إدراك حسّي إضافي
إدراك حسّي إضافي(*)
كيف يمكن لعالَم مُلِئ بالمحسات أن يغير الطريقة التي نرى ونسمع ونفكر ونعيش بها.
<G. دبلون> – <A .J. پاراديسو>
باختصار
بات العالَم الحديث زاخرا بالمحسات الإلكترونية(1) الموصولة بالشبكة، بيد أن معظم البيانات التي تولدها غير مرئية لنا، بل «مكنونة» في خازنات للاستعمال بتطبيقات معينة. فإذا أقصينا تلك الخازنات وأتحنا لبيانات المحسات أن تستعمل بأي تجهيزة موصولة بالشبكة، أيقنا عندها بوشك الحلول الحقيقي لعهد الحوسبة العميمة الانتشار. وإذ يتعذر إدراك طبيعة التغير الذي ستحدثه الحوسبة العميمة الانتشار في حياتنا على وجه الدقة، فإن الاحتمال الغالب هو أن محسات إلكترونية تدس في البيئة ستكون بمنزلة امتدادات للجملة العصبية البشرية. ولربما أضحت التجهيزات الحاسوبية عمليا بدائل صنعية حسية يمكن للمرء أن يتقلدها. وقد تُمكِّن المحسات والحواسيب من الانتقال – افتراضيا – إلى بيئات نائية، و«الوجود» هناك في الزمن الحقيقي، ومن شأن ذلك أن تكون له تداعيات عميقة في مفاهيمنا للخصوصية والحضور المادي.
|
إليك هذه التجربة المسلية: انظر حولك وحاول إحصاء المحسات الإلكترونية(1) المحيطة بك الآن. إنك ستجد آلات تصوير(2) ومجاهير صوت(3)في حاسوبك؛ ومحسات منظومات تحديد المواقع GPS sensors وجيروسكوباتgyroscopes في هاتفك الذكي؛ ومقاييس تسارع في جهاز مراقبة لياقتك البدنية. وإذا كنت تعمل في مجمع مكاتب عصري أو تقيم في منزل حديث التجديد، فأنت دائما في حضرة محسات تسبر الحركة ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة.
وقد غدت المحسات من الوفرة بمكان، لأنها – في الأغلب الأعم – تتبع قانون مور Moore’s law: فهي ما انفكت تتصاغر حجما وتنخفض تكلفة وتزيد قدرة. وقبل بضعة عقود من الزمن فقط كانت الجيروسكوبات وأجهزة قياس التسارع، المتضمنة اليوم في كل هاتف ذكي، ضخمة الحجم وباهظة الثمن، ومقتصرة على تطبيقات معينة من مثل توجيه مركبات الفضاء والصواريخ. وفي غضون ذلك تعاظمت الترابطية الشبكية network connectivity وتزايدت بسرعة هائلة. وبفضل التقدم في مضمار تصميم الإلكترونيات الميكروية (الصغرية)microelectronics، وكذلك في مجال إدارة الطاقة والطيف الكهرمغنطيسي، بات بإمكان شيپة ميكروية microchip لا تزيد تكلفتها على دولار واحد أن تربط مجموعة كبيرة من المحسات بشبكة اتصالات لاسلكية منخفضة القدرة.
إن حجم المعلومات التي تولدها شبكة المحسات هذه هو مذهل حقا ويكاد يستعصي على الإدراك. ومع ذلك، فإن معظم هذه البيانات غير مرئي لنا. وتنزع بيانات المحسات إلى أن تبقى «مكنونة» ضمن خازنات لا يمكن النفاذ إليها إلا بتجهيزة(4) واحدة تستعملها في تطبيق محدد وحيد، مثل التحكم في الثرموستات (منظم الحرارة) الخاص بك أو إحصاء عدد خطواتك في يوم واحد.
إذا أزلنا هذه الخازنات، فإن الحوسبة والاتصالات ستتغيران بشكل عميق. فما أن نمتلك الپروتوكولات التي تمكن التجهيزات والتطبيقات من تبادل البيانات (ثمة عدة پروتوكولات مهيأة للمنافسة حاليا)، حتى يصبح بإمكان أي تطبيق أن يستعمل المحسات أينما كانت. فإذا حصل ذلك فعلا، فإننا سنشهد ولوج عهد جديد طال ترقبه لحوسبة عميمة الانتشار ubiquitous computing، تنبأ به <M. وايسر> في هذه المجلة قبل ربع قرن [انظر: «حاسوب القرن الحادي والعشرين»، مجلة العلوم، العددان 7/8 (1996)].
يخامرنا الشك في أن الانتقال إلى الحوسبة العميمة الانتشار سيكون تزايديا(5)، إذ نعتقد أنه سيكون تحولا جذريا يشبه إلى حد بعيد حلول الشبكة العنكبوتية العالمية (وِب). ونحن نشهد بالفعل بوادر هذا التحول في تطبيقات الهاتف الذكي، مثل خرائط گوگل Google Maps وتويتر Twitter والمشروعات المؤسساتية الكبرى التي نشأت حولها. لكن الابتكار سوف يتنامى انفجاريا حالما تصبح بيانات المحسات العميمة الانتشار متاحة مجانا على جملة التجهيزات. وينتظر أن تكون الموجة القادمة لشركات التقانة ذات البليون دولار متمثلة بجامعي القرائن(6)، الذين سيقومون بضم معلومات المحسات المحيطة بنا وتركيبها في جيل جديد من التطبيقات.
إن التنبؤ بما ستحمله الحوسبة العميمة الانتشار وبيانات المحسات من دلالات لحياتنا اليومية هو من الصعوبة بدرجة تشبه التنبؤ، قبل ثلاثين سنة خلت، بما ستحدثه الإنترنت من تغيير في العالم. ومن يمن الطالع أن نظرية الوسائط media theory يمكن أن تكون بمثابة دليل؛ ففي ستينات القرن العشرين تحدث <M. ماكلوهان> [المنظِّر في مجال الاتصالات] عن وسائط إلكترونيةelectronic media (التلفاز بخاصة) تصبح امتدادا للجملة العصبية البشرية. وليت <ماكلوهان> بين ظهرانينا اليوم، إذن لَعايَن واقع الحال. ونتساءل أنه عندما تنتشر المحسات في كل مكان، وحينما يغدو بالإمكان غرس المعلومات التي تجمعها هذه المحسات في الإدراك البشري بطرائق جديدة – فأين تتوقف حواسنا نحن البشر؟ وماذا يعني «وجودنا» الفيزيائي عندما يكون في مقدورنا توجيه إدراكنا بحرية عبر الزمان والمكان والقياس؟
تصور بيانات المحسات(**)
إننا ندرك العالَم من حولنا باستعمال حواسنا كلها، لكننا نتمثل معظم البيانات الرقمية عن طريق شاشات عرض ثنائية البعد على أجهزة نقالة. فلا غرو، إذن، أن نكون عالقين بنقطة اختناق معلوماتية. ومع التزايد الانفجاري السريع في الكم المعلوماتي حول العالم، نجد أنفسنا أقل قدرة على بقاء وجودنا في ذلك العالم، ومع ذلك، فثمة جانب مشرق ومشجع لهذا الفيض من البيانات ما دمنا نعرف كيف نستثمره بصورة صحيحة وفاعلة. ولهذا السبب ينصرف فريقنا في مختبر ميديا لاب التابع للمعهد ماساتشوستس للتقانة (M.I.T.)ا(7) منذ سنوات إلى العمل على طرائق لترجمة المعلومات، التي تقوم شبكات المحسات بجمعها، إلى لغة الإدراك البشري.
وكما أتاحت لنا متصفحات وِب مثل Netscape النفاذ إلى كتلة البيانات المحتواة في الإنترنت، كذلك ستمكننا متصفحات البرمجيات من فهم فيض بيانات المحسات القادمة. وقد وجدنا أن أفضل أداة لتطوير متصفح كهذا حتى الآن هي محرك الألعاب الڤيديوية – وهي البرمجيات ذاتها التي تتيح لملايين اللاعبين التآثر في بيئات حية دائمة التغير ثلاثية الأبعاد. وتمكنا فعلا، بنتيجة أبحاثنا على محرك الألعاب المسمى Unity 3D، من استحداث تطبيق أطلقنا عليه اسم دوپيل لاب DoppelLab، يتلقى دفقات من البيانات التي جمعتها المحسات المنشورة في أنحاء بيئة ما، ويحول المعلومات إلى شكل بياني/كتابي graphic form يبسطه فوق نموذج هندسي للمبنى مصمم بمعونة الحاسوب CAD) model)ا(8). ففي مختبر ميديا لاب مثلا، يقوم التطبيق دوپيل لاب بجمع البيانات من المحسات المبثوثة في أرجاء المبنى، ويعرض النتائج على شاشة الحاسوب في الزمن الحقيقي، بحيث يستطيع مستخدم ينظر إلى الشاشة أن يرى درجة الحرارة في كل غرفة، أو يرصد حركة سير الأقدام في بقعة محددة، أو حتى موضع الكرة على طاولتنا الذكية التي ابتدعناها للعبة الپينگ پونگ(9).
كذلك يستطيع دوپيل لاب أن يؤدي وظائف كثيرة أخرى إضافة إلى تصور البيانات وتجسيدها؛ فهو قادر على جمع الأصوات التي تلتقطها مجاهير الصوت المبثوثة في أنحاء المبنى، ثم استعمالها لإحداث بيئة صوتية مفترضة. ولضمان توفير الخصوصية privacy تخضع الدفقات الصوتية للتعتيم(10) عند تجهيزة المحس المولدة لتلك الدفقات قبل إرسالها. ومن شأن هذا الإجراء أن يجعل الكلام غير مفهوم، مع الحفاظ على بيئة الفضاء المحيط والصفة الصوتية لشاغليه. وإن دوپيل لاب يُمكِّن أيضا من معاينة بيانات جرى تسجيلها في الماضي، ويستطيع المرء أن يرصد لحظة من الزمن من منظورات شتى، أو أن يسرع الأحداث بغية فحص البيانات عند مقاييس زمنية مختلفة، والكشف عن دورات خفية في حياة مبنى بعينه.
ولمتصفحات المحسات، كدوپيل لاب، تطبيقات تجارية مباشرة – مثل: لوحات تحكم افتراضي لمبان ضخمة مزودة بالمحسات. ففي الماضي كان من عادة قَيِّم المبنى، عندما يريد اقتفار(11) موضع خلل في نظام التدفئة، البحث في برامج جداول البيانات والمخططات، وفهرسة الحالات الشاذة في قياسات درجات الحرارة، وتفقد الأنماط التي قد تشير إلى مصدر الخلل. أما باستعمال دوپيل لاب، فما على ذلك القيم إلا أن يتبين درجة الحرارة الحالية والمرغوب بها في كل غرفة على الفور، ومن ثم يكتشف منافذ تستغرق عدة غرف أو طبقات من المبنى. وأكثر من ذلك، يستطيع المخططون والمصممون وسكان المباني على حد سواء أن يتعرفوا طرائق استعمال البنية الأساسية للمبنى، وأين يجتمع السكان ومتى؟ وما هي الآثار التي تُحدِثها التغيرات في المبنى على أسلوب تفاعل الناس وأداء أعمالهم داخله؟
غير أننا لم نضع الاحتمال التجاري في حسباننا عندما أوجدنا دوپيل لاب، بل كنا نسعى إلى تحري مسألة أكبر وأكثر إثارة للاهتمام: دراسة أثر الحوسبة العميمة الانتشار في المعنى الأساسي للوجود الفيزيائي(12).
إعادة تحديد مفهوم الوجود الفيزيائي(***)
عندما تجعل المحسات والحواسيب من الممكن الانتقال افتراضيا إلى بيئات بعيدة و «الوجود» هناك في الزمن الحقيقي، فإن مفهومي «هنا» (المكان) و «الآن» (الزمان) قد يبدآن باتخاذ معان جديدة. ونحن نزمع أن نستكشف هذا التغيير في مفهوم الوجود بالاستعانة بالتطبيق دوپيل لاب وبمشروع آخر يدعى المرصد الحي Living Observatory في مزارع تيدمارش(13)، يرمي إلى «غمس» الزوار الحقيقيين والافتراضيين على حد سواء في بيئة طبيعية متغيرة.
ومنذ عام 2010 تتولى مجموعة منظمات بيئية عملية تحويل 250 فدانا إنكليزيا من سباخ التوت البري(14) الواقعة جنوبي ولاية ماساتشوستس إلى منظومة أراض رطبة ساحلية محمية. ويشترك في ملكية هذه السباخ، التي تسمى مجتمعة مزارع تيدمارش، زميلتنا <G. داڤنپورت>. وإذ أسست <داڤنپورت> مسيرتها المهنية في مختبر ميديا لاب على مستقبل العمل الوثائقي، فهي شديدة الاهتمام بفكرة بيئة غنية بالمحسات تولد تلقائيا إنتاجها الوثائقي الخاص. وبمساعدة منها نقوم حاليا بتطوير شبكات محسات توثق العمليات المتصلة بالتبيؤ ecological processes، وتمكن الناس من اختبار البيانات المتولدة من تلك المحسات. وقد بدأنا، بالفعل، بتأهيل مزارع تيدمارش بمئات المحسات اللاسلكية التي تعنى بقياس درجة الحرارة والرطوبة والضوء والحركة والرياح والصوت وتحلب نسغ الأشجار(15)، وفي بعض الحالات، مستويات مواد كيميائية عديدة.
[آلية العمل] متصفح الحقيقة(****) تقوم برمجيات تصفح المحسات، التي ابتدعها المؤلفان، وتدعى دوپيل لاب DoppelLab، بجمع البيانات من محسات مبثوثة في أرجاء مختبر ميديا لاب التابع للمعهد M.I.T.، وتمثلها بصريا على نموذج شبه شفاف للمبنى. ويتجدد المتصفح تلقائيا في الزمن الحقيقي، ومن ثم يستطيع المستخدمون دخوله من أي مكان، ومعاينة ما يجري في أي غرفة من المختبر في أي لحظة. وتمثل درجة الحرارة والحركة والصوت والخصائص الأخرى بأيقونات. (1) إذا اقترب شخص يتقلد شارة tag تُعرف بالتردد الراديوي (RFID)ا(16) من مجموعة محسات في فضاء عام، ظهر مكعب يحمل صورة ذلك الشخص على كل وجه من أوجهه. (2) تمثل مكعبات مكودة لونيا وسحب ضبابية درجة الحرارة والرطوبة النسبية كما تقيسها شبكة المحسات الكثيفة للمبنى. (3) تُمثل الكرات في الفضاءات العامة حركة الناس ضمن غرفة إضافة إلى مستوى الصوت هناك؛ فإذا صارت الغرفة أكثر ضجيجا، ظهرت كرات مكودة لونيا. وإذا اكتشفت محسات الحركة حركة، تَموَّجَ شريط الكرات متلويا تلوي الأفعى. (4) يمثل اللهب في كل جزء من المبنى درجة حرارة كل غرفة: اللهب الأحمر يعني «دافئا» والأكثر حمرة يعني «أدفأ»؛ اللهب الأزرق يعني «باردا» والأكثر زرقة يعني «أبرد». فإذا وجد اختلاف كبير بين درجة حرارة غرفة ودرجة الثرموستات المعيارية، ظهرت كرة نابضة حول اللهب الموافق، بحيث يكون معدل النبض تابعا لانحراف درجة الحرارة عن النقطة المعيارية. |
وثمة برامج ومشروعات فعالة لإدارة الطاقة ينتظر أن تسهم في تمكين هذه المحسات من العمل على بطارياتها على مدى سنوات، في حين ستُزوَّد بعض المحسات بخلايا شمسية توفر من تعزيز الطاقة ما يكفي لتمكينها من إرسال الصوت – كصوت النسيم، وتغريد الطيور القريبة، والمطر يتقاطر على أوراق الشجر. ويضطلع زملاؤنا المختصون بعلوم الأرض في جامعة ماساتشوستس أمهيرست بتزويد مزارع تيدمارش بمحسات تبيؤ متطورة تشتمل على أجهزة لقياس درجة الحرارة مصنوعة من الألياف البصرية وقابلة للعمل تحت الماء، وبإمكانها قياس مستويات الأكسجين المنحل في الماء. وستتدفق جميع هذه البيانات إلى قاعدة بيانات على مخدماتنا التي يستطيع المستخدمون استعلامها واستكشافها باستعمال تطبيقات شتى.
ومن هذه التطبيقات ما سيكون عونا لعلماء التبيؤ(17) في معاينة بيانات بيئية جمعت عند السبخة، ومنها ما سيصمم لعامة الناس. فمثلا، نحن الآن بصدد تطوير متصفح شبيه بدوپيل لاب يمكن استعماله لزيارة مزارع تيدمارش افتراضيا من أي حاسوب موصول بالإنترنت. وفي هذه الحالة تكون خلفية الشاشة مشهدا رقميا لطوبوغرافية السبخة(18)، تكتنفه أشجار ونباتات افتراضية. ويضيف محرك الألعاب أصواتا وتأثيرات وبيانات تلتقطها المحسات المدسوسة ضمن السبخة. وتمتزج الأصوات الصادرة عن مجموعة مجاهير الصوت وتخبو تقاطعيا، وذلك تبعا للموقع الافتراضي للمستخدم. وسيكون بإمكانك التحليق فوق السبخة وسماع كل ما يحدث مباشرة، أو الإصغاء عن كثب إلى ما يجري في بقعة صغيرة، أو السباحة تحت الماء وسماع الأصوات التي تلتقطها المساميع المائية(19). ولسوف تهب رياح افتراضية، مسوقة ببيانات زمن حقيقي جمعت من الموقع، خلال الأشجار الرقمية(20).
والمرصد الحي(21) هو أقرب إلى مشروع استعراضي منه إلى نموذج أولي عملي. ولكنه من السهل تصور تطبيقات ميدانية؛ فالمزارعون يمكنهم استعمال نظام مشابه، لمراقبة أراضيهم الملأى بالمحسات، وتتبع وجود الرطوبة أو المبيدات أو الأسمدة أو السوائم داخل أراضيهم الزراعية وما حولها. كذلك تستطيع المؤسسات في المدن استعماله لرصد تقدم العواصف والفيضانات في مدينة ما، في حين يبحث عن الناس الواقعين في خطر أو شدة لإنقاذهم ومساعدتهم. وليس استطرادا تصور استعمال هذه التقانة في حياتنا اليومية؛ فكثيرون منا يبحثون مثلا عن مطاعم مناسبة على الموقع Yelp قبل توجههم إليها. وسيكون بإمكاننا يوما ما أن نتحقق حتى من جوِّ المطعم (هل هو مزدحم وصاخب الآن؟) قبل أن ننطلق عبر المدينة.
كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء في سبخ مليء بالمحسات تكشف مياها جوفية (تُرى هنا بالون الأصفر) تتدفق نحو مياه سطحية أبرد. وفي حين تقترب درجة حرارة المياه السطحية من درجة حرارة الجو، تحافظ المياه الجوفية على درجة حرارة ثابتة طوال العام. |
وفي نهاية المطاف قد يوفر هذا النوع من «الوجود» البعيدِ الخيارَ الثاني من بين أفضل الخيارات للانتقال من بعد teleportation. ونحن نستعمل أحيانا وسيلة دوپيل لاب لننشئ اتصالا بالمختبر ميديا لاب حينما نكون على سفر، لأن سماع الأزيز ورؤية مظاهر النشاط يقرباننا أكثر قليلا إلى مواطننا الأصلية. وبالطريقة نفسها يمكن أن يتخيل المسافرون أنفسهم في ديارهم يقضون أوقاتا سعيدة مع أهليهم، في حين أنهم في الواقع على الطريق.
تعزيز حواسنا(*****)
في حكم المؤكد أن الأجهزة التي يمكن تقلدها على الجسد ستهيمن على الموجة القادمة من الحوسبة. ونحن نرى في ذلك فرصة لاستنباط طرائق أكثر تلقائية للتآثر مع بيانات المحسات. ولربما أضحت الحواسيب التي يمكن للمرء أن يتقلدها – في حاصل الأمر – بدائل صنعية حسية.
وينهمك الباحثون منذ زمن طويل في إجراء تجارب على المحسات والمفعلات القابلة للارتداء(22) على الأجساد باعتبارها تجهيزات مساعدة، وذلك بمقابلة الإشارات الكهربائية الصادرة عن المحسات بحواس إنسان، في عملية تعرف بالتعويض الحسي sensory substitution. وتشير بحوث أجريت حديثا إلى أن اللدونة العصبية neuroplasticity – وهي قدرة الدماغ البشري على التكيف فيزيائيا مع المحفزات الجديدة – قد تُمكِّن الاستعراف على المستوى الإدراكي perceptual-level cognition للمحفزات «الحسية الإضافية(23)» التي تنتقل عن طريق قنوات الإحساس الموجودة فينا. ومع ذلك، ما زالت ثمة فجوة كبيرة بين بيانات شبكات المحسات والتجربة الحسية البشرية.
ونعتقد أن من مفاتيح إطلاق إمكانات البدائل الصنعية الحسية امتلاكَ معرفة أفضل بحالة التنبه لدى المرتدي. وتتجه المحسات الحديثة القابلة للارتداء والمنتمية إلى أعلى التقانات، من قبيل گوگل گلاس Google Glass، إلى أداء دور وسطاء طرف ثالث على كواهلنا؛ فتقترح معلومات ذات صلة – سياقيا – بمرتديها (كأن تنصح المرتدي بحضور فيلم معين لدى مروره بدار للسينما). ولكن هذه المقترحات تأتي على نحو غير متوقع، وكثيرا ما تكون مشوشة، بل مزعجة، على عكس منظوماتنا الحسية؛ فمنظوماتنا الحسية تسمح لنا بالتكيف لضبط الاستقبال أو إلغائه بطريقة ديناميكية، فنلبي نداء المحفزات إذا تطلبت، وإلا فنتابع تركيزنا على ما كنا نعمله. وإننا حاليا بصدد إجراء تجارب للتحقق من إمكان استفادة الحواسيب القابلة للارتداء من قدرة الدماغ الفطرية على التركيز على المهمات، مع الإبقاء على نوع من الارتباط السابق للتنبه preattentive connection بالبيئة.
عندما تجعل المحسات والحواسيب من الممكن الانتقال افتراضيا إلى بيئات بعيدة، فإن مفهومي «هنا» و «الآن» قد يبدآن باتخاذ معان جديدة. |
فتجربتنا الأولى ستقرر إمكان قدرة تجهيزة قابلة للارتداء في الواقع العملي على تمييز المصدر الصوتي الذي يستمع إليه المستخدم، من بين مجموعة من المصادر الصوتية. ونزمع توظيف هذه المعلومات لتمكين من يتقلد تجهيزة من ضبط استقبال أصوات المجاهير والمساميع الحية في مزارع تيدمارش بطريقة تشبه كثيرا استقبالها لمصادر الصوت الطبيعية المختلفة. تخيل أنك تركز على جزيرة نائية في بركة، وأنك بدأت رويدا رويدا تسمع الأصوات البعيدة، وكأن أذنيك حساستان بدرجة تكفي لإطالة المسافة. تصور أيضا أنك تسير على ضفة جدول وسمعت صوتا من تحت الماء، أو نظرت نحو الأعلى إلى الأشجار وسمعت تغريد الطيور عند أعلى الظلة. إن هذا الأسلوب لنقل المعلومات الرقمية قد يشير إلى بداية ارتباط سلس بين منظوماتنا الحسية وبيانات المحسات الشبكية. وأغلب الظن أننا سوف نشهد في وقت ما أن غرائس(24) implantsحسية أو عصبية هي التي ستوفر ذاك الارتباط؛ ونأمل بأن تكون هذه التجهيزات، وكذلك المعلومات التي تتيحها، جزءا من منظوماتنا الحسية القائمة، لا أن تزيحها لتحل محلها.
حلم أم كابوس؟(******)
يبدو العالم الذي وصفناه للتو مخيفا لكثير من الناس، ونحن منهم؛ فإعادة صوغ مفهوم الوجود يعني تغيير علاقتنا بمحيطنا وعلاقة أحدنا بالآخر. وما يقلق أكثر هو ما تحمله الحوسبة العميمة الانتشار من تداعيات كبيرة تتصل بالخصوصية. ومع ذلك، فإننا نعتقد أن ثمة طرائق عديدة لجعل إجراءات ضمان السلامة جزءا من التقانة.
فقبل عقد من الزمن، وفي سياق أحد مشروعات فريق عملنا، قام <M. لايبوويتس> بنشر أربعين آلة تصوير ومحسا في مختبر ميديا لاب. وصمم لهذا الغرض مفتاح إضاءة ضخما في كل تجهيزة، بحيث يكون بالإمكان إيقاف فاعليته بيسر وسهولة. و لكن عالمنا اليوم يحوي فيضا من آلات التصوير ومجاهير الصوت والمحسات الأخرى المبثوثة، بحيث لايستطيع شخص أن يوقف فاعليتها – حتى وإن كانت مزودة بمفتاح إغلاق. وسيتعين علينا، إذن، أن نجد حلولا أخرى.
من تلك الحلول جعل المحسات تستجيب للسياق وللأولويات المستحبة لشخص ما. وقد بحثت <W-N. گونگ> في فكرة من هذا النوع عندما كانت تعمل مع فريق أبحاثنا قبل سنوات؛ فاستحدثت عروة مفاتيح خاصة تصدر إشعاعا لاسلكيا لتنبيه تجهيزات المحسات القريبة على مُستحبَّات مستخدمها فيما يتصل بخصوصيته الذاتية. وكانت كل شارة من هذا التصميم تحمل زرا كبيرا معلما بكلمة «لا»؛ فإذا ضغط المستخدم الزر ضَمِن لنفسه فسحة من الخصوصية الكاملة، تحجب فيها جميع المحسات الواقعة ضِمْن حدود المدى عن إرسال بياناته.
وبطبيعة الحال، فإن أي حل سوف يتعين التثبت من أن جميع عقد المحسات sensor nodes المحيطة بالشخص مهيأة لاستقبال مثل هذه الأوامر واحترامها. ولئن كان تصميم پروتوكول كهذا يستدعي تحديات تقنية وقانونية، فقد تلتفت مجموعات بحث حول العالم إلى دراسة مقاربات متعددة للتعامل مع هذه المشكلة المحيرة. فمثلا، قد يخول القانون شخصا ملكية بيانات تتولد على مقربة منه أو التحكم فيها، ثم يترك له الخيار بين أن يشفر تلك البيانات أو أن يقيد من دخولها الشبكة. وهنا يشار إلى أن من أغراض التطبيق دوپيل لاب والمرصد الحي كليهما مراقبة سيرورة تطور تداعيات الخصوصية هذه في الفضاء الآمن لمختبر أبحاث مفتوح. ومع انكشاف العثرات والتداعيات السيئة نتمكن من إيجاد حلول مناسبة. وقد تبين لنا من تصريحات أدلى بها <E. سنودن> [مقاول سابق في وكالة الأمن القومي] إلى عهد قريب، أن الوضوح(25) مسألة حيوية، وينبغي التعامل مع ما يهدد الخصوصية تشريعيا، وفي منتديات ومنابر مفتوحة. وفيما عدا ذلك، نعتقد أن التطوير الأساسي للعتاديات والبرمجيات المفتوحة المصدر هو خير وسيلة دفاع في مواجهة الانتهاكات العامة للخصوصية.
وفي هذه الأثناء، سيكون في مقدورنا البدء بتلمس أنواع الخبرات الجديدة التي تنتظرنا في عالم تسيره المحسات. ونحن بالطبع متفائلون برؤى المستقبل، ونعتقد جازمين أن من الممكن ابتداع تقانات تنصهر في بيئاتنا وأجسادنا وتكون جزءا منها. ومن شأن هذه الأدوات أن تبعدنا عن شاشة الهاتف الذكي وتعيدنا إلى بيئاتنا، وأن تجعلنا أكثر، لا أقل، حضورا في العالَم من حولنا.
المؤلفان
Gershon Dublon – Joseph A. Paradiso | ||
<دبلون> طالب دكتوراه في مختبر ميديا لاب التابع لمعهد ماساتشوستس للتقانة، حيث يعكف على ابتداع أدوات جديدة لتحري بيانات المحسات وإدراك كنهها.
<پاراديسو> أستاذ مشارك في فنون الوسائط وعلومها لدى مختبر ميديا لاب؛ يتولى فيه إدارة مجموعة البيئات المستجيبة، التي تستقصي طرائق شبكات المحسات في تعزيز الخبرة والتفاعل والإدراك البشري، والتأثير فيها ونقلها. |
مراجع للاستزادة
Rainbow’s End. Vernor Vinge. Tor Books, 2006.
Metaphor and Manifestation: Cross Reality with Ubiquitous Sensor/Actuator Networks.
Joshua Lifton et al. in IEEE Pervasive Computing, Vol. 8, No. 3,
pages 24–33; July–September 2009.
(*)EXTRA SENSORY PERCEPTION
(**)VISUALIZING SENSOR DATA
(***)REDEFINING PRESENCE
(****)The Reality Browser
(*****)AUGMENTING OUR SENSES
(******)DREAM OR NIGHTMARE?
(1) the electronic sensors
(2) أو: كاميرات
(3) أو: ميكروفونات
(4) device
(5) أو: متدرجا
(6) أو: السياقات
(7) the (M.I.T.) Media Lab
(8) computer-aided design
(9) Ping-Pong
(10) أو: الإبهام
(11) track down
(12) أو: المادي
(13) Tidmarsh Farms
(14) cranberry bogs
(15) tree sap flow
(16) Radio Frequency Identification
(17) ecologists
(18) أو: معالمها السطحية
(19) hydrophones ؛ أو: الهيدروفونات
(20) the digital trees
(21) the Living Observatory
(22) wearable sensors and actuators
(23) extra sensory
(24) أو: زرعات
(25) أو: الشفافية