أمل خادع(*)ربما يكون معدل ارتفاع درجات الحرارة العالمية قد وصل إلى درجة
مستقرة نسبيا، لكن لا تزال أزمة مناخ تبدو وشيكة في المستقبل القريب.
<E .M. مان>
باختصار
إن المعدل الذي كانت ترتفع به درجة حرارة الأرض، قد تَباطأ قليلا في العقد الماضي، لكن درجة الحرارة مازالت في ارتفاع، وإن تسمية التباطؤ بـ «الوقفة» هي تسمية مضللة.
وتُبين حسابات جديدة للمؤلف أن العالَم إذا استمر بإحراق الوقود الأحفوري بالمعدل الحالي، فسيرتفع الاحترار العالمي إلى درجتين سيلزيتين بحلول عام 2036؛ مما ينذر باجتياز عتبة إلحاق الضرر بالحضارة البشرية.
ولتفادي اجتياز هذه العتبة، يتعين على الشعوب أن تُبقي على مستويات ثنائي أكسيد الكربون دون 405 أجزاء في المليون.
تقول مجلة وول ستريت جورنال إن درجات الحرارة ظلت على حالها طيلة الخمس عشرة سنة الماضية – وربما ليس ثمة من يستطيع تفسير ذلك. وتقول صحيفة ديلي ميل: «إن توقف الاحترار العالمي(1) قد يبقى لمدة 200 سنة أخرى، وإن جليد البحر القطبي قد بدأ بالفعل يستعيد وضعه الطبيعي.» ومثل هذه المزاعم المطمئنة حول المناخ تكثر في وسائل الإعلام الشعبية، إلا أنها في أحسن الأحوال مضللة، ذلك أن ارتفاع حرارة الكرة الأرضية مازال مستمرا بوتيرة واحدة، ومازال يمثل مشكلة ملحة تتطلب عملا عاجلا.
منطقة الخطر في 22 عاما(**)
يقول العلماء إنه في حال ارتفاع درجات حرارة سطح الكرة الشمالي إلى أكثر من درجتين سيلزيتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن الحضارة البشرية ستعاني ضررا جسيما. لكن متى سيحدث هذا لو أن العالم استمر بإحراق الوقود الأحفوري بالمعدلات الحالية؟ الجواب يأتي من إدخال تقديرات خاصة بتوازن حساسية المناخ (ECS)ا(2) – مدى حساسية الغلاف الجوي لتأثير التسخين المنبعث عن غازات الاحتباس الحراري (خمسة منحنيات ثابتة) – فيما يسمى توازن طاقة النماذج المناخية(3). والتقدير الذي يتفق مع البيانات المسجلة التي تعكس حساسية مناخ الأرض (اللون الأبيض) يشير إلى أن العالم سوف يعبر عتبة الدرجتين السيلزيتين في عام 2036، أي بعد 22 عاما فقط من الآن (اللون البرتقالي). وفي حال أن التقارير الحالية المعلنة بشأن بطء ارتفاع معدل درجة الحرارة، الذي يسمى أحيانا «الوقفة» the pause – وهي تسمية غير موفقة – أثبتت أنها جزء من نموذج أكثر ثباتا، فإن تقديرا مختلفا عندئذ (اللون الذهبي) سيناسب الخمس عشرة سنة الماضية أو نحوها، وسيمنح العالم وقتا حتى عام 2046 لاجتياز خط الخطر.
أين تمسك الزمام(***)
غالبا ما يقول العلماء وصُنّاع السياسة إن على العالم أن يُبقي على مستويات ثنائي أكسيد الكربون دون 450 جزءا في المليون لتفادي درجتين سيلزيتين من الاحترار العالمي (المستوى لامس 400 جزء في المليون عام 2013). بيد أنه في حال أن كانت حساسية مناخ الغلاف الجوي ثلاث درجات سيلزية (اللون البرتقالي)، يمكن أن يقتصر الاحترار على ذلك المقدار فقط إذا أبقينا على إطلاق ملوثات الهباء الجوي (ذرات في الغلاف الجوي تحجب حرارة الشمس) بالمعدلات الحالية (اللون البرتقالي المتقطع). ومن المفارقات أن خفض إحراق الفحم اللازم لخفض انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون يُخفِّضُ أيضا الهباء الجوي؛ مما يرسل بدرجات الحرارة عبر خط الخطر (اللون البرتقالي المنقط). وينطبق الشيء نفسه على ما إذا كانت الحساسية 2.5 درجة سيلزية (اللون الذهبي). لهذا، تشير هذه البيانات إلى أنه موثوق به لدرجتين سيلزيتين من الاحترار، ويتعين الإبقاء على مستويات ثنائي أكسيد الكربون دون 405 أجزاء في المليون (اللون الأزرق) – بالكاد فوق مستويات الـ 393 إلى 400 جزءٍ في المليون التي لوحظت في السنة الماضية.
وينبع سوء الفهم في هذا الصدد من البيانات التي تظهر بأنه خلال العقد الماضي كان هناك تباطؤ في زيادة معدل درجات حرارة سطح الأرض. وخلال العقد الماضي كان يشار إلى ذلك الحدث عادة بـ «الوقفة» the pause. ولكن هذا خطأ في التسمية. فدرجات الحرارة لا تزال في ارتفاع، وإن لم يكن بالسرعة نفسها التي كانت عليها في العقد السابق. والسؤال المهم هو: كيف يمكن للتباطؤ القصير الأمد أن ينبئ بالكيفية التي يمكن أن تزداد فيها حرارة العالم في المستقبل؟
إن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)ا(4) التابعة للأمم المتحدة هي المكلفة بالإجابة عن مثل هذه الأسئلة. وقد ردت الهيئة IPCC على تلك البيانات بأن خفضت في تقريرها الصادر في الشهر 9/2013 جانبا واحدا من توقعاتها بشأن الاحترار المستقبلي. ونظرا لأن تنبؤاتها التي تُصدِرها كل خمس أو سبع سنوات هي التي تُسيِّر السياسات المناخية في العالم، فإنه حتى أصغر تغيرٍ يُثير نقاشات حول السرعة التي تزداد فيها حرارة الكرة الأرضية، وحول المدة المتبقية لنا لكي نَعمل على وَقْفِ ذلك. إن الهيئة IPCC لم تُدْلِ حتى الآن بدلوها بشأن آثار الاحترار أو الكيفية التي يمكن من خلالها تخفيف تلك الآثار – وهو ما سنفعله في تقارير كانت متوقعة في شهري 3 و 4 من هذا العام. ومع هذا، فقد أَجريتُ بعض الحسابات التي أعتقد أنها كفيلة بالإجابة الآن عن تلك الأسئلة: إذا استمر العالم بإحراق الوقود الأحفوري fossilfuel بالمعدل الحالي، فإنه سيصبح على أعتاب دمار بيئي بحلول عام 20366. وبإمكان التقليل من انبعاثات غاز الاحتباس الحراري greenhouse gas أن يمنح العالم بضع سنوات إضافية بعد ذلك التاريخ قبل اجتياز تلك العتبة – وأؤكد أن ذلك سيكون لمجرد بضع سنوات فقط.
جدل حساس(****)
في عام 2001 حظيت الطبيعة المثيرة للاحترار العالمي باهتمام العالَم عندما نشرت الهيئة IPCC رسما بيانيا وضعتُه مع زملائي المؤلفين المشاركين، وصار يُعرف بـ «عصا الهوكي.»(5) فقد كان عمود العصا، الأفقي والمنحدر تدريجيا من اليسار إلى اليمين، يشير إلى تغيرات بسيطة فقط في درجات حرارة نصف الكرة الشمالي على مدى نحو 1000 سنة – بقدر ما رجعت إليه بياناتنا.
أظهر الجزء المسطح المقلوب من العصا، من جهة اليمين، ارتفاعا مفاجئا وغير مسبوق منذ منتصف القرن التاسع عشر. وأصبح الرسم البياني كأنه مانعة صواعق Lightning rod في النقاش الدائر حول تغير المناخ، وأصبحتُ جَرّاء ذلك شخصية عامة – على الرغم مِنّي. وفي تقريرها الذي أصدرته في الشهر 9/2013، أعادت الهيئة IPCC بيانات العصا إلى الخلف مدة أبعد، مستخلصة أنه من المحتمل أن يكون الاحترار الحالي لم يسبق له مثيل منذ 1400 عام على الأقل.
ومع أن الأرض شهدت احترارا استثنائيا خلال القرن الماضي، فلتقدير كم احترارا استثنائيا سوف يحدث، سنحتاج إلى معرفة الكيفية التي تستجيب بها درجات الحرارة للزيادة المستمرة في كمية غازات الاحتباس الحراري التي نطلقها إلى الغلاف الجوي، وبالأخص ثنائي أكسيد الكربون (CO2). ويدعو العلماء هذه الاستجابة توازن حساسية المناخ (ECS)ا(6). فهو يعتبر مقياسا عاما لتأثير التسخين الذي تتسبب به غازات الاحتباس الحراري. وهو يمثل الاحترار عند سطح الأرض المتوقع بعد أن يتضاعف تركيز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ويصل المناخ إلى الاستقرار في وقت لاحق (الوصول إلى التوازن).
فقد كان مستوى ثنائي أكسيد الكربون فيما قبل مرحلة الصناعة نحو 280 جزءا في المليون(ppm)ا(7)، أي إنَّ الضعف سيكون 560. وتوقع العلماء حدوث هذه المضاعفة في وقت لاحق من هذا القرن إذا ما واصلت الدول إحراق الوقود الأحفوري كما تفعل الآن – سيناريو «النشاطات المعتادة»(8) – بدلا من تخفيض استخدام الوقود الأحفوري. وكلما ازدادت حساسية الغلاف الجوي للارتفاع في نسبة ثنائي أكسيد الكربون، ازداد التوازن ECS وازدادت سرعة ارتفاع درجات الحرارة. إن التوازن ECS هو اختزال لكمية الاحترار المتوقع، بوجود سيناريو معين لانبعاثات وقود أحفوري.
إن من الصعب تحديد قيمة دقيقة للتوازن ECS؛ لأن الاحترار يتأثر بآليات التغذية الراجعة feedback بما في ذلك الناجمة عن السُّحُب والجليد وعوامل أخرى. وقد توصلت مجموعات نمذجة مختلفة إلى نتائج متباينة حول ما يمكن أن تكون عليه التأثيرات الدقيقة لهذه التغذيات الراجعة، ويمكن أن تكون السحب أكثرها أهمية. فقد تكون لها تأثيرات مُبرِّدة من خلال حجب أشعة الشمس القادمة، وتأثيرات مُسخِّنة من خلال امتصاص بعض الطاقة الحرارية التي تطلقها الأرض باتجاه الفضاء. وتعتمد هيمنة أي من هذين التأثيرين على نوع السحب وتوزعها وارتفاعها، وهو أمر يصعب على النماذج المناخية التنبؤ به. وترتبط عوامل تغذية راجعة أخرى بكمية بخار الماء التي ستكون موجودة في الغلاف الجوي الأكثر حرارة ومدى السرعة التي ستذوب بها صفائح الجليد البحرية والقارية.
ونظرا لأن طبيعة عوامل التغذية الراجعة هذه غير مؤكدة، فإن الهيئة IPCCتوفر للتوازن ECS مدى معينا – وليس عددا واحدا. وفي التقييم الرئيسي الخامس (الذي أوردته الهيئة IPCC في تقرير الشهر 99) استقرت الهيئـة على مدى قـدره 1.5 إلى 4.5 درجة سيلزية (نحـو 3 إلى 88 درجات فهرنهايتية). وكانت الهيئة IPCC قد خفضت النهاية السفلية للمدى إلى ما دون الدرجتين السيلزيتين اللتين أَوردَتْهُما في تقرير التقييم الرابع الصادر في عام 20077. ووضعت الهيئة IPCC الحد السفلي على خط ضيق واحد من الأدلة: تباطؤ ارتفاع درجة حرارة السطح خلال العقد الماضي – نعم، التوقف الوهمي.
كثير من علماء المناخ – بمن فيهم المؤلف – يعتقدون أن عقدا واحدا من الزمن هو فترة وجيزة جدا لقياس الاحترار العالمي بدقة، وأن الهيئة IPCC قد تأثرت بلا مبرر بهذا الرقم الوحيد القصير الأمد. إضافة إلى ذلك، فإن تفسيرات أخرى لهذا التخبط السريع ارتفاعا وانخفاضا لا يتعارض مع أرجحية الأدلة التي تشير إلى أن درجات الحرارة ستواصل الارتفاع. فعلى سبيل المثال، قد يكون للتأثيرات المتراكمة للثورات البركانية خلال العقد المنصرم – بما في ذلك البركان الآيسلندي Eyjafjallajokull – تأثير تبريد أكبر على سطح الأرض كما تَبيَّن في معظم نماذج المحاكاة المناخية. كذلك كان هناك انخفاض طفيف، ولكن قابل للزيادة في الناتج الشمسي الذي لم يؤخذ بالحسبان في نماذج المحاكاة التي وضعتها الهيئة IPCC.
والتغير الطبيعي في كمية الحرارة التي تمتصها المحيطات ربما أدى دورا في ذلك. ففي النصف الأخير من العقد، استمرت ظروف النينيا(9) في شرق المحيط الهادي الاستوائي ووسطه، مبقيةً درجات الحرارة السطحية العالمية أبرد من المعدل بنحو 0.1 درجة سيلزية، وهو تأثير صغير مقارنة بظاهرة الاحترار العالمي الطويلة الأمد، ولكنه مهم لأنه على مدى عقد من الزمن. وأخيرا، تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن أخذ عينات غير مكتملة من درجات الحرارة في القطب الشمالي أدى إلى الاستخفاف بمدى الاحترار العالمي الفعلي.
إن أيا من هذه التفسيرات المعقولة ظاهريا لا تشير إلى أن المناخ أقل حساسية لغازات الاحتباس الحراري. كما أن قياسات أخرى لا تؤيد التقييم المعدل للهيئة IPCC التي حددت الحد الأدنى بـ 1.55 درجة سيلزية. وعندما يتم ضمّ جميع أشكال الأدلة إلى بعضها البعض، فإنها تشير في الأغلب إلى قيمة للتوازن ECS تصل إلى نحو ثلاث درجات سيلزية. وكما يتبين، فإن نماذج المناخ التي استخدمتها فعلا الهيئة IPCC في تقريرها تنطوي حتى على قيمة أعلى مقدارها 3.2 درجة سيلزية. وبعبارة أخرى، فإن الحد الأدنى للتوازن ECS الذي أشارت إليه الهيئة IPCC ربما لا تكون له أهمية كبيرة بالنسبة إلى مناخ العالم في المستقبل – وكذلك الوقفة الكاذبة.
وعلى سبيل المناقشة، لنأخذ الوقفة بالقيمة الاسمية(10). ماذا سيعني لو أن التوازن الحقيقي ECS كان أقل بنصف درجة مما كان يعتقد سابقا؟ هل أن هذا سيغير المخاطر الماثلة جرّاء الإحراق المعتاد للوقود الأحفوري؟ وما مدى السرعة التي ستعْبر بها الأرضُ العتبةَ الحرجة؟
موعد مع القدر: 2036(*****)
معظم العلماء يتفقون على أن ارتفاع درجات الحرارة بدرجتين سيلزيتين فوق المعتاد خلال فترة ما قبل عصر الصناعة كان سيضرّ بجميع قطاعات الحضارة – الطعام والمياه والصحة والأراضي والأمن القومي والطاقة والازدهار الاقتصادي. ويعتبر التوازن ECS دليلنا على متى سيحدث ذلك إذا ما واصلنا إطلاق ثنائي أكسيد الكربون في نشاطاتنا بالوتيرة المعتادة حاليا.
[التنبؤ بالمستقبل]
دليل متماسك(******)
إن تحديد موعد اجتياز الغلاف الجوي للكوكب لعتبة الاحترار الخطرة والمقدّرة بدرجتين سيلزيتين [انظر الرسومات البيانيةالسابقة]، يعتمد على مدى حساسية الغلاف الجوي لمستويات ثنائي أكسيد الكربون المتصاعدة. أما القيمة الأكثر احتمالا للتوازنECS هذا (المحور الأفقي)، فهي فقط ما دون ثلاث درجات سيلزية. لماذا؟ لأن كثيرا من الحسابات المستقلة لدرجات الحرارة في الماضي البعيد، وكذلك نماذج مناخية عديدة تضع الرقم قريبا من هذه القيمة (شرائط الألوان المختلفة). وتظهر جميع خطوط الأدلة في الأسفل (الشريط الرمادي).
مؤخرا، أجريتُ حسابات افتراضية لدرجات الحرارة المستقبلية عن طريق توصيل قيم مختلفة من التوازن ECS فيما يسمى نموذج توازن الطاقة(11) الذي يستخدمه العلماء لدراسة السيناريوهات المناخية المحتملة. ويحدد نموذج جهاز الحاسوب كيفية استجابة متوسط درجة حرارة سطح الأرض لعوامل طبيعية متغيرة مثل البراكين والشمس، والعوامل البشرية – غازات الاحتباس الحراري، وملوثات الهباء الجوي aerosol pollutants، وهلم جرا. (ومع أن النماذج المناخية لها ناقدوها، فإنها تعكس أفضل قدراتنا على وصف الكيفية التي يعمل بها النظام المناخي، اعتمادا على الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء. وفي هذه التخصصات الثلاثة، سجل حافل مؤكد: على سبيل المثال، فإن الاحترار في السنوات الأخيرة، كان قد تم التنبؤ به من قِبل النماذج قبل عقود.)
بعدئذٍ وَجّهُت النموذج للمضي قدما بافتراض أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري هي كالمعتاد. وأجريتُ حسابات نمذجة المرة تلو المرة على قيم التوازنECS التي قدرتها الهيئة IPCC بين 1.5 درجة سيلزية (كحد أدنى) و 4.55 درجة سيلزية (كحد أعلى). وقد لاءمت منحنياتُ التوازن ECS بمقدار 2.5 درجة وو3 درجات سيلزية قراءاتِ الأدوات إلى حد بعيد، أما منحنيات توازن حساسية المناخ الأقل فعليا (1.5 درجة سيلزية) والأعلى فعليا (4.5 درجة سيلزية)، فلم تلائم السجل الآلي instrumental record قطُّ؛ مما عزز الإيحاء بأن تلك المنحنيات لم تكن واقعية.
ومما أثار دهشتي أنني وجدتُ أن ثلاث درجات سيلزية من التوازن ECSكفيلة بأن تجعل كوكبنا يعبر عتبة الاحترار المحفوف بالمخاطر في عام 20366، فقط بعد 22 عاما من الآن. أما عند اعتبار القيمة الدنيا للتوازن ECS وقدرها 2.5 درجة سيلزية، فإن العالم سيجتاز تلك العتبة في عام 20466، أي بعد التاريخ السابق ذِكْرُه بعشر سنوات [انظر الرسم البياني السابق].
لذلك، وحتى لو قبلنا بقيمة أدنى للتوازن ECS، فإنها بالكاد تكون مؤشرا على انتهاء الاحترار العالمي أو حتى «وقفه». وعوضا عن ذلك، فهي تمنحنا فقط قليلا من الوقت – وربما هو وقت ثمين – للحيلولة دون عبور عالمنا العتبة.
تفاؤل حذر(*******)
ترسل هذه النتائج إشارات إلى ما يجب علينا جميعا عمله للحيلولة دون وقوع الكارثة. فثلاث درجات سيلزية من التوازن ECS تعني أننا إذا ارتأينا أن نحدَّ من ظاهرة الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين سيلزيتين إلى الأبد، فإن علينا أن نحافظ على تركيزات ثنائي أكسيد الكربون على نحو أقل بكثير من ضعفي مستويات ما قبل عصر الصناعة – أي ما يقارب 450 جزءا في المليون. ومن المفارقات أن العالم إذا أحرق كميات أقل من الفحم بصورة جوهرية، فإن هذا من شأنه أن يقلل من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون ولكنه يقلل أيضا من الهباء في الغلاف الجوي الذي يحجب ضوء الشمس (مثل جسيمات الكبريتاتsulfate particulates)، لذلك سيكون علينا الحد من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون إلى أقل من 405 أجزاء في المليون تقريبا.
ونحن في طريقنا كما ينبغي لتخطي هذه الحدود. ففي عام 2013 بلغ ثنائي أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي لفترة وجيزة 400 جزءٍ في المليون للمرة الأولى في التاريخ المسجل – ولربما للمرة الأولى في ملايين السنين، وفقا لأدلة جيولوجية. ولتفادي الإخلال بعتبة الـ 405 أجزاء في المليون، المنشودة، يتعين الكف بصورة جوهرية وعلى الفور عن إحراق الوقود الأحفوري. ولتحاشي عتبة الـ 450 جزءا في المليون، يمكن السماح لانبعاثات الكربون العالمية بالارتفاع لبضع سنوات أخرى فقط – ومن ثم يصار إلى تخفيضها بنسب مئوية متفاوتة كل عام. وهذه مهمة طويلة. وإذا كان التوازن ECS هو بالفعل 2.5 درجة سيلزية، فإن ذلك سيجعل تحقيق هذا الهدف أسهل قليلا.
وحتى لو كان الأمر كذلك، فهناك سبب كبير للقلق. فالاستنتاج القائل: إن إبقاء ثنائي أكسيد الكربون دون الـ 450 جزءا في المليون سيحول دون الاحترار إلى أكثر من درجتين سيلزيتين إنما يستند إلى تعريف متحفظ لحساسية المناخ لا يأخذ بعين الاعتبار سوى ما يسمى التغذيات الراجعة السريعة في النظام المناخي(12) – كالتغيرات في الغيوم، وبخار الماء، وذوبان الجليد البحري. ويقول بعض علماء المناخ، بما فيهم <E .J. هانسن> [الرئيس السابق لمعهد گودارد للدراسات الفضائية في ناسا] أنه يجب علينا أن ننظر أيضا في إبقاء تغذيات راجعة أكثر بطئا، مثل التغيرات في الصفائح الجليدية القارية. وعندما يُؤخذ ذلك في الحسبان، يؤكد <هانس> وآخرون بأننا بحاجة إلى التراجع إلى المستوى الأقل من ثنائي أكسيد الكربون الذي كان موجودا في منتصف القرن العشرين، والمقدر بنحو 350 جزءا في المليون. وهذا يتطلب نشر تقانة «التقاط الهواء» air capture” technology” على نطاق واسع، وهي عالية التكلفة وقادرة على أن تزيل بفاعلية ثنائي أكسيد الكربون من الجو.
إضافة إلى ذلك، فإن فكرة تسخين ما مقدارهُ درجتان سيلزيتان هو تسخين «آمن»، هي فكرة وهمية. إذ إنها مبنية على الزمن الذي يتعرض فيه معظم الكرة الأرضية لتغيرات مناخية محتملة لا رجعة فيها. لكن تغيرا مدمرا قد وصل بالفعل إلى بعض المناطق. ففي القطب الشمالي أدى انحساره في جليد البحر والذوبان في الجمد السرمدي إلى الإضرار بالسكان الأصليين والنظم البيئية. وفي الجزر المنخفضة تختفي الأراضي والمياه العذبة بسبب ارتفاع مستويات البحر والتحات erosion. وبالنسبة إلى هذه المناطق، فإن الاحترار الحالي والاحترار اللاحق (لا يقل عن 0.5 درجة سيلزية) اللذين يضمنهما ثنائي أكسيد الكربون المنبعث بالفعل، يشكلان تغيرا مناخيا مدمرا في يومنا هذا.
إذن، فلنأمل بأن تكون حساسية مناخ أقل قدرة بـ 2.5 درجة سيلزية أمرا حقيقيا. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يوفر تفاؤلا حذرا. كما أنه يزودنا بالتشجيع لنتمكن من درء ضرر لا يمكن إصلاحه عن كوكبنا. وهذا هو، إذا – وفقط إذا – قبلنا بالضرورة الملحة بالتخلي عن اعتمادنا على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة.
المؤلف
Michael E.Mann
<مان> أستاذ متميز في علم الأرصاد الجوية بجامعة ولاية بنسلفانيا، وأسهم في أعمال اللجنة الاستشارية الحكومية الخاصة بالتغيرات المناخية التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2007. وكتابه: «عصا الهوكي وحروب المناخ: برقيات من الخطوط الأمامية» (مطبعة جامعة كولومبيا، 2012)(13) متوفر بغلاف ورقي مع مقدمة كتبها <BB. ناي>.
مراجع للاستزادة
Defining Dangerous Anthropogenic Interference. Michael E. Mann in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 106, No. 11, pages 4065–4066; March 17, 2009.
Separating Forced from Chaotic Climate Variability over the Past Millennium. Andrew P. Schurer et al. in Journal of Climate, Vol. 26, No. 18, pages 6954–6973; September 2013.
(5) the hockey stick: هي تسمية للرسم البياني الذي وضعه <مان> ومشاركوه والذي تندرج فيه أرقام البيانات data بشكل مسلسل، ولكنها تنتهي أمام نتوء ضخم يسد طريق المتابعة. ويمكن الاستزادة بالاطلاع على الموضوع للمؤلف نفسه في مجلة العلوم، العددان 9/10 (2012).
(6) Equilibrium Climate Sensitivity