تشكل تضاريس الدماغ(*)
لقد بدأت الأبحاث الجديدة بالكشف عن بعض الآليات المسؤولة
عن تشكل تلافيف الدماغ ــ ويمكن لنتائج هذه الأبحاث أن تساعدنا على
تشخيص وعلاج اضطرابات التوحد والفصام وغيرها من الأمراض العقلية.
<C.هيلگيتاگ> ـــ <H.بارباس>
مفاهيم مفتاحية
القشرة الدماغية هي البنية التي تمنح الدماغ تعرجاته الخارجية وتشارك في عمليات المعالجة لإدراكاتنا وأفكارنا وانفعالاتنا وأفعالنا على المستويات العليا. عملية التطوّي المعقدة تسمح للقشرة الدماغية المتمددة بالاستقرار في الجمجمة والتكيف مع المكان داخلها. لقد بينت الاكتشافات الحديثة أن التوتر الميكانيكي بين النورونات هو المسؤول عن تشكل تضاريس القشرة الدماغية بهضابها ووديانها. يختلف المظهر الخارجي للقشرة الدماغية عند الأصحّاء عنه لدى المصابين باضطرابات دماغية نشأت خلال مراحل التطور، كالتوحد مثلا. تشير هذه الاختلافات في الشكل إلى أن الاتصالات بين مناطق الدماغ المختلفة عند هؤلاء المرضى تنحرف هي الأخرى عن مسارها الطبيعي.. محرّرو ساينتفيك أمريكان |
إن أول ما يلفت انتباه المرء عندما ينظر إلى الدماغ البشري هو شكله الخارجي المكوّن من هضاب ووديان تثير الاستغراب. وهذه التلافيف تنشأ عن القشرة الدماغية التي تُعرف أحيانا بالمادة السنجابية(1)، وهي عبارة عن غلاف سمكه اثنان إلى أربعة مليمترات ويتكون من نسيج هلامي لزج مكتظ بالنورونات، ويُشكل الوسط الذي تتم فيه إدراكاتنا وأفكارنا وانفعالاتنا وأفعالنا. والثدييات الأخرى ذات الأدمغة الكبيرة، مثل الحيتان والكلاب وأشباهنا من القردة العليا، لها قشرة دماغية مجعدة أيضا، ولكن لكل منها نسقه أو طرازه المميز من التلافيف. أما الثدييات والفقاريات الأخرى ذات الأدمغة الصغيرة فأدمغتها ملساء نسبيا. لقد ترافقت مسيرة التطور والارتقاء بتغيرات غير متكافئة في مساحة القشرة الدماغية وحجم الجمجمة، فالقشرة الدماغية البشرية إذا انبسطت أصبحت تعادل مساحة بيتزا من الحجم الكبير وتساوي أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة السطح الداخلي للجمجمة، ومن غير آلية التطوّي folding لما تمكنت القشرة الدماغية عند الإنسان وباقي الكائنات الحية الذكية من أن تستقر في الجمجمة وتتكيف مع المكان داخلها.
ولم تتم عملية التطوّي المذكورة بطريقة عشوائية، كما يحدث لقصاصة من الورق عند تجعيدها، فتعرجات القشـرة الدماغيــــــــــة تُظهر نســــــقا ثابتا لا يختلف من شخص إلى آخر. إلاّ أن هناك سؤالا ما زال يبحث عن إجابة: كيف وأين ظهر التطوّي في القشرة الدماغية للمرة الأولى؟ وهل للترتيب الطبقي الذي تمخض عن عملية التطوّي أهمية ما بالنسبة إلى وظيفة الدماغ؟ وما هي تلك الأهمية؟ تشير الأبحاث الجديدة إلى أن شبكات الألياف العصبية تمارس أثناء النمو قوة فيزيائية ساحبة على القشرة الدماغية القابلة للطي إلى أن تتخذ شكلها المجعد وتبقى في مكانها مدى الحياة، كما تشير هذه الأبحاث إلى أن الاضطرابات التي تطرأ على هذه الشبكات، أثناء النمو أو بعد انتهاء عمليته وسواء كان سببها سكتة دماغية أو أذيّة أخرى، يمكن أن يترتب عليها عواقب عميقة الأثر وبعيدة المدى على شكل الدماغ وعلى التواصل النوروني(2)على حد سواء. وعليه، فإن أهمية هذه الاكتشافات تنبع، إذن، من أنها قد تساعدنا على تطوير استراتيجيات تشخيصية وعلاجية جديدة يمكن أن تعود بالفائدة على المصابين ببعض الاضطرابات العقلية.
قوى داخلية(**)
لقد بقي العلماء لقرون طويلة منشغلين بالتفكير في شكل الدماغ المثير للاستغراب، ففي أوائل القـــرن التاسع عشر، جــــاء الطبيـــب الألمــــانـــــي <F.جوزيف گال> بنظرية تقول إن المظهر الخارجي للدماغ وشكل الجمجمة يدلان دلالة كبيرة على ذكاء الفرد وبناء شخصيته، وقد أطلق على هذه النظرية فيما بعد مصطلح فِراسة الدماغ phrenology ثم ذاع صيتها، مع أنها لم تكن مثبتة علميا، وازداد الاهتمام بها لدرجة أن جماجم وأدمغة المجرمين والعباقرة والمصابين بأمراض تنكسية كانت تُجمع و تحفظ من أجل الدراسة. كما أن عالم التشريح السويسري <W.هيس> طلع علينا في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر بفرضية مفادها أن نمو الدماغ يتم كسلسلة متعاقبة لأحداث تخضع لقوانين الفيزياء. ثم أتى <D.تومپسون> [البريطاني ذو الثقافة الموسوعية] فأسس على تصور <هيس> مبيّنا أن عددا كبيرا من الكينونات، الجامدة والحية على حد سواء، يتشكل مظهرها الخارجي وفقا لنظام فيزيائي مُسيّر لذاته.
وعلى الرغم من الاهتمام البالغ الذي حظيت به هذه الافتراضات الباكرة والزوبعة التي أُثيرت حولها، فإنها سرعان ما أصبحت في طي النسيان مخلفة وراءها إجماعا على أن «فراسة الدماغ» ليست أكثر من علم زائف. أما «الطريقة البيوميكانيكية» في فهم آلية تشكل بنية الدماغ، فقد أزاحتها النظريات الجينية الحديثة فيما بعد. إلاّ أن نتائج الدراسات التي تعتمد تقنيات تصوير الدماغ الجديدة المدعومة بتحليلات حاسوبية معقدة، أخذت في الآونة الأخيرة تُبدي بعض الملاحظات الداعمة لعدد من الأفكار المحورية التي قامت عليها نظريات القرن التاسع عشر السالفة الذكر.
ويشير عدد من الأبحاث التي أُجريت منذ عام 1997 فصاعدا إلى أن الاتجاه العام للأفكار التي طرحها كلّ من <هيس> و <طومسون>، والتي تتعلق بدور القوى الفيزيائية في تشكل البنى البيولوجية، كان صحيحا. ومن بين هذه الدراسات، دراسة للبيولوجي العصبي <D.ڤان إيسين> [الذي يعمل باحثا بجامعة واشنطن في سانت لويس] كان نشرها في مجلة نيتشر Nature واقترح فيها فرضية فحواها، أن الألياف العصبية التي تربط المناطق المختلفة للقشرة الدماغية معا وتجعلها قادرة على التواصل، تُنْتِج قوى توترية خفيفة تمارس قوة ساحبة على هذا النسيج الهلامي. ففي الجنين البشري، تكون القشرة الدماغية في بداية تشكلها ملساءَ، وتبقى هكذا عادة طوال الأشهر الستة الأولى من تطورها. وخلال هذه الفترة الزمنية، ترسل النورونات الوليدة أليافها المغزلية (محاويرها) لتتشابك مع الأجزاء المخصصة لاستقبالها (التغصنات) والواقعة على غشاء النورونات المُستَهدَفة المستقرة في مناطق أخرى من قشرة الدماغ. وبهذه الآلية تتم عملية التشابك بين المحاوير والتغصنات. وعندما تأخذ رقعة القشرة الدماغية بالاتساع، فإن المحاوير تتمدد معها كالشرائط المطاطية فتصبح أكثر طولا ورِقَّةً. وفي أواخر التريمستر (الثلاثة أشهر) الثاني للحمل تبدأ القشرة الدماغية بالتطوّي Folding، في حين تكون النورونات ما زالت تتولد وتهاجر وتتشابك. وبحلول وقت الولادة، تكون القشرة الدماغية قد اكتمل نموها تقريبا واتخذت شكلها المجعد الذي يميزها.
لقد حاول <V.إيسين> أن يبرهن على أن أي منطقتين مرتبطتين معا ارتباطا قويا في مرحلة التطور، أي متصلتين بواسطة محاوير عديدة، تتجاذبان بفعل التوتر الميكانيكي الناشئ على امتداد المحاوير المتشابكة، فتتقاربان أكثر وتسببان انتفاخا إلى الخارج (تلفيفا) فيما بينهما. وعلى النقيض من ذلك، فإن أي منطقتين متصلتين اتصالا ضعيفا معا تتنافران، فتتباعدا وتصبحا منفصلتين بوادٍ أو ثلم.
وبفضل التقنيات الحديثة المتخصصة باقتفاء السبل العصبية، أصبحنا اليوم قادرين على اختبار الفرضية التي تقول إن منظومة التواصل في القشرة الدماغية تسهم أيضا في عملية تشكيل الدماغ، وذلك وفق معادلة ميكانيكية بسيطة فحواها أنه إذا مارس كل محوار قوة شد ضعيفة، فمن المفترض أن تكون محصلة قوة الشد لمجموع المحاوير، والتي تربط مناطق الدماغ المختلفة معا بشكل متين، كافية لتحديد المسارات التي تسلكها. وهناك اليوم وسيلة تعرف باسم اقتفاء الأثر بالطريق الراجع retrograde tracing، والتي تُحقن فيها مادة مُلوِّنة في منطقة صغيرة من القشرة الدماغية فيتم امتصاصها من الجزء الانتهائي للمحاوير، ثم تنتقل عبرها في الاتجاه المعاكس وتصل إلى جسم الخلية الأم، حيث يمكننا عندئذ تحديد المناطق التي ترسل محاوير إلى الموقع الذي تم فيه الحقن. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الطريقة يمكن أن تكشف لنا أمرين مهمين: درجة كثافة الارتباطات في منطقة معينة من القشرة الدماغية من جهة، وأشكال مسارات محاويرها من جهة أخرى. لقد أثبتت دراساتنا ــ التي أجريناها بطريقة «اقتفاء الأثر بالطريق الراجع» على عدد كبير من الارتباطات العصبية عند أحد أنواع القرود الآسيوية، كما كان متوقعا ـــ أن معظم هذه الارتباطات تسلك مسارات مستقيمة أو منحنية انحناءً طفيفا، وأن هذه المسارات تكون أكثر استقامة، كلما كانت تلك الارتباطات أكثر كثافة.
وخير ما يُبرز القدرة التشكيلية للارتباطات العصبية هو الاختلاف بين شكل المناطق اللغوية في نصفي الكرة الدماغية(3)، فشق سيلفيوس (الثلم الخارجي للدماغ) على سبيل المثال ــ الثلم(4) المعروف بأنه يفصل بين منطقتي الكلام الجبهية والخلفية ــ هو أقل عمقا بقليل في جهة الدماغ اليسرى منه في جهته اليمنى، ويعود عدم التناظر بين هذين الشقين، كما يبدو، إلى الخصائص التشريحية لحزمة كبيرة من الألياف العصبية تُعرف بالحزمة القوسية، وهي حزمة تسير حول شق سيلفيوس لتربط بين منطقتي اللغة الجبهية والخلفية. وبناءً على هذه الملاحظة وعلى حقيقة أن نصف الكرة الدماغية الأيسر هو النصف المسؤول عن وظيفة اللغة عند أغلبية الناس، قمنا باقتراح فرضية في مقالة نشرناها عام 2006 مفادها أن الحزمة القوسية في الجهة اليسرى من الدماغ أشد كثافة منها في الجهة اليمنى، ولقد أكد عدد من الدراسات التصويرية للدماغ البشري عدم التناظر هذا في كثافة الألياف العصبية. ويبدو هذا الأمر مقنعا من الناحية النظرية أيضا، حيث يُفترض أن حزمة الألياف الأكبر حجما لها قوة شد أكبر وأن مسارها نتيجة لذلك أكثر استقامة، كما هي الحال في الحزمة القوسية اليسرى مقارنة باليمنى. إلاّ أن هذه الفرضية ما زالت بحاجة إلى الدليل.
التطوّي المتعرج يُمكّن القشرة الدماغية الشاسعة المساحة من الاستقرار داخل الجمجمة والتكيف مع المكان داخلها. |
[أساسيات] تطوّي الدماغ(***)
تنشأ تجاعيد الطبقة السطحية للدماغ أو ما يُدعى بالقشرة الدماغية في الجنين وهو في رحم أمه. ترى الدراسات أن القوى الفيزيائية المتولدة من النورونات التي تربط بين مناطق الدماغ المختلفة هي التي تقود عملية التطوّي، كما هو مبين في الصور التمثيلية المبسطة للقشرة الدماغية [الجزء السفلي الأيسر].
أثناء الخمسة والعشرين أسبوعا الأولى من نمو الجنين، تظل القشرة الدماغية ملساء نسبيا، في حين ترسل النورونات الوليدة أليافا (الخطوط الملونة) لكي تترابط بالنورونات الموجودة في مناطق أخرى من الدماغ، فينشأ التشابك النوروني.
مع استمرار القشرة الدماغية في النمو، يزداد التوتر في الألياف (اللون البرتقالي) الرابطة لمناطقها المختلفة فتنشأ قوة ساحبة تجذب هذه المناطق إلى بعضها البعض وتؤدي إلى تشكل انتفاخ أو تلفيف بينها، في حين أن المناطق الضعيفة الترابط (اللون الأخضر) تتباعد مشكلة واديا أو ثلما.
يكتمل الجزء الأعظم من عملية التطوّي بحلول وقت الميلاد. |
من الماكروي (العياني) إلى الميكروي(****)
لا تسهم القوى الميكانيكية في تشكيل الملامح الماكروية (التي نراها بالعين المجردة) للقشرة الدماغية فحسب، بل تؤثر أيضا في بِنْيَتِها الميكروية التي تتكون من طبقات أفقية تضم خلايا متراصة فوق بعضها تشبه قطعة گاتو متعددة الطبقات. وتتألف القشرة الدماغية في معظم مناطقها من ست طبقات تتفاوت سماكتها ومكوناتها من منطقة لأخرى. فمناطق القشرة الدماغية المسؤولة عن الحواس الأولية، مثلا، تكون طبقتها الرابعة أكثر سماكة، في حين أن المنطقة المسؤولة عن الوظائف الحركية الإرادية تكون طبقتها الخامسة هي الأكثر سماكة، أما المناطق الترابطية للقشرة الدماغية، والتي تشكل أساس التفكير والذاكرة ووظائف أخرى، فطبقتها الثالثة هي الأبرز.
وتُستخدم هذه الفروق في التركيب الطبقي منذ أكثر من 100 عام لتقسيم القشرة الدماغية إلى مناطق متخصصة، وأشهر من قام بذلك هو عالم التشريح الألماني <K.برودمان> الذي ابتدع خريطة للقشرة الدماغية لا تزال قيد الاستعمال إلى يومنا هذا. وتؤدي عملية التطوّي إلى تغير نسبي في سماكة الطبقات، الأمر الذي يمكن تشبيهه بكومة من لوائح الإسفنج عندما يتم طيها معا، ففي التلافيف تكون الطبقات العليا متمددة وأقل سماكة، في حين أن الطبقات العليا في الأثلام تكون منكمشة وأكثر سماكة. أما في الطبقات السفلية من القشرة الدماغية، فتكون الآية معكوسة.
بناء على هذه الملاحظات، يفترض بعض العلماء أنه في حين أن أشكال الطبقات والنورونات تتغير عندما تتمدد القشرة الدماغية أو تنكمش، فإن مساحتها الكلية بما فيها عدد النورونات تبقى على حالها. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المفترض أن يكون عدد النورونات في المناطق السميكة (الطبقات العميقة للتلافيف، مثلا) أقل من عددها في المناطق الرقيقة من القشرة الدماغية. ويفترض هذا «النموذج للقياس بالتساوي»، كما هو معروف، أن النورونات أثناء مرحلة التطور تهاجر إلى القشرة الدماغية قبل أن تقوم هذه الأخيرة بعملية التطوّي. ومن باب المقارنة، يمكننا أن نتخيل أن عملية طوي كيس من الأرز تغير شكله ولكنها لا تؤثر في سعته وعدد حبوب الأرز فيه، فهي ذاتها قبل التطوّي وبعده.
ومع ذلك، فقد كشفت استقصاءاتنا حول كثافة النورونات في مناطق من القشرة الدماغية قبل الجبهية عند القرد الآسيوي rhesus macaques عن خطأ النموذج المتساوي القياسات isometric model، حيث استطعنا كشف أن الطبقات العميقة للتلافيف تحتوي على الكم ذاته من النورونات التي تحتويها الطبقات العميقة للأثلام(5)، وذلك باستخدام تقديرات مستمدة من عينات نموذجية من القشرة الدماغية. وبما أن الطبقات العميقة من التلافيف أكثر سماكة، فإن عدد النورونات التي تحتويها كل وحدة مساحة في التلافيف أكبر من عدد التي تضمها الوحدة المساحية للأثلام.
لقد أظهر اكتشافنا أن القوى الفيزيائية التي تسهم في تشكيل التلافيف والأثلام تؤثر أيضا في هجرة النورونات. وقد دعمت الدراسات التطورية عند البشر هذا التصور، والذي يرجح أن يكون هناك تداخل زمني بصورة جزئية بين هجرة النورونات إلى القشرة الدماغية وتطوّي هذه الأخيرة. وما يترتب على ذلك هو أن تطوّي القشرة الدماغية، وما يرافقه من مدٍّ وجزر لطبقاتها، يؤثر في عملية عبور النورونات الوليدة التي تهاجر إلى القشرة الدماغية أثناء المرحلة المتأخرة من التطور، والتي يمكن أن تؤثر بدورها في تركيب القشرة الدماغية.
فضلا عن ذلك، فإن أشكال النورونات تختلف باختلاف مكان إقامتها في القشرة الدماغية، فالنورونات الواقعة في الطبقات العميقة من التلافيف، على سبيل المثال، تكون حدودها الجانبية منضغطة وتتخذ هيئة متطاولة، وعلى خلاف ذلك، فإن النورونات الواقعة في الطبقات العميقة من الأثلام تكون متمددة ومفلطحة. إن أشكال هذه الخلايا تتماشى مع كونها قد تعرضت للتعديل بفعل القوى الميكانيكية أثناء تطوّي القشرة الدماغية. إلاّ أن التحدي الحقيقي الذي مازال قائما هو أنه ينبغي علينا أن نكتشف ما إذا كانت تلك الفروق الوصفية بين أشكال النورونات في التلافيف والأثلام لها تأثير في وظيفتها أيضا.
تشير دراساتنا في مجال المحاكاة الحاسوبية إلى أن الاختلاف في الشكل له بالفعل دلالات وظيفية، وخير مثال على ذلك هو الفرق في خصائص انتقال الإشعارات العصبية في التلافيف عنها في الأثلام، ويعود السبب في هذا الفرق إلى أن الطبقة القشرية في التلافيف هي أكثر سماكة منها في الأثلام، وأن الإشعارات الواردة إلى تغصنات النورونات الواقعة في قاع أحد التلافيف عليها قطع مسافة أطول لتصل إلى جسم الخلية مقارنة بالإشعارات الواردة إلى تغصنات النورونات الواقعة في قاع أحد الأثلام. ويمكن للباحثين أن يختبروا أثر هذه الفروق الفيزيائية في وظيفة النورونات عن طريق تسجيل نشاط النورون الواحد على امتداد سطح القشرة الدماغية المتموج، وهو عمل ضروري لم يُنجز بعد حسب علمنا.
تأثير سقيم؟(*****)
إن الفهم التام للعلاقة بين الشكل والوظيفة يتطلب من الباحثين القيام باستقصاء عدد كبير من الأدمغة، ولكن الخبر السعيد هو أننا أصبحنا اليوم قادرين على مشاهدة الدماغ البشري الحي باستخدام تقنيات تصويرية حديثة غير ضارة تمكننا من إعادة تصميمه بثلاثة أبعاد في الحاسوب (المرنان المغنطيسي مثلا)، حيث إننا نستطيع تجميع صور لعدد كبير جدا من الأدمغة يفوق العدد الذي قدمته لنا طرائق التجميع التقليدية التي كانت تحصل على صور للدماغ بعد موت صاحبه. ويقوم الباحثون اليوم بدراسة قواعد بيانات موسعة مستخدمين برامج حاسوبية معقدة ومتطورة لتحليل شكل الدماغ. ومن النتائج البالغة الأهمية في هذا المجال البحثي هو أن عملية تطوّي القشرة الدماغية عند الأصحاء تختلف بصورة واضحة عنها عند المصابين بأمراض عقلية، وأن هذا الاختلاف قد بدأ أثناء مرحلة التطور عندما كانت النورونات والاتصالات والتلافيف قيد التشكل. وقد تكون العلاقة الميكانيكية بين الاتصالات الليفية العصبية والتلافيف هي المسؤولة عن حدوث تلك الانحرافات عن الحالة الطبيعية.
إلاّ أن الأبحــاث حــول هــذه الصــلة المحتمـلة ما زالت في مراحلها الأولى، وذلك على الرغم مما أشارت إليه مجموعات بحثية متعددة في السنتين الماضيتين من أن أدمغة مرضى الفصام تظهر نقصا في محصلة عملية التطوّي القشرية مقارنة بأدمغة الأصحاء. وتجدر الإشارة إلى أن نتائج الأبحاث المذكورة مازالت مثيرة للخلاف نظرا لأن شذوذات التطوّي التي أشارت إليها هذه الأبحاث تختلف من حيث الموقع والطراز اختلافا كبيرا من شخص إلى آخر. ومع ذلك، يمكننا أن نقول بثقة عالية إن شكل الدماغ عند مرضى الفصام يختلف بصورة عامة عن شكله لدى الأصحاء. لقد كان الخبراء كثيرا ما يعزون الفصام إلى حدوث خلل في الاستتباب الكيميائي العصبي، إلاّ أن نتائج الأبحاث الجديدة تدل، إضافة إلى العامل الكيميائي، على وجود تصدّع في دارات منظومة التواصل في الدماغ، ولم يُكشف النقاب بعد عن طبيعة هذا التصدع.
ولا يقتصر الأمر على مرضى الفصام، فأدمغة مرضى التوحّد أيضا تُظهر شذوذات في تضاريسها القشرية، وخاصة في أثلامها التي يبدو بعضها أكثر عمقا ومنزاحا قليلا عن مكانه المعتاد مقارنة بالأشخاص الطبيعيين. واستنادا إلى هذه الموجودات، بدأ الباحثون يعتقدون أن مرض التوحد ينشأ عن خلل في تشكل شبكة الاتصالات في الدماغ. وقد باتت الدراسات التي تُعنى بوظائف الدماغ تدعم هذا التصور من خلال ما اكتشفته . من أن الاتصالات بين المناطق القشرية الدماغية لدى مرضى التوحد تعاني فرطَ كثافة بين المناطق المتجاورة ونقص كثافة بين المناطق المتباعدة، الأمر الذي يمكن أن يفسّر لنا صعوبات التواصل الاجتماعي التي يعانيها هؤلاء المرضى، والتي تتجلى في عدم قدرتهم على التركيز في الجوهري وتجاهل الأشياء الهامشية.
فراسة الدماغ، هل تنبعث من جديد؟(******) إن فراسة الدماغ التي شاعت في القرن التاسع عشر كانت تعني القيام بفحص شكل الجمجمة لتعرّف سمات الفرد الشخصية وقدراته العقلية. وكان ممارسو فراسة الدماغ يعتقدون أن نتوءات الجمجمة ومنخفضاتها ناجمة عن شكل الدماغ، وكل منطقة من مناطق الجمجمة مرتبطة بملكة عقلية معينة. إلاّ أن فراسة الدماغ لم يُكتب لها الاستمرار وأصبحت في طي النسيان بعد أن تم الإجماع على أنها علم زائف. ويرى خبراء الجهاز العصبي منذ حين أن شكل الدماغ (وليس شكل الجمجمة) هو الذي يمكن أن تكون له علاقة بالوظيفة العقلية واختلالها بشكل عام، ورغم ذلك فإنهم ما زالوا مطالبين بتحديد نماذج لشكل الدماغ من شأنها أن تساعدنا على التفريق بين أدمغة الأصحاء وأدمغة العباقرة والمجرمين. |
إضافة إلى ما سبق ذكره، فإن الأمراض العقلية وصعوبات التعلم يمكن أن يكون لها علاقة بشذوذات الطبقات القشرية أيضا. وخير مثال على ذلــك هـــو مـــا وجــــده طبيب الأمـــراض العصــــبية <A.گالابوردا> [من كلية الطب بجامعة هارڤارد] في أواخر سبعينات القرن العشرين، وهو أن حالات عسر القراءة dyslexia تترافق بزيحان النورونات الهرمية عن مكانها الطبيعي الواقع في طبقات اللغة والمناطق السمعية بالقشرة الدماغية الجبهية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النورونات هي المُكون الرئيسي لمنظومة التواصل القشرية. وعلى النحو ذاته، فإن الفصام يمكن أن يترك بصماته على بنية القشرة الدماغية، حيث إن بعض المناطق الجبهية تكون عند فئة من مرضى الفصام ذات كثافة نورونية غير طبيعية، وحيث يؤدي هذا التوزيع الشاذ للنورونات في طبقات القشرة الدماغية إلى انقطاع في نماذج اتصالاتها، مما يؤدى في نهاية الأمر إلى اختلال الوظيفة الأساسية للجهاز العصبي القائمة أصلا على التواصل. لقد بدأ الباحثون منذ عهد قريب بسبر أغوار الشذوذات البنيوية في القشرة الدماغية لمرضى التوحد لإلقاء مزيد من الإيضاح على هذه الحالة المُحَيِّرة.
وما نحن بحاجة إليه اليوم، هو مزيد من الدراسات للتأكد مما إذا كانت الأمراض العصبية الأخرى التي تنشأ في مرحلة التطور يمكن أن تؤدي هي الأخرى إلى تغيرات في أعداد ومواضع النورونات في طبقات القشرة الدماغية. إن التركيز البحثي على الفصام والتوحد باعتبارهما اضطرابين يصيبان الشبكات العصبية، وليس أجزاءً موضعية من الدماغ، يمكن أن يساعدنا على ابتكار استراتيجيات جديدة للتشخيص والعلاج. فعلى سبيل المثال، يستطيع المرضى الذين يعانون هاتين الحالتين أن يستفيدوا من أداء مهام قادرة على تشغيل أجزاء مختلفة من الدماغ في الوقت نفسه، مثلما يستفيد المصابون بعسر القراءة من استخدام وسائل مساعدة بصرية ومتعددة الأشكال في التعلم.
[تأثيرات القوى الميكانيكية] ما الذي يقع تحت السطح(*******) إن تأثير القوى الفيزيائية في القشرة الدماغية يظهر بأشكال متعددة تختلف باختلاف أبعادها، فمنها ما هو من القياس الكبير (a) كسماكة التلافيف والأثلام، أو من القياس الصغير (b) كتركيب الطبقات، أو الأصغر (c) كالنورونات نفسها. A-القشرة الدماغية في التلافيف أكثر سماكة (اللون الأحمر) منها في الأثلام، كما يظهر ذلك في دماغ قرد آسيوي (الصورة العليا). كما تظهر مناطق قشرية رقيقة (اللون الأزرق) بعد بسط التلافيف المطوية ونفخها كالبالون (الصورة السفلي).
B-تحتوي معظم مناطق القشرة الدماغية على ست طبقات من النورونات. يغير التطوّي سماكة هذه الطبقات نسبيا، بحيث إن الطبقات العميقة (الخط الأحمر في المصور السفلي) تتمدد في التلافيف وترق في الأثلام.
C-النورونات الواقعة في الطبقات العميقة من التلافيف تكون حدودها الجانبية منضغطة وتتخذ هيئة متطاولة (الصورة العليا)، أما النورونات الواقعة في الطبقات العميقة من الأثلام فتكون متمددة ومفلطحة (الصورة السفلى). إلاّ أنه يبقى علينا أن نكتشف أيضا ما إذا كانت تلك الفروق الوصفية بين أشكال النورونات في التلافيف والأثلام لها تأثير في وظيفتها أيضا.
|
أشكال خارجية أخرى للدماغ(********) تكون القشرة الدماغية عند الإنسان وسائر الثدييات الكبيرة مطوية بطريقة معقدة، أما عند الفقاريات الأخرى فدرجة تطوّيها أقل أو معدومة نهائيا.
أدمغة لا تظهر علي المقياس |
لقد تمكن العلماء بفضل الوسائل التصويرية العصبية الحديثة من اختبار صحة نظرية فراسة الدماغ أيضا، والتي تفترض أن تلافيف القشرة الدماغية أو كمية المادة السنجابية في المناطق المختلفة من الدماغ يمكن أن تكشف عما يتمتع به الشخص من مواهب وقدرات. ويتبين هنا أيضا، أن الربط بين الشكل والوظيفة محفوف بالصعوبات. أما عند الأشخاص الذي يمارسون بانتظام ومثابرة فعّاليات ذهنية وجسدية واضحة المعالم ومنسجمة معا، فإن الربط بين الشكل والوظيفة ليس صعبا.
وخير مثال على ذلك هم محترفو الموسيقى، فهؤلاء الأفراد الذين عليهم القيام بتدريبات صارمة يختلفون كليا عن غيرهم من الأشخاص فيما يتعلق بمناطقهم القشرية الحركية التي تشارك في التحكم في آلاتهم الموسيقية الخاصة. ومع ذلك، فما زالت الفكرة القائمة على أن هناك نماذج تطوٍّ يتميز كل منها بعلاقته الواضحة مع شكل معين من أشكال المواهب والقدرات العقلية التي لا يُحصى عددها، فكرة مخاتلة.
تنوع مُحيّر(*********)
لا يزال أمامنا الكثير من الألغاز لحلها، وأحد هذه الألغاز هو أننا لم نفهم بعد كيف يتخذ كل تلفيف من التلافيف حجما وشكلا مميزا، والأمر هنا لا يختلف بتاتا عن أننا لم نفهم بعد أسس اختلاف شكل الأذن أو الأنف من شخص لآخر. التنوع هو مشكلة معقدة جدا، ولعل النماذج الحاسوبية التي تحاكي التأثيرات الفيزيائية المتبادلة للنورونات أثناء تطور القشرة الدماغية ستكون قادرة ذات يوم على إلقاء الضوء على هذه المعضلة، حتى وإن كانت هذه النماذج الحاسوبية غير ناضجة بعد بسبب الطبيعة المعقدة لتلك التأثيرات الفيزيائية ومحدودية البيانات المتوفرة حول آليات تطور القشرة الدماغية.
ومن جهة أخرى فإن العلماء تواقون بشدة إلى معرفة المزيد عن الكيفية التي تتطور بها القشرة الدماغية، وما يتصدر قائمة أمانيهم هو الرغبة في معرفة الجدول الزمني التفصيلي لَتشكل الارتباطات المختلفة والمتعددة التي تتألف منها منظومة الاتصال الشاملة في القشرة الدماغية. وباستخدام طريقة وسم النورونات في الحيوانات، سوف نصبح قادرين على تحديد الزمن الذي تتطور خلاله الأجزاء المختلفة للقشرة الدماغية داخل الرحم، الأمر الذي سيمكّن العلماء بدوره من تحديد طبقات نورونية معينة وإدخال تعديلات على عملية تطورها مختبريا. وسوف تساعدنا المعلومات المتوفرة حول تتابع مراحل التطور على الكشف عن الأحداث التي ينشأ عنها خلل ما في بنية الدماغ ووظيفته. إن أصناف الأمراض العصبية بأعراضها المتنوعة تنوعا واسعا، كتلك التي نراها في الفصام والتوحد ومتلازمة ويليامز وصرع الطفولة وغيرها من الاضطرابات، يمكن أن تظهر نتيجة لعمليات إمراضية تحدث في مراحل مختلفة من التطور، وتصيب مناطق وطبقات شتى، ومجموعات من النورونات التي تتزامن مراحل نشوئها وهجرتها وتشابكها مع انحراف مسيرة التطور عن مجراها الطبيعي.
من المؤكد أن القوى الميكانيكية لا تؤثر وحدها في تشكيل الدماغ، فقد أثبتت الدراسات المقارنة حول شكل الدماغ أن أدمغة الأشخاص الذين تربطهم صلة قرابة وثيقة تتشابه معا لدرجة أكبر بكثير من درجة تشابه أدمغة الأشخاص الذين لا تربطهم أية صلة قرابة، مما يشير إلى أن النظم الجينية الوراثية تؤدي هي الأخرى دورا في عملية تشكل الدماغ. هذا ومن المرجّح أن تكون العمليات الوراثية هي التي تتحكم في توقيت تطور القشرة الدماغية، في حين أن القوى الفيزيائية البسيطة تنخرط في عملية تشكيل الدماغ أثناء تولّد الخلايا العصبية وهجرتها وتشابكها معا لتكوين وحدة تنظيمية مسيّرة لذاتها. هذا ويمكن أن يساعدنا الجمع بين العوامل الوراثية والعوامل المتعلقة بالقوى الفيزيائية على تفسير الترتيب المدهش للتلافيف الرئيسية عند الأفراد، وكذلك التباين في بنية التلافيف الصغيرة بينهم، وحتى بين التوائم الحقيقية.
إن كثيرا من المفاهيم الحالية حول شكل الدماغ قد اكتملت سلسلة أفكارها التي كانت إرهاصاتها بدأت قبل أكثر من قرن من الزمن، بما فيها الفكرة التي تقول بوجود صلة بين شكل الدماغ ووظيفته. وقد أكدت الدراسات المقارنة حول شكل الدماغ التي أجريت على مجموعات من الأصحاء وأخرى من المصابين باضطرابات دماغية، أن المظهر الخارجي للدماغ تربطه علاقة تبادلية بالوظيفة العقلية واضطراباتها.
ولكن حتى استخدام طرائق التصوير المتقدمة في استقصاء الأدمغة، لم يتمكن بَعدُ من تقديم الدعم المطلوب للعلماء لكي يتمكنوا أثناء معاينتهم لدماغ من الأدمغة من معرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بقشرة دماغ شخص عبقري أو بقشرة دماغ مجرم. وسوف تساعدنا النماذج الجديدة لتطوّي القشرة الدماغية التي تجمع بين العوامل الوراثية والمبادئ الفيزيائية على توحيد معارفنا حول المورفولوجيا والتطور وطُرق الاتصال، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في آخر المطاف في إماطة اللثام عن بعض الأسرار الغامضة التي تكتنف الدماغ.
|
المؤلفان
Helen Barbas – Claus C. Hilgetag | ||
<هيلگيتاگ> أستاذ مشارك في العلوم العصبية الحديثة بجامعة ياكوبس بريمن، وهي جامعة ألمانية جديدة للأبحاث العلمية، وقد التحق بها في مرحلة تأسيسها عام 2001. تتركز اهتماماته البحثية في مجال العلوم العصبية الحاسوبية في الاتصالات في الدماغ.
<بارباس> أستاذة بجامعة بوسطن تتركز أبحاثها في القشرة الدماغية ما قبل الجبهية، وقد حصلت على دكتوراه دولة من جامعة ماك گيل. و>بارباس< إضافة إلى اهتمامها العميق بطراز الدارات العصبية الدماغية. |
مراجع للاستزادة
On Growth and From. D’Arcy Went-worth Thompson. Reprinted edition. Cambridge University press, 1961.
A Tension-Based Theory of Morph-ogenesis and Compact Wiring in the Central Nervous System. David C. Van Essen in Nature, Vol. 385,pages 313-318; January 23,1997.
Postcards from the Brain Museum: The Improbable Search for Meaning in the Matter of Famous Minds. Brian Burrel. Broadway, 2005.
Role of Mechanical Factors in the Morphology of the Primate Cerebral Cortex. Claus C. Hilgetag and Helen Barbas in PLOS Computational Biology, Vol. 2, No. 3, page e22; March 24, 2006. Available free at www.ploscompbiol.org
(*)SCULPTING THE BRAIN
(**)Internal Forces
(***)FOLDING THE BRAIN
(****)From Macro to Micro
(*****)An Ill influence?
(******)PHRENOLOGY REVISITED?
(*******)WHAT LIES BENEATH
(********)Other Brainscapes
(*********)Vexing Variation
(1) gray matter
(2) neural communication
(3) انظر: «Specialzations of the Human Brain,» by N. Geschwind; Scientific American, Septemper 1979
(4) fissure
(5)fissures