الصعود البطيء الطويل
الصعود البطيء الطويل
للطاقة الشمسية ولطاقة الرياح(*)
إن الأمل الكبير في انتقال سريع وكاسح إلى الطاقة المتجددة هو من قبيل التمني.
<V. سميل>
باختصار
استغرقت تحولات الطاقة الرئيسية العالمية، من الخشب إلى الفحم الحجري ثم النفط، مدة تتراوح بين 50 و 60 سنة. وسوف يستغرق الانتقال الحالي إلى الغاز الطبيعي مدة طويلة أيضا. وليس ثمة سبب للاعتقاد أن الانتقال إلى مصادر طاقة متجددة سوف يكون سريعا على نحو استثنائي. ففي الدول الغنية، وصلت المصادر المتجددة «القديمة»، مثل المحطات الكهرمائية، إلى ذروة إمكاناتها، ولذا يجب أن يأتي النمو من مصادر متجددة جديدة كالرياح والشمس والوقود الحيوي التي وفرت نسبة 3.35 في المئة فقط من إمدادات الولايات المتحدة عام 2011. لكن المؤلف حاجَّ بأن بعض السياسات يمكن أن تسرع صعود المصادر المتجددة. ومن تلك السياسات: تمويل البحث في العديد من التقانات، وإيقاف المساعدات المالية غير اللازمة، والتيقن من أن الأسعار تبرز التكاليف الصحية والبيئية التي تفرضها مصادر الطاقة، إضافة إلى تحسين مردود الطاقة على نطاق العالم.
|
يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تكتسح العالم اكتساحا عاصفا. |
هذا ما تخيله مشجع الطاقة المتجددة الشهير <A. لوڤينس> عام 1976. فقد ادعى أنه بحلول عام 2000، يمكن الحصول على نسبة 33 في المئة من طاقة أمريكا من كثير من المصادر الصغيرة اللامركزية المتجددة. وبعد عدة عقود، في الشهر 7/2008، ادعى نصير البيئة <A. گور> أن استبدال تغذية البلاد الكهربائية خلال عقد واحد يمكن أن يكون «قابلا للتحقيق ومقبول التكلفة وتغييريا». وفي الشهر 11/2009 نشر <M. جاكوبسون> و <M. دلوكي> مقالة في مجلة ساينتفيك أمريكان، عنوانها «السبيل إلى الطاقة المستدامة بحلول عام 2030» قدما فيها خطة لتحول مصادر الطاقة العالمية كليا إلى مصادر متجددة خلال عقدين فقط.
بين عامي 1990 و2012 ، لم يتغير استهلاك العالم من طاقة الوقود الأحفوري إلا قليلا، من 88 إلى 87 في المئة. وفي عام 2011، ولّدت المصادر المتجددة أقل من 10 في المئة من الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة، وكان جُلُّ تلك الطاقة من مصادر متجددة «قديمة»، كمحطات التوليد الكهرمائية ومحطات حرق المخلفات الخشبية الناجمة عن عمليات قطع الأشجار. وبعد أكثر من عشرين عاما من التطور الذي حظي بدعم مالي كبير، لم تغط المصادر المتجددة الجديدة كطاقة الرياح والشمس والوقود الحيوي الحديث كإيثانول الذرة، سوى 3.35 في المئة من استهلاك البلاد من الطاقة.
ولا يعد التقدم البطيء لتحول الطاقة مفاجئا، بل هو متوقع فعليا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ومختلف أنحاء العالم، استغرق كل تحول واسع النطاق من وقود مهيمن إلى آخر من 50 إلى 60 سنة. إذ حصل أولا تحول من الخشب إلى الفحم الحجري، ثم تبعه تحول من الفحم الحجري إلى النفط. وتشهد الولايات المتحدة الآن تحول طاقة رئيسيا ثالثا، من الفحم الحجري والنفط إلى الغاز الطبيعي. فقد انخفض استهلاك الولايات المتحدة للفحم الحجري بين عامي 2001 و2012 بـنسبة 20 في المئة، وانخفض استهلاكها للنفط الخام بـنسبة 7 في المئة. وفي الوقت نفسه، ارتفع استهلاكها للغاز الطبيعي بمقدار 14 في المئة. وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي وفير ونظيف ومقبول التكلفة، إلا أنه يلزم عقد آخر أو عقدان قبل أن يطغى استعمال الغاز على استهلاك الفحم الحجري، الذي ما زال يولد أكثر من ثلث الكهرباء التي تحتاج إليها الولايات المتحدة.
ولا يعد انطلاق المصادر المتجددة اليوم أسرع من وتيرة انطلاق أنواع الوقود الجديدة من قبل، وليس ثمة مبرر تقني أو مالي للاعتقاد أنها سوف تتقدم تقدما أسرع، ويعود ذلك جزئيا إلى أن الطلب على الطاقة مستعر عالميا، جاعلا من الصعب على الغاز الطبيعي، وبدرجة أقل على المصادر المتجددة، مواكبة ذلك الطلب.
ويمكن حصول التحول بسرعة أكبر في بعض البلدان، ولكن الانتقال العالمي إلى المصادر المتجددة سوف يجري ببطء، ولاسيما أن التحول الحالي إلى الغاز الطبيعي في طور الاكتمال. وبالطبع يمكن دائما لتقانة مزعزعة أو لسياسة ثورية أن تسرع معدل التغيير، إلا أن التحولات في الطاقة تستغرق مدة طويلة.
من الخشب إلى الفحم الحجري إلى النفط(**)
واليوم يُعدُّ الأمل الكبير في تحول سريع وكاسح إلى طاقة متجددة على الأغلب ضربا من التمني والفهم الخاطئ للتاريخ المعاصر. إذ يعتقد معظم الناس أن الفحم الحجري قد هيمن على استهلاك الطاقة العالمي أثناء القرن التاسع عشر، وهو حقبة التحول السريع إلى التصنيع، وأن القرن العشرين كان حقبة النفط، وأن القرن الحالي سوف ينتمي إلى الطاقة المتجددة. ولكن الانطباعين الأولين خاطئان، ويبقى الانطباع الأخير مشكوكا فيه.
وعلى الرغم من ظهور الآلات الصناعية، لم يستعمل الفحم الحجري في القرن التاسع عشر، بل استعمل فيها الخشب وفحم الحطب وبقايا المحاصيل (قش الحبوب على الأغلب) التي وفرت آنذاك نسبة 85 في المئة من إجمالي الطاقة المستهلكة في العالم، أي ما يقارب 2.4 يوتاجول(1). وبدأ الفحم الحجري بتوفير أكثر من 5 في المئة من إجمالي طاقة الوقود حوالي عام 1840، ومع حلول عام 1900، لم يوفر هذا الفحم سوى نصف الطلب تقريبا. واستغرق الازدياد من نسبة 5 إلى 50 في المئة مدة تتراوح بين 50 و 60 سنة. وتشير الإحصاءات الأمريكية الجيدة إلى عام 1885 بوصفه العام الذي فاقت فيه الطاقة المستخرجة من الوقود الأحفوري (الناجم أساسا عن الفحم الحجري، وبقدر يسير من النفط الخام والغاز الطبيعي) الطاقة المتوفرة من الخشب وفحم الحطب. وحصلت نقطة الانعطاف عام 1875 في فرنسا، وفي عام 1901 في اليابان، لكنها لم تحصل حتى عام 1930 في الاتحاد السوڤييتي، وحتى عام 1965 في الصين، وأواخر سبعينات القرن العشرين في الهند.
وبالمثل، لم يكن النفط أكبر مصدر للطاقة في القرن العشرين، بل الفحم الحجري فعلا. وبلغت حصة فحوم القار(2) والليگنايت(3) أكبر قيمة لها من استهلاك الوقود العالمي، عند نحو 55 في المئة، أثناء العقد الأول من القرن العشرين. أما النفط الخام، الذي كان قيد الاستعمال سلفا، فلم يتجاوز الفحم الحجري حتى عام 1964.
وعلى الرغم من أن تناقص الأهمية النسبية للفحم الحجري قد ترافق مع الزيادة المطردة في الطلب العالمي على الطاقة عموما، إلا أن الفحم الحجري، لا النفط الخام، ظل الوقود الأهم في القرن العشرين، إذ أسهم الفحم الحجري بنحو 5.3 يوتاجول من الطاقة، مقارنة بنحو 4 يوتاجول أتت من النفط. ولم يحقق التحول الثالث للوقود الأحفوري إلا اقتصادين رئيسيين فقط: فقد تجاوز استهلاك الغاز الطبيعي النفط الخام في الاتحاد السوڤييتي عام 1984، وفي المملكة المتحدة عام 1999.
وفي طريقة بينتُ فيها أن تحولات هي تدريجية ومديدة، فإنها كانت برسم معدل تزايد مصادر الطاقة، مبتدئا بإحصاء مقدار الوقود عند بلوغ إمداده نسبة 5 في المئة من الإمداد الكلي، ثم البحث عن لحظة بلوغه مستوى الهيمنة.
وتتصف التحولات الثلاثة المتتالية بتشابهات مثيرة [انظر لإطار تحولات]. فقد وصل الفحم الحجري (الذي حل محل الخشب) إلى نسبة 5 في المئة من السوق العالمية حوالي عام 1840، وإلى 10 في المئة بحلول عام 1855، و 15 في المئة بحلول عام 1865، و20 في المئة بحلول عام 1870، و25 في المئة بحلول عام 1875، و33 في المئة بحلول عام 1885، و40 في المئة بحلول عام 1895، و50 في المئة بحلول عام 1900. لقد كانت سلسلة عدد السنوات اللازمة للوصول إلى نقاط العلام تلك هي 15-25-30-35-45-55-60. وكانت الفواصل الزمنية لحلول النفط محل الفحم الحجري بدءا من المستوى الـبالغ 5 في المئة عام 1915 مماثلة افتراضيا.
ووصل الغاز الطبيعي إلى مستوى 5 في المئة من سوق الوقود العالمية بحلول عام 1930 تقريبا. وبلغت النسب 10، و15، و20 و25 في المئة من الإمداد خلال 20-30-40-50 سنة على الترتيب، وهو الآن في طريقه إلى الوصول إلى نسبة 33 في المئة من الإمداد الكلي. وبمقارنة سلسلتي الأعداد، يمكن ملاحظة أن الغاز الطبيعي قد استغرق مدة أطول على نحو ملحوظ للوصول إلى نسبة 25 في المئة من السوق الكلية، أي تطلب ذلك نحو 55 سنة مقارنة بـ 35 سنة استغرقها الفحم الحجري، و40 سنة استغرقها النفط.
ولا يتحدد الإيقاع الزمني لتحولات الطاقة العالمية المستقبلية بواسطة ثلاث سلاسل زمنية فقط. إذ يمكن بتحقيق خرق حقيقي في مجال الطاقة النووية الآمنة والمنخفضة التكلفة، أو إيجاد طريقة رخيصة فعلا للخزن الفعال لمقادير كبيرة من الطاقة المولدة من الرياح أو الشمس، تحفيز تحول آخر. إلا أن المعدلات المتشابهة للتحولات العالمية الثلاثة على مدى قرنين، جديرة بالملاحظة، ولاسيما أن أنواع الوقود المختلفة تطلبت تقنيات شديدة الاختلاف في الإنتاج والتوزيع وآليات تحولها إلى طاقة قابلة للاستعمال، سواء كانت محركات ديزل للقطارات أو أفرانا للمنازل. لذا تحتاج الاستثمارات والبنية الأساسية الهائلة، اللازمة على مستوى العالم لحصول أي مصدر طاقة جديد على حصة كبيرة من السوق، إلى جيلين أو ثلاثة أجيال: أي مدة تتراوح بين 50 و75 سنة.
انتقال مفعم بالتحدي إلى مصادر طاقة متجددة(***)
ما زالت تقانات الطاقة المتجددة على المسار البطيء نفسه حتى الآن. ففي عام 2011، ولّدت المصادر المتجددة نسبة قدرها 9.39 في المئة من الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة: أي ما يعادل 9.135 كوادرليون(1015) وحدة حرارية بريطانية (BTU)ا(4) مما مجموعه 97.301 كوادرليون BTU (أي ما يكافئ 103 كوينتليون (1018) جول). ووفرت المصادر المتجددة الشائعة نسبة 6.01 في المئة: منها نسبة 3.25 في المئة مقدمة من المحطات الكهرمائية، و2.04 في المئة من الخشب (معظمه من مخلفات عمليات قطع الأشجار)، وتم الحصول على البقية الضئيلة من مصادر الكتلة الحيوية والحرارة الأرضية. وبقيت حصة المصادر المتجددة «الجديدة» مهملة: منها نسبة قدرها 2.0 في المئة من الوقود الحيوي السائل، و نسبة 1.19 في المئة من الرياح، ونسبة 0.16 في المئة من الشمس.
[تحوّلات] سنوات كثيرة تستغرقها السيطرة على عالَم الطاقة(****) استغرق كل مصدر طاقة رئيسي مهيمن في العالم من 50 إلى 60 سنة للصعود إلى موقع القمة. فقد بلغ الفحم الحجري مستوى 5 في المئة من الإمداد العالمي عام 1840 (أسفل اليسار) وحل محل الخشب تدريجيا ليصل إلى نسبة 50 في المئة بعد نحو 60 سنة، أي نحو عام 1900. واتبعت التحولات اللاحقة إلى النفط والغاز الطبيعي منحى مشابها في الوصول إلى مستويات إمداد قابلة للمقارنة (المحور العمودي)، وهي تصعد بثبات بعد تحقيقها مستوى 5 في المئة. ولم يصل النفط مستوى الـ 50 في المئة حتى الآن، وقد لا يصل إليه أبدا. وما زال الغاز الطبيعي في منتصف الطريق مستغرقا مدة أطول في الصعود. ولم تصل المصادر المتجددة المسماة المصادر الحديثة، كطاقة الرياح والشمس وحرارة الأرض والوقود الحيوي السائل، إلا إلى نحو 3.4 في المئة. وما لم تسرع تقانة مزعزعة أو سياسة ثورية معدل التغيير، فقدر تلك المصادر هو التحول البطيء أيضا.
|
ويُعَدُّ المجموع 3.35 في المئة للمصادر المتجددة الجديدة عددا مهما. إذ ينبغي افتراضيا اعتماد النمو المستقبلي لإمدادات الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة على هذه المصادر اعتمادا كليا، لأن إمكانات المصادر القديمة، وخاصة المائية منها، في تحقيق المزيد من النمو صارت محدودة جدا.
ويُعَدُّ الانتقال إلى الطاقة المتجددة مفعما بالتحدي لأسباب عدة، أولها الحجم. ففي عام 2012، قُدِّرَ استهلاك الطاقة الأحفورية بنحو 450 إكساجول(5)(إكساجول = 1018 جول)، أي أكبر بعشرين مرة من الاستهلاك أثناء تسعينات القرن التاسع عشر، عندما حل الفحم الحجري محل الخشب. وببساطة، يعد توليد هذا القدر الكبير من الطاقة من أي مصدر جديد أمرا محبطا، خاصة وأن حصة ملحوظة منها يجب أن تأتي من الولايات المتحدة التي تستهلك الآن ما يقارب خُمْسَ مجموع الاستهلاك العالمي.
وثمة عامل آخر يتعلق بالطبيعة المتقطعة لطاقة الرياح والشمس. فالمجتمعات الحديثة بحاجة إلى إمداد بالكهرباء موثوق وغير متقطع، مع تلبية للطلب المتزايد في الليل لتغذية مكيفات الهواء والبنى الأساسية الإلكترونية للمدن الضخمة، والتي تتدرج من أنفاق الشوارع حتى مخدمات الإنترنت. ويوفر الفحم الحجري والمحطات النووية «الحمل الأساسي» من الاستطاعة power في الولايات المتحدة، وهو جزء الطاقة الذي ينتج بثبات على مدار الساعة. أما المحطات الكهرمائية ومحطات إشعال الغاز الطبيعي، التي يمكن أن تشغل أو توقف بسرعة، فإنها توفر عادة الاستطاعة الإضافية اللازمة لتلبية الطلب القصير الأمد والمرتفع، الذي يفوق كثيرا الحمل الأساسي أثناء ساعات معينة.
ويمكن للرياح والشمس الإسهام في تلبية الحمل الأساسي، إلا أنهما لا تستطيعان وحدهما تلبيته كليا لأن الرياح لا تهب دائما، والشمس تغرب في الليل، ولذا لا يمكن التنبؤ بهذين المصدرين تنبؤا موثوقا. ففي بلدان كألمانيا، والتي نمت فيها المصادر المتجددة سلفا نموا هائلا، يمكن للرياح والشمس توفير أي إمداد بالطاقة، من مقدار مهمل حتى ما يقارب نصف كامل الطلب أثناء بعض الساعات المشمسة والتي تهب فيها الريح. إلا أن هذه التأرجحات الكبيرة تتطلب سندا احتياطيا من محطات طاقة أخرى تُشَغّل عادة بحرق الفحم الحجري أو الغاز الطبيعي، أو تتطلب زيادة استيراد الكهرباء. ويمكن لهذه التقلبات جميعا أن تؤدي إلى اضطرابات بالغة في تدفق الكهرباء من ألمانيا إلى بعض البلدان المجاورة.
وإذا كانت لدى شركات الكهرباء طريقة رخيصة لخزن مقادير كبيرة من الطاقة الفائضة التي تولدها الرياح والشمس حين انخفاض الطلب، والتي يمكن استعمالها فيما بعد لتلبية الطلب في حالة الذروة، لأمكن حينئذ انتشار المصادر المتجددة الجديدة بسرعة أكبر كثيرا. إلا أن من المؤسف أن عقودا عديدة من التطوير لم توفر إلا حلا واحدا جيدا واسع النطاق: وهو ضخ المياه إلى خزان مرتفع بحيث يمكن أن يتدفق بعدئذ عبر عنفات تولد الكهرباء. ولا يتوفر في كثير من الأمكنة تفاوت الارتفاع اللازم أو الحيز الكافي للاستفادة من ذلك الحل، إضافة إلى أنه يترتب على هذه العملية ضياع أكيد للطاقة.
أما الحل البديل فهو بناء صفيفة array واسعة من محطات الرياح والشمس ضمن منطقة واسعة، على نطاق أمة رئيسية أو نصف قارة، ووصلها معا بواسطة خطوط نقل، وذلك لتعظيم احتمال تزويد مجموعة فرعية من المحطات الشبكة كاملة بالاستطاعة دائما. إن تركيب خطوط نقل أطول وبجودة أعلى ممكن تقنيا، إلا أن إنشاءها عالي التكلفة، وهي غالبا ما تواجه معارضة محلية شديدة: ليس من المفاجئ أن يكون الحصول على الموافقة على خطوط جديدة في كل من الولايات المتحدة وألمانيا عملية بطيئة.
وفي نهاية الأمر، يتطلب التبني الواسع النطاق للطاقة المتجددة إعادة تشكيل جوهرية لبنية الطاقة الأساسية الحديثة لدينا. وفيما يخص الكهرباء، يقتضي ذلك الانتقال من عدد صغير نسبيا من المحطات الحرارية والكهرمائية الكبيرة إلى عدد كبير جدا من منظومات الرياح والشمس الموزعة الصغيرة. وفيما يخص الوقود السائل، ينبغي الانتقال من استخراج نفط ذي كثافة استطاعة عالية إلى إنتاج وقود حيوي ذي كثافة استطاعة منخفضة. ومن نواح كثيرة، يتطلب الانتقال إلى المصادر المتجددة أكثر مما تطلبه الانتقال السابق من الفحم الحجري إلى النفط، ومنه إلى الغاز الطبيعي.
والعامل الأخير الذي يسبب إطالة عملية الانتقال هو حجم وتكلفة البنية الأساسية المتاحة حاليا. فحتى ولو توفرت لنا طاقة متجددة مجانية، فإنه من غير المعقول اقتصاديا، للدول أو الشركات أو البلديات التخلي عن الاستثمارات الهائلة التي قامت بها في منظومات الوقود الأحفوري، من مناجم الفحم وآبار النفط وأنابيب الغاز ومصافي التكرير، إلى ملايين محطات تعبئة الوقود المحلية. وتقدر قيمة تلك البنية الأساسية بنحو 20 تريليون دولار على الأقل في مختلف أنحاء العالم. ووفقا لحسابات المؤلف، أنفقت الصين وحدها بين عامي 2001 و2010 نصف تريليون دولار على مرافق إضافية تعمل بالوقود الأحفوري لتوليد 300 جيگاواط تقريبا، وهذا يفوق ما تولده مرافق الوقود الأحفوري في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا مجتمعة، وهي تتوقع أن تعمل تلك المحطات مدة 30 عاما على الأقل. وليس ثمة دولة يمكن أن تتخلى بسهولة عن استثمارات من هذا القبيل.
ماذا نفعل؟(*****)
هنا يطرح السؤال المحير. ثمة مبررات بيئية كثيرة لتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، حتى ولو جرى إهمال السعي إلى تخفيض إصدارات غازات الاحتباس الحراري greenhouse. إذ يؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى إصدار أكاسيد الكبريت والنتروجين التي تسبب مطرا حمضيا ودخانا ضبابيا كيميائيا ضوئيا وكربونا أسود، وجميعها تزيد الاحترار العالمي globalwarming، إضافة إلى المعادن الثقيلة التي تضر بصحة الإنسان. كما يسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري تلوث المياه، وتخريب التربة. لذا، يعد الانتقال إلى وقود غير أحفوري أمرا مرغوبا فيه بيئيا، مع أن بعض البدائل قد تؤثر أيضا في البيئة تأثيرا ملموسا.
والسؤال الحقيقي هو كيف يمكن تحقيق ذلك بأكبر قدر من الكفاءة. ولعل إدراك أن الانتقال سوف يستغرق عقودا عديدة يوضح عددا من خيارات السياسات المعتمدة. لقد كانت سياسات الطاقة والبيئة في الولايات المتحدة والعالم بائسة. وبدلا من البدع القصيرة الأجل القائمة على التمني، يفضل اتباع سياسات طويلة الأجل تقوم على توقعات واقعية، وينبغي القيام بخيارات لا نندم عليها بدلا من فرض التزامات متسرعة ومرتجلة.
وإحدى الطرق لإجراء ذلك هي تجنب الاعتماد على تقنيات الطاقة الفائزة بالمنح الحكومية. إذ لا تستطيع الحكومات التنبؤ بأنشطة البحث والتطوير الواعدة التي ستتولى الريادة في الوصول إلى السوق الحرة، ولذا عليها الكف عن اعتماد الفائزين الظاهريين لتتخلى عنهم لاحقا لمصلحة الخيار المبتدع التالي (هل نذكر مفاعلات التوليد السريعة(6) أو سيارات خلايا الوقود(7) التي تعمل بالهدروجين؟) إن الإنفاق على أنواع متعددة من الأنشطة البحثية هو الاستراتيجية الفضلى: من كان يتوقع في عام 1980 أن أفضل العوائد من استثمارات الحكومة الأمريكية في مجال ابتكارات الطاقة خلال العقود الثلاثة التالية لن تنجم عن المفاعلات النووية أو الخلايا الكهرضوئية، بل عن الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي لصخور السجِّيل الرسوبية(8)؟
إن أهم سبل تسريع الانتقال التدريجي إلى المصادر المتجددة هو تخفيض استهلاك الطاقة الكلي بالاعتماد على رفع المردود. فكلما كان ازدياد الطلب العالمي أسرع، كان توفير جزء كبير منه أصعب. |
وعلى الحكومات أيضا ألا تقدم مساعدات مالية مرتفعة أو ضمانات قروض كبيرة إلى الشركات التي تقفز إلى آخر بدع الطاقة. ومثال ذلك الشركة Solyndra، وهي شركة لتصنيع المنظومات الشمسية الكهرضوئية، حصلت على 535 مليون دولار من الحكومة الأمريكية قبل إفلاسها السريع. ويمكن أن تسرع المساعدات المالية تقدم تحولات الطاقة الناشئة، إلا أنها يجب أن تكون محكومة بتقييم واقعي، وهي تتطلب التزاما راسخا، لا القفز من «حل» متضخم إلى آخر.
وفي الوقت نفسه، يجب قدر الإمكان، أن تبرز أسعار الطاقة التكاليف الفعلية التي تشتمل على جميع الآثار البيئية والصحية الحالية والبعيدة المدى الناجمة عن توليد تلك الطاقة. وتتدرج تلك الآثار من غازات الاحتباس الحراري والكربون الأسود الناجمين عن حرق الوقود الأحفوري، إلى تعرية التربة وتسرب النتروجين إلى مصادر المياه، ونضوب الماء الناجم عن زراعة الذرة من أجل الإيثانول، إلى التكلفة الهائلة لشبكة الكهرباء العالية التوتر اللازمة لوصل محطات طاقة الرياح والشمس المتباعدة معا. ويمكن لتدقيق الحقائق الكشف عن مزايا بعيدة المدى لمصادر الطاقة.
وإن أهم سبل تسريع الانتقال التدريجي إلى المصادر المتجددة هو تخفيض استهلاك الطاقة الكلي. فكلما كان ازدياد الطلب أسرع، تعذر توفير جزء كبير منه. وقد بينت الدراسات الأخيرة أنه ليس ثمة مشكلات تقنية غير قابلة للحل لتقليص استهلاك الطاقة بمعدل الثلث، في كل من العالم الغني والبلدان السريعة التحديث، من خلال رفع المردود على وجه الخصوص. وكلما تقلص الطلب، أمكن الاستغناء عن مصادر الوقود الأحفوري القديمة. وعلى الناس والسياسيين أيضا في الأمم الثرية قبول حقيقة أن ثمن الطاقة خلال النصف الماضي من القرن كان، على الرغم من ارتفاعه، منخفضا جدا بالمعايير التاريخية. وعلى الدول الغنية أن تدفع المزيد من أجل التعويض على نحو مناسب عن عواقب الطاقة البيئية والصحية.
فتحولات الطاقة، على المستوى القومي أو العالمي، هي شؤون طويلة الأجل بطبيعتها، ولا يستثنى من ذلك الانتقال المتوسع من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة. فهي تتطلب أجيالا من الصبر والمثابرة.
المؤلف
Vaclav Smil | |
<سميل> أستاذ فخري متميز في جامعة مانيتوبا Manitoba، ومؤلف لأكثر من 30 كتابا يتعلق بالعديد من جوانب الطاقة والبيئة. |
مراجع للاستزادة
Energy Transitions: History, Requirements, Prospects. Vaclav Smil. Praeger, 2010.
Monthly Energy Review. U.S. Energy Information Administration. www.eia.gov/mer
The Future of Energy: Earth, Wind and Fire. Scientific American e-book available at http://books.scientificamerican.com/sa-ebooks
(*)THE LONG SLOW RISE OF SOLAR AND WIND
(**)FROM WOOD TO COAL TO OIL
(***)A CHALLENGING SWITCH TO RENEWABLES
(****)Many Years Needed to Take Over the Energy World
(*****)WHAT TO DO?
(1) j 1024 jouls = 1 youttajoul
(2) bituminous coals
(3) lignites
(4) British Thermal Unit: تساوي الوحدة الحرارية البريطانية 1055 جول.
(5) exajoules
(6) fast breeder reactor: مفاعل نووي ينتج مواد انشطارية تفوق ما يستهلكه. وقد ورد في تقرير اللجنة الدولية للمواد الانشطارية International Panel on Fissile Materials عام 2010 ما يلي: «بعد ستة عقود وإنفاق ما يساوي عشرات بلايين الدولارات، بقي المأمول من مفاعلات التوليد غير محقق على نحو كبير، وتوقفت مساعي تسويقها تجاريا في معظم الدول تدريجيا».
(7) fuel-cell cars: من مشكلات هذه السيارات مخاطر توزيع الوقود. إلا أن أهم مثالبها يكمن في طريقة إنتاج الهدروجين. فالوسائل الشائعة لذلك اليوم تعتمد على الوقود النووي أو الأحفوري.
(8) shale deposits: الصخور التي يستخرج منها النفط الصخري. (التحرير)