تنظيف الهواء من الكربون
تنظيف الهواء من الكربون(*)ثمة آلات لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو تحدّ من زيادة تركيزه، وقد تنقصه فَتُخَفِّضُ من الاحترار العالمي(1) . <S.K.لاكنر>
بلغت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو حدا لا تجوز زيادته. وتبين جميع المؤشرات أنه لن يتناقض إذ إن تركيزه في الجو سيستمر بالارتفاع لعقود قادمة. وعلى الرغم من الآمال الكبيرة المعقودة على مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الدول المتقدمة والنامية ستستمر بإحراق مزيد من النفط والفحم والغاز الطبيعي في المستقبل. وفي وسائل النقل مازالت بدائل البترول المستعملة بعيدة المنال. فتخزين الطاقة الكهربائية على متن وسائل النقل الكهربائية صعب؛ فبطارية ذات كتلة معينة تخزن أقل من 1 في المئة فقط من الطاقة التي تعطيها الكتلة نفسها من الگازولين (بنزين السيارات). كما أن حجم المستودع في وسائل النقل المعتمدة على الهدروجين أكبر عشر مرات من حجم مستودع الگازولين، إضافة إلى أن خزان الضغط العالي اللازم لحفظه ثقيل جدا. وقد قمت بعض الطائرات برحلات رائدة استعمل فيها وقود نفاثات مستخرج من الكتلة الحيوية، إلا أنه يُشك في إمكانية إنتاج الوقود الحيوي بكميات تكفي حاجة الطائرات… أو البواخر إضافة إلى ارتفاع تكلفته. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن الحفاظ على تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون عند حده الذي يبلغ الآن 389 جزءا من المليون؟ فإذا كنا لانستطيع استعمال ضروب الوقود الحاوي على الكربون، فإن أحد الخيارات المتاحة هو سحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء. كما يمكن لتوسيع مساحة الغابات في العالم أن يساعد على امتصاص جزء من الغاز، إلا أن البشر ينتجون مقادير هائلة من الغاز بحيث إن المساحة المتاحة للغابات على سطح الكرة الأرضية لا تكفي لامتصاصه. ولحسن الحظ، فإن الآلات المرشِّحة التي يمكن اعتبارها أشجارا صنعية تستطيع امتصاص كميات من غاز الكربون أكبر من الأشجار الطبيعية ذات الحجم نفسه. وتقوم مجموعات بحث عدة بدراسة نماذج أولية لمثل هذه الآلات، ومنها معهد جورجيا للتقانة، وجامعة كالگاري في ألبرتا بكندا ومعهد التقانة السويسري الفدرالي في مدينة زيوريخ، وفريقا الأبحاث اللذان أشارك فيهما في جامعة كولومبيا ومركز أبحاث التقانات العالمية في توسون بأريزونا. [انظر: «عمليات متنافسة» بالأسفل]. وجميع نماذج هذه الآلات تعتمد على مبدأ واحد وهو إمرار الهواء من خلال بنية تحوي مادة «ماصة» sorbent ترتبط كيميائيا بغاز ثاني أكسيد الكربون، أما غازات النتروجين والأكسجين والعناصر الأخرى فتنطلق في الجو. يعتمد عمل هذه الآلات على مبدأ واحد وهو امتصاص كميات ضخمة من غاز الكربون الجوي بهدف الحد من تغيُّر المناخ، وليس هذا المفهوم بجديد، إذ إنه استعمل منذ عقود عدة لتنظيف الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغواصات ومركبات الفضاء وكذلك لتنظيف الهواء المستعمل للحصول على النتروجين السائل. وهناك العديد من الطرائق الكيميائية لإتمام عملية التنظيف، إلا أن المواد الماصة ( الماصّات) الصلبة أفضل من غيرها لأنها تستهلك طاقة أقل للقيام بعملية الامتصاص والغسل، مقارنة بالمواد الماصة الأخرى. وتبيـّن النماذج الصغيرة الأولى أن انتشار استعمال الآلات التي تعتمد على الماصات الصلبة على نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى وقف ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وحتى إنها يمكن أن تعكس اتجاه ازدياد نسبة هذا الغاز بحيث تتناقص نسبته في الجو.
مُرشِّح كبير واحد(**) تأتي الآلات الماصة لغاز ثاني أكسيد الكربون بأشكال وحجوم مختلفة، كما هو الحال عند نظيراتها من الأشجار. والنماذج الأولية للآلات المعروضة، والتي تجاوزت مرحلة التجارب المختبرية، يجب أن تمتص الواحدة منها كمية من ثاني أكسيد الكربون تتراوح بين طن ومئات عدة من الأطنان في اليوم الواحد. ويعطينا النموذج المطوَّر في جامعة كولومبيا وفي «مركز أبحاث التقانات العالمية» مثالا على كيفية تطبيق هذه التقانة. حيث ترتب ألياف المادة الماصة على شكل ألواح مستوية قائمة، ارتفاعها 2.5 متر وعرضها متر واحد، وتُشبه في شكلها مرشحات الأفران. وتدور الألواح القائمة على سكة دائرية أفقية مُركبة فوق حاوية شحن shipping containerعيارية مقاسها 40 قدما (12.2 متر) [انظر الشكل]. وتُعرَّض هذه الألواح للهواء وعندما يمتص اللوح أعظم ما يمكنه من غاز ثاني أكسيد الكربون يترك السكة ويهبط إلى حجرة التجديد regeneration chamber في داخل الحاوية حيث يُفصَل غاز ثاني أكسيد الكربون من المادة الماصّة ويُضغَط لتحويله إلى سائل. يُعاد اللوح المجدَّد بعد ذلك إلى السكة من جديد ليعود إلى امتصاص المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء. يمكن استخدام ثاني أكسيد الكربون الذي تم تجميعه باستخدام آلات جمع الهواء في الصناعة وبجدوى اقتصادية، كما يمكن أن يُنقل بأنابيب تحت الأرض، كما هو الحال في الأنظمة التجريبية لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه وفق أنظمة تخزين تستخدم في محطات توليد الكهرباء القائمة على إحراق الفحم. كما أن هناك بديلا مغريا يتمثل باستعمال غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج كمادة أولية لاصطناع ضروب الوقود السائل التي يمكن استخدامها في وسائل النقل. فباستعمال الكهرباء يمكن نزع ذرة أكسجين من غاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى غاز أول أكسيد الكربون (CO) وكذلك نزع ذرة أكسجين من الماء H2O وتحويله إلى هدروجين H2 ويطلق على المزيج الناتج (H2+CO) اسم غاز الاصطناعsynthesis gas، والذي يمكن الحصول عليه صناعيا بطرق أخرى؛ وقد استعمل منذ قرن من الزمن تقريبا في إنتاج ضروب الوقود وضروب البلاستيك. وتقوم شركة ساسول Sasol للطاقة في جنوب إفريقيا منذ سنين طويلة بإنتاج بنزين السيارات الصنعي والديزل بدءا من غاز الاصطناع الناتج من الفحم. وهكذا، فإن امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء بالآلات يمكن أن يمحي مفعول الانبعاثات الناتجة من المَرْكَبات التي تستعمل ضروب الوقود الأحفوري أو إنه في الوقت نفسه يمكن أن يساعد على الاستعاضة عن الوقود الأحفوري بسوائل صنعية لا تحتاج إلى أي من عمليات التعدين أو الحفر للحصول على الفحم أو البترول أو الغاز الطبيعي.
ومما لا شك فيه أن آلات امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون يجب أن تتوفر فيها شروط أخرى إضافة إلى فعلها الكيميائي، كأن تكون عمليَّة، وذات تكلفة مقبولة، واقتصادية طاقيا. فالحجم الصغير لجهاز الامتصاص مُتطلّب رئيسي. ففي اليوم الواحد يمرُّ أكثر من 700 كيلوغرام من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال فتحة مساحتها تساوي مساحة باب غرفة، بمستوى أرض الغرفة أو إلى الأعلى، أي إنها معرّضة لسرعة ريح قدرها ستة أمتار في الثانية، وهي سرعة الريح في موقع طاحونة هواء. وهذه الكمية من غاز ثاني أكسيد الكربون تعادل انبعاثه الناتجة من ثلاثة عشر شخصا في الولايات المتحدة خلال الفترة الزمنية نفسها. وقد لا يمر الهواء في الآلة بسرعات كبيرة، كما أن عملية الترشيح قد تُبطئ سرعة الجريان، إضافة إلى أن احتمال الامتصاص الكامل غير وارد، وعلى الرغم من جميع ذلك فإن آلة امتصاص الهواء وجمعه يجب أن تكون صغيرة الحجم.
وعند تقييم التكلفة نجد أنها تتأثر بعاملين رئيسيين أولهما امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وثانيهما استرجاع الكربون من المادة الماصّة. فبالمقارنة بطواحين الهواء، أدركتُ منذ البداية أن تكلفة ترشيح الهواء بالمادة الماصة صغيرة. أما تكلفة العملية التالية وهي تحرير غاز ثاني أكسيد الكربون من المادة الماصة فتشكل غالبية التكلفة الإجمالية. ومع ذلك، فإن تنظيف الهواء بديل عملي يفضل تنظيف مداخن ملايين المرْكَبات؛ لأن حجما كبيرا من غاز ثاني أكسيد الكربون يجب خزنه على متن كل مركبة وإعادته إلى مركز التجميع فيما بعد. (كل كيلوغرام من البنزين يعطي عند احتراقه ثلاثة كيلوغرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون). وهذا يعني أن تنظيف الهواء المحيط عملية فضلى. ماص صلب أو سائل(*****) الماص الجيد، كيميائيا، هو الماص الذي يرتبط بغاز ثاني أكسيد الكربون بشدة ولكنه، في الوقت نفسه، يحرّره بسهولة دون تكلفة كبيرة. يبلغ تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي نحو 0.04 في المئة، مقارنة بـ10إلى 15 في المئة في مداخن احتراق الفحم. وقوة الماص المطلوبة تختلف قليلا باختلاف تركيز غاز الكربون، فماصات آلات تنظيف الهواء ستكون بقوة الماصّات المستعملة في تنظيف غازات المداخن. والماصات نوعان صلبة وسائلة. وتُفَضَّل السائلة منها على الصلبة لسهولة نقلها بين مكان تجميع الغاز ومكان تجديدها. والمهم في العملية هو تأمين السطح الكافي من السائل لامتصاص الغاز من المحيط، الأمر الذي أمكن للمهندسين الكيميائيين إيجاد الطرق الكفيلة بتحقيقه. فعلى سبيل المثال، فإن الماص الذي يستعمله <D.كايت> في جامعة كالگاري وكذلك شركة هندسة الكربون(2) الجديدة، مكوَّن من سائل هدروكسيد الصوديوم الذي يجري ضمن سطوح بلاستيكية ينفَخ خلالها الهواء بمروحة. إن تحريك السائل عملية سهلة، إلا أن قوة ارتباط غاز الكربون بالهدروكسيد كبيرة لدرجة تجعل إزاحته من الماص صعبة نسبيا.
وتمتاز الماصات الصلبة بإمكانية جعل سطوحها الصلبة خشنة، الأمر الذي يزيد من مواقع ارتباط جزيئات غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن ثَمّ زيادة معدل الارتباط. إلاّ أن تحريك الماصات الصلبة من حجرات التجديد وإليها أصعب من تحريك الماصات السائلة. وتعمل مؤسسة تجارية شريكة، تدعى الثرموستات العالمية(3) والتي تقوم بأبحاثها في معهد جورجيا للتقانة، على تحرير غاز ثاني أكسيد الكربون من الماصات الصلبة بالتسخين. يعتمد كل من الماصات الصلبة والسائلة على تفاعل حمض – قاعدة (أساس) المعروف في الكيمياء. فغاز الكربون حمضي، ومعظم الماصات قلوية. ويتفاعل الحمض مع الأساس مكونا ملحا. فعلى سبيل المثال، يتفاعل هدروكسيد الصوديوم، المعروف باسم الصودا الكاوية (وهو ماص قوي) مع غاز ثاني أكسيد الكربون مكونا كربونات الصوديوم soda ash (رماد الصودا أو صودا الغسيل). وكربونات الصوديوم قلوية تقوم بامتصاص كمية إضافية من غاز ثاني أكسيد الكربون متحولة إلى كربونات الصوديوم الحامضة NaHCO3 (صودا الخبْز)، وهي قلوية أيضا. وتجري تفاعلات كيميائية مشابهة في الماصات الأخرى. نظريا، يمكن إزاحة غاز ثاني أكسيد الكربون من الكربونات الحامضة متحولة إلى هدروكسيد، أي إن الماص يعود إلى حالته التي استعمل فيها في البدء، وهكذا يمكـن إعــادة تـــدوير الماص. ولكن، عمــليا، لا تجري عمليات التجديد إلا بشكل جزئي. فإما أن يُنزع جزيء ثاني أكسيد الكربون من الكربونات الحامضة وينتج كربونات أو يُنزع ثاني أكسيد الكربون من الكربونات ويتحول إلى هدروكسيد الصوديوم. وإن التحول من الكربونات الحامضة إلى الكربونات وبالعكس عملية فُضلى لأن الطاقة اللازمة لتحرير غاز ثاني أكسيد الكربون من الماص بعد ارتباطه به تكون أقل. وهناك أصناف أخرى من الماصّات المبتكرة التي يتم فيها التحول من كربونات إلى كربونات حامضة وبالعكس، ومنها الصنف الذي يدعى المبادلات الراتنجية الأنيونية anion exchange resins (السالبة الشحنة) الشبيهة بالبلاستيك، فهذه الپوليميرات (اللدائن) الكربوناتية لها تطبيقات متنوعة منها تحضير الماء الخالي من الأيونات ions. والأيونات الموجبة في هذا الراتنج ثابتة في مكانها، بينما الأيونات السالبة متحركة أي يمكن الاستعاضة عن الأيون السالب بأيون سالب آخر بإمرار محلول سائل في الراتنج. وهكذا، فإن مجموعة من الأيونات السالبة الموجودة في محلول يمكن مبادلتها بأيونات سالبة أخرى بغسل الراتنج بهذا المحلول، وتكون النتيجة إحلال أيونات المحلول السالبة محل الأيون السالب المتحرك في الراتنج.
وقد صنَّع مركز «أبحاث التقانات العالمية» راتنجا كربوناتيا من هذا النوع. فالمرشحات المصنوعة من هذا الراتنج الجاف تُعرَّض لرياح مُذخّرة بغاز ثاني أكسيد الكربون إلى درجة تتحول فيها الكربونات السالبة الشحنة (CO32-) الموجودة في الراتنج إلى كربونات حامضة، وبإمرار الماء على الراتنج يتحرَّر ما امتصه الراتنج من ثاني أكسيد الكربون ويتحول الراتنج إلى كربونات من جديد. وعندما يجف الراتنج يبدأ بامتصاص ثاني أكسيد الكربون ثانية. أما في النظام الذي خططناه، فقد استعملنا مرشحا يهبط إلى حجرة التجديد الموجودة داخل حاوية الشحن ويُضَخُّ الهواء لإطلاقه خارج الحجرة، بينما يضاف الماء على هيئة رذاذ ضبابي على الأغلب. وبالنتيجة، فإن الراتنج المرطب يُحرِّر غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُضَخ إلى الخارج ويضغَط لتحويله إلى سائل. ولهذا الضغط فعل آخر إذ إنه يحوِّل بخار الماء المتبقي إلى ماء نقي يسحب ويستعمل من جديد. أما المرشح المنظَّف، فإنه يُرفَع إلى الأعلى فوق حجرة التجديد لكي يجف ويعود إلى امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من جديد فوق حاوية الشحن. تتطلب هذه الآلات طاقة في مرحلتين: الأولى مرحلة ضخ الهواء إلى خارج غرفة الاسترجاع، والثانية مرحلة ضغط غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يبلغ ضغطه كسرا بسيطا من الضغط الجوي atmosphere ليرتفع الى الحد اللازم لتحويله إلى سائل (عشرات عدة من الضغوط الجوية حسب درجة الحرارة). والمرحلة الثانية تتطلب طاقة أكبر بكثير من المرحلة الأولى، وفي جهازنا يبلغ مجمل ما يلزم من الطاقة لامتصاص كيلوغرام واحد من غاز ثاني أكسيد الكربون نحو 1.1 ميگاجول من الكهرباء. وللمقارنة، فإن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الجو من محطات توليد الطاقة لإنتاج1.1 ميگاجول من الكهرباء في الولايات المتحدة تبلغ وسطيا 0.21 كيلوغرام فقط. وهذا يعني أن كمية الغاز التي تمتصها الآلات أكبر بكثير من الانبعاثات الناتجة من توليد الطاقة اللازمة لعملها. وتبلغ التكلفة العملية للطاقة اللازمة لامتصاص طن واحد من غاز ثاني أكسيد الكربون نحو 15 دولارا، وهي ليست أكبر بكثير من تكلفة غسل هذا الغاز من مداخن المعامل. وفي الوقت الحالي، على أية حال، فإن معظم التكلفة العائدة إلى نشر هذه الوحدات تعود إلى تكلفة تصنيعها وصيانتها، وهي تكلفة ستتناقص تدريجيا نتيجة لازدياد أرقام الإنتاج. وأتوقع شخصيا أن تكون التكلفة في بداية الأمر بحدود 200 دولار لكل طن من غاز ثاني أكسيد الكربون يُنتزع من الهواء، ولكن هذه التكلفة ستهبط بشكل سريع بازدياد تصنيع آلات امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء.
اسْتعمِل ثاني أكسيدالكربون، وقُمْ بتخزينه(*********) ماذايمكننا أن نفعل بكل هذا الغاز الذي يمكننا جمعه؟ إضافة إلى خزنه، هناك خيارات عدة مطروحة. فهناك العديد من الصناعات، مثل صناعة المياه الغازية والتي تستخدم ثاني أكسيد الكربون في كربنتها، وتجميد أجنحة الدجاج وصناعة الثلج الجاف dry ice. كما يستعمل هذا الغاز لتحفيز نموّ المحاصيل في الزراعات المحمية. ويمكن استعماله أيضا كمذيب غير مُلوَِّث، أو كسائل تبريد في البرادات. وهناك قليل من المصادر الصناعية لهذا الغاز، ولذلك فإن العامل الأساسي في السعر هو تكلفة الشحن. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يُباع الطن الواحد من غاز ثاني أكسيد الكربون عادة بأكثر من 100 دولار، ولكن هذا السعر يصل إلى 200 أو حتى 300 دولار في المناطق النائية. ويبلغ حجم السوق العالمي للغاز ما يقرب من 30 مليون طن سنويا، يمكن تأمين جزء منه بواسطة آلات الامتصاص التي تحدثنا عنها. وهناك أسواق ملائمة، كالصناعات الغذائية، يمكن أن توفر مجالا لاستعمال غاز ثاني أكسيد الكربون وبازدياد أعداد آلات الامتصاص المنتجة فإن الأسعار ستنخفض، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ازدياد حجم سوق مبيعات الغاز. وعندما يهبط سعر طن غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من آلات الامتصاص، إلى ما دون 100 دولار بكثير، فإن استخلاص الغاز يمكن أن يباع كسندات ائتمان كربون carbon credit، تماما مثل تلك السندات التي تباع وتُشترى في بورصة لندن للكربون. ويمكن للأسواق الجديدة في العالم أن تُسرِّع في نموّ تقانة الامتصاص. فمنذ سبعينات القرن الماضي بدأت شركات البترول بشراء غاز ثاني أكسيد الكربون لاستعماله في رفع مردوديّة الآبار(4). فهذا الغاز يُضَخُّ تحت الأرض لاستخراج مزيد من النفط والغاز الطبيعي من الآبار التي بدأ مردودها بالتناقص. فإذا كان الغاز المستعمل لهذا الهدف مصدره تقانة الامتصاص يمكن للشركات النفطية أن تطالب بـ «ائتمان كربوني» مقابل كميات الغاز التي ضُخّت في الآبار وبقيت تحت الأرض. وعمليا، فإن نصف كمية الغاز المضخوخ في هذه الآبار يبقى تحت الأرض بشكل طبيعي. وهكذا، فإن زيادة استرداد الغاز والنفط من آبارها بواسطة ضخ غاز ثاني أكسيد الكربون فيها هي سوق واعدة كبيرة لهذا الغاز. ولكن المشكلة هنا هي أن كثيرا من الآبار تقع على مسافات كبيرة من مصادر غـاز ثاني أكسيد الكربون. ولذلك، فإن إقامة وحدات امتصاص هذا الغاز من الجو عند مواقع هذه الآبار يمكن أن تغير ديناميكية العمل في الحقول النفطية. وعلى أية حال، فإنه ببروز مصادر الطاقة النظيفة, وترويجها على مجال عالمي فإن الجائزة الكبرى لتقانة امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الجوّ تتمثل بإنتاج وقود سائل جديد اعتمادا على هذا الغاز كمادة أولية. وكما أشرنا سابقا، فإن هناك تقانات معروفة مثل التحليل الكهربائي والتفاعلات العكوسة لانزياح ماء – غاز، يمكن استخدامها لإنتاج غاز الاصطناع بدءا من غاز ثاني أكسيد الكربون والماء. وهذا بدوره يؤدي إلى اصطناع الوقود. وتتطلب العملية طاقة كهربائية عالية, الأمر الذي يرفع من تكلفتها. وسيستمر البشر بإطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو, كما هي عليه الحال الآن إلى أن يصبح استعمال الوقود الاصطناعي اقتصاديا. وقد طُوِّرت تقانات مثل العزل الجيولوجي والعزل المعدني لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون المجمَّع في محطات توليد الكهرباء, ويمكن لآلات الامتصاص أن تعمل على خزن الغاز باستخدام هذه التقانات, وأن تُقام في المواقع ذاتها التي ينبعث منها الغاز. تبريـد عالمي(**********) إلى أن تصبح تقانات وسائل النقل النظيفة أكثر فعالية بكثير، فإن استخلاص الكربون من الهواء يمكن أن يسمح للسيارات والطائرات والبواخر بالاستمرار بحرق ضروب الوقود السائل مُطلقة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه أجهزة تجميع مُقامة في أماكن بعيدة جدا. وعبارة «بعيدة جدا» تـُعبِّر عن واقع الحال. فعلى عكس الأوزون وثاني أكسيد الكبريت، فإن ثاني أكسيد الكربون يبقى في الجو فترة طويلة تتراوح بين العقود والقرون مما يتيح له إمكانية التحرك والانتقال على مدى واسع إلى مسافات بعيدة. وتمتزج مكونات الهواء الجوي ببعضها بشكل تام بحيث يكون أمرا شرعيا ومنطقيا أن تـُعطى أستراليا تعويضا عندما تنتزع غاز ثاني أكسيد الكربون من جوِّها وهو الغاز الذي نتج أساسا من انبعاثات هذا الغاز في أمريكا الشمالية. ويمكن أيضا إزالة كمية معينة من انبعاثات هذا الغاز قبل أن تنطلق في الجو. فالسيارة، على سبيل المثال، تطلق وسطيا خلال مدة استعمالها نحو 100 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. فإذا تم امتصاص هذه الكمية من الغاز من الهواء قبل أن تخرج السيارة من المصنع أمكن الاستنتاج بأن دورَ هذه السيارة «حيادي» neutral، أي لا تؤدي دورا في تلويث الجو بالكربون. وتوفر آلات الامتصاص طريقة أرخص لتنظيف الانبعاثات الناتجة من محطات توليد الكهرباء, وخصوصا القديمة منها، والتي يصعب تجهيزها بوسائل مناسبة لتنظيفها، وكذلك أيضا المحطات البعيدة عن مستودعات التخزين. وفي المستقبل، بعد أن يتوقف ازدياد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو باستعمال آلات الامتصاص، فإن هذه الآلات يمكن أيضا أن تخفض هذا التركيز, أي إنها ستقوم فعلا بامتصاص الانبعاثات القديمة من هذا الغاز. إضافة إلى التكلفة، يرى ناقدو هذه التقانة المقترحة أن آلات الامتصاص الكثيرة العدد ستستهلك طاقة كبيرة، إضافة إلى أن الألواح فيها مصنوعة من ضروب البلاستيك التي تصنَّع بدورها من النفط. والمشكلة الرئيسية, برأيي, هي انطلاق أطنان عدة من بخار الماء في الجو عندما تُُجفَّف المراشح بعد امتصاص طن واحد من غاز ثاني أكسيد الكربون. ولكن استعمال أعدادٍ كبيرة من آلات الامتصاص سيكون بداية لتصحيح تغير المناخ. وتمتص آلة الامتصاص المتحركة الواحدة ما يقرب من طن واحد من غاز ثاني أكسيد الكربون في اليوم. فإذا استعملت عشرة ملايين آلة فإنها ستمتص 3.6 گيگاطن سنويا، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 0.5 جزء في المليون سنويا. وإذا أمكن، بمرور الوقت، زيادة ما تمتصه الآلة إلى 10 أطنان يوميا (وهذا يتطلب ماصّات أفضل) فسيصبح الانخفاض السنوي لتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو خمسة أجزاء في المليون, وهو أعلى من سرعة ازدياد التركيز العالمي في الوقت الحالي. وقد يبدو عدد الآلات المقترح استعمالها 10 ملايين كبيرا، إلا أن الإنتاج العالمي السنوي الآن للسيارات وعربات النقل الخفيفة يبلغ 71 مليونا. إن تكلفة امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون تبلغ 200 دولار للطن الواحد في البداية، وهي تكلفة كبيرة. وإذا سارت هذه التقانة وفق مسارات ومنحنيات التصنيع المعيارية فإن هذه التكلفة يمكن تخفيضها، بالاستمرار بالبحث والتطوير, إلى 30 دولارا للطن الواحد، وهي بشكل رئيسي تكلفة المواد والطاقة. وعند تلك النقطة سيكون المبلغ الذي يجب إضافته إلى سعر گالون البنزين لقاء امتصاص الانبعاثات الناتجة منه هو 25 سنتا، وهو مبلغ زهيد يمكن أن يدفعه المرء للوقوف في وجه التغيُّر المناخي الذي بدأ يضرب كوكبنا الأرضي. المؤلف
مراجع للاستزادة
Climate Strategy with CO2 Capture from the Air. David W. Keith et al. in Climatic Change, Vol. 74, pages 17-45; January 2006.
Fixing Climate: What Past Climate Changes Reveal about the Current Threat—and How to Counter It. Wallace S. Broecker and Robert Kunzig. Hill and Wang, 2008.
Capture of Carbon Dioxide from Ambient Air. Klaus S. Lackner in European Physical Journal: Special Topics, Vol. 176, No. 1; pages 93-106; September 2009. (*)WASHING CARBON OUT OF THE AIR (**)One Big Filter (***)Carbon Carousel (****)PLANETARY PLAN (******)SELLING CO2 (*******)Not Geoengineering (********)COMPETING PROCESSES (*********)Use It, Store It (**********)Global Cooling (1) global warming (4)انظر: «استعصار المزيد من النفط من باطن الأرض» في هذا العدد. |
||||||||||||||||