حيلة الطاقة المتجددة تجعل الاحترار العالمي أسوأ
– خدعة الكربون العظيمة
– حيلة الطاقة المتجددة تجعل الاحترار العالمي أسوأ
– لا أستطيع رؤية أشجار الغابة
– السلام الأخضر
– بقلم: مايكل لو بيج
– ترجمة: آية علي
أكبر مصدر للطاقة “النظيفة” لا يحدّ من انبعاثات الكربون بالقدر الذي تدّعيه الأرقام الرسمية، كما أنّه يسبّب ضررا هائلا للفقراء وللحياة البرية ظاهريا، تتزعّم أوروبا حركة التصدّي لتغير المناخ Climate Change ، إذ إنها في طريقها للحصول على 20 ٪ من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020. لكن لا تَبْتَهِج بعد.
لماذا؟ لأن أكبر مصدر للطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي ليس واحدا من المصادر التي يتحدث عنها الجميع – كالرياح أو الطاقة الشمسية أو حتى المائية. كلّا، يحصل الاتحاد الأوروبي الآن على 60 ٪ من طاقته المتجددة من الوقود الحيوي؛ بعضها من المحاصيل المزروعة لإنتاج الوقود الحيوي السائل، لكن معظمها يأتي من النفايات الخشبيّة والأشجار المقطوعة.
وهذا يعني أن نحو 10 ٪ من الطاقة التي يستخدمها الأوروبيّون من أجل التدفئة والنقل والكهرباء ستأتي عمّا قريب من الغابات والمزارع. ويخشى العديد من أن هذا التوجه لاستخدام الكتلة الحيوي Biomass سيكون كارثيّا على الحياة البرّية، وسيؤدي إلى ارتفاع أسعار الطعام.
لكن الأكثر إثارة للصدمة هو أن هذا التوجه مبنيّ على افتراضات خاطئة. فموازنات الكربون Carbon balance sheets في البلدان المتقدمة تُخفي خدعة، خدعة قد يكون ضرر آثارها الطويلة الأمد أكثر بكثير من فضيحة الرهن العقاري التي أدّت إلى الركود الاقتصادي العالمي عام 2008.
بشكل عام، قد تُخفِّض الطاقة الحيوية Bioenergy انبعاثات الكربون مقارنة بالوقود الأحفوري، لكن ليس إلى الحد المُدَّعى. هذا لأن قوانين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تعني أن الدول ليست مطالبة بإحصاء كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة من حرق الوقود الحيوي.
يقول تيموثي سيرتشينغر Timothy Searchinger من جامعة برينستون: “يدّعي الأوروبيّون إلى حدّ ما حدوثَ انخفاضات غير حقيقة.”
هذه الخدعة المحاسبية تعني تفضيل الوقود الحيوي أحيانا على حساب أنوع أخرى من الطاقة المتجددة التي قد تكون أكثر منه فعالية في خفض الانبعاثات. إذ إن الطاقة الحيوية ليست إلا شكلا غير ناجع من الطاقة الشمسية. فهي تقتنص –في أحسن الأحوال- مجرد 0.03 ٪ من طاقة الشمس المتاحة، في حين أن الألواح الشمسية تلتقط ما يزيد على 10 ٪.
“يمكنك قطع غابات الأمازون بالكامل للحصول على الفحم،
وستدّعي أوروبا أنّ هناك انخفاضا في انبعاثات الكربون.”
والأسوأ من ذلك أن التحوال إلى الكتلة الحيوي -في بعض الحالات- يُنتِج في الواقع انبعاثات كربونية أعلى من الوقود الأحفوري. وبعبارة أخرى؛ يموّل دافعو الضرائب مشاريع تسرّع من عملية الاحترار العالمي.
هذه ليست قضية أوروبية فحسب، فأكبر مصدر للطاقة المتجددة في الولايات المتحدة هو الطاقة الحيوية كذلك. فمجموعات تجار الأخشاب -التي تزداد ثراء من بيع الأخشاب لأوروبا- يريدون من المشرعين القانونيين في الولايات المتحدة أن يستخدموا النظام المحسابي المَعيب نفسه. الخوف الأكبر هو أن تحذو حذوهم بلاد مثل أندونيسيا والبرازيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية فتبدأ بقطع أشجارها هي الأخرى لتوليد الطاقة. “إنه نوع من الجنون،” كما يقول سيرشينغر.
إذن لماذا يحدث هذا؟ عندما بدأ الباحثون بحساب إجماليّ انبعاثات الكربون العالمية، قرّروا إحصاء تلك المنبعثة من قطع الأشجار عند قطعها. ولتجنّب العدّ المضاعف قاموا بتجاهل ثاني أكسيد الكربون الناتج من الاحتراق.
وقد تم تبني المنهج نفسه أثناء محادثات الأمم المتحدة حول المناخ. إذ اعتبرت انبعاثات الكتلة الحيوية على أنها مُحايدة كربونيا Carbon neutral، ومن ثم لا تُحتسب في إجمالي الدولة. إلا أن “مجرّد الافتراض بأن الوقود الحيوي مُحايد كربونيا لهو من الحمق،” على حدّ تعبير بيتي سميث Pete Smith من جامعة إيدنبرغ بالمملكة المتحدة. (انظر: لماذا قد تكون الطاقة الحيوية سيئة).
نظريّا؛ إذا قُطعت غابة من أجل الوقود الحيويّ، فإنه يجب إيراد ذلك في بلاغ الاتحاد الأوروبي لجرد غازات الدفيئة EU’s greenhouse gas inventory المتحدة على أنها انبعاثات بسبب التغيّر في استخدام الأرض، كما يقول جون فان آردين John van Ardenne من وكالة البيئة الأوروبيّة European Environmental Agency. لكن الدول المتقدمة غير مضطرة إلى ذكر التغيّرات في استخدام الأرض وفقا لنظام الأمم المتحدة، وهناك العديد من الثغرات، حتى أن الدول المتقدمة نادرا ما تحتسب الانبعاثات بصورة صحيحة.
خصوصا، لا تذكر الدول التغيّرات الحقيقية في مخزون الكربون Carbon stocks بل تذكر التغيّرات التي يتوقعونها. كما أن معظم الدول المتطورة قد أدرجت الطاقة الحيوية ضمن توقّعاتهم بالفعل كي لا يضّطروا إلى ذكر هذه الانبعاثات عندما تحدث.
ويقول سيرشينغر: “إنّه خطأ حسابي أساسي، فيمكنك قطع غابات الأمازون بالكامل للحصول على الفحم، وستدّعي أوروبا أنّ هناك انخفاضا في انبعاثات الكربون.”
وهو خطأ ذو عواقب وخيمة. إذ يدعم الافتراض بأن احتراق الوقود الحيوي مُحايد كربونيا هو هدف الأمم المتحدة للطاقة المتجددة عام 2020، وهو ما يدفع توسعا ضخما في الطاقة الحيوية مدعوما بمئات ملايين اليوروات من أموال دافعي الضرائب. نحن نتحدث أكثر بكثير عن الرياح والطاقة الشمسية، لكنّهما تقدّمان نحو 20 ٪ من طاقة الاتحاد الأوروبي المتجددة. (انظر الشكل البياني.)
ومن غير المعروف كم من مصادر الطاقة المتجددة يتم استيفاؤه من مصادر الطاقة الحيوية، كما يقول ديفيد جوف David Joffe من اللجنة البريطانية للتغيرات المناخية UK Committee on Climate Change، والذي تستشيره الحكومة البريطانية بشأن كيفية تحقيق أهدافها حول الانبعاثات. ويتابع قائلا: “القوانين ليست صارمة بما فيه الكفاية لتأكيد استدامتها Sustainable.”
هناك جهود كثيرة لتغيير ذلك، ومنها على سبيل المثال: تشريع الاتحاد الأوروبي لقوانين تحدّد وجوب تخفيض الوقود الحيوي للانبعاثات بكمية محدّدة. لكن هذه القواعد لا تنطبق على الخشب – أكبر مصدر للكتلة الحيوية- كما أن هناك عيوبا رئيسيّة في الطريقة التي تُحسب بها الانبعاثات.
إحصاء الكربون
كان حساب الانبعاثات عن طريق مقارنة آثار حصاد الكتلة الحيوية بحالة الغابة الحاليّة ممارسة قياسيّة. لكن إذا تُركت الغابات وشأنها، فإن مخزون الكربون عادة ما سيتزايد. وإذا ما أُدرج هذا السيناريو، فإن تقدير الانبعاثات سيكون أعلى من ذلك بكثير.
يتجادل الناس حول الأرقام، وهي تتباين إلى حد كبير بناء على الافتراضات التي يفترضها الشخص، لكن الرسالة النهائية واضحة كما يقولها نيكولاس فورسيل Nicklas Forsell من المعهد الدولي لتحليل النُّظم التطبيقية International Institute for Applied Systems Analysis في فيينا بالنمسا، وهي: “إذا حَرَقْت مواد أوليّة مُعيّنة -وليست في مجملها مواد أولية- فإنك ستطلق كمية كربون أكبر مما تُطلقه لو كنت تحرق فحما.”
كما تُخفق القوانين الحالية كذلك في إحصاء الآثار غير المباشرة، ومنها مثلا: إذا استُخدِم الخشب متدني النوعية Low-grade wood – والمستخدم حاليا في صناعة الورق – لتوليد الطاقة عوضا عن ذلك، فسيضّطر منتجو اللباب الورقي إلى إيجاد مصادر للخشب من أماكن أخرى. ومما يزيد الضغط على الغابات.
إن تجاهُل مثل هذه الآثار قد يجعل بعض أشكال الطاقة الحيوية تبدو جيّدة نظريا، في حين أنها في الواقع تزيد من انبعاثات الكربون وتدفع إلى إزالة الغابات.
على سبيل المثال: ختمت المفوضيّة الأوروبية تقريرها في ديسمبر عام 2015 بالقول إن استخدام المزيد من الطاقة الحيويّة قد يساعد على التقليل من الانبعاثات، لكنها تفترض إمكانية تجنّب الآثار غير المباشرة.
ومع ذلك، فقد وَجد التقرير أنه إذا ما استمر التوسع في استخدام الكتلة الحيوية من الغابات -ففي عام 2030 بدلا من الانخفاض- ستكون هناك زيادة صافية Net increase في انبعاثات الكربون بسبب هذا الشكل من أشكال الطاقة الحيوية.
إذن، ما نسبة الطاقة الحيوية التي تزيد الانبعاثات بدلا من خفضها؟ لا أحد يعلم. وكما يقول جوف “هذا جزء من المشكلة.”
ولم نقم سوى بالقليل حيال ذلك. قبل عدة سنوات، تجاهلت الحكومة البريطانية نتائج علمائها الذين قالوا إن العديد من أشكال الكتلة الحيوية من الغابات تزيد من الانبعاثات الكربونية. ويقول سيرشينغر: “لقد تجاهلوها لأنهم التزموا بالأمر بالفعل، ولأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون غير ذلك.”
إن الاتحاد الأوروبي بصدد وضع استراتيجيته للطاقة المتجددة لما بعد عام 2020، ومن المُتوقع أن تُصدر اقتراحات لجعل الطاقة الحيوية أكثر استدامة، وذلك في وقت لاحق هذا العام. إلا أن المنظمات غير الحكومية مثل أوكسفام Oxfam و الصندوق العالمي للطبيعة WWF تدعوان إلى إصلاحات شاملة، بما في ذلك حساب أفضل للكربون، لكن المُرجح أن نحصل على مجرد تعديلات بسيطة غير فعّالة.
إذا استخدمت الشركات طُرقا محاسبية معيبة لحساب النتائج الماليّة، فإننا سنسمّي ذلك احتيالا. كذلك، فإن ادّعاء الدول تخفيض الانبعاثات بناء على حسابات معيبة يمكن وصفه بالاحتيال بالتأكيد. وعلى المدى البعيد سيسبّب أذى أكبر بكثير من الذي تسببت به البنوك.
لماذا قد تكون الطاقة الحيوية سيئةً
لنفترض أن شخصا ما حرق شجرة بلوط قديمة موجود في حديقته منذ خمسين عاما لتدفئة منزله.
فالخشب وقود سيئ مقارنة بالفحم، إذ يُنتج المزيد من ثاني أكسيد الكربون لكل وِحدة حرارة ناتجة. كما سينطلق المزيد من ثاني أكسيد الكربون من الجذور المتعفنة المتروكة في الأرض. إذن، فحرق الشجرة سيضع كمّية ثاني أكسيد كربون في الغلاف الجوي أكثر بكثير من حرق الفحم لإنتاج كميّة الحرارة نفسها.
وإذا ما زُرعت شجرة أخرى، فإنها ستمتصّ كمية ثاني أكسيد الكربون تلك بعد نصف قرن أو نحوه. لكن، إذا تُركت الشجرة الأصلية لتنمو فإنها قد تمتص كل كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة من الفحم، بل وأكثر. ويعني هذا أنه ستمضي قرون قبل أن تكون هناك أي فائدة لحرق الخشب بدلا من الفحم.
إذن، إذا كان الهدف هو الحد من انبعاثات الكربون في العقود القادمة – وهو ما يجب علينا فعله ليكون لنا أي فرصة للحد من الاحتباس الحراري لما يقارب 3 درجات مئوية – فإن حرق الأشجار خيار سيئ.
بعضٌ من الأشجار أمر جيد إن العالم الحقيقي أكثر تعقيدا بكثير. إذ تخفف كثافة بعض الغابات للحد من خطر الحرائق، ومن ثمّ تُحرق تلك الأشجار المقطوعة على قارعة الطريق. وتوليد طاقة من هذه المخلَّفات قد يحقق فعلا انخفاضا فوريا للانبعاثات.
ومع ذلك، فإن تخفيف كثافة الغابات البِكر يخفض مخزونها من الكربون، فيزيد من ثم الانبعاثات قصيرة الأمد. وإذا أردنا أن ندع الكربون محبوسا في الغابات وخارج الغلاف الجوي، فمن الأفضل لنا أن ندع الأشجار تنمو.
طُبع هذا المقال تحت عنوان “ خدعة الكربون العظيمة”.
نشرت المقالة في مجلة نيوساينتست، العدد 3092، 24 سبتمبر 2016
المصدر: http://www.newscientist.com