرة الزائرة roaring (الأسد والبَبْر tiger والنمر leopardوالجاگوار والنمر الثلجي)، وهي تشترك جميعا في وجود عظم لاميّ ناقص التعظم عندها، وهو عظم موجود في العنق يدعم اللسان، وهذا يؤهلها للزئير. وتضم هذه المجموعة أيضا النمر الغائم clouded leopard ونمر بورنيو الغائم، وهما نوعان معروفان بقدهما المتوسط وفروتهما المرمرية الجميلة؛ ولكونهما يشتملان على عظم مختلف البنية في العنق فلا يستطيعان الزئير.
لقد حدَّدت مقارنة متواليات الجينات خطوط الأنساب وترتيب نشوئها. واعتمادا على المعايير الأحفورية، تحدد الزمن الذي ظهرت فيه. ومع ذلك، إننا نحتاج إلى قطعتين إضافيتين من المعلومات لاستكمال المشهد (السيناريو الخاص بنا) وتبيُّن أين ظهرت أوائل السنانير وكيف آلت إلى خريطة توزعها الحالي حول العالم. في البدء قمنا بتحديد التوزع الحالي لكل نوع من السنانير ومكان ظهور أسلافها من بقايا الآثار الأحفورية (الپاليونتولوجية)؛ ثم نظرنا إلى عالم السنانير، من وجهة نظر الجيولوجيين الذين اتخذوا تركيب تَوَضُّع الرسوبيات دليلا على ارتفاع مستوى سطح البحار وانخفاضه. فعندما كان مستوى سطح البحار منخفضا كانت تظهر جسور أرضية تربط القارات وتمكن الثدييات من الهجرة نحو حقول أو ميادين جديدة. وعندما يعود مستوى سطح البحار إلى الارتفاع كانت الحيوانات تنعزل مرة أخرى. لقد بيّنت الدراسات على الفقاريات أن الانعزال في القارات أو الجزر يوافر الشروط اللازمة لميل عشيرة ما a population للانجراف drift وراثيا إلى حد ينتهي بها إلى جعلها غير قادرة على التزاوج مع الأخلاف المعاصرة لأقربائها السابقين ـ وهذا يعني تكوّن حاجز تناسلي وهو السمة المميزة لنشأة الأنواع speciation. بعد التسلح بهذه القطع من أجزاء اللغز، أمكننا بناء تتابع مقبول للهجرات طوال تاريخ السنانير.
واستنادا إلى السجل الأحفوري وحده، كان معظم الباحثين قد قبلوا اعتبار السنور المسمى سوديليورس Pseudaelurus، الذي عاش في أوروبا قبل تسعة ملايين إلى عشرين مليون سنة مضت، هو السلف المشترك الأخير للسنانير المعاصرة. (لم يكن Pseudaelurus السنور الأول، بل كانت السنانير السيفية الأسنان الكبار المسماة نِمْراکيدات nimravids التي يرجع وجودها إلى خمسة وثلاثين مليون سنة مضت، لكن جميع أخلافها قد اندثرت). ومهما يَكُن، نقترح بعد استقصاءاتنا الجزيئية الحديثة، اعتبار أن جميع السنانير العصرية أو الحديثة قد انحدرت من أحد أنواع الجنس Pseudaelurus التي كانت تعيش في آسيا قبل 11 مليون سنة. ومع أننا لسنا متأكدين أي نوع من تلك السنانير كان هو السلف، فإننا نعتقد أن تلك المجموعة القديمة هي التي ضمت «آدم» و«حواء» سنانير اليوم التي تنتمي إلى 37 نوعا.
شجرة نسب الفصيلة السنورية(**)
قارن العالمان متواليات الدّنا DNA في جميع أنواع السنانير السبعة والثلاثين لتحديد فروع شجرة النسب. أعطت الأحافير التواريخ التي توضح متى حصلت التشعبات الرئيسية.
ثمانية خطوط أنساب
|
في حركة دائبة(***)
تفرعت المجموعة الأولى عن هذا السنور الآسيوي الغامض قبل 10.8 مليون سنة تقريبا منتجة خط النمور 6 (انظر الجدول في الأعلى)، الذي يضم اليوم السنانير الكبيرة الزائرة ونوعين من النمور الغائمة. وحدث التشعب الثاني بعد نحو 1.4 مليون سنة (أي قبل 9.4 مليون سنة) في آسيا أيضا وأعطى خط سنانير بورنيو الكميتية 7، المؤلفة حاليا من ثلاثة سنانير صغيرة تطورت ومازالت تعيش في جنوب شرق آسيا. وأدَّى التشعب التالي من المجموعة الأصلية إلى إنشاء خط العنَاق 8 caracal يمثله اليوم ثلاثة أنواع متوسطة القدّ، قام أسلافها بالعبور إلى إفريقيا قبل 8 إلى 10 ملايين سنة مضت، راكبة موجة الهجرة الأولى عبر القارات (انظر الخريطة العلوية في الصفحة 24). خلال هذه الحقبة انخفض مستوى سطح البحار حتى 60 مترا عن مستوياته المعاصرة الحالية، وهذا أدى إلى ربط إفريقيا وشبه الجزيرة العربية بجسور أرضية في كل من نهايتَيِ البحر الأحمر وسهَّل الهجرة إلى إفريقيا.
وتهاجر السنانير لأن نظام سلوكها الصارم يتطلب انتشار كل جيل. فحالما تشبّ الذكور، وأحيانا الإناث، عن الطوق تُدفع قسرا على الجلاء عن مواطنها التي ولدت فيها. وهكذا، يتطلب تكاثر عشائر السنانير، عبر الزمن، ارتياد مناطق تزداد اتساعا لتأمين انتشارها. ولعل هذا السلوك، مشفوعا بالضرورة الضاغطة لمتابعة أنواع الفرائس المهاجرة، يفسر لماذا كانت السنانير تندفع للترحال لمناطق أكثر بعدا واتساعا. وهي أيضا من الضواري المفترسة الفائقة البراعة، وتستكشف بسرعة مناطق جديدة كلما سنحت الفرصة. ولهذا، ليس من المستغرب أنها تتمكن من الحركة متوغلة بنجاح في بقاع غير مستغلة.
خلال الفترة ذاتها التي شرعت فيها السنانير الآسيوية تتوغل في إفريقيا، بدأت أيضا تنتشر عبر آسيا وتجتاز الجسر الأرضي لمضيق (لبوغاز) بيرينگ نحو ألاسكا. وفي الوقت الذي أصبحت السنانير تجوب فيه آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا الشمالية، ارتفعت مستويات البحار فاصلةً القارات بعضها عن بعض. ومع هذا الانعزال وتغيّر الموائل تطورت مجموعات من أنواع جديدة. ففي أمريكا الشمالية انفصل خطا الأُسلوت ocelot 9 والوَشَق lynx : عن أصولهما المهاجرة قبل 8 ملايين و7.2 مليون من الأعوام المنصرمة على التوالي، مع انقسام خط الأسلوت فيما بعد إلى نوعين؛ كما أن المجموعة الأخرى أنتجت أربعة أنواع: ثلاثة من الأوشاق والرابع هو الببكات bobcat. أما خط الپوما Puma ؛ فقد تشعب قبل 6.7 مليون سنة، فأعطى الپوما (المسمى أيضا الكُوگَر أو أسد الجبال) والجاگوارندي jaguarundi والفهد القناص cheetah الأمريكي. وقد أثبتت بقايا جميع هذه الأنواع في الأحافير الأمريكية أن أصولها توجد في نصف الكرة الغربي.
ساد عصر جليدي جديد قبل مليونين إلى ثلاثة ملايين عام، وهذا سبب انحسارا للمحيطات مرة أخرى، لدرجة كافية امتدت لتكشف عن مساحات واسعة من الأراضي ربطت القارتين الأمريكيتين عن طريق برزخ پَنَمَا. واغتنمت الفرصة في هذا الوقت قلّة من السنانير لتهاجر قاصدة الجنوب ومجتاحة القارة الخالية من حيوانات لاحمة مشيمية (فليس فيها دببة أو كلاب أو سنانير أو ظرابيskunks وما شاكلها). كانت أمريكا الجنوبية قد عزلت عن الأراضي الواسعة الشمالية لعشرات الملايين من السنين وكانت تعج بأنواع الجرابيات مع ضروب من اللواحم الناجحة. ولكن عندما وصلت السنانير عبر پَنَما صارت هي الضواري المسيطرة: ضخمة، سريعة، بارعة، مفترسة، مهلكة مميتة. فكانت الجرايبات اللواحم الآبدة الأكثر تواضعا غير قادرة على منافستها، وسرعان ما حلّقت مكان معظمها اللواحم المهاجرة مثال سنانير خط الأسلوت الذي تفرع فيما بعد في موطنه الجديد، منتجا سبعة أنواع مازالت تعيش في أمريكا الجنوبية.
عندما انقضى العصر الجليدي الأخير قبل نحو 000 12سنة، أخذت طبقة الجليد الثخينة ـ التي كانت قد غطت كندا بكاملها والقسم الشمالي من الولايات المتحدة ـ في الذوبان التدريجي محولة المناطق القاحلة إلى غابات واسعة وحقول من المروج المعشوشبة في أمريكا الشمالية. وبعد الذوبان الكبير، قضت كارثة مفاجئة على 40 نوعا من الثدييات في أمريكا الشمالية. لقد سببت ما سميت الإبادات البلستوسينية، القضاءَ على 75 في المئة من الحيوانات الكبيرة التي كانت تعيش هناك. فقد اختفت من أمريكا الشمالية حيوانات الماموث والمستودون والذئاب الرهيبة والدببة الضخام القصار الوجوه والكسالى slothsالأرضية العملاقة والأسود الأمريكية والسنانير السيفية الأسنان والپوما والفهد القناص. لقد نجت بعض الفهود القناصة من الانقراض، لأنه قبل بضعة ملايين من السنين التي سبقت الكارثة ـ عندما كانت البحار منخفضة ـ قام عدد من أسلافها بالعودة إلى آسيا (انظر الخريطة السفلى في الصفحة 24)، ومن ثم إلى إفريقيا. أما الپومات التي تفادت الإبادة في لجوئها إلى أمريكا الجنوبية، فقد زوّدت أمريكا الشمالية فيما بعد بالعديد من الأجيال. وأما الأنواع الأخرى فلن تعود مطلقا.
|
|
المسيرة ماضية(*****)
قامت الفهود القناصة، بكل مشقة في الوقت ذاته تقريبا، بالعودة عبر مضيق بيرينگ من أمريكا إلى آسيا، وهي أسلاف خطوط أنساب السنور النمر7 والقط الأهلي 8 التي تسللت من جذورها الأمريكية وعبرت جسر مضيق بيرينگ الأرضي نحو آسيا. وفيما بعد، ازدهر خط السنور النمر لينتج النمر الآسيوي وأربعة أنواع صغيرة موجودة اليوم في: الهند (السنور المرقط الصدئ) ومنگوليا (سنور پالاس أو السنور الحكيم) وإندونيسيا (السنور المسطح الرأس) ونوع آخر مبعثر محليا في آسيا (السنور صياد الأسماك).
وفي آسيا أيضا انتشرت، خلال هذه الفترة، السنانير الكبيرة الزائرة من خط النمور لمساحات أكثر عمقا واتساعا من السابق. فقد امتد وجود الببر الضخم الذي يزن 320 كيلوغراما إلى كل مكان في جنوب وشرق آسيا (الهند والهند الصينية والرف الصخري السندي والصين) ، في حين أنه في شمال وغرب آسيا الوسطى تأقلمت النمور الثلجية مع المرتفعات العالية في جبال الهيمالايا وآلتاي Altai. ولم تنتشر النمور فقط عبر آسيا، وإنما أيضا داخل إفريقيا حيث توجد اليوم. ورحلت الأسود والجاگوارات إلى أمريكا الشمالية، خلال البليوسين المتأخر، منذ ثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين سنة تقريبا. فمع أن انقراضات البلستوسين قضت على النوعين كليهما في أمريكا الشمالية، كانت الجاگوارات قد فرت إلى أمريكا الجنوبية، وكانت الأسود قد انتشرت في إفريقيا، فوجدت فيها قارَّة أكثر ملاءمة لحياتها من أوروبا وآسيا وأمريكا. ومازال ملك الوحوش متمسكا بالبقاء على قيد الحياة اليوم في إفريقيا بأعداد أقل من000 30فرد. أما في آسيا، فقد انقرضت الأسود عمليا، ولم يبق على قيد الحياة منها إلا عشيرة صغيرة جدا بحدود 200 أسد آسيوي تتوالد فيما بينها، تعيش معزولة في ملاذ غابة جير في مقاطعة گوجارات بغرب الهند.
كشفت تحاليلنا الوراثية أيضا ما ينذر بانقراض قريب للببور. فقبل حوالي00073سنة، أبادت انفجارات بركان توبا الهائلة في بورنيو عشرات من أنواع الثدييات في شرق آسيا، بما فيها عشيرة واسعة من الببور. لكن مجموعة صغيرة جدا من هذه الببور بقيت على قيد الحياة وكونت سلالة جديدة عبر المنطقة، ولكن افتقار التنوع الوراثي في أخلافها الحديثة يدل على أن عدد الناجين من الكارثة مر من خلال «عنق زجاجة» في وقت ثوران التوبا ـ مخلفين فقط مجموعة صغيرة من الحيوانات تواصل مسيرة حياة نوعها. وكما هي الحال في الفهود القناصة والبوما في أمريكا الشمالية، أفلتت الببور عبر منفذ ضيق.
|
داخل غرف جلوسنا(*******)
بدأ الفصل الأخير من رحلة السنانير من الأدغال إلى غرف معيشتنا في الغابات الكثيفة والصحارى الواسعة حول حوض البحر المتوسط. لقد بدأ الظهور التدريجي لعدد ضئيل من أنواع السنانير الصغيرة القد (ذات الوزن الذي يقل عن 10 كليو غرامات) ـ سنور أدغال شرق آسيا، سنور الشرق الأوسط الرملي، السنور الإفريقي الأسْود الأقدام (الأرجل)، ونوع من السنانير البرية واسع الانتشار له أربعة نويعات subspecies متميزة (الأوروبي، الآسيوي الأوسطي، الشرقي الأدنى، الصيني). وقد بدأت من أحد هذه النويعات من السنانير البرية، إحدى التجارب الأكثر نجاحا في التاريخ ـ وهي تدجين أو استئناس القطط. والدراسات الوراثية الجزيئية المعمقة الواسعة لعالَم القطط الأهلية والقطط البرية التي قام بها طالب الدراسات العليا <C.دريسكول> [في جامعة أكسفورد]، قد سلطت الضوء الواضح على هذا الحَدَث. فجميع القطط الأهلية الأليفة تحمل بصمات وراثية تضاهي بصمات القطط البرية الآسيوية من فلسطين والشرق الأدنى.
|
ونحن نعتقد الآن أن القط قد دُجّن في مناسبات متعددة، كانت كلها في الهلال الخصيب قبل 8000 إلى000 10سنة مضت، عندما بدأت تجمعات العشائر البشرية البدوية تلتقي في قرى صغيرة حول أُولى المستوطنات الزراعية المستقرة. وكان هؤلاء الفلاحون أو المزارعون الأوائل يزرعون القمح والشعير. ويبدو أن السنانير أو القطط البرية في المنطقة، منجذبة ولعا ربما بالقوارض الوافرة في مخازن الحبوب، كانت تقدم أنفسها كمرافقات حذرة، مستغلة الإبقاء عليها لقتل القوارض المزعجة. وهكذا توالدت القطط البرية متكاثرة على نحو متزايد وارتبطت أقدارها ومصائرها بالبشر.
ثم قامت هذه الحيوانات فيما بعد بالشروع في هجرة جديدة، بدأتها سيرا على الأقدام، ثم انتقلت بالعربات وأحيانا بالمراكب عبر المحيطات. وفي نهاية المطاف انتشرت القطط الأهلية المرافقة للإنسان حول الكرة الأرضية كلها. ويعيش نحو ستمئة مليون قطة أهلية في العالم الواسع اليوم، وتكاد تكون هي الوحيدة بين أنواع السنانير التي لا تعدها المنظمات العالمية للمحافظة على الحيوانات مهددةً بالانقراض أو معرضة للخطر. وفي القرن التاسع عشر، قام أصحاب القطط باصطفاء قططهم المدللة بغية إنتاج سلالات عجيبة مختارة. وتضم لائحة الجمعية الأمريكية لهواة القطط، 41 سلالة رسمية: من المين كونMaine Coon إلى السيامية إلى الفارسية إلى الكورات korat، ترجع جذورها كلها إلى ميلاد الحضارة البشرية السنورية في الهلال الخصيب.
وتصلح القصة التطورية التي انبثقت عن دراستنا لفصيلة السنوريات، لتكون رائدة لأبحاث في حقل حديث الولادة هو «علم ما قبل التاريخ الجينومي» genomic prehistory. فكما هي حال السنانير فإن نماذج التنوع الجينومي التي يحملها كل نوع من الأنواع، تحوي آثار أقدام القرابة والنسب والهجرات ومسالك أعناق الزحاجات الضيقة والانتشارات عبر كوكب الأرض.
|
المؤلفان
Stephan J. O’Brien – Warren E. Johnson | ||
التحق <أوبراين> بالمعهد الوطني للسرطان بعد حصوله على الدكتوراه في علم الوراثة من جامعة كورنيل عام 1971، كباحث بعد الدكتوراه. وهو الآن رئيس مخبر التنوع الجينومي الذي أسسه في أواخر الثمانينات في المعهد المذكور. وهذه هي رابع مقالة له في مجلة سيانتفيك أمريكان. وأحدث كتبه بعنوان أطلس صبغيات (كروموسومات) الثدييات [ويلي، 2006].
أما <جونسون > فقد حصل على الدكتوراه في علم بيئة الحيوان من جامعة ولاية أيوا عام 1992، والتحق بمختبر التنوع الجينومي في العام نفسه. |
مراجع للاستزادة
Wild Cats of the World. M. Sunquist and F. Sunquist. University of Chicago press, 2002.
Tears of the Cheetah and Other Tales from the Genetic Frontier, S. J. O’Brien. St. Martin’s press, 2003.
Phylogeography and conservation Genetics of Tigers (panthera tigris). S.J. Luo et al. in PLoS Biology, Vol. 2, pages 2277-2293; 2004.
Big Car Genomics. S.J. O’Brien and W.E, Johnson in Annual Review of Genomics and Human Genetics, Vol. 6, pages 407-429; 2005.
The LAte Miocene Radiation of Modern Felidae: A Genetic Assessment, W, E, Jhnsonm E. Eizirik, J. Pecon-Slattery,
W. j. Murphy, A. Antunes, E. Teeling and S. J. O’Brien in Science, Vol. 311, pages73-77; 2006.
(*) THE EVOLUTION OF CATS
(**) The Cat Family Tree
(***) On the Move أو لا يقر لها قرار.
(****) First Wave of Feline Migrations
(*****) The Journey Continous
(******) Where The Cats Are Today
(*******) Into Our Living Rooms
(********) Solving The Cat Puzzle