الحفاظ على البيئة من أجل البشر
(*)الحفاظ على البيئة من أجل البشرليس من الحكمة تصدي البشر للطبيعة والتنوع البيولوجي. فصحة الإنسان ورفاهته يجب أن يكونا في مركز جهود الحفاظ على البيئة، وهذا ما يدعو إليه الآن العديد من العلماء والباحثين في هذا المضمار. <P.كاريفا> ـ<M.مارفيير>
في عام 2004 وضع الاتحاد العالمي للحفاظ على البيئة ثلاثة نسور ـ طويل المنقار ونحيف المنقار والشرقي ذا الظهر الأبيض ـ على قائمة الطيور المهددة بالانقراض. وصل عدد المجاميع الثلاثة إلى 40 مليون تقريبا في الهند وجنوب آسيا في بداية التسعينات، ولكن هذا العدد انخفض اليوم إلى أكثر من 97%. ويمكن صياغة الأسباب لحماية هذه النسور من الانقراض بمفاهيم شائعة: لدينا واجب أخلاقي لإنقاذ التنوع البيولوجي (الحيوي) في العالم لمصلحة هذا العالم. ولكن يمكن ذكر الأسباب بطريقة أقل شيوعا.
بقي المراقبون مدة طويلة من الزمن يجهلون سبب انخفاض أعداد النسور. تكهن البعض أن السبب وراء ذلك هو ضياع الموطن أو التلوث. وقبل بضع سنوات اكتشف الباحثون أن الطيور تُقْتل بدواء الديكلوفيناك، وهو مضاد التهاب يعطى بشكل كبير للأبقار. فهذا الدواء يقلل من الألم لدى الأبقار والإنسان، ولكنه يسبب الفشل الكلوي للنسور. ولما اختفت النسور، بقيت جثث مئات الآلاف من الأبقار التي عادة ما تكون من نصيب النسور، متروكة لتتعفن في الشمس محتوية على بكتيرات الجمرة الخبيثة، بحسب بعض التقارير، ولتأكلها الكلاب. وبسبب وفرة الطعام الجاهز ازدادت أعداد الكلاب البرية وازداد معها تهديد مرض الكَلَب. بهذا فإن مصير النسور يمكن أن يرتبط بمصير ملايين الناس؛ فحماية النسور من الانقراض ستحمي الناس من مرض خطير.
ولا يرى المراقبون العاديون دائما الرابط بين صحة الإنسان ومساعدة الأنواع المهددة بالانقراض، ولكن هذه الروابط تكثر في العديد من الحالات التي تشغل علماء الحفاظ على الطبيعة. فالنظم البيئية، مثل الأراضي الرطبة والأشجار الاستوائية، تحمي الناس من العواصف القاتلة؛ وتؤمن الغابات والشعب المرجانية الغذاء والدخل. إن الإضرار بنظام بيئي واحد يمكن أن يؤذي نصف العالم الآخر البعيد وكذلك الأفراد الذين يعتمدون على موارده أو على عائداته السياحية.
وعلى الرغم من هذه العلاقة المتبادلة، فإن البشر وبعض الحكومات يرون أن الجهود الرامية لحفظ التنوع البيولوجي تضع احتياجات النباتات والحيوانات فوق تلك الخاصة بالإنسان. ولعكس هذا التوجه ـ ولخدمة أفضل للبشرية والمتعضيات المهددة ـ فإننا وعددا متزايدا من علماء الحفاظ على البيئة نرى أن الطرق القديمة لوضع أولويات نشاطات الحفاظ على البيئة يجب أن تغيّر لصالح مقاربة تؤكد إنقاذ النظم البيئية ذات الأهمية للناس. يجب أن تنقذ خطتنا العديد من الأنواع وفي الوقت نفسه تحمي صحة الإنسان وحياته.
بُقع التنوع البيولوجي الساخنة(**)
ازدادت سمعة الحفاظ على البيئة على أنها مبغضة للبشر، جزئيا بسبب ملايين الناس الذين أُجبروا على إخلاء أراضيهم أو انتُزعت منهم مصادر غذائهم ودخولهم للحفاظ على الحيوانات ومواطنها. ويعكس قرار رئيس كينيا <M.كيباكي> المثير للجدل بشأن إعادة حديقة أمبوسيلي الوطنية AmboseliNational Park إلى قاطنيها الأصليين من الماساي Maasai، عدم رضا متزايدا بهذا الإجراء. إنه عدم رضا عالمي. صيادون ومزارعون في آسيا وجميع إفريقيا مقتنعون بأن الحدائق تحد من أكلهم ودخلهم. مزارعو الولايات المتحدة وخشّابوها غاضبون لفقدهم حقوقهم المائية أو أعمالهم بسبب سمك السلمون أو البوم المنقط.
وينجم أيضا فهم الجمهور للطبيعة إزاء الناس عن استراتيجية الحفاظ على البيئة التي تركز على ما يسمى «البقع الساخنة» hot spot. ففي عام 1988 طور <N.مايرز> [من جامعة أوكسفورد] فكرة بقع التنوع البيولوجي الساخنة، وهي مساحات صغيرة تحوي تنوعا كبيرا من الأنواع النباتية الأصلية والمحددة جغرافيا. وقد استخدم <مايرز> تنوع هذه النباتات مقياسا، لأن قوائم النباتات هي الأكثر وثوقية وغالبا ما تكون البيانات الوحيدة المتوافرة، ولأنه كان يعتقد أن التنوع النباتي يخدم كمقاربة جيدة للتنوع الحيواني. وحدد <مايرز>وزملاؤه في المنظمة الدولية للحفاظ على التنوع 25 بقعة ساخنة ـ منها منطقة سيرادو البرازيلية والقرن الإفريقي ـ فجرى التركيز عليها في مشاريع الحفاظ على البيئة.
وقد ركزت حملات الحفاظ على البيئة الأولى على الأنواع المحببة للجماهير، مثل الپاندا والحيتان والفقمة. في المقابل، قدم مفهوم البقع الساخنة مجموعة شديدة من المعايير القابلة للقياس استُخدمت لإرشاد استثمارات الحفاظ على البيئة ـ نظام مضبوط يستند إلى عد الأنواع وأكثر اعتمادا على العلم من ذلك الذي يستند إلى صور نافرة لحيوانات لطيفة أو شبيهة بالأيقونات. كذلك بدت هذه الطريقة أكثر واقعية؛ فلدى منظمات الحفاظ على البيئة تمويل محدود وتستطيع الآن وضع نقودها في الأمكنة التي يمكن فيها إنقاذ معظم الأنواع. وتطبيق هذه الاستراتيجية خلال السنوات ال15 الأخيرة اعتُمِد من قبل كل من المنظمات الإنسانية والمتعددة الجنسيات على حد سواء.
وعلى الرغم من قوة تعبير «البقع الساخنة»، فإن فكرة التنوع البيولوجي التي تشير إليها لم تنجح في أسر خيال الناس أو اهتمامهم. وأظهرت دراسة مسح حديثة أن 30% فقط من الأمريكيين سمعوا باصطلاح «التنوع البيولوجي». وأن العديد من الناس العاملين في الحفاظ على البيئة حريصون على تجنب ذلك التعبير، لأنه قد يؤدي إلى فتور أو إلى استجابة سلبية. ومن الواضح إذًا أن البقع الساخنة في التنوع البيولوجي لن تجذب الناس لأن يمولوا أو يشاركوا في الحفاظ على البيئة.
بعض العلماء أيضا غير متحمسين للبقع الساخنة. فحديثا أشار <C.ديفيد> و<L.أورم> [من الكلية الملكية بلندن Imperial College London ICL] إلى أنهما ربما أخطآ بالإعلان؛ فالأمكنة التي تحوي عددا كبيرا من الأنواع النباتية المتوطنةnative لا تحوي بالضرورة العديد من أنواع الفراشات أو الفقاريات. ولاحظ<M.كارديلّو> [أيضا من الكلية الملكية بلندن] أن الحيوانات في البقع الساخنة النباتية ليست الأكثر عرضة للانقراض: هذا التمييز ينطبق على الثدييات في الغابات الشمالية والمناطق القطبية.
وقد أظهر علماء حياة آخرون أن العديد من مناطق العالم الأقل تنوعا تقدم ملاذا موسميا مهما، مناطق توقُّف أثناء الهجرة أو أمكنة تعشيش. على سبيل المثال، يتجمع في الشهر 9 من كل عام نصف مليون من طيور البطريق الماجيلاني Magellanic في بونتا تومبا بالأرجنتين. وتعد منطقة الشجيرات الجافة من باتاگونيا وطنا لعدد قليل من النباتات المتوطنة ولا يمكن تسميتها بحماسة بقعة تنوع بيولوجي. ومع ذلك فإن البطريق الذي يعشعش هناك يعد مهما للاقتصاد المحلي؛ حيث يزور المنطقة نحو000 70 سائح سنويا لمشاهدتها. وهناك العديد من الأمكنة المشابهة، مناطق ذات تنوع نباتي قليل ولكنها مع ذلك توافر موئلا لأنواع لها أهمية بيئية أو اقتصادية أبعد بكثير: سهوب التوندرا التي تؤوي البط والبجع والإوز، والأنهار المعتدلة التي يلجأ إليها سمك السلمون.
نموذج خدمة(*****)
يحتاج الحفاظ على البيئة إلى مبادئ إضافية لتوجيهها. مع أن الناس قد لا يستوعبون مفهوم التنوع البيولوجي، فإنهم يعرفون قيمة الطبيعة مصدرا للغذاء والوقود ومواد البناء والسياحة والإلهام. بدأ علماء البيئة بإعطاء قيمة لرأس المال الطبيعي هذا تحت مظلة «خدمات النظام البيئي»، وهو تعبير أطلقه <R.P.إيرليخ> ونشره <C.G.ديلي> [وكلاهما من جامعة ستانفورد]. وهذه الخدمات تشمل منتجات لها أسواق مثل الأدوية والأخشاب، وعمليات لا ينظر إلى قيمتها الاقتصادية عادة مثل فلترة المياه وتلقيح النباتات والتعديل المناخي وضبط الفيضانات والأمراض وتشكيل التربة. وعندما حاول<R.كوستانزا> [من جامعة فيرمونت] واقتصاديون آخرون أن يعطوا قيمة بالدولار لهذه العمليات، وجدوا أن القيمة السنوية لمثل هذه الخدمات الاقتصادية فاقت إجمالي الناتج الوطني للدول بأسرها.
إن فكرة التركيز على خدمات النظام البيئي لم تُحتضن من قبل الأكاديميين فقط؛ بل جعلت الحكومات والمنظمات غير الحكومية بصورة متزايدة حماية هذه الخدمات هدفا أساسيا. ففي عام 2000 طلبت الأمم المتحدة دراسةً عن خدمات النظم البيئية، وفي السنة التالية تصدى فريق دولي ضم أكثر من 1300 عالم لمشروع من أكبر مساعي البيئة طموحا: تقدير النظام البيئي الألفي MillenniumEcosystem Assessment. وقد وثق المشروع تأثير الإنسان في خدمات النظم البيئية خلال الخمسين سنة الأخيرة. وقسمت الخدمات إلى أربع فئات: تموينية (تزويد منتجات مثل الغذاء أو الموارد الغذائية)، تنظيمية (الإسهام في وظائف تنظيمية كالتحكم في السيول)، ثقافية (تزويد فوائد غير مادية مثل الإحساس بالروحانيات) وداعمة (تقديم عناصر أساسية من النظام البيئي مثل تشكل التربة). ووجدت الدراسة أن معظم خدمات النظم البيئية لم تنحسر فقط، بل استخدمت بطريقة غير مستدامة أيضا.
وبالنسبة إلى عامة الجمهور، فإن تسونامي المحيط الهندي في عام 2004وإعصار كاترينا في عام 2005 جلبا تركيزا حادا على العلاقة بين النظم البيئية وظروف حياة الإنسان. وفي كلتا الحالتين تضخم الضرر بفقدان المساحات الخضراء الطبيعية. فالتدمير لأكثر من 70 سنة خلت لنحو 1500 ميل مربع من أراضي مستنقعات لويزيانا وأسرة عشب الإيل eelgrass beds، زاد من تأثير العاصفة الناجمة عن إعصار كاترينا(1). وفي جنوب شرق آسيا أدى التحويل الواسع لغابات الأشجار الاستوائية لتصبح بركا للقريدس إلى فقدان الحماية من موجات التسونامي. ووجدت الدراسات ما بعد التسونامي التي قادها الباحث السيريلانكي<D.F.جيوباس> [من جامعة فريجي في بلجيكا] أن الخط الساحلي المتصل بغابات الأشجار الاستوائية لم يتعرض لأي أضرار. هذا ولا يقع أي من مستنقعات لويزيانا ولا الأشجار الاستوائية في سيريلانكا تحت تصنيف البقع الساخنة للتنوع البيولوجي في العالم؛ فهما لا يحويان أي أنواع نباتية متوطنة، ونقدر أن عدد الأنواع النباتية والحيوانية الموجود فيهما لا يصل إلى عُشْر ذلك العدد الموجود في الغابات الاستوائية.
ويمكن أيضا أن يكون الرابط بين فقدان البيئة والخسائر الاقتصادية، الذي لا يكون واضحا دائما، معنويا. فالرياح التي تهب على الصحراء والساحل الإفريقي تحمل بشكل متزايد الغبار الذي يتناثر غربا عبر المحيط الأطلسي. وكل سنة هناك عدة مئات من ملايين الأطنان من الرمال تسقط على الأمريكتين والكاريبي. وعند وجود الغبار، تؤدي الملوثات والمتعضيات الدقيقة والعناصر الغذائية المرافقة للرمل دورا في إزالة الشعب المرجانية، وهذا يقلل من السياحة والثروة السمكية. كما أن الرعي الجائر والممارسات الزراعية غير المستدامة في شمال وجنوب الصحراء الإفريقية قد زادا من الفقر والمجاعة ونقص التغذية إقليميا وخرّبا مرجان واقتصادات نصف مساحة العالم البعيد.
والبلدان النامية هي في أمس الحاجة إلى الفوائد الاقتصادية التي تقدمها خدمات النظام البيئي. فهذه البلدان تحصل على دخل كبير من الأخشاب والألياف والزراعة. وبشكل نموذجي تعد الغابات والثروة السمكية أكثر أهمية بـ5 إلى 10 أضعاف كمكونات للاقتصادات الوطنية لهذه البلدان مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا. وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2005 شرح مقنع بأن الحفاظ على البيئة هي المفتاح لتخفيف الفقر ل70 مليون من فقراء العالم القرويين.
وصحة الإنسان عرضة للتهديد أيضا عندما تنكسر نظم البيئة والدورات الطبيعية. وليست نسور الهند سوى مثال واحد من مئات الأمثلة. فنحو مليوني إنسان يموتون كل سنة بسبب قلة أو عدم نظافة مصادر المياه. والحفاظ على الأراضي الكثيرة المطر والغابات يمكن أن يقلل من عدد الوفيات: الأراضي الكثيرة المطر تعد مصافي طبيعية تحسن نوعية المياه للشرب والزراعة؛ الغابات ذات الصحة الجيدة تمنع الرسوبيات التي يمكنها أن تتسبب في الماء الموحل. إن إنقاذ الغابات والسهوب يمكن أن يخفف من عجاج الغبار الناشئ في إفريقيا، وحتى الأكبر منه الذي يعبر المحيط الأطلسي من غرب الصين والذي رُبِط حديثا بحالات الربو في أمريكا.
يمكن مشاهدة صلة أقوى بين تدهور النظام البيئي وصحة الإنسان من خلال المتعضيات المسببة للأمراض التي تنتقل من الحياة البرية إلى الإنسان. ثلثا عدد أمراض العالم المعروفة حديثا، مثل فيروس الإيبولا وإنفلونزا الطيور، تسببهما عوامل ممرضة تصيب عوائل حيوانية وليس بشرية، وتتصل مع الناس فقط بسبب التغيرات في استخدام الأراضي والعمليات الزراعية. ولكنها في الأساس ليست أمراضا غريبة. وبالتخلص من الذئاب وأسود الجبال، تسبب الناس في شرق الولايات المتحدة بانفجار في عدد الغزلان والوعول، وهذا نجم عنه أكثر من000 20 حالة جديدة سنويا من مرض اللايم Lyme. إن محاولات القضاء على المفترسات منذ أكثر من قرن مضى، وضعت صحة الإنسان اليوم في خطر.
الحفاظ على طَوْف الحياة(*******)
إن التركيز على خدمات النظام البيئي الذي ندافع عنه هو في حالات عديدة إعادة صياغة الحفاظ التقليدي التي تركز على الترابط المتداخلinterconnectedness. ولكن مقاربتنا تختلف في عدة أوجه مهمة. أولا، نعتقد أن كثيرا من علماء الحفاظ على البيئة يتجاهلون حالة العالم، ويجب أن يتوقفوا عن تشبثهم برؤيا الحياة البرية البدائية، حيث ينضم إلى كوكبنا ربع مليون إنسان يوميا؛ غابات أكثر وأراضٍ مطيرة تمسح لصالح الزراعة، وأنواع أحيائية أكثر في المحيطات تتعرض للصيد حتى الانقراض. والتنوع البيولوجي سوف ينحدر والحياة البرية البعيدة عن تأثير الإنسان لن يكون لها وجود.
ولأن بيئتنا ستتألف بشكل أساسي من نظم متأثرة بالإنسان، فيجب متابعة حماية التنوع البيولوجي ضمن مفهوم الأراضي الطبيعية التي تشمل مراكز حضرية وزراعة مكثفة وغابات وأنهارا مدارة وليس فقط محميات طبيعية. ومن السخرية أن المناطق المحمية ستحتاج، على الأرجح، إلى إشراف لكي تبقى على «برِّيتها». وقد بدأ المديرون في حدائق عديدة يلحظون هذه الحقيقة. حديقة كروگر الوطنية Kruger National Park في جنوب إفريقيا هي أراض طبيعية جيدة الإدارة، حيث جرى فيها الاستعاضة عن حفر السقاية الطبيعية بآبار محفورة واختيرت مجموعات الفيلة لمنع الاحتشاد.
والتحول الكبير الثاني الذي نستعجله هو أن يركز علماء الحفاظ على البيئة، بالدرجة الأولى، على المناطق التي يهدد تدهور خدمات النظام البيئي فيها حياة الناس بشكل شديد: الأشجار الاستوائية في آسيا وأدغال جنوب شرق الولايات المتحدة والأراضي الجافة في جنوب الصحراء الإفريقية والشعب المرجانية حول العالم. وهذه الطريقة تحتاج إلى حملات خاصة، حيث تنشد المنظمات الحكومية ومجموعات الحفاظ على البيئة العمل معا لحماية الناس والحفاظ على البيئة معا. وعلى سبيل المثال، يوجد في فلوريدا پانهنْدلPanhandle شراكة بين المؤسسة الوطنية للمحيطات والأرصاد الجوية وجمعية الحفاظ على الطبيعة، تعمل على تحديد مناطق ذات اهتمام مشترك لحياة الناس والحفاظ المعهود على البيئة. وبتحديد المواقع البيئية استنادا إلى مقدرتها على حماية التجمعات البشرية إضافة إلى التنوع البيولوجي، فإن المشاركين يجدون مناطق مهمة لحفظها.
ثالثا، يجب أن يتعاون علماء الحفاظ على البيئة بشكل وثيق أكثر مع خبراء التطوير. ففي العقدين الماضيين، اعتُقِد أن العديد من مشاريع التطوير المستدامة ستؤدي إلى توحيد اهتمام هاتين المجموعتين، ولكن الاهتمام تركز فقط على البنود التي جرى تسويقها سابقا، مثل الأسماك أو منتجات الغابات عدا الأخشاب ـ ونادرا ما كان بذهنهم طيف خدمات النظام البيئي. وبجمع وتنسيق طاقة ورأسمال قوى الحفاظ على البيئة ومشاريع تحسين حياة الناس، يمكن أن يعزز الخبراء كفاءة وتأثير هذه المجهودات. على سبيل المثال، الاستثمار في المياه النظيفة والخالية من الرسوبيات هي غالبا الاستثمارات نفسها القادرة على حماية التنوع البيولوجي المائي.
وبدون الربط الوثيق بين الحفاظ على البيئة والقضايا الاجتماعية، فمن غير المرجح أن تلقى سياسات حماية التنوع البيولوجي دعما كثيرا من الجمهور. وقد وضح< M.شيلينبرگر> و<T.نوردهاوس> [من الشركة الاستشارية الأمريكيةEnvironics] هذه الناحية في مقالة نشرت عام 2004 بعنوان «موت البيئة الاجتماعية» بأن مجموعات البيئة تحتاج إلى التحرك بعيدا عن أهوائها لوضع البيئة في حاوية مغلقة بعيدا عن اهتمامات الآخرين ـ وإلا ستكون خارج السياق. ونعتقد أن هذا الاتهام اللاذع للبيئة الاجتماعية ينطبق بشكل مماثل على حركة الحفاظ على البيئة.
أخيرا، فإن جهود الحفاظ على البيئة التي نتصورها سَتُقَيَّم ليس فقط بعدد الأنواع المحمية ولكن بما تقدمه من تحسينات على حياة الإنسان. وهذه التقييمات بدأت للتو. لقد اجتمعت جهود الحكومة الأندونيسية ومنظمة الحفاظ على الطبيعة Nature Conservancy لإنشاء حديقة كومودو الوطنية عام 1980بهدف حماية تنين كومودو المهدد بالانقراض والحفاظ على الغابات والشعب المرجانية. واستثمرت عائدات رسوم دخول الحديقة في تطوير مشاريع ومصادر دخل جديدة مثل: زراعة الأعشاب البحرية والسياحة وحفر الخشب وتربية أسماك الشعب المرجانية الثمينة. ووجدت دراسة أجريت عام 2006على سكان القرى المحليين المجاورين لكومودو أن معظمهم دَعم بشكل كبير المناطق المحمية بسبب الدخل الجديد الذي قدّمته لهم.
عدم ارتياح مستتر(*********)
سينزعج بعض الناس من هذا الطرح بسبب أن الخدمات التي تقدمها الطبيعة لا ترتبط دائما بالتنوع البيولوجي. ومصدر الانزعاج الثاني من طريقتنا يتمثل بالحقيقة في أن النباتات والحيوانات ذات الاهتمام الرئيسي في خدمات النظام البيئي والاقتصاد البشري تنزع لأن تكون وفيرة. ولكن الأنواع النادرة يبقى لها دور مهم. فمع تخريب المناخ العالمي والتعديلات الضخمة على الأراضي، تصبح الأنواع النادرة اليوم أنواعا متوافرة بكثرة غدا، ومن ثم علينا أن ننقذ أكبر عدد ممكن. ففي كاليفورنيا، يمثل نحل العسل الأوروبي الدخيل الملقح الأكثر أهمية من وجهة نظر اقتصادية. وإذا قدر لمجاميع النحل الأوروبي أن تنخفض بشدة (وحديثا هددتها العناكب المدخلة)، فإن بعض أنواع النحل المحلي الأقل وفرة يمكن أن يزداد ويحتل الدور الاقتصادي المهم كملقح للمحاصيل.
وعلى الرغم من أنه لا يليق أخلاقيا أن يسمح البشر بانقراض جميع الأنواع عدا ذلك العدد القليل الذي يقدم أو يمكن أن يقدم خدمات، فإنه من غير المنطقي التفكير في أننا نستطيع إعادة أي جزء مهم من العالم إلى الحالة التي كان عليها قبل العصر الصناعي. هذا وبعض الانقراض الذي تسبب به الناس لا يمكن تجنبه، ويجب أن نكون واقعيين فيما يتعلق بما نستطيع وما لا نستطيع إنجازه. يجب أن نكون متأكدين من أن نحافظ على النظم البيئية أولا في الأمكنة التي يقدم فيها التنوع البيولوجي خدمات للناس المحتاجين.
نحن نقترح بأنه عوضا عن تحديد المواقع ال10 أو ال25 التي هي بحاجة إلى الحماية من ناحية غنى النباتات الأصلية، يجب على علماء الحفاظ على البيئة أن يسعوا لتحديد نُظم طَوْف حياة النظام البيئي ـ مناطق ذات معدلات فقر عالية، حيث يعتمد جزء كبير من الاقتصاد على النظم الطبيعية وحيث تدهورت خدمات النظام البيئي بشكل شديد. إن جهود الحفاظ على البيئة الهادفة إلى تقديم الماء النظيف وإلى تقليل تعرية التربة ومنع الصيد الجائر ستساعد الناس وستحمي الكثير، وبالتأكيد ليس جميع، من التنوع البيولوجي. سيولد هذا النمط من المشاريع قاعدة دعم أوسع من معظم جهود الحفاظ على البيئة النموذجية.
وفي الوقت نفسه يجب على بعض المنظمات المهتمة أن تستمر في دعم الحفاظ على الأنواع والأمكنة من دون أن يكون لها فائدة واضحة. إن تحوّل التشديد إلى خدمات النظام الاجتماعي لا يعني بالكلية تغيير أهداف الحفاظ على البيئة؛ إنه يعني توسيع دعم الجمهور للحفاظ على البيئة وتبني تحوّل التشديد من قبل المنظمات القادرة على القيام بذلك.
اقتصاد طبيعي(***********)
يبقى الأمر بحاجة إلى إثبات فيما إذا كانت جهود الحفاظ على خدمات النظام البيئي قادرة على دعم التطوير الاقتصادي. ومستقبل خدمات النظام البيئي كاستراتيجية للحفاظ على البيئة يمكن أن يعتمد على التعاون غير الأكيد بين علماء البيئة وخبراء التمويل. في الحقيقة، فإن معظم التشجيع لهذه الطريقة يأتي من مجتمع رجال الأعمال. على سبيل المثال، في الشهر 11/2005، أعلنت مجموعة «كولدمان ساكس» خطة عمل لخدمات نظام بيئي من ضمن عملياتها التجارية، وقد شملت تقديم بليون دولار أمريكي للاستثمار في الطاقة المتجددة، لتقدير أثر مشاريعها في خدمات النظام البيئي كطريقة عمليات نموذجية، وتأسيس مستودع أفكار لاستكشاف الأسواق الخضراء.
ويشجع البنك الدولي أيضا الأمم على تبني طرائق محاسبية خضراء تتضمن فيها المنافع الاقتصادية وتقديرات الناتج الوطني إجراءات من شأنها زيادة الخدمات البيئية وخدمات النظام البيئي وإنقاص التدهور الناجم عن التلوث أو الاستخلاص التخريبي destructive extraction. ويوافر التقييم الاقتصادي وإيجاد أسواق لخدمات النظام البيئي إمكانية إعطاء قياس كمي لحفظ الموارد الطبيعية، يستطيع بواسطته الناس والجمعيات أن يتبنوا مباشرة سياسات أفضل استنادا إلى الأنواع المميزة أو النباتات الأصلية.
ودعا عدد قليل من الأصوات ـ مثل<M.W.ماثاي> [حاملة جائزة نوبل للسلام لعام 2004] والأمين العام السابق للأمم المتحدة <A.K.عنان> ـ إلى الانتباه للربط بين البيئة ورفاه الإنسان والسلام. قال <عنان> «ترتبط معركتنا ضد الفقر وعدم المساواة والمرض مباشرة بصحة الأرض نفسها.» إن علماء الحفاظ على البيئة بحاجة إلى سماع هذه الرسالة ونقلها. وسيصبح الحفاظ على الموارد الطبيعية عالميا حقا وسيلقى دعما واسعا فقط عندما يصبح الناس محور اهتمامه.
المؤلفان
مراجع للاستزادة
Ecology for a Crowded Planet. M. Palmer et al. in Science, Vol. 304, pages 1251-1252; May 28, 2004.
How Much is an Ecosystem Worth? Assessing the Economic Value of Conservation. World Bank, 2005.
Valuing Ecosystem Services: toward Better Environmental – Decision Making. National Research Council. National Academies Press, 2005.
Millennium Ecosystem Assessment: www.millenniumassessment.org/en/index. aspx
(*)CONSERVATION FOR THE PEOPLE (**) Biodiversity Hot Spot (***) A Tale Of Two Strategies (****)WHAT ARE ECOSYSTEM SERVICES? (*****)A Service Paradigm (******) PROTECTING POOR COMMUNITIES AND HABITATS (*******) Life Raft Conservation (********)PROTECTING DRINKING WATER (*********) Lurking Unease (**********) PROTECTING WILDLIFE (***********) Natural Economy
(1)انظر: Drowning New Orleans, by Mark Fischetti; Scientific American, October 2001
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||