سَـحَـرةُ الـديـدان
سَـحَـرةُ الـديـدان(*)
صَدَق ظن <Ch. داروين> في أن ديدان الأرض التي تبرز هاربة من الاهتزازات الأرضية إنما تفعل ذلك فرارا من الخلدان الجائعة – حتى وإن كانت تفعل ذلك أحيانا هرباً من بشر يتعقبونها.
<K.كاتانيا>
مفاهيم مفتاحية
إن الاهتزازات الأرضية تجعل بعض سلالات ديدان الأرض تتسابق نحو السطح. وهذه ظاهرة يستثمرها جامعو طعوم الأسماك. اقترح <Ch.داروين> وآخرون أن ديدان الأرض تترجم هذه الاهتزازات على أنها خِلدان تسعى إلى أكلها فتتجنبها. أظهرت التجارب أن <داروين> كان محقا وأن القول المعارض – إن ديدان الأرض تفسر الاهتزازات بسقوط المطر – لم يكن صحيحا. محررو ساينتفيك أمريكان |
إذا حدث أن كنت تسير على الجانب الأيمن من ولاية فلوريدا عند الفجر وسمعت أصواتا تصدر عن حيوان مفترس مُسْتَخفٍ بين النباتات، فإنك بالتأكيد ستقول في قرارة نفسك إن مصدر الصوت تمساح أمريكي alligator أو دبَّة أُمّ أحد الحيوانات المفترسة المجلوبة من منطقة الأمازون. لا شيء من هذا؛ إنها تصدر عن إنسان «جامع للديدان»(1).
إن جامعي الديدان قد أتقنوا اجتذاب الديدان للخروج من جحورها وكأنها مسحورة، فيمكنهم جمعها وبيعها طعوما لصيد الأسماك. فهم، أولا، يغرسون عصا خشبية في التربة، ثم يدلكونها بقطعة فلزية (معدنية) مسطحة، فتنتقل الذَّبْذبات الحادثة عبر الأرض؛ وكردّ فعل لذلك تبرز إلى سطح الأرض مئات الديدان الكبيرة الحجم، في دائرة قد يبلغ قطرها 12 مترا حول العصا المغروسة.
والسؤال هنا: لماذا تندفع الديدان إلى سطح الأرض في وضح النهار معرضة أنفسها لافتراس محتمل من قبل أعدائها، ومن ضمنهم جامعو الطعوم؟ يبدو لنا أن الأجدى لديدان الأرض – وهي طعام مفضل لكثير من الحيوانات – أن تبتعد عميقا في التربة عند إحساسها بالذبذبات. وإلى وقت قريب كان هذا الأمر يُفسر عموما من قبل هواة جمع الطعوم بأن ديدان الأرض تترجم الاهتزازات على أنها تساقط مطر فتسرع في الخروج نحو السطح لتتجنب الغرق في التربة التي تصبح مشبعة بالماء. وعلى أية حال، لاحظ كثير منا، بعد هطول المطر الغزير، ديدان الأرض وهي تزحف على الرصيف، ولكنني شَكَكْتُ في وجود شيء آخر وراء عملها هذا.
في عام 1800 سمع <Ch.داروين> قصصا مشابهة في أوروبا تحكي عن اهتزازات دفعت ديدان الأرض المحلية إلى الخروج من الأرض؛ وكان هو أيضا يتساءل: لماذا خرجت الديدان من جحورها؟ وقد ارتأى بعض الباحثين أن الديدان تفسر الاهتزازات على أنها خُلد جائع يتعقبها، وأنه لا مفر من الهرب. وقد وجدت دراساتي وتجاربي الحديثة الجواب النهائي المريح عن هذا السؤال، فقد أظهرتُ عام 2008 أن سلوك ديدان الأرض هو فعلا رد فعل لسلوك الخلدان.
إلى داخل الغابة(**)
اعتقد < داروين>أن تفسير الخلد أمر معقول، كما جاء في كتابه الأخير الذي نشره عام 1881 حاملا عنوان «تكوُّن الدُّبال بفعل الديدان مع مراقبة عاداتها»(2)، لكنه عندما حاول إخراج ديدان الأرض إلى السطح عند حدوث الاهتزازات لم يحقق نجاحا كبيرا، فهو لم يذهب بعيدا في التحقق من ذلك السلوك. ولكن <داروين> لم يلتق قط بالزوجين <گاري وأودري ريڤل>.
إن الزوجين ريڤل كانا من القلائل الذين احترفوا جمع الديدان لاتخاذها طعوما لصيد الأسماك، وهما من الذين يكسبون قُوتَهم عن طريق بيعها. ومرة في السنة، وتحديدا خلال الشهر الرابع، وفي مقاطعة سوپشوپي من ولاية فلوريدا، يمكنك أن تجد هذين الزوجين في مهرجان سنوي يحتفل بالتاريخ المحلي، ويتضمن: الموسيقى وباعة الطعام وقُمصان جامعي الديدان، وتتويج ملكة لجامعي الديدان.
وجمع الديدان مهنة تتوارثها الأجيال في جنوب شرقي الولايات المتحدة، ولكن يبدو أنها بلغت ذروتها، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، في غابة أپالاشيكولا الوطنية، الواقعة خارج مقاطعة سوپشوپي مباشرة. فعندما بدأت هذه الممارسة تجتذب وسائل الإعلام، خشي المسؤولون عن الغابة من احتمال الإفراط في جمع الديدان الكبيرة من النوع دپلوكارديا Diplocardiamississippiensis، وأصبح جمع الديدان من داخل حدود الغابة يتطلب الآن الحصول على تصريح سنوي.
وتشكل غابة أپالاشيكولا الوطنية المكان الأمثل لاختبار «فرضية الخلد». فديدان هذه المنطقة من الجنس دپلوكارديا لها شهرة أسطورية في استجابتها للاهتزازات. ومن ثم فإنها آبدة أصيلة في المنطقة، أما الكثير من الديدان في أمريكا الشمالية فهي أنواع غازِيَة – أُدخلت من أوروبا. وهذا يعني أن ديدان دپلوكارديا قد تطورت تطورا مصاحبا coevolved لتطور المفترسات المحلية، ومن ثم يعكس سلوك تكيفاتها البيئية الحالية.
وقد لجأتُ إلى الاستعانة بالزوجين <ريڤل> لملاحظة استجابة الديدان لعملية الجمع المتبَّعة. فإذ كان <گاري> يدلك العصا وكانت <أودري> تجمع الديدان، كنت أحدد بعناية المكان الذي خرجت منه كل دودة بعلَم صغير. وعندما جُمِعت آخر دودة، دهشنا حين نظرنا حولنا ورأينا عدد الأعلام المنتشرة حول <گاري>. فقد برزت الديدان في قُطْرٍ يتجاوز 12 مترا حول موقع<گاري>.
كذلك لاحظت الديدان بعد بروزها، كما استخدمتُ أجهزة مسماع أرضي (جيوفونات geophones، وهي أجهزة لتسجيل الاهتزازات الأرضية) لتحديد مدى تردد (تواتر) الذبذبات المتولدة من دَلْك العصا وشدتها في مواضع مختلفة.
وقد برزت الديدان من الأرض سريعا، ولو جاز مرة أن نصف دودة بأنها تجري، لكان هذا هو الوقت المناسب بالذات. وقد كانت حركة الديدان الباكرة تتفق مع عملية هروب من خطر ناشئ عن باطن الأرض، تبعتها حركة متمهلة عندما كانت الديدان تبحث عن مواضع جديدة تحفر فيها على مبعدة بضعة أمتار.
وبعد نحو عشر دقائق من الزحف، بدأت الديدان مهمتها المجهدة في الحفر عائدة إلى التربة، وهو إنجاز قد يستغرق أي وقت بين عشر دقائق وأكثر من ساعة كاملة. والكثرة الغالبة من الديدان تلوذ بجحورها الجديدة سالمة، ولكن بعضها يكون قد وقع فريسة للنمل، وبعضها تكون قد التهمته الثعابين أو العظايا (السحالي) أو الخنافس اللواحم، كما أن القليل منها، الذي يكون قد برز من التربة في طقس حار جاف، يموت ببساطة بفعل الجفاف. فمن الواضح أن البروز من التربة يُودي بحياة عدد من الديدان ويُعَدُّ مَغْرما عليها، ومن ثم يفترض أن سببا قويا قد دفعها دفعا إلى هذا الفعل.
السيدة <A.ريڤل> جامعة طعوم الأسماك. |
وكي أختبر ارتباط «الدودة والخُلد» بأسلوب مباشر أكثر، كنت في حاجة، قبل أي شيء، إلى التأكد من أن الديدان معرضة فعلا لخطر مصادفة خلد ومواجهته – والخلد في هذه الحالة هو النوع الأمريكي الشرقي المسمى علمياScalopus aquaticus، وهو النوع الوحيد الذي يعيش في هذا الموضع من ولاية فلوريدا. [المكان الذي يسمى محليا «يد المقلاة» لأنه لسان ممتد من الأرض]. وقد اتضح لي الجواب حالَ وصولي إلى غابة أپالاشيكولا الوطنية، فقبل أن أُخرِج قدمي من السيارة شاهدت علامات وجود أنفاق الخلدان – وهي حافات مرتفعة من القاذورات – تعترض طرق الغابة غير المعبدة. وبعد تجولي بالسيارة في المنطقة بضعة أيام، لاحظت 39 من أمثال تلك الأنفاق العابرة، بل وشاهدت بعض الخلدان مُراقبا إياها وهي تقوم بإصلاح الأجزاء التي هدمتها السيارات وساوتها بسطح الأرض. ومعظم هذه الطرق تجري عليها السيارات يوميا فتجعل تربتها متماسكة قاسية، ومن ثم يتطلب الحفر فيها جهدا كبيرا. ولكن الخلدان تفعل جميع ما تستطيع لتتجنب ظهورها فوق السطح وتعرضها للأخطار. وهكذا تكون الديدان التي تُهرع إلى سطح الأرض آمنة من التعرض لخلد قريب يبحث عن غذائه(3).
مفترس في الخفاء(***)
لقد احتجت إلى إيجاد طريقة كمية أكثر تحديدا لمعرفة مدى التداخل بين مَوْئِلَيْ(4) الخلد والدودة. وقد لفت <G.ريڤل>نظري إلى أن جامعي الديدان يخلفون وراءهم مواضع غرس أعوادهم في أرجاء الغابة. وهكذا بتحديد مواضع تلك الثقوب وقياس المسافة بين كل منها وأقرب نفق إلى الخلدان، أستطيع أن أكوِّن فكرة جيدة عن العلاقة بين موضع جمع الديدان ونفق الخلدان القريب ومن ثم تحديد مدى التداخل المنشود. وقد تفحصت ثمانية مواضع مختلفة لجمع الديدان، فوجدت أنفاق خلدان حول كل منها، بل إنني وجدت أن متوسط المسافة بين موضع غرس عمود جامع الديدان ونفق خلد لم يكن إلا عشرين مترا فقط، وهي مسافة أقصر كثيرا مما توقعته. وهكذا أسفرت الدراسة عن أن غابة أپالاشيكولا تعجّ بالخلدان.
ولكن، كم دودة تأكلها تلك الخلدان؟ لقد وجدت أن خلدا واحدا اصطدته من غابة أپالاشيكولا الوطنية قد التهم ما يعادل وزن جسمه من ديدان الدپلوكارديا (أي 40 غراما، أو نحو عشرين دودة) كل يوم لمدة أسبوعين. وهكذا يأكل الخلد الواحد، إذا واتته الظروف المناسبة، 15 كيلوغراما من الديدان في السنة، أو ربما نحو 7000 دودة مكتملة الحجم. فمن الواضح إذن، أن لدى الديدان سببا قويا لتجنب الخلدان بأية طريقة ممكنة. حقا، إن هذه النتائج كان لها مغزى عميق بالنسبة إلى أفكار <داروين>، لو أنها كانت معروفة حينذاك.
فإذا كان جامعو الديدان يُحاكون الخلدان، يُفترض أن الخلد يُحدث في أثناء حفره اهتزازات في التربة مماثلة لما يحدثه جامع الديدان. لم يحالفني الحظ في مصادفة خلد شرقي يمارس نشاطه في جمع الغذاء في غابة أپالاشيكولا الوطنية، ولكن هذه الخلدان الشرقية توجد أيضا بالقرب من موضع إقامتي في تنيسي. فمع التحلي ببعض الصبر والاستعانة ببعض الجيوفونات وجهاز حاسوب محمول، تمكنت من تسجيل قدر كبير من عمليات الحفر التي قام بها عدد من الخلدان البرية الباحثة عن الغذاء وتصويرها وهي تخرب التربة. وكانت الاهتزازات التي تحدثها الخلدان – وأساسا عندما كانت تستخدم طرفيها الأماميين القويين في تقطيع شِباك جذور الحشائش – تصل إلى أذني وأنا واقف على مسافة بضعة أمتار. وقد أظهرت التسجيلات ذروة قوة هذه الاهتزازات عند ترددات تتداخل بقدر كبير مع الاهتزازات التي يحدثها جامعو الديدان (بين 80 إلى 200 هيرتز).
جامعو الديدان في جنوب شرقي الولايات المتحدة، مثل <G.ريڤل> ، الظاهر في كلتا الصورتين، يسحرون ديدان الأرض من النوعDiplocardia mississippiensis، لتخرج من التربة مستخدمين اهتزازات (ذبذبات) يحدثونها بدلك قطعة فلزية على عصا مغروسة في التربة (في الأسفل). وقد وضع المؤلف علما صغيرا في كل موضع خرجت منه دودة (في الأعلى)، على مسافة 12 مترا عن موضع غرس العصا. |
السُّرعة الكاملة للديدان(****)
ومع استحضار جميع هذه المشاهدات في ذهني، أقمت ساحات أو أحواضا بعرض متر واحد ملئت بالتربة حيث يمكنني أن ألاحظ التفاعلات المتبادلة بين الخلد والديدان، وأن أصورها بالڤيديو، وأن أحددها تحديدا كميا. ولكن قبل الشروع في إجراء تجاربي، قمت أنا والزوجان<ريڤل> باختبار بسيط. فقد تصادف أن كان لدينا دلو مملوء بالنفايات يحوي عشرات من الديدان، كما أنني كنت قد أمسكت حديثا بخلد. فلم نستطع مقاومة وضع الغريمين معا كي نرى ما سوف يحدث: لقد حفر الخلد متعمقا في النفايات، في حين هرعت الديدان إلى الخروج من التربة في ثوان.
كذلك اتخذت التفاعلات شكلا أكثر درامية في الأحواض المملوءة بالتربة والأكثر اتساعا. فإذ كانت الخلدان تحفر أنفاقها في اتجاهات مختلفة، كانت الديدان تنبثق من التربة في هلع ظاهر. وفي هذا الوضع الأقرب كثيرا إلى الطبيعة، كان من الواضح أن الديدان كانت تفر هاربة من عدوٍّ مفترس مخيف، خارجة من التربة بأقصى سرعتها (الدودية). وفي تجارب أخرى منفصلة أجريناها في أحواض أصغر مزودة بمكبرات صوت، فرت الديدان أيضا بمجرد سماعها صوتا مسجلا لخلد يبحث عن غذائه بثثناه في التربة. وهكذا أظهرت تجاربنا بكل وضوح أن ديدان الدپلوكارديا تحيا في خوف دائم من الخلدان وتفر خارجة إلى سطح التربة عند اقتراب الخلدان منها. ويبدو أيضا أن الديدان في غابة أپالاشيكولا تفعل الشيء نفسه عند سماعها الصوت الذي يحدثه جامع الديدان هناك محاكيا أُمَّ جميع الخلدان.
ولكن، هل طورت الديدان أنفسها كي تفر من التربة عندما تحس تساقط قطرات المطر؟ لقد اختبرت هذا التفسير البديل ببضع تجارب. وكانت أقوى تلك التجارب توصلا مباشرا للإجابة عن هذا التساؤل، هي ببساطة، أن أنتظر هبوب عاصفة رعدية مصحوبة بمطر غزير وألاحظ استجابة الديدان في أحواض مكشوفة. وفي تلك الأحوال، لم تكن تبرز إلى السطح إلا دودتان أو ثلاث، من بين 300 دودة، وذلك بعد نحو نصف ساعة. وتتفق هذه الملاحظة اتفاقا جيدا مع دراسات أخرى سابقة سجلت خروجا بطيئا فوق السطح بعد ساعات كثيرة من البقاء في تربة مشبعة بالماء. فالديدان لا تنطلق فارَّة من جحورها في الدقائق الأولى من هبوب العاصفة، كما هو المتوقع منها لو أن مفتاح استجابتها كان اهتزازات سقوط المطر، أو كما يحدث عند عمليات جمع الديدان أو بحث الخلدان عن غذائها.
ويبدو أن <داروين> كان محقا على طول الخط. فجامعو الديدان يستثمرون ما أسماه عالم بيولوجيا التطور <R.دوكنز>«تأثير العدو النادر». ففي هذا السيناريو، يقتنص الحيوان المفترس فريسته باستغلال استجابة تكون هي في العادة استراتيجية جيدة. فلما كانت الخلدان تمارس الصيد ليلا ونهارا، طوال السنة، فمن المعقول بالنسبة إلى الدودة أن تفر هاربة إلى السطح عندما تحس باهتزازة من قبيل تلك التي يحدثها الخلد؛ وينتهي الأمر إلى أن تصبح الأفراد السيئة الحظ طُعْما لصيد الأسماك، أو، أحيانا، في جوف حيوان مفترس ماكر آخر. وفي الواقع، سبق لعالم البيولوجيا الهولندي الحائز على جائزة نوبل، <N.تنبرگن>، أن لاحظ أن نوارس الرنگة herring gulls تخبط الأرض كي تدفع الديدان إلى البروز إلى السطح. ومن ثم، بعد ذلك، وصف <J.كاوفمان> [من جامعة فلوريدا] في أواسط ثمانينات القرن العشرين، كيف أن سلاحف الغابة wood turtles تخبط الأرض كي تدفع الديدان إلى الخروج لتصبح وجبة عشاء سهلة المنال. وهذان العالمان كلاهما، استنتجا أن تلك الاهتزازات كانت تحاكي ما تحدثه الخلدان. بل إن <كاوفمان> [وهو من مواطني فلوريدا] قد اقترح أن سلاحف الغابة كانت تستخدم طريقة «القُباع» grunting في صيد الديدان، ولكن هذه الفكرة لم تخضع للتجربة رسميا حتى الآن.
خلد شرقي أمريكا (Scalopus aquaticus) طرفاه الأماميان متكيفان تكيفا ممتازا للحفر. ويُحدث الخلد، في أثناء حفر أنفاقه، اهتزازات تنبه ديدان الأرض (من جنس Diplocardia) إلى وجوده، فتحاول الديدان الفرار من هذا العدو المفترس بخروجها إلى سطح التربة. ولكن يحدث أحيانا أن مفترسات أخرى – منها جامعو طعوم صيد الأسماك وحيوانات أخرى كسلاحف الغابة ونوارس الرنگة – تحاكي الاهتزازات (الذبذبات) التي تحدثها الخلدان لتخدع الديدان ولتخرج فوق سطح التربة. |
وعندما جمعت أدواتي استعدادا للعودة إلى فلوريدا بعد آخر رحلة ميدانية لي، أهداني الزوجان <ريڤل> قطعة حديدية تستخدم في طريقة جمع الديدان، كانت عائلتهما تحتفظ بها عقودا عدة. وكان هذا شرفا عظيما لي. عندما كنت أقود سيارتي مغادرا الغابة، توقفت لأطعم خلدا كنت قد اصطدته صباح ذلك اليوم. فمشيت عائدا إلى الغابة لأجمع للخلد بعض الطعام. وقد قامت قطعة الحديد التي حصلت عليها بما يشبه السحر، فسرعان ما كان بين يدي أكثر مما أحتاج إليه من طعام الخلد. وقد أدركت سخرية الأقدار المريرة لتلك الديدان التعيسة: فقد فرت من محاكاتي لحركة الخلد، كي ينتهي أمرها وجبةَ عشاء لخلد حقيقي.
المؤلف
Kenneth Catania | |
حاصل على دكتوراه في علم الأعصاب من جامعة كاليفورنيا بسان دييگو، أستاذ مشارك في قسم العلوم البيولوجية بجامعة ڤاندربلت. وهو يركز أبحاثه في الأدمغة وأجهزة الحس في الثدييات «غير المعتادة»، متضمنة الخلدان ذات الأنوف النجمية الشكل، وزبابات الماء، وجرذان الخلد الجرداء. وقد حاز جائزة كاپرانيكا في علم تشريح الأعصاب، وجائزة هريك Herrick في علم سلوك الحيوان العصبي، ومنحة سيرل Searle الدراسية، وزمالة ماك آرثر عام 2006. وهو وزوجته يهويان تصوير الحياة البرية وتسلق الجبال. |
مراجع للاستزادة
The Formation of Vegetable Mould through the Action of Worms with Observations on Their Habits. Charles Darwin. D. Appleton & Company. 1882.
The Herring Gull’s World: A Study of the Social Behavior of Birds. Nikolaas Tinbergen. Basic Books, 1960.
The Wood Turtle Stomp. John H. Kaufmann in Natural History, Vol. 98, No. 8. pages 8-12; August 1989.
Worm Grunting, Fiddling, and Charming—Humans Unknowingly Mimic a Predator to Harvest Bait.
Kenneth C. Catania in PLoS ONE, Vol. 3. No. 10,3: e3472; October 14.2008.
في الويب
انظر الأفلام في الموقع الالكتروني
www. Scientific American.com/worm-charmers
(*)WORM CHARMERS
(**)Into the Forest
(***)Undercover Predator
(****)Full Worm Speed
(1) worm grunter ولفظة grunting تعني حرفيا هنا «القُباع»، أي صوت الخنزير من حلقه. والمقصود هنا الصوت الذي يحدثه جامعو ديدان الأرض بالطريقة التي يصفها المقال.
(2) “The Formation of Vegetable Mould through the Action of Worms with Observation of Their Habits″
(3) الواقع أن الخلدان ليست مهيأة، تشريحيا ووظيفيا، للحركة فوق سطح الأرض.
(4)الموئِل habitat هو البيئة الصغرى لحياة الحيوان في الطبيعة.