كيف نفكّر بشأن عام 2076
تقرير خاص: العالم في 2076
كيف نفكّر بشأن عام 2076
بقلم: سوميت بول تشودري
ترجمة: آية علي
هناك وصف شهير للصحافة على أنها «أول مسودة فَضَّة أولية للتاريخ». لكن صحافة مجلة نيوساينتست – والتي بلغ عامها الستين في نوفمبر 2016 – مختلفة بعض الشيء، فنحن نهدف إلى تقديم أول مسودة فضّة أولية للمستقبل. ولم نكتب على مدى السنوات الستين الماضية أخبارا عن الاكتشافات والاختراعات الجديدة في مجال العلوم والتكنولوجيا وحسب، إنّما حاولنا شرح أهميتها والمسارات التي قد تؤدي إليها. وهذا ليس بالشيء اليسير، فقد تكون هناك خطوط رفيعة جدا بين التنبؤات القابلة للاختبار والتوقعات المبنية على العلم، وبين أسراب الخيال.
تحتوي العديد من الأعداد المبكّرة لنيوساينتست على تنبؤات لأفكار وقضاياها كانت ستتحقق -بشكل مخيف- وتغيّر العالم؛ تلك هي المسودة التحضيرية للمستقبل. ونأمل بأن ينطبق الأمر كذلك على ما ننشره اليوم. لكنها تظل مسودة فضّة أولية إلى حد كبير: بالأمس واليوم، ما محاولةُ التنبؤ بتفاصيل المستقبل إلا مغامرة لا طائل منها تقريبا.
الإنترنت، الاحترار العالمي، الذكاء الاصطناعي، الهندسة الوراثية، كلّها أمور كنّا قد أخذناها بعين الاعتبار عام 1956، لكنّ أفكارنا التي طرحناها بشأن الطريقة التي قد تنجح بها هذه الأشياء لم توافق كثيرا الطريقة التي تطورت بها في الواقع، لا سيّما ما يتعلق بتداعياتها الاجتماعيّة. ولم تخلق المعلومات الموجودة في كل حدب وصوب يوتوبيّات عقلانية ولم تقضِ الكوارث البيئية على معظم تعدادنا السكاني، كما أنه ليست لدينا آلات – أو بشر – خارقين، على الرغم من أننا ماضون في ذلك الطريق.
هل نستطيع أن نأمل اليوم بتوقّع أفضل من السابق؟ إحدى طرق تحقيق ذلك هي ببساطة الاستقراء، أو بعبارة أخرى: النظر إلى ما يحدث الآن وافتراض أن المسارات سوف تستمرّ باتجاهها. وتعمل هذه الطريقة بشكل جيد حينما نتوقع من النظام أن يظل خاضعا للمبادئ نفسها. ولا تتغير ميكانيكا الأجرام السماوية كثيرا؛ لذا يمكننا التنبؤ بثقة بأن مذنب هالي سيعود إلى سمائنا في عام 2061.
ولكن مع ازدياد تعقيد النظام، فإن التنبؤ الدقيق بالمستقبل يغدو أكثر صعوبة. فالتنبؤ بالأحوال الجوية على المدى الطويل مثلا شيء صعب بشكل مرعب. وعندما نفكر في التغير الاجتماعي يصبح ذلك أصعب بكثير. فهناك عوامل أكثر بكثير يتعين أخذها بعين الاعتبار، وهي عوامل تتكشف لنا بطرق متفاعلة ومعقدة. لذا، يفشل الاستقراء الخطّي دائما؛ إنه النوع من التفكير الذي قاد الناس إلى القول مازحين: أين مركبتي النفّاثة؟ وهو سؤال يعكس اتجاهات ما بعد الحرب في التنقل وسباق الفضاء – وكليهما غير ذي صلة بزمننا الحالي.
وفي بعض الدوائر، أعطى الاستقراء مجالا للنزعة الاطراديّة exponentialism، وهو اعتقاد أن ما يحدث لن يستمر بالحدوث وحسب، بل إنه سيحدث بصورة أسرع. وقد رفع أنصار هذا الرأي قانون موري -الذي ينص على أن تعقيد معالجات الحاسوب يتضاعف كل عامين- إلى وضعية قانونٍ طبيعي يحكم أنواعا متباينة من الأشياء.
اِقبل هذا وسيولد نتائج مذهلة في وقت قصير بشكل مدهش. وسينتهي بك الأمر بحدث تكنولوجي منفرد Technological singularity، وهو مرحلة ستخلق فيها الآلات فائقة الذكاء عصرا من التقدم التكنولوجي الجامح وذي عواقب مبهمة. ولعل هذا هو أكثر تغيّر تحويلي يمكن تصوره عبر الستين عاما القادمة.
ومهما كانت قيمة ذلك فعليا، فأنا لا أعتقد أن هذا سيحدث في أي وقت قريب، ويوافقني على هذا العديد من الباحثين في الذكاء الاصطناعي (انظر: العالم في 2076: الأجهزة ستكون أذكى منا ولكننا سنظل في القمة). إن قانون موري ليس قانونا طبيعيا، بل نبوءة تحقق ذاتها، وقد استمرت لأن الأفراد سعوا جاهدين إلى تحقيقها. وهاهم الآن قد بدؤوا يعانون بسبب تدخُل القوانين الطبيعية الحقيقية. وعلى الرغم من أن الوتيرة الحالية لأبحاث الذكاء الاصطناعي تسير بشكل مذهل، إلا أنني أتوقع ظهور عقبات في ذلك الطريق أيضا.
إذن، فالتنبؤ والتوقع محدودان؛ فهما جيّدان إلى حدا ما إذا أردت وضع طلبيات شرائح أشباه الموصلات Semiconductors، لكن ليس إذا أردت معرفة الكيفية التي تُغير فيها هذه الوحدات المجتمع.
إذن، هل من العبث التفكير في المستقبل؟ ليس تماما. إننا محكومون بالخطأ في معظم الأمور – على الرغم من اعتراض بعض علماء التنبؤ بالمستقبل على هذا الاتجاه. ولكن ربما قد نتوقع ما يكفي من الأمور الصائبة لصنع فرق.
إن نيو ساينتست إصدار متفائل. فنحن نعتقد أن بإمكان المستقبل أن يكون أفضل حالا مما هو عليه اليوم. لكننا لا نبالغ في التفاؤل غير الواقعي، فنحن لا نصرّ ببساطة على المكوث في أفضل العوالم الممكنة، بل نعتقد أننا يجب أن نجعلها كذلك. وهذا ما سعت الإنسانية جاهدة إلى فعله. ولن ننجح إلا إذا فكّرنا في المستقبل.
وبهذه الروح، ننغمس باستمتاع ببعض التخمينات هذا العدد المبنيَّة على العلم بشأن ما قد يحدث على مدى السنوات الستين المقبلة. لقد اخترنا بعض السيناريوهات التي تبدو اليوم معقولة من الخارج– مما يعني أنها قد تبدو ساذجة غدا مثل المركبات النفاثة المحمولة على الظهر. ربما يجب عليك التفكير في هذا كدليل لما لن يبدو عليه حال المستقبل بكل تأكيد تقريبا.
https://www.newscientist.com/article/mg23231000the-future-and-it-will-blow-your-mind/