حربٌ نوويةٌ إقليمية، والمعاناة عالمية
حربٌ نوويةٌ إقليمية، والمعاناة عالمية(*)
لقد تركز القلق على علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بروسيا
حول خطر نشوب حرب نووية، بيد أن هذا الخطر لا يزال قائما،
إذ يمكن أن يؤدي الصراع ما بين الهند وپاكستان إلى حرب نووية
إقليمية تحجب أشعة الشمس، وتُجوِّع الكثيرَ من البشر.
<A.روبوك> – <B.O.توون>
مفاهيم مفتاحية
يمكن أن يؤدي إسقاط قنابل نووية على المدن والمناطق الصناعية في حال نشوب حرب بين الهند وپاكستان إلى اندلاع عواصف نارية وحرائق ضخمة، وهذه بدورها ستؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من الدخان إلى طبقات الجو العليا. وبالنسبة إلى جزيئات الدخان (المتخلفة عن الحرائق السابقة)، فيتوقع أن تظل عالقة في الغلاف الجوي لسنوات طويلة، حاجبة بذلك الشمس، وبقدر ينتظر أن يصبح معه سطح الأرض باردا ومظلما وجافا. وقد يتبع هذا انهيار الإنتاج الزراعي العالمي وحدوث مجاعة جماعية على مستوى العالم، وهذا يعني أن التبريد العالمي قد ينتج من أحد الحروب الإقليمية، وليس فقط بسبب الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. لقد تَمَّ استنباط سيناريوهات التبريد استنادا إلى نتائج النماذج الحاسوبية. بيد أن الملاحظات التي تم استقاؤها من مشاهدات الانفجارات البركانية، وتأثيرات الدخان المتولد من حرائق الغابات وبعض الظواهر الأخرى، تجعلنا على ثقة بصحة هذه النماذج. محررو ساينتفيك أمريكان |
قبل خمسة وعشرين عاما، بيَّن أكثر من فريق دولي من العلماء أن اندلاع حرب نووية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوڤييتي يمكن أن يؤدي إلى حدوث «شتاء نووي» nuclear winter. ذلك أن الدخان الناتج من الحرائق الهائلة الناجمة عن إسقاط القنابل النووية على المدن والمناطق الصناعية يمكن أن يغلف كوكبنا بالكامل، مما يؤدي إلى امتصاص الكثير من أشعة الشمس، ومن ثم جعل سطح الكرة الأرضية باردا ومظلما وجافا، وهذا بدوره سيؤدي إلى هلاك الحياة النباتية في العالم والقضاء على إمداداتنا الغذائية. وفي هذا السياق نفسه سيتوالى انخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض، وذلك إلى الحد الذي ستصبح قيمها صيفا مماثلة لما هي عليه شتاءً. وقد أجبر النقاش الدولي الدائر حول هذه التكهنات، الذي غذاه بقوة عالم الفلك الشهير <C.ساگان>، زعيمي القوتين العظميين على مواجهة حقيقة أن سباق التسلح لا يهددهما وحدهما فقط، وإنما يهدد أيضا الجنس البشري كلّه. ومن هنا، أخذت جميع الأقطار، صغيرها وكبيرها، بالمطالبة بنبذ التسلح النووي.
لقد أصبح هاجس الشتاء النووي عاملا مهما في المحاولات الرامية إلى إنهاء سباق التسلح النووي. ويبدو هذا واضحا من الملاحظة التي أبداها رئيس الاتحاد السوڤييتي السابق <ميخائيل گورباتشوڤ> في عام 2000، وقوله آنذاك «لقد بَيَّنَتْ النماذج التي قام بها العلماء الروس والأمريكيون أن اندلاع حرب نووية سيؤدي إلى حدوث شتاء نووي، وهذا بدوره سيكون مدمرا للغاية لجميع أشكال الحياة على الأرض، وقد شكلت معرفتنا بهول ذلك حافزا كبيرا لنا، ولبقية الشرفاء وذوي الأخلاق، لاتخاذ التصرف اللازم.»
ولكن لماذا يُطرح هذا الموضوع للنقاش الآن وقد وضعت الحرب الباردة أوزارها؟ تكمن الإجابة في أنه كلما زاد سعي الدول الأخرى إلى امتلاك أسلحة نووية، زادت احتمالات أن تؤدي الحروب النووية الإقليمية والصغيرة المتوقع اندلاعها إلى حدوث كارثة عالمية مماثلة لحالة الشتاء النووي. وفي هذا السياق، فقد أوضحت بعض التحليلات الحديثة أنه في حالة نشوب صراع مسلح بين الهند وپاكستان، على سبيل المثال، وإسقاط 100 قنبلة نووية خلاله على المدن والمناطق الصناعية – وهو ما يعادل 0.4 في المئة فقط من حجم ترسانة الأسلحة النووية المقدرة بأكثر من 25000 رأس حربي (نووي) على مستوى العالم – فإن كمية الأدخنة الناتجة سوف تكون كافية لشل وتعطيل قطاع الزراعة العالمي. كما يتوقع أن تُخَلِّفَ – كذلك – الحرب النووية الإقليمية خسائر هائلة في الأرواح، ليس فقط في موقع الصراع، بل أيضا في الأماكن والأقطار الأخرى البعيدة عنه.
حرب إقليمية تهدد العالم؟(**)
لقد تمكن كلانا (<A.روبوك> و<B.O.توون>) إضافة إلى بعض الزملاء الآخرين من فريق العمل ومن واقع استغلال إمكانات الحواسيب الحديثة والنماذج (الإحصائية) الخاصة بالمناخ من إيضاح أن الأفكار التي كانت سائدة في ثمانينات القرن الماضي (بخصوص الشتاء النووي) ليست صحيحة فحسب، بل ويمكن أن تمتد تأثيراتها إلى 10 سنوات تالية على الأقل، وهي أطول بكثير مما كان يعتقد من قبل. وبعمل حسابات تقييم الآثار الناجمة على مدى عقود زمنية كثيرة، وهو ما صار متاحا الآن فقط بفضل وجود الحواسيب المتقدمة والسريعة؛ وبتضمين هذه الحسابات وضعيةَ المحيطات وكامل أجزاء الغلاف الجوي – وهو ما لم يكن أيضا ممكنا من قبل – وجدنا أن الدخان المتخلف عن أحد الحروب النووية الإقليمية ستزداد درجة حرارته بفعل الشمس، ومن ثم سيتصاعد إلى طبقات الجو العليا ليبقى معلقا بها لسنوات طويلة، مستمرا بهذا الشكل في حجب أشعة الشمس وانخفاض شديد للحرارة على سطح الأرض.
ولعل النزاع القائم بين الهند وپاكستان، اللتين تمتلكان معا أكثر من 100 رأس نووي، يمثل في الوقت الراهن أكثر هذه النزاعات القابلة للتحول إلى صراع نووي إقليمي. بيد أن هناك دولا أخرى إضافةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا (اللتين تمتلكان آلاف الرؤوس النووية) ينبغي أخذها بالحسبان أيضا: فكل من الصين وفرنسا وبريطانيا تمتلك مئات من هذه الرؤوس، في حين تمتلك إسرائيل وحدها أكثر من 80 رأسا، وتمتلك كوريا الشمالية 10 رؤوس، هذا إضافة إلى إيران التي لا يستبعد أن تكون في طريقها لامتلاك رؤوس نووية. ولقد حث هذا الوضع في عام 2004 أحدنــا (<توون>)، وانضم إليه لاحقـا <R.توركو> [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس] وكليهما من ذوي الخبرة بالأبحاث التي أجريت خلال ثمانينات القرن الماضي في هذا المجال، على البدء بتقييم ما ستكون عليه التأثيرات البيئية العالمية إذا ما اندلعت حرب نووية إقليمية، متخذين في ذلك الصراع بين الهند وپاكستان كحالة دراسية.
وتوضح أحدث التقديرات المقدمة بواسطة <D.ألبريت> [من معهد العلوم والأمن الدولي] والمقدمة كذلك بواسطة<S.R.نوريس> [من مجلس حماية الموارد الطبيعية] أن الهند تمتلك ما بين 50 إلى 60 سلاحا نوويا (إضافة إلى كمية من الپلوتونيوم تكفي لصنع 100 رأس إضافي)، في حين تمتلك پاكستان 60 منها، مع العلم بأن هذا الرقم قابل للارتفاع بسبب سعي كلتا الدولتين إلى زيادة حجم ترسانتيهما النوويتين. وتشير الاختبارات التي أجريت على الأسلحة النووية في كل من الهند وپاكستان إلى أن الناتج التفجيري(1) explosive yield لهذه الأسلحة سيكون في حدود 15 كيلوطن (أي ما يكافئ 15 ألف طن من المادة TNT المتفجرة)، وهو الناتج التفجيري نفسه للقنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما.
وقد قام <توون> و<توركو>، مشاركة مع <T.بارديين> [الذي يعمل حاليا في المركز القومي لأبحاث الغلاف الجوي]، بعمل نمذجة لما قد يحدث في حالة إسقاط 50 قنبلة من حجم قنبلة هيروشيما على المناطق والأهداف المدنية الأكثر اكتظاظا بالسكان في پاكستان، و50 قنبلة أخرى على أهداف مماثلة بالهند. وعلى الرغم من قناعة البعض بأن استخدام الأسلحة النووية وقت الحرب سوف يكون محسوبا ومعتدلا، إلا أننا نشك في أن حالة الفوضى والخوف وانقطاع الاتصالات المتوقع حدوثها عشية اندلاع النزاع ستسمح للقادة المعنيين باستخدام الهجمات والأسلحة النووية بطريقة عقلانية ورشيدة. ويبدو هذا الاحتمال هو الأرجح بصفة خاصة لپاكستان، كونها صغيرة المساحة ومن ثم يمكن اجتياحها بسرعة خلال أي قتال تقليدي. وقد قام<R.P.لاڤوي> [من المدرسة البحرية للدراسات العليا], على سبيل المثال, بتحليل السبل التي يمكن أن يتطور بها الصراع بين الهند وپاكستان، وحاجج في ذلك أن پاكستان قد تضطر إلى اتخاذ قرار سريع باستخدام كامل ترسانتها النووية وذلك استباقا لقيام الهند باجتياح قواعدها العسكرية بواسطة قواتها التقليدية.
خسائر بشرية(***) من الممكن لحرب نووية شاملة بين الهند وپاكستان أن تسفر عن إزهاق أعدادٍ كبيرة من الأرواح البشرية محليا، ووفاة أعدادٍ أكثر في مناطق أخرى في جميع أنحاء العالم. 20 مليون شخص قد يهلكون بسبب الآثار المباشرة لتفجيرات القنابل والحرائق التالية والإشعاع المصاحب. بليون شخص عبر العالم ممن يعيشون على موارد غذائية محدودة قد يهلكون بسبب المجاعة الناجمة عن انهيار الإنتاج الزراعي المترتب على هذه الحرب. |
وبديهي أننا نأمل بألا يكون هناك استهداف نووي لأية أهداف في أي حرب قادمة، لكننا نؤمن بأنه يتعين على الساسة والناخبين على حد سواء تعرف ما هو ممكن حدوثه (في حالة اندلاع حرب نووية). وقد وجد <توون> و<توركو> أن أكثر من 20 مليون نسمة يمكن أن يفنوا بالكامل في كلا البلدين (الهند وپاكستان) من آثار الانفجارات والحرائق والإشعاعات النووية المتوقعة، وهو ما يمثل مجزرة مروعة بحق. وقد صُدِم الباحثان من كمية الدخان الهائلة المنتظر تولدها جراء الانفجارات في المدن المكتظة بالسكان في كلا البلدين، حيث قاما بحساب هذه الكمية، على أساس افتراض أن كل انفجار سيتسبب في حَرْقِ القدر نفسه من المساحة التي احترقت في هيروشيما من قبل، وعلى أساس اعتبار أيضا التقديرات التي توصلت إليها أكثر من دراسة سابقة عن كمية المواد القابلة للاشتعال بالنسبة إلى كل فرد. وتوضح الحسابات التي توصل إليها الباحثان أن إسقاط الخمسين قنبلة السابقة على پاكستان سيخلف ما لا يقل عن ثلاثة تيراغرامات من الدخان، قياسا إلى أربعة تيراغرامات في حالة إسقاط العدد نفسه على الهند (التيراغرام يعادل مليون طن متري).
كما بَيَّن الرصد الفضائي لحرائق الغابات الفعلية أن الدخان يمكن أن يتصاعد إلى أعلى وصولا إلى طبقة التروپوسفير (الطبقة السفلى للغلاف الجوي)، وأحيانا إلى الجزء السفلي من طبقة الستراتوسفير (الطبقة التي تلي التروپوسفير، وتمتد لنحو 30 ميلا). كما قام <توون> و<توركو> بعمل حسابات أخرى إضافية للتأثيرات المناخية الممكن حدوثها عند بلوغ ذلك الدخان طبقة الستراتوسفير، بيد أن ضخامة حجم هذه التأثيرات قد كشفت عن حاجتهما إلى مساعدة أحد المتخصصين بنمذجة المناخ.
[التهديد النووي] الهند في مواجهة پاكستان(****) يمكن أن يؤدي وابل من الهجمات النووية المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى غمس الأرض في شتاء نووي كامل، بيد أن الصراعات الإقليمية يمكن أن تؤدي إلى النتيجة نفسها أيضا. فالهند وپاكستان، اللتان هما دائما على خلاف، يمتلك كل منها أكثر من 50 رأسا نوويا. لذا، فإنه يمكن في حالة إسقاط جميع هذه الذخائر على المدن والمناطق الصناعية في كلتا الدولتين، أن يتسبب الدخان الناتج في إعاقة النشاط الزراعي على مستوى العالم لمدة عشرة أعوام كاملة. وفي هذا يشار إلى قدرة الصواريخ الباليستية في كلتا الدولتين، على الوصول إلى غالبية أراضي البلد الآخر، ذلك وإن لم يكن كلها. المدى الصاروخي التقريبي (مقيسا بالأميال) -المدى الفعلي ….المدى قيد التطوير هناك، على المستوى العالمي تسعة بلدان تمتلك أسلحةً نووية. وبإمكان أي من هذه البلدان – باستثناء كوريا الشمالية وإيران – في حالة استخدامها لجميع ترسانتها النووية، أن تُعَرِّض المدنية بأكملها للخطر. |
[التغير المناخي] الدخان يغلف الأرض، حاجبا الشمس(*****) يمكن للحرائق الناجمة عن تفجير الهند وپاكستان لنحو 100 رأس نووي، أن تؤدي إلى إنتاج ما لا يقل عن 5 تيراغرام من الدخان. ومن خلال محاكاة أنماط الطقس السائد يوم 15/5 التخيلي، فقد بين المؤلفان أن دخانا كثيفا سوف يغطي المنطقة خلال خمسة أيام. وفي غضون تسعة أيام سيمتد السخام soot الناتج حول بقية أرجاء العالم. وبعد مرور 49 يوما فإنه سيكون بمقدور جسيمات الدخان تغليف المعمورة بالكامل، حاجبة من أشعة الشمس ما يكفي لجعل السماء تبدو في جميع الأماكن ملبدة على الدوام. ستقوم النيران المشتعلة من أثر تفجيرات القنابل بتصعيد أدخنتها إلى أعلى خلال الغلاف الجوي لتصل إلى طبقة التروپوسفير في غضون يومين. عندئذ، ستقوم الشمس بتسخين الجسيمات الدقيقة للأدخنة المتصاعدة، مسببة بذلك تصعيدها إلى طبقة الستراتوسفير. وفي ظل هذه الظروف، لن يكون ممكنا هطل الأمطار، ولذا، سيتعين على هذه الجسيمات الانتظار قرابة عشر سنوات كي يمكنها الترسب والاستقرار كليا على سطح الأرض. أما الدخان الموجود في طبقة التروپوسفير، فإنه سيتلاشى ويختفي تماما من هذه الطبقة في غضون أسبوع أو نحو ذلك. |
ومن حسن الحظ، فقد اتضح أن أحدنا (<روبوك>) كــان قـــــد عمل في الســـابق مـع <L.أومان> الذي يعمل حاليا في مركز گودّارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا والحاصل على الدكتوراه في التأثيرات المناخية للانفجارات البركانية من جامعة روتگرز. كما عمل، كذلك، مع <L.G.ستينتشكوڤ> [من جامعة روتگرز أيضا] مؤلف أول عمل روسي عن الشتاء النووي. و قد اشترك كلاهما في تطوير نموذج مناخي، يمكن بسهولة إلى حد ما، استخدامه وتطبيقه في تعرف آثار الانفجارات النووية والحسابات المتعلقة بها.
قد تلجأ پاكستان إلى استخدام ترسانتها النووية مستبقةً قيام الهند باجتياح قواعدها العسكرية. |
وباتباع نهج تحفظي ومعتدل، قام <روبوك> وفريق العمل بتطبيق نموذج المناخ هذا على أساس تصاعد خمسة تيراغرامات من الدخان فقط إلى الجزء العلوي من طبقة التروپوسفير فوق كل من الهند وپاكستان، وذلك حال اندلاع حرب نووية في توقيت تخيلي هو «يوم 5/15». وبناء على هذا، قام النموذج بمحاكاة كيفية تحرك وتوجيه الرياح السائدة للأدخنة المتصاعدة إلى أماكن أخرى عبر أرجاء العالم، وكذلك محاكاة الكيفية التي ستترسب بها جزيئات الدخان من الغلاف الجوي. وتبعا لمخرجات هذا النموذج، فقد خيم الدخان المتصاعد على جميع قارات العالم خلال أسبوعين فقط. كما قامت الأدخنة السوداء والسخام المتصاعد بامتصاص أشعة الشمس، مما أدى إلى تسخينها ومن ثم ارتفاعها إلى طبقة الستراتوسفير. وفي ظل هذه الظروف، لا يتوقع أن يسقط أي مطر، وهذا بدوره يعني إلغاء الدور الذي تؤديه تساقطات الأمطار في تنظيف الجو وتطهيره من السخام والأدخنة العالقة به، إذ سيتعين على جزيئات الدخان التساقط ببط شديد، في ظل مقاومة الهواء لسقوطها. علما بأن حجم حبيبات السخام soot particles صغير للغاية، ومتوسط قطرها لا يزيد على0.1 ميكرون (µm) فقط، لذا فإن تساقطها إلى الأسفل عادة ما يكون بطيئا جدا. وإضافة إلى هذا، فإن تسخين الشمس لهذه الحبيبات يوميا، سيؤدي إلى ارتفاعها إلى أعلى أثناء النهار، وهذا بدوره سيمثل عاملا معيقا ومكررا لإزالتها من الجو. وقد بينت نتائج النمذجة أيضا أن جزيئات الدخان يمكن لها أن تصل إلى ارتفاعات أعلى بكثير في طبقة الستراتوسفير العليا من تلك التي تستطيع جزيئات السلفات (الكبريتات) الناجمة عن الانبعاثات البركانية العرضية بلوغها. وهذا يعود إلى كون جزيئات السلفات شفافة مما يؤدي إلى امتصاصها لقدرٍ أقل من ضوء الشمس مقارنةً بما يمتصه السخام، وهي أيضا أكبر حجما، إذ يبلغ قطرها في العادة 0.5 ميكرون (µm)، ولهذا تمكث الجسيمات البركانية في الجو قرابة عامين، في حين يمكن لجزيئات الدخان والسخام الناتج من حرائق القنابل النووية أن تبقى عالقة به طيلة عقد زمني كامل.
ما الذي يدعونا يعتقد بعض الناس أن نظرية الشتاء النووي التي ظهرت في ثمانينات القرن المنصرم، قد باتت بلا مصداقية. ومن ثَمّ، قد يستغرب هؤلاء تأكيدنا من جديد على إمكانية أن تؤدي حرب نووية إقليمية – وإحداهما متوقعة بين الهند وپاكستان- إلى تدمير الإنتاج الزراعي في مختلف أرجاء العالم. ولكن نظرية الشتاء النووي الأصلية قد تم التحقق منها بدقة على أي حال. كما أن الأساس العلمي الخاص بهذه النظرية قد تم تدعيمه بواسطة الاستقصاءات التي أجرتها الأكاديمية القومية للعلوم، والدراسات التي قامت بتمويلها وزارة الدفاع الأمريكية وكذلك المجلس العالمي للاتحادات العلمية، الذي يضم ممثلي 74 أكاديمية علمية وطنية ومؤسسات علمية أخرى. لقد نُشرت أبحاثنا الحالية في مجلات علمية محكمة. ومع ذلك، يبدو أننا الوحيدون المتابعون للأبحاث حول الأخطار البيئية للتبادلات النووية. وإننا ندعو آخرين لتقييم وإعادة الحسابات لنتائج استعار حرب بين قوى عظمى ولنتائج حروب نووية إقليمية. |
صقيع قاتل في الصيف(*******)
وفضلا عما سبق، فقد كانت الاستجابة المناخية للانبعاثات الدخانية مذهلة، إذ تقلص ضوء الشمس بطريقة فورية، مسببا تبريدا وخفضا كبيرا في درجة الحرارة على سطح الأرض وبشكل لم يعهده كوكبنا طوال الألف سنة الماضية. وقد استمرت حالة التبريد العالمي هذه والبالغ متوسط انخفاض الحرارة خلالها، 1.25 درجة مئوية (ما يعادل 2.3 درجة فهرنهايت)، لسنوات عدة متتالية. وحتى بعد مرور عشر سنوات على هذا، لم تعد درجة الحرارة إلى معدلاتها الاعتيادية، بل بقيت دون هذه المعدلات بنحو 0.5 درجة. وبحسب نتائج النمذجة، فقد انخفضت أيضا معدلات هطل الأمطار على مستوى العالم بنحو10% كما حدث تقلص مماثل في رطوبة التربة وتدفقات الأنهار المائية. وهذا يعود في الأساس إلى تقلص معدلات التبخير ومن ثَمّ إضعاف الدورة المائية كنتيجة مباشرة لحجب ضوء الشمس. كما تبين أن الجفاف تركز بشكل واسع في المناطق الجغرافية السفلى (القريبة من خط الاستواء) lower latitudes، وهو ما يمكن إرجاعه إلى دور التبريد العالمي الحادث في تثبيط عمل نموذج<هادلي> لدورة الرياح والتيارات الهوائية Hadley air circulation pattern فوق المناطق الاستوائية، والمسؤول عن هطل نسبة كبيرة من تساقطات الأمطار العالمية. علما بأن نسب التقلص في تساقطات الأمطار قد تبلغ 40% خاصة في المناطق الحرجة، كما هو حال مناطق المونسون(2) الآسيوية Asian monsoon.
[التداعيات البيئية للغبار النووي] انـهـيـار الـزراعـــة(********) إن تغليف الأرض بخمسة تيراغرامات من الدخان يمكن أن يسبب خفضا في درجة الحرارة وزيادة في مستويات الأشعة فوق البنفسجية، مما يعرض محاصيل العالم الزراعية للخطر. درجة الحرارة من المنتظر أن ينخفض متوسط درجة الحرارة السطحية عالميا بمقدار1.25 درجة مئوية، وبعد مرور عشر سنوات يتوقع أن تبقى درجة الحرارة أقل من معدلاتها المعتادة بنصف درجة. علما بأن هذا الانخفاض سيحفز كذلك على حدوث موجات صقيع أثناء فصل الصيف. من الاحترار العالمي إلى التجمد السريع التباين في درجة الحرارة (بالدرجة المئوية) تبعا لمتوسط الحرارة خلال الفترة من 1980 -1951. استنفاد الأوزون من المنتظر أن يمتص الدخان من أشعة الشمس ما يكفي لتسخين طبقة الستراتوسفير بشدة، الأمر الذي سيؤدي إلى سحب أكاسيد النتروجين إلى أعلى، وهذا بدوره سيقلل من تركيز الأوزون (الموجود في طبقة الستراتوسفير). وكنتيجة لذلك، فإن ثقب الأوزون الذي عادة ما يحدث سنويا فوق القطب الجنوبي (الشكل المقابل في اليسار، باللون الأرجواني والأزرق الغامق) سيعم جميع الأرض (الشكل المقابل في اليمين)، مما سيسمح بنفاذ مستويات خطرة من الأشعة فوق البنفسجية إلى سطح الأرض. تدمير المحاصيل من المنتظر أن يؤدي اضمحلال أشعة الشمس وانخفاض درجة الحرارة وزيادة الجفاف إلى تقليص مدة الفصول الملائمة للزراعة. كذلك, فإن الصقيع الحادث في غير موعده ونفاذ كميات متزايدة من الأشعة فوق البنفسجية من خلال طبقة الأوزون المتهالكة، سوف يلحق ضررا إضافيا بهذه المحاصيل. وبناء على هذا, يتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج الزراعي العالمي بشكل حاد وفوري مما تسبب في تعطيل تجارة الأغذية. الشكل أعلاه: آثار موجة البرد المفاجئة التي حدثت في عام 2007وتسببت في تدمير 70 في المئة من محصول كاليفورنيا من الليمون الحمضي. |
وعلى الرغم من أن التبريد الحادث قد يبدو لأول وهلة غير مسؤول عن كل هذا، إلا أن أي تغير به حتى ولو كان طفيفا يمكن أن يقود إلى نتائج قاسية. إذ بإمكان التبريد وحجب ضوء الشمس على سبيل المثال، أن يؤديا إلى تقلص فترة نمو المحاصيل في المناطق الجغرافية الوسطى (المحصورة بين المناطق القطبية والمناطق المدارية) midlatitudes. هذا ويمكن تعرّف تداعيات التبريد بشكل أكثر من واقع رصد المشاهدات التي تعقب الانفجارات البركانية الضخمة، حيث لوحظ أن كل انفجار بركاني من هذه النوعية يؤدي إلى تبريد مؤقت لمدة عام أو عامين. ويعد انفجار بركان تامبورا بأندونيسيا في عام 1815، أكبر الانفجارات الحادثة خلال الخمسمئة عام الماضية، حيث تسبب في حجب ضوء الشمس وإحداث تبريد عالمي بمقدار نصف درجة مئوية طيلة عام كامل، بحيث اشتهر عام 1816 التالي، بأكثر من اسم مثل «السنة بلا صيف» أو «ألف وثمانمئة وتجمد حتى الموت». وفي منطقة نيوإنگلند (في الولايات المتحدة الأمريكية) وعلى الرغم من انخفاض متوسط درجة الحرارة في الصيف درجات عدة قليلة لا أكثر، إلا أن موجات الصقيع المهلكة للمحاصيل قد وُجِدَت طوال الموسم، بحيث لم يكد المزارعون ينتهون من إعادة زرع محاصيلهم بعد موجة الصقيع الأولى، ليفاجؤوا بموجة صقيع ثانية تعاود عليهم الكرة وتهلك محاصيلهم مجددا. ومن هنا، فقد ارتفعت أسعار الحبوب بشكل جنوني، كما تهاوت أسعار المواشي بشدة، نتيجة اضطرار عدد كبير من المزارعين إلى بيع مواشيهم، وبسبب عدم قدرتهم على توفير أعلاف أو أغذية مناسبة لها. كما حدثت هجرة جماعية من نيوإنگلند إلى منطقة الغرب الأوسط، نتيجة تواتر أنباء وتقارير عديدة عن تدهور خصوبة الأراضي الزراعية هناك. وفي أوروبا، كان الطقس أيضا باردا للغاية ومعتما دائما، وذلك إلى الحد الذي تسبب بانهيار سوق الأوراق المالية، وحدوث أكثر من مجاعة واسعة فيها، وبقدر ألهم الفتاة ذات الثامنة عشرة ربيعا <ماري شيلّي> إلى كتابة روايتها الشهيرة المعروفة باسم «فرانكينشتين»(3) Frankenstein.
وبالطبع، هناك أنواع معينة من سلالات المحاصيل الزراعية كما هو حال القمح الشتوي winter wheat، يمكنها تحمل الانخفاض في درجة الحرارة، لكن لا يمكنها تحمل غياب ضوء الشمس، إذ من دونه لا تستطيع النمو أو الإنبات. ووفق السيناريو السابق ذكره، فإن بإمكان ضوء النهار أن يخترق سديم ضباب الدخان المتراكم في طبقات الجو العليا، إلا أن الوضع بالقرب من سطح الأرض سيكون مختلفا تماما، حيث ستبدو جميع الأيام مظلمة وملبدة تماما بالغيوم. وبالطبع لن يكون بمقدور المهندسين الزراعيين ولا المزارعين تطوير البذور المطلوبة أو تعديل الأساليب والممارسات الزراعية بما يتلاءم مع الظروف الجديدة والمختلفة جذريا عما هو معهود، اللهم إلا إذا كان لديهم علم مسبق بما هو متوقع.
الأحداث الحقيقية مثل الثورات البركانية المتفجرة وحرائق الغابات الضخمة تساعد على التحقق من نتائج المحاكاة (الحاسوبية) التي تحاول التنبؤ بتداعيات الحرب النووية. في عام1991 قذف بركان جبل پيناتوبو الرماد أميالا إلى أعلى في الهواء (الشكل في اليمين)، وقد أدى هذا بدوره إلى إحاطة كوكبنا في حينه بطبقات مميزة من الجسيمات البركانية (الشكل في اليسار). |
وإضافة إلى التبريد والجفاف والإظلام الناتج، سيترتب أيضا على ذلك استنفاد طبقة الأوزون بشكل واسع، وهذا بسبب ارتفاع درجة الحرارة في طبقة الستراتوسفير بفعل الدخان، ذلك أن التفاعلات المسؤولة عن عملية إنتاج الأوزون وتكسره تعتمد في الأساس على درجة الحرارة. وقد قام <J.M.ميلز> [من جامعة كولورادو في بولدر بالولايات المتحدة الأمريكية] بتطبيق نموذج آخر للمناخ منفصل ومختلف تماما عن ذلك النموذج الذي استخدمه <روبوك>، إلا أنه توصل – مع ذلك – إلى نتائج مماثلة لتلك التي أظهرها نموذج <روبوك> بخصوص تصاعد الدخان إلى الأعلى وتغيرات درجة الحرارة في طبقة الستراتوسفير. وقد خلص <ميلز> إلى أنه على الرغم من ضآلة مقدار الانخفاض الحادث في درجة الحرارة على سطح الأرض، إلا أن طبقة الستراتوسفير يمكن أن تتعرض للتسخين بأكثر من 50 درجة مئوية نتيجة امتصاص جسيمات الدخان السوداء لأشعة الشمس. وهذا الاحترار سيؤدي بدوره إلى تغيير طبيعة الرياح في طبقة الستراتوسفير، وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى حمل أكاسيد النيتروجين المدمرة للأوزون إلى الأجزاء العليا من الستراتوسفير. كما ستتسبب المستويات المرتفعة لكل من درجة الحرارة وأكاسيد النتروجين في تقليص كمية الأوزون إلى المستويات الخطرة نفسها التي عادة ما نصادفها كل ربيع فوق ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية. أما على الأرض, فسوف تزيد كمية الأشعة فوق البنفسجية بشكل ملحوظ نتيجة اضمحلال طبقة الأوزون.
كما ينبغي ملاحظة أن تقلص ضوء الشمس ونسبة الأمطار وزيادة موجات البرد، وقِصَر مواسم النمو، وزيادة كمية الأشعة فوق البنفسجية، كل ذلك سوف يؤدي بالتبعية إلى تقلص الإنتاج الزراعي على مستوى العالم وربما القضاء عليه. وستكون تأثيرات التبريد وفَقْد الأوزون، أوضح ما يكون بصفة خاصة في المناطق الجغرافية العليا high latitudes (البعيدة عن خط الاستواء) والمناطق الوسطى middle latitudes (المحصورة بين المناطق القطبية والمناطق المدارية) في نصفي الكرة الأرضية، في حين ستكون نسبة التقلص في نسبة الأمطار أكبر ما يكون فوق المناطق الاستوائية tropics.
وبطبيعة الحال، فإن الأضرار النوعية الناتجة من كل تغير بيئي من التغيرات البيئية السابق ذكرها تعتمد على نوعية المحاصيل المزروعة، وطبيعة التربة وأسلوب الزراعة السائد في كل منطقة من المناطق المتأثرة، كما ستعتمد على أنماط الطقس الإقليمي السائد، علما بأنه لم يُمَكّن لأي باحث تقييم أنماط الاستجابة الزراعية المترتبة على مثل هذه التغيرات بشكل كامل أو مفصل. وحتى في الظروف المعتادة، فإن توفير الغذاء للأعداد المتزايدة من السكان يعتمد بطبيعة الحال على نقل الأغذية عبر الأقاليم المختلفة في أنحاء الأرض من أجل تعويض نقص الإنتاج الزراعي الحادث بسبب الجفاف وتغيرات الطقس الموسمية. بيد أن كمية الحبوب المخزنة في كوكب الأرض حاليا لا تكفي لتغذية سكان الكوكب سوى لنحو شهرين فقط [انظر في هذا العدد: «هل يمكن لنقص الأغذية أن يؤدي إلى انهيار الحضارة»]. وإضافة إلى هذا, فإن الإمدادات المتاحة من المواد الغذائية في معظم المدن والدول لا تكاد تكفيها سوى لفترة قصيرة جدا، ومن هنا فقد ارتفع العجز الغذائي (وكذلك الأسعار) بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة. إذن، يمكن لأي حرب نووية أن تتسبب في تقلص الإنتاج الزراعي في كل جهة تقريبا من أنحاء المعمورة دفعة واحدة، وفي هذه الحالة لا يستبعد أن يؤدي الذعر العالمي الحادث إلى توقف نظام التبادل الزراعي العالمي، وحدوث نقص حاد في المحاصيل في أماكن عديدة. ومن واقع جميع ما سبق، فإن ما يقرب من بليون نسمة ممن يعيشون حاليا على إمدادات غذائية محدودة في أنحاء العالم، سوف يكونون مهددين مباشرة بخطر المجاعة في حالة نشوب حرب نووية إقليمية ما بين الهند وپاكستان أو بين أي قوى إقليمية نووية أخرى.
مطلوب دليل مستقل(*********)
عادةً ما يقوم العلماء باختبار النماذج والنظريات العلمية، عن طريق إجراء التجارب الواقعية، ولكن في حالتنا هذه، فمن البديهي أنه لا يمكننا القيام بذلك، لذا كان علينا اللجوء إلى أمثلة واختبارات مناظرة analogues يمكن بواسطتها التحقق من صحة نماذجنا (المناخية).
مدن محروقة. لسوء الحظ، فقد اتضح أن العواصف النارية firestorms الناتجة من التفريغ الشديد للطاقة تؤدي في العادة إلى ضخ كميات هائلة من الدخان إلى طبقات الجو العليا. فقد احترقت مدينة سان فرانسيسكو من قبل بسبب زلزال عام 1906، كما احترقت أكثر من مدينة بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك مدن درسدن وهامبورگ وطوكيو وهيروشيما وناگازاكي. وهذه الأحداث تعزز من فكرة أن الدخان الناتج أثناء الحرائق المدنية الكثيفة يمكنه الوصول إلى طبقات الجو العليا.
دورة الفصول. في غمرة فصل الشتاء يمكننا بوضوح ملاحظة أن المناخ أبرد مما هو عليه في بقية الفصول، ويعود هذا إلى كون فترة النهار أقصر، وإلى كون أشعة الشمس أقل سطوعا وشدة. هذه الحقيقة المجردة قد ساعدتنا على تقييم تأثيرات تقلص الإشعاع الشمسي بطريقة كمية. وفي هذا السياق، فإن نماذجنا المناخية بما لها من قدرة على إعادة بناء دورة الفصول بشكل جيد، قد أكدت على وجود تباين واضح في مقدار الإشعاع الشمسي بين كل فصل وآخر.
الانفجارات (البركانية). هناك أمثلة عديدة لثورات وانفجارات بركانية ضخمة سابقة يمكن الخروج منها بأكثر من درس مستفاد، ومن ذلك انفجار بركان تامبورا في عام 1815، وكراكاتوا في عام 1883، وپيناتوبو في عام 1991. وخلال هذه الانفجارات، قامت الرياح بنقل سحب الإيروسولات الكبريتية sulfate aerosolclouds التي تشكلت في طبقة الستراتوسفير، إلى أرجاء مختلفة عبر العالم. كما حدث انخفاض سريع في درجة الحرارة على سطح الأرض بعد كل انفجار بركاني وبمقدار تناسب مع سمك السحابة المتكونة. وبعد انفجار بركان پيناتوبو، انخفض متوسط درجة الحرارة على المستوى العالمي بنحو 0.25 درجة مئوية، كما انخفضت أيضا نسبة تساقطات الأمطار العالمية، والتدفقات المائية بالأنهار ورطوبة التربة. وهذا ما بينته بالفعل نماذجنا (المناخية)، إذ استطاعت محاكاة واستنتاج جميع هذه التأثيرات.
حرائق الغابات. في بعض الأحيان يمكن للدخان المتصاعد من حرائق الغابات الضخمة الارتفاعَ عاليا وبلوغ طبقة التروپوسفير، بل وإلى الجزء السفلي من الستراتوسفير، كما يمكنه الانتقال إلى مسافات كبيرة جدا مسببا تبريد الحرارة على سطح الأرض (كما سبق شرح ذلك). وهذا أيضا ما أوضحته نماذجنا (المناخية)، إذ أمكنها استنتاج هذه التأثيرات بشكل جيد.
الرئيسان الأمريكي <باراك أوباما> والروسي <ديمتري ميدڤيدوڤ>يوقعان في الشهر7/2009 اتفاقية لتحديد عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية التي يحق لكل دولة نشرها. وبطبيعة الحال، فإن أي خفض إضافي في ترسانة البلدين، يمكن أن يشكل دافعا لجميع الدول النووية الأخرى على خفض أسلحتها النووية بما يعني تقليص حجم هذه الأسلحة بشكل جذري عالميا. |
إن السبيل الوحيد لإلغاء احتمال حدوث كارثة مناخية هو إلغاء الأسلحة النووية ذاتها. |
اندثار الدينوصورات. قبل 65 مليون عام من الآن، ضرب نيزك ضخم شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية مخلفا سحابة غبارية dust cloud ضخمة ومجموعة من الحرائق ودخانا كثيفا، أسهمت جميعا في حجب أشعة الشمس، ومن ثم فناء الدينوصورات. كما يحتمل أن تكون الانفجارات البركانية الضخمة التي حدثت في الهند في وقت متزامن قد أسهمت أيضا في تفاقم الآثار الناجمة. وهذه الأحداث تعلمنا على أي حال أنه بإمكان الكميات الكبيرة من الهباء الجوي والأيروسولات الموجودة في الغلاف الجوي تغيير المناخ بشكل جذري وبدرجة تكفي لهلاك أعتى الأجناس.
وعلى هذا النحو، فقد لجأنا إلى هذه الحالات المتناظرة لاختبار نماذجنا المناخية وتحسين قدراتها، لكننا نأمل أن يتمكن الآخرون من تطوير هذا وبذل مزيد من العمل. وفي هذا الإطار، فإننا نؤكد أن نتائج النماذج الأخرى المستقلة سواء توافقت مع نتائج نموذجنا المطبق هنا أم تعارضت معها، سوف تكون مرشدة للغاية وبناءة. أيضا، فإن إجراء دراسات تقييم الأثر الزراعي وهو ما لم يمكننا القيام به هنا، سوف يكون محل ترحيب.
الحظر: السياسة الوحيدة(**********)
ينطوي مفهوم الشتاء النووي لدى العامة على أكثر من انطباع خاطئ. أحد هذه الانطباعات يقوم على إنكار التأثيرات المناخية للشتاء النووي، وهذا أمر غير صحيح [انظر العمود السابق]. ومن الانطباعات الخاطئة أيضا الاعتقاد أن العالم سيواجه خريفا – وليس شتاء – نوويا في حالة اندلاع حرب نووية. بيد أن الحسابات التي أجريناها مؤخرا تشير إلى أن التأثيرات المناخية الناجمة عن صراع إقليمي ستكون قاسية وواسعة الانتشار. أيضا، فإن النماذج والحواسيب التي كانت مستخدمة في ثمانينات القرن المنصرم لم يكن بإمكانها محاكاة عملية تصاعد الدخان للغلاف الجوي وبقائه فيه، كما لم تكن قادرة على محاكاة طول الوقت اللازم لعودة المحيطات إلى سابق حالة الدفء التي كانت عليها، وذلك بعد انقشاع الدخان، لكن النماذج الحديثة بقدرتها على تقييم آثار الحرب النووية والتفاعلات الواسعة النطاق الحادثة خلالها تتوقع – في المقابل – شتاءً وليس خريفا نوويا.
ثمة انطباع آخر خاطئ يتمثل بالاعتقاد أن مشكلة الشتاء النووي، حتى وإن وجدت في السابق، فقد انتهت بنهاية سباق التسلح النووي. ولكن الواقع يشير إلى إمكانية حدوث شتاء نووي في أي وقت وبسهولة بسبب وجود الترسانتين النوويتين الأمريكية والروسية والمقرر بقاؤهما حتى عام 2012. وفضلا عن ذلك، فإن تزايد عدد الدول النووية يزيد من فرص نشوب حرب نووية سواء بصورة مخطط لها أم بصورة عرضية. وعلى سبيل المثال، فقد هددت كوريا الشمالية بإعلان الحرب في حال قيام العالم بإيقاف سفنها وتفتيشها للتأكد من عدم حملها مواد نووية. ولحسن الطالع، فإن كوريــا الشمالية لا تمتلك في الوقت الراهن أسلحة نووية جاهزة للاستخدام، بيد أنه قد يمكنها بلوغ هذا الهدف في المستقبل القريب. وأيضا، دعا بعض الزعماء المتطرفين في الهند إلى مهاجمة پاكستان بالأسلحة النووية إثر الهجمات الإرهابية الأخيرة على الهند. ونظرا لقدرة الهند على اجتياح الأراضي الپاكستانية بسرعة بقواتها التقليدية، فمن الوارد في هذه الحالة أن تلجأ پاكستان إلى مهاجمة الهند بأسلحة نووية استباقا لاعتداء الهند عليها. كما هددت إيران بتدمير إسرائيل، التي تعد هي الأخرى قوة نووية، والتي تعهدت بدورها بعدم السماح لإيران بأن تصبح دولة نووية. والواضح أن كل دولة من الدول المذكورة في الأمثلة السابقة تعتقد أن وجودها قد يكون عرضة للتهديد الكامل وبنذر قليلة. لذا فهي تُعدُّ من بؤر الصراع ومن الوارد انفجارها بشكل مفاجئ في أي وقت.
والواضح أيضا أن الحرب النووية الأولى قد صدمت العالم بشدة وذلك إلى الحد الذي لم يتم فيه استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى، وهذا على الرغم من التخزين الهائل لهذه الأسلحة منذ ذلك الحين. ولكن السبيل الوحيد لإلغاء إمكان حدوث كارثة نووية مناخية يكمن في إزالة الأسلحة النووية ذاتها. أيضا، فإن الإسراع في خفض الترسانتين النوويتين – الأمريكية والروسية – يمكن أن يشكل مثالا يحتذى به لبقية العالم بأنه لا يمكن واقعيا استخدام الأسلحة النووية، ومن ثم لا حاجة إليها.
وقد تعهدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بموجب معاهدة تقليص استخدام الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، بخفض عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية إلى ما بين 1700 و2200 مع نهاية عام 2012. وفي الشهر 7/2009 اتفق كل من الرئيس <أوبام> والرئيس الروسي <ديمتري ميدڤيديڤ> على إجراء خفض إضافي في عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية وتقليصها إلى ما بين 1500 و1675 وذلك بحلول عام 2016. ومع أن خفض حجم الترسانات النووية الاستراتيجية يعتبر من الأمور التي تستحق الإشادة، إلاّ أن النتائج الأخيرة التي توصلت إليها دراستنا تبين أنه حتى في ظل هذا الإجراء، فإن عدد الأسلحة المتاح حاليا يكفي تماما لتدمير الزراعة على الصعيد العالمي، وهذا هو المتوقع في حال نشوب حرب نووية إقليمية. أما إذا ما تم استخدام جميع مخزون الأسلحة النووية ضد أهداف مدنية، فسوف يــــؤدي هــــذا إلى قتـــل مئـــات الملايــين من البشر ونشر كمية هائلة من الدخان تقدر بـ1Tg = 1012 g) Tg 180) في طبقة الستراتوسفير؛ هذا فضلا عن انخفاض متوسط درجات الحرارة في مناطق الزراعة الرئيسية إلى أقل من درجة التجمد حتى في فصل الصيف وذلك لعدة سنوات متتالية. وعلى هذا المنوال، فإنه يمكن حتى لعدد محدود من الرؤوس الحربية الموجودة على ظهر غواصة نووية واحدة حاملة للصواريخ أن يسفر عن إنتاج كمية من الدخان تكفي لإحداث كارثة بيئية عالمية.
لعل انتشار الأسلحة النووية وعدم الاستقرار السياسي واختلال التركيبة السكانية يمثل في المجمل أحد أعظم الأخطار التي تهدد استقرار المجتمع البشري منذ فجر تاريخه. لذا، فإن مجرد إزالة الأسلحة النووية سيحول دون تحقق أحد الكوابيس المحتملة. كما أن التقليص الفوري للترسانتين النوويتين للولايات المتحدة وروسيا إلى المستوى الذي عليه القوى النووية الأخرى (أي بضع مئات فقط لا غير) سيحافظ على فكرة الردع المتبادل، وسيقلل كذلك من احتمال حدوث شتاء نووي، كما سيشجع سائر بلدان العالم على مواصلة جهودها من أجل التخلص من هذه الأسلحة.
ويبدو أن الرئيس <أوبام> يدرك هذا المنطق، إذ عَبَّر في أول مؤتمر صحفي له بتاريخ 2/9/2009، أي بعد توليه مقاليد الرئاسة، عن هذا بقوله «إنه من المهم للولايات المتحدة، بالتناغم مع روسيا… أن نواصل محادثاتنا حول كيف يمكننا البدء بتقليص حجم الترسانة النووية في كلا البلدين بطريقة فعالة، وبما يمكننا من المضي قدما وإقناع بقية الدول من أجل التكاتف والعمل معا للوصول إلى معاهدة تحظر انتشار الأسلحة النووية.» وبعد ذلك، وتحديدا بتاريخ9/24/2009 من العام نفسه، قاد الرئيس <أوبام> مجلس الأمن في هيئة الأمم المتحدة إلى قبول مشروع قرار، يمكن أن يشكل نقلة مهمة على طريق تسريع الجهود الرامية إلى تخليص العالم من الأسلحة النووية. وفي هذا الإطار، فإننا نعتقد أن نتائج النمذجة التي توصلنا إليها تمثل دعما للأسباب المؤيدة لهذه السياسة وسبيلا لتحقيق مزيد من التقدم فيها.
المؤلفان
<روبوك> أستاذ علم المناخ في جامعة روتگرز ومدير مساعد بمركز التنبؤ البيئي التابع للجامعة، حيث يقوم بدراسة جوانب عديدة تتعلق بالتغير المناخي. وهو أيضا زميل الجمعية الأمريكية للأرصاد الجوية وأحد أعضاء اللجنة الدولية للتغير المناخي (IPCC)(4).
أما <توون>، فيرأس قسم علوم الغلاف الجوي والمحيطات في جامعة كولورادو بمدينة بولدر، كما أنه زميل مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في الجامعة. وهو زميل الجمعية الأمريكية للأرصاد والرابطة الأمريكية للجيوفيزياء.
|
Alan Robock
Owen Brian Toon |
مراجع للاستزادة
Consequences of Regional-Scale Nuclear Conflicts. Owen B. Toon. Alan Robock. Richard P. Turco, Charles Bardeen. Luke Oman and Georgiy L. Stenchikov in Science, Vol. 315. Pages 1224-1225; March 2.2007.
Climatic Consequences of Regional Nuclear Conflicts. A. Robock. I Oman. G. L Stenchikov. O.B. Toon, C Bardeen and R. P. Turco in Atmospheric Chemistry and Physics. Vol 7. No 8. pages 2003-2012. April 2007.
Nuclear Winter Revisited with a Modern Climate Model and Current Nuclear Arsenals: Still Catastrophic Consequences. Alan Robock. Luke Oman Georgiy L. Stenchikov in Journal of Geophysical Research, Vol. 112; July 2007.
Massive Global Ozone Loss Predicted following Regional Nuclear Conflict. Michael J. Mills. Owen B. Toon, Richard P. Turco, Douglas E. Kinnison and Rolando R. Garcia in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 105, No. 14, pages 5307-5312; April 2008.
Environmental Consequences of Nuclear War. Owen B. Toon. Alan Robock and Richard P. Turco in Physics Today, Vol. 61. No. 12. Pages 37-42; December 2008.
(*) LOCAL NUCLEAR WAR, GLOBAL SUFFERING
(**) Regional War Threatens the World
(***) Human Toll
(****) INDIA VS. PAKISTAN
(*****) SMOKE CLOAKS THE EARTH, BLOCKING THE SUN
(******) Why Believe It
(*******) Killing Frosts in Summer
(********) Agriculture Collapses
(*********) Independent Evidence Needed
(**********) Abolition: The Only Policy
(1) الناتج التفجيري هو كمية الطاقة المنطلقة من ناتج تفجير قنبلة نووية واحدة، مقيسة عادة بالكتلة المكافئة من المادة TNT سواء بالكيلوطن (1000 طن TNT) أو بالميگاطن (مليوم طن TNT). (التحرير)
(2) مونسون: رياح موسمية عادة ما تنشط في الصيف تسبب عواصف قوية وأمطارًا غزيرة على منطقة جنوب شرق آسيا.(التحرير)
(3) رواية تنتمي إلى قصص الرعب، وتدور حول العالم «فرانكينشتين» الذي حاول صنع مخلوق لخدمة البشرية، بيد أن هذا المخلوق تحول إلى وحش قاتل وكابوس مزعج. وقد تُرجمت هذه الرواية إلى لغات عدة وتحولت إلى أعمال سينمائية، وحازت مؤلفتها <ماري شيلي> شهرة عالمية بسبب هذه الرواية، على الرغم من أنها لم تؤلف قصصا أخرى غيرها.
(4) the Intergovernmental Panel on Climate Change