بشر مُعدَّلون جينيا في كل مكان
تقرير خاص: العالم في 2076
بشر مُعدَّلون جينيا في كل مكان
بقلم: مايكل لي بيج
ترجمة: أماني عبدالملك
إنه إبريل من عام 2021 . احتلت ولادة تارو يمادا Tarou Yamada في طوكيو العناوين الرئيسية حول العالم. أطلقت عليه بعض الصحف لقب “الفتى المعجزة”. كان ذلك بسبب عدم مقدرة والد تارو على إنتاج حيوانات منوية بسبب طفرة في الكرموسوم Y . لذا، نظرياً قد كان عقيماً تماماً. ومع ذلك أثبتت الاختبارات الوراثية أن تارو ابنه.
لتحقيق إمكانية الحمل بتارو، أخذت عيادةُ الخصوبة خلايا جذعية من الأب وصححت طفرة الكروموسوم Y باستخدام تعديل الجينات بتقنية كريسبر CRISPR [كرسبر: التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد Clustered regularly interspaced short palindromic repeats] ومن ثم اشتقاق خلايا منوية من الخلايا المصححَّة. استخدمت الخلايا المنوية المصححة تلك بعدها لإخصاب بويضات الأم، مما ثبِّت التغيير في حمضه النووي بأكمله. وبمعنى آخر، يعتبر تارو يمادا أول شخص تم تحرير Edited جينومه.
ولن يكون هو الأخير، فبينما شددت بعض الدول قوانين منع التعديل الجيني بعد أخبار ولادته (لاتمتلك اليابان قانون بهذا الخصوص بعد)، قررت دول أخرى أنه مُبرَّر لأهداف مثل السماح لمن لايستطيعون الإنجاب بأن ينجبوا أولادهم البيولوجيين.
قريباً سيولد العشرات من الأطفال المعدلين جينيا كل سنة ومن ثم المئات والآلاف. ولايمكن التمييز بين هؤلاء الأطفال وقرنائهم من العمر نفسه، لأن جيناتهم طبيعية تماماً.
وعلى الأرجح، هكذا سوف تبدأ ثورة تحرير جينوم السلالة الجرثومية Germline genome editing. وتدور نقاشات كثيرة حول استخدام تعديل الحمض النووي المتوارث لمنع تمرير جينات أمراض مثل التليف الكيسي من الوالدين إلى الأبناء. ولكن سبق وأن توفرت إمكانية منع تورث الأطفال جميع الأمراض المشابهة تقريباً عن طريق مسح أجنة التلقيح الصناعي قبل غرسها.
فلماذا سيفضل الوالدان المستقبليان التحرير الجينومي، بينما التشخيصُ الجيني قبل الغرس أكثر أماناً وأقل تكلفة؟ إن التشخيص الجيني قبل الغرس مفيد لمجرد التخلص من طفرة أو اثنتين من الطفرات الضارة في المرة الواحدة. لكن، مع تحرير الجينوم سيصبح من الممكن إتاحة فرصة تغيير العديد في المرة الواحدة. حالما يبدأ استخدام تحرير جينوم السلالة الجرثومية لعلاج العقم، فمن المرجح أن تقوم عيادات الخصوبة بعرض تعديل جينات أخرى في الوقت نفسه. وسيصف معارضو الهندسة الجينية Genetic engineering ذلك بالمنحدر الزلق ، أما بالنسبة إلى مناصريه فهو تقدم منطقي، بل إنساني.
لدى جميعنا المئات من الطفرات الضارة التي تزيد من مخاطر تعرضنا للسرطان، ومرض آلزايمر، والاضطرابات العقلية وغيرها. إذن، لم لانصلح أسوأها عندما يتاح لنا بذلك؟ ففي الواقع، حالما يمكن عمل ذلك بأمان يمكن القول إنه سوف يكون عدم القيام بذلك أمرا لا أخلاقياً.
ولم نتوقف هنا؟ هناك تنويعات جينية Gene variants مختلفة مفيدة تعزز مناعة الأفراد ضد الأيدز أو تقلل قابليتهم للسمنة المفرطة على سبيل المثال. وربما تسمح بعض الدول باستخدام هذه التغييرات في نحو ثلاثينات هذا القرن.
وستثير التدخلاتُ المشابهة الجدلَ بشكل كبير. ويكون أكثر جدلاً إضافة تنويعات الجينات لتطوير الشخصية أو الذكاء أو خصال أخرى نعتبرها ذات قيمة عالية. ولكن بما أننا لا نعلم كيفية فعل ذلك بعد، لايزال علينا اكتشاف تنويع جيني واحد يُحدث أي تغيير في معدل الذكاء بقدر ما يؤثر مثلا كون الوالدين أثرياء أو الحصول على تعليم جيد.
وفي الواقع فإن الدماغ معقد جداً حيث لايمكننا التنبؤ أبداً بتأثير طفرة معينة. ويعني ذلك أن إضافة طفرة مُغيِّرة للدماغ -لا تحدث بشكل طبيعي بالفعل- سيكون بمثابة قفزة كبيرة في الظلام، قفزة يجب أن لا يسمح بها المشرعون أو أولياء الأمور أبداً.
و لكن من المؤكد أن تحرير الجينوم يمكن أن يقلِّل من فرص تعرض الأشخاص للعديد من أنواع الأمراض. وعندما يتضح أن الأطفال المُحرَّرين جينياً أكثرُ صحة بشكل عام ممن تم الحمل بهم بالطريقة التقليدية، وسيبدأ الاثرياء بتفضيل التعديل الجيني حتى وإن لم تكن هناك حاجة ملحة إلى قيامهم بذلك.
هل سيسمح ذلك للصفوة بمنح أطفالهم مزايا أخرى وتوسعة الفجوة الموجودة أصلاً بين الغني والفقير؟ محتمل جدا. ولكن لننهي المقالة بتنبؤ إيجابي: بحلول الذكرى المئة والعشرين لمجلة نيوساينتيست ستقوم العديدُ من الدول بتقديم خدمات التحرير الجيني بشكل روتيني وغير مثير للجدل لمن يريدون الإنجاب، وذلك استنادا إلى أن الفائدة من العلاج تفوق بكثير تكلفة العلاج طوال حياة الشخص.