لأنها طورت طريقة مرنة وفعّالة لنقل أفضل أفكارها من مختبرات الجامعة إلى أرضية المصنع.
<.S ثايل>
باختصار
جزئيا، يعود سبب قوة الاقتصاد الألماني في السنوات الأخيرة إلى نجاح قطاعها الإنتاجي، من المواد الأساسية إلى الأدوات داخل أرض المصنع.
والسبب الذي أبقى الصناعات الألمانية منافسة للمنتجات الأرخص ثمنا المصنوعة في آسيا وأماكن أخرى، يعود إلى أنها استغلت بشكل جيد التقانة الجديدة.
وتعتبر شبكة فرونهوفر لمؤسسات التقانة نموذجا لكيفية عمل الباحثين والمنتجين معا بشكل وثيق في الصناعة.
وقد تفوَّق الألمان في الصناعات القديمة كالسيارات، وهم يقومون ببناء مراكز للتفوق في التقانة البيولوجية (الأحيائية) وفي المجالات البازغة الأخرى.
اجتمع <.F ميشل> و<.F شتال> في مختبر مترامي الأطراف بجامعة ميونخ للتقانة (TUM)(1) للتشاور حول إنسالة (2) robot ومّاضة جديدة ذات ثلاث أذرع. وكانت الإنسالة تلتقط قطعا صغيرة من ألياف الكربون تقل سماكة الواحدة منها عن عُشر المليمتر، ولكنها تحتوي مع ذلك على 24000 شُعيرة، ثم تجمعها بسرعة بشكل مثلثي. ويقول باحثون إن المهمة الأصعب والتي تتطلب براعة خاصة في هذا العمل هي كتابة البرمجيات التي تترجم نموذجا حاسوبيا ثلاثي الأبعاد لأي جزء – في حالتنا هذه مقعد دراجة هوائية، ولكن يمكن أن يكون العمل متعلقا بجراحة طبية ترقيعية(3)، أو تركيب أحد أجزاء سيارة – بما في ذلك الموقع الدقيق الذي ينبغي وضع ألياف الكربون فيه ليكون لها أعظم قوة واستدامة. وعندما يكتمل المشروع، فإن <ميشل> سوف يستخدمه في أطروحته للدكتوراه بينما سيكون بالنسبة إلى <شتال> من أجل إنهاء مرحلته الجامعية الأولى. ولكن ذلك لن يكون نهاية المطاف بالنسبة إلى هذا العمل، إذ ستكون له حياة ثانية في المصانع الألمانية، بما في ذلك المصنع الذي ينتج سيارات BMW، وهو مصنع يحتل مساحة 700 ألف قدم مربع ويقع على بعد 30 ميلا عن مدينة من القرون الوسطى Landshut، حيث يعمل المهندسون على إنتاج الجيل التالي من السيارات.
حاليا يركز المهندسون في Landshut جهودهم على إنتاج واسع النطاق لسيارة BMWi3، وهو طراز من السيارات التي تعمل بالكهرباء بشكل كامل، ويجري إنتاجها من مكونات خفيفة الوزن. وستكون هذه السيارة أول سيارة في العالم بهذه المواصفات إذا ما تم إنزالها إلى الأسواق في الموعد المحدد عام 2013. فمكان جلوس الركاب في السيارة سيكون مصنوعا بشكل كامل من مكونات كربونية، وهي مكونات يساعد باحثون مع <ميشل> و<شتال> على تطويرها في مختبرات ميونخ. والتجديد الجوهري الأساسي في هذه السيارة يتمثل في تقانة جديدة من شأنها أن تخفّض زمن إنتاج الأجزاء المعقدة، مثل الهيكل الجانبي للسيارة، إلى مجرد دقيقتين فقط مما يجعل إنتاج هذه المكونات العالية التقانة يجري على نطاق واسع لأول مرة. وتقوم ثلاث مضخات عملاقة، يصل وزن الواحدة منها إلى 320 طنا متريا بحقن الراتينج(4) resin داخل الأجزاء المصنوعة من ألياف الكربون مما يجعلها صلبة. وتقول الشركة BMW إنها تسبق منافسيها مثل تويوتا وجنرال موتورز، في هذه التقانة للإنتاج المركب. ويقول <.A راتينهارت> [مدير المشروع]: «إن المعرفة العلمية التي لدينا في جمع كل هذه العوامل معا ليس بالأمر الذي يستطيع منافسونا تقليده بسهولة.»
قد يكون ذلك صحيحا. فالتدفق المستمر للتجديد الذي ينطلق من مختبرات الجامعات ومراكز الأبحاث الحكومية إلى المنتجين مثل الشركة BMW، هو أحد الأسرار التي تقود الاقتصاد الألماني المزدهر. فلمدة طويلة كان يُستخف بألمانيا باعتبارها تعمل في طعج المعادن(5)، ولكن الإنتاج الألماني أبحر عبر الأزمة المالية العالمية بأقل الخسائر سواء في الأرباح أو في معدلات التوظيف، مع أن العمال الألمان هم في العالم، من بين العمال الذين يتقاضون أجورا عالية، إذ يكسب الواحد منهم عشرة أضعاف ما يتقاضاه نظيره الصيني، ولذلك احتفظت الصادرات الألمانية بحصتها في السوق العالمية في مواجهة الصين وغيرها من الدول الناهضة اقتصاديا، بينما كانت تتهاوى حصة الولايات المتحدة. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن تزايد التوظيف في الصناعة هو أحد الأسباب الذي جعل معدل البطالة في ألمانيا، في الشهر 2012/5 مجرد 5.6 في المئة فقط، في حين كان في الولايات المتحدة 8.2 في المئة. وقد واصل المنتجون الألمان الحفاظ على وضعهم التنافسي عالميا نظرا لأن منتجاتهم، مثل السيارة BMWi3، مفعمة بالعلم والتجديد.
وأحد العوامل الرئيسية لنجاح ألمانيا يعود إلى أنها تمكنت من فتح المجال أمام الأبحاث العلمية والخبرات المحلية لصعود السلم التقاني، مركزة على منتجات وسيرورة مبتكرتين لا يسهل تقليدهما أو اختصار جزء منهما لدفع أجور أقل. وتعتبر الصناعة النسيجية وثيقة الصلة بهذا الموضوع. فألمانيا، مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة، خسرت قبل مدة طويلة حصتها في صناعة الألبسة والأقمشة لمصلحة منتجات مماثلة أرخص ثمنا تصنّعها الصين والهند وتركيا. ومع ذلك، فإن الشركات الألمانية مازالت تحتفظ بحصة كبيرة في السوق العالمية للمكائن الأكثر تعقيدا التي تنسج وتجدل وتحبك الأقمشة، مستغلة طفرة الاستثمارات في البلدان ذات الأجور المنخفضة. وفي غضون ذلك، تبنى العديد من الصناعيين الألمان السابقين في حقل صناعة الأقمشة بدورهم التقانة العالية محولين تخصصهم إلى إنتاج الأنسجة التي تدخل في الصناعة في قطاعي السيارات والفضاء. والصناعة الوطنية للأنسجة تحتل اليوم مكان الطليعة في الأبحاث الجارية حول الصناعات المركبة، متعاونة في ذلك مع الجامعات والمراكز الحكومية للتقانة وذلك من أجل تطوير مكائن مُتقنة تضفر ألياف الكربون وتحولها إلى جدائل؛ ليس بما لا يشبه الصوف أو القطن، إلاّ في المقياس المجهري. ولو أن ألمانيا تخلت عن هذه الصناعة، لكانت خسرت القاعدة الضرورية لإنتاج مركّبات الجيل التالي من السيارات الذي يجري تطويره حاليا في المختبر TUM ومختبرات أخرى.
وما يتيح إخراج هذا البحث من المختبر إلى السوق هو الشراكة الوثيقة بين الأبحاث التي تُجرى في الجامعات والمصانع الحالية التي تعتمد التقانة العالية. فلدى معظم المنتجين الألمان ميزانيات كبيرة مُخصصة لأبحاث يشترونها في الأغلب من الآخرين. وخلافا لكثير من الشركات الأمريكية التي قد تموّل منصب الأستاذية أو تقدم منحة عامة إلى إدارة إحدى الجامعات، فإن الشركات الألمانية تتصل عادة بالجامعات طالبة حلولا لمشكلات محددة. فعلى سبيل المثال في المختبر TUM، تريد دائرة الـمُرَكبات الممولة من قبل الشركة SGL Carbon، وهي شركة تصنع ألياف الكربون، أن تعرف ما هي أنواع المواد المناسبة أكثر من غيرها لسيرورة إنتاج الجيل التالي من هذه الألياف. وللشركة BMW نحو اثني عشر طالب دكتوراه من بين طلبة دائرة الـمُرَكبات، يتقاضون رواتب من الشركة. ومشاريع أطروحات الدكتوراه لهؤلاء الطلبة هي جزء من أبحاث تمهّد لإنتاج السيارة BMWi3، كما أن أبحاث الجامعة تشمل بعمق أيضا صانعي المعدات مثل (6) KUKA و (7) MANZ.
ويتضاعف عدد الذين تشملهم هذه الشبكة الكثيفة، إذا ما أخذنا في الاعتبار عدد الذين يتخصصون في مختلف الجامعات في مجالي التقانة والهندسة؛ ففي جامعة RWTH آخن هناك أكثر من 20 مؤسسة جامعية تركز على تقانات الإنتاج الأكثر تطورا، متعاونة في ذلك مع صانعي المكائن والآلات وشركات الإنسالات ومطوري البرمجيات software لجعل سيرورة الإنتاج من الفعالية إلى درجة تُمكن بلدا، مثل ألمانيا، يدفع أجورا عالية لعماله، أن ينافس بلادا كالصين وأمثالها. وتقوم جامعة RWTH آخن حاليا ببناء رحبة(8) صناعية تبلغ تكلفتها 2.5 بليون دولار أمريكي لصالح الشركات المشاركة في هذه الأبحاث. وتختص المؤسسة Karlsruhe في حقل تقانة النانو(9) وعلم الأدوات، وتعمل مع الشركات الألمانية الرئيسية مثل الشركة BASF لتصميم مواد جديدة سيكون من شأنها تمكين البطاريات الكهربائية من تخزين طاقة متجددة بشكل أكثر فعالية وبتكلفة رخيصة. وفي جامعة درسدن للتقانة يعمل باحثون بالاشتراك مع شركات تصنع الشيبات chips الحاسوبية وشركات رائدة في مجال الخدمات العالمية على تطوير دوائر متكاملة تستخدم جزءا من مئة جزء من الطاقة في الجيل الحالي من الأدوات الإلكترونية.
وتؤدي الحكومة الألمانية أيضا دورا حاسما في هذا المجال. ففي حين تتولى الدولة تمويل مختبرات ممتازة للعلوم الأساسية، كشبكة Max Planck التي تضم 80 مؤسسة تغطي فروعا من المعرفة والدراسات تتفاوت من فيزياء الجسيمات(10) إلى علم البيولوجيا التطورية(11)، تؤدي أنجح مؤسسة أبحاث اقتصادية في ألمانيا وهي جمعية فرونهوفر Fraunhofer Society دورا قياديا في تحريك عجلة السوق. فشبكة هذه المؤسسة تضم 60 مركزا تقنيا يجري تمويلها مشاركة بين الحكومة وأصحاب المشاريع التجارية. ويضاف إلى الميزانية السنوية لهذه المؤسسة والتي تبلغ 2.5 بليون دولار دخلٌ من ريع براءات الاختراع، ولاسيما من براءة اختراعها لتصميم البيانات(12) MP3 في الثمانيات من القرن الماضي.
مرتبة أعلى: في مؤشر المنافسة العالمي، تحتل ألمانيا مرتبة أعلى من مرتبة الولايات المتحدة في عدة معايير، بما في ذلك نوعية المؤسسات والبنية التحتية. بإمكانك أن تطلع على التفاصيل في علامات الإحصاء المنشورة في التقرير الوارد في: More to Explore.
ثقة لا مثيل لها(**)
ويرتبط كل مركز من مراكز المؤسسة فرَونهوفر، برباط وثيق بالجامعات القريبة منه، ويعمل كحزام ناقل إلى جميع شبكة الشركات المرتبطة بالمراكز – ومع بعضها بعضا – لأي بحث مشترك مصمم لكي يطبق في عمليتي السيرورة والإنتاج. وهناك مراكز لكل حقل صناعي يمكن تصوره، بما في ذلك أبحاث البوليمر(13) لمصلحة الشركات الكيميائية وأبحاث الدقة البصرية لصالح صانعي أجهزة الإحساس وأجهزة الليزر، وأبحاث إلكترونيات النانو من أجل إنتاج الجيل التالي من مكونات تقانة المعلومات IT.
وتركز عدة مراكز، كمعهد فرونهوفر لتقانة الإنتاج(14) في مدينة Aachen، على تطوير تقانات إنتاج بتكلفة تمكّن ألمانيا من المحافظة على قدرتها التنافسية مع الصين. ومن أجل أبحاث الـمُركبات(15)، هناك مجموعة مشروع فرونهوفر في Augsburg قرب ميونخ التي نمت من رحم مختبر الدفع الصاروخي في حقبة الحرب الباردة. ويعمل الآن مركز Augsburg الذي يرتبط بشراكة مع الشركة TUM وأكثر من 50 شركة، بما فيها الشركات BMW وAudi وEADS والشركة الأخيرة هي التي تمتلك شركة Airbus لصناعة الطائرات، على تطوير الجيل التالي من أنسجة الـمُرَكبات التي لا تستخرج من البترول ولكن من الخشبين(16)، وهو منتج ثانـوي لا ينضب من الخشب ومصانع الورق.
وما يسرّع نقل هذه التقانات، هو التشجيع الذي يلقاه الباحثون والمهندسون بأن جهودهم ستؤدي إلى تحقيق أملهم بالحصول على عمل أعلى مرتبة. فعلى سبيل المثال، فالعلمي المتوسط لدى فرونهوفر ينتقل إلى شركة صناعية بعد نحو 5 إلى 10 سنوات؛ كما أن العديد من أفضل المهندسين المتعاونين مع فرونهوفر يحصلون على عمل إضافي كأساتذة أو مديرين لشركات. وقد أمضى <.K دركسلر> [وهو أستاذ جامعي ورئيس معهد مُركبات الكربون في المختبر TUM] جزءا من عمره المهني في الشركة EADS لتطوير مركبات للطائرة إيرباص، وهو الآن يتولى مهمة إقامة مركز جديد للمؤسسة فرونهوفر لإنتاج الـمُرَكبات في Augsburg. وهذا الأمل بالعمل في موقع أعلى مرتبة، هو عامل حاسم في نشر الخبرة والتقانة، وهذا العامل لا يرقى إلى هذا المستوى في الولايات المتحدة فهو أندر بكثير، إذ إن الباحث الموظف لدى الدولة يبقى عادة في مكان واحد طيلة عمره.
وهذا التعاون القوي والمعقّد هو نموذجي في الابتكار والتجديد الألماني. وقد نما الكثير منه على مدى عقود بين شركات كبيرة وأخرى صغيرة صارت الآن معتادة على العمل معا إلى درجة أنها تدرك بالفطرة ما هي المعلومات التي يمكن المشاركة فيها مع الآخرين، وما هي المعلومات التي يفضل حجبها. «فهذه الثقة المتبادلة بين الشركات والمؤسسات المتعاونة فيما بينها ولكنها المتنافسة معا في الوقت نفسه، هو أمر فريد من نوعه. فأنت لا ترى مثل هذا الأمر في العديد من البلدان الأخرى» وذلك حسب قول <.B بيلباو > [وهو اقتصادي يعمل في المنتدى الاقتصادي العالمي(17) في مدينة جنيف، والمؤلف المشارك في النسخة الأخيرة من تقرير المنافسة العالمي(18)، الذي يُظهر ألمانيا كل سنة تسبق الولايات المتحدة في مجال التجديد الصناعي]. ومعظم هذه المجموعة من الشركات ومزوديها بما تحتاج إليه، نما بشكل متناسق على مدى عقود (وفي بعض الحالات على مدى قرون، مثل الشركة السابقة لصناعة الساعات في الغابة السوداء التي صارت الآن المنتج الرئيسي في العالم للأدوات الطبية الجراحية الدقيقة) مما يجعل تقليد مثل هذه المجموعة من الشركات ليس بالأمر السهل.
ولا تزال ألمانيا تواصل إنشاء مثل هذه الشبكات في الصناعات الناشئة حديثا. وآخرها هي مجموعة الاقتصاد الأحيائي (البيولوجي) the BioEconomy Cluster قرب ليبزيگ، حيث تعمل أكثر من 60 شركة ومؤسسة أبحاث على تطوير طرق لإنتاج مواد كيميائية وبلاستيكية من الكتلة البيولوجية biomass بدلا من البترول المكلف ماديا والملوث للبيئة بغاز ثنائي أكسيد الكربون، وليس ذلك فقط من أجل الحصول على الطاقة وإنما أيضا من أجل الحصول على منتجات أخرى يجري الآن استخلاصها من النفط. وعندما تنشئ المؤسسة فرونهوفر مراكز تقانة جديدة، فإنها تخصّ بذلك شركات ومؤسسات قوية فعلا من قبل في حقولها بدلا من محاولة تكوين شيء من لا شيء.
«وفلسفتنا في هذا الشأن تقوم على أساس أخذ شيء يعمل بالفعل وإروائــــه حتى ينمـــو،» عــلى حــــد قــول <.J-H بولينگر> [رئيس جمعية فرونهوفر]. وفي إنشائها مجموعة مركبات الكربون الجديدة، فإن المؤسسة فرونهوفر حددت الشركات القائمة فعلا والأقسام العلمية للجامعات والتمويل المتحصل عليه، فضلا عن الهيئة العاملة والتسهيلات الهادفة إلى تشجيع إجراء أبحاث مشتركة.
ويقول <بولينگر> إن الدرس الثاني هو الالتزام بالاستمرارية على المدى البعيد حتى الحصول على الغُنم. فتمويل مراكز فرونهوفر الجديدة مؤمن إلى مدى غير محدود، وهي تُتْرك لحالها، كما أنها معفاة من تقييم أدائها خلال السنوات الخمس الأولى، إلا عندما تتطلب دعما ماليا من الشركات الخاصة يعادل ضعف مبلغ الاستثمار الأصلي. وهذه الشركات بدورها مستثمرة على المدى البعيد؛ ففي ألمانيا العديد من المنتجين الأكثر تجديدا وإسهاما في دفع التقانة قدما هم عبارة عن شركات عائلية لا تقلقها التقارير الربع السنوية. وهكذا، فإن شركة تقانة ألمانية نموذجية كالشركة Trumpf وهي شركة غير مرئية تقريبا تمتلكها عائلة، مازالت تقود تقانة الليزر الصناعي طيلة أكثر من جيل وتبلغ مبيعاتها السنوية الآن نحو 3 بلايين دولار. وفضلا عن ذلك، فإن مؤسسة فرونهوفر أضافت 3000 باحث جديد للعمل لديها في أسوأ مرحلة من مراحل الأزمة الاقتصادية. ويقول <بولينگر>: «إن العديد من البلدان حاولت تقليدنا، ولكن جهودها باءت بالفشل، لأنها فكَّرت بحلول قصيرة المدى.»
وربما يكون ذلك هو الخطأ القاتل في اقتراح الرئيس الأمريكي <باراك أوباما> الذي كُشف النقاب عنه في الشهر 2012/3 والذي يدعو إلى إقامة شبكة وطنية تكلفتها بليون دولار أمريكي من أجل تجديد عملية الإنتاج، مقلدا بصورة واضحة وجلية شبكة المؤسسة فرونهوفر في ألمانيا. وإذا وافق الكونگرس على الاقتراح، فإن الشبكة ستكون شراكة بين القطاعين العام والخاص بالتعاون مع الشركات المنتجة لإنشاء ما يصل عدده إلى 15 مركزا لإنتاج التقانة في أنحاء البلاد. وحتى الآن كل شيء على ما يرام، ولكن التمويل حُدِّد فقط بالسنوات الأربع الأولى. وفي رأي <بولينگر> فإن هذه المدة قصيرة جدا لكي تلتزم خلالها أفضل الشركات والباحثين بمشروعات جدية. ويقول <بولينگر>: «إن النتيجة المحتملة هي الاندفاع للحصول على أموال المشروع بدلا من المحافظة عليها ودعمها، ومع ذلك فإنها خطوة في الاتجاه الصحيح.»
وللطريقة الألمانية جوانب ضعيفة بالطبع. فالثقافة الألمانية المشهورة بالدقة يمكن، إن هي اتجهت نحو تطوير تقانات موجودة فعلا، أن تحقق نتائج أفضل من النتائج التي تحققها من السعي إلى إحداث تجديد تقاني جذري. كما أن الأمة الألمانية كانت قد مرت في الثمانينات من القرن الماضي بفترة «رهاب تقاني»(19) عندما استبعد السياسيون وحركات الاحتجاج الصناعات الواعدة التي تعتمد على التقانة العليا، مثل التقانة الأحيائية (البيولوجية). ولكن سعي ألمانيا إلى تحقيق تجديد صناعي قد وضع حدا للطرق القديمة المعتمدة على الإنتاج بتقانة ضعيفة، فضربت ألمانيا مثالا يحتذى حول كيفية المضي وجها لوجه مع الصين. فأولئك الطلبة الخريجون الذين يعيدون اختراع الإنتاج داخل مختبر الجامعة في ميونخ، هم النموذج الذي ينبغي علينا التعلم منه.
المؤلف
Stefan Theil
<ثايل> صحفي مقره برلين، وكان المحرر الاقتصادي الأوروبي السابق في مجلة نيوزويك.
مراجع للاستزادة
The Global Competitiveness Report 2011–2012. Edited byKlaus Schwab. World Economic Forum, 2011. http://reports.weforum.org/global-competitiveness-2011-2012