العلماء يبدؤون بتحليل رئاسة ترامب
أخبار بالتفصيل
السياسة الأمريكية
مخاوف حول أبحاث العلوم الاجتماعية والمناخ، آمال بتعزيز البنية التحتيّة.
بقلم: جيفري ميرفيس
أحدث فوز دونالد ترامب المفاجئ على هيلاري كلينتون الأسبوع الماضي تغييرا عميقا في المشهد السياسي الأمريكي. ولم يكن العديد من العلماء أقل ارتباكا بسبب النتيجة من غيرهم؛ النتيجة التي سلَّمت البيتَ الأبيض على طبق من ذهب إلى رجل يعارضه الكثير من الأكاديميّين، وحافظت على سيطرة الجمهوريين على كلٍّ من مجلسي الشيوخ والنوّاب.
وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأت المؤسسة العلمية بالاتحاد وراء رسالة مشتركة: لا تجبَنوا ولا تفترضوا الأسوأ. واصلوا إخبار الإدارة والكونغرس القادمين بأهمية الأبحاث العلمية ومساهمتها في ازدهار الأمة وأمنها.
وينبع الشعور المجتمع العلمي الأوّلي اليائس من تعليقات ترامب العامّة المُشكِّكة في صحة مفاهيم علمية أساسية مثل التطعيم وتغيّر المناخ، إضافة إلى عدم وجود أي مستشار ذي معرفة علمية في فريق حملته الانتخابية. “مدفوعون بالحذر بشأن دعم ترامب للعلوم؛ سيراقب المجتمع العلمي عن كثب لمعرفة ما إذا كان الرئيس ترامب قادرا على تجاوز خطاباته السابقة وإيجاد وسيلة لإثبات أنه سيحترم العلم وسيأخذه على محمل الجد،” كما يقول توبين سميث Tobin Smith، نائب الرئيس للسياسات في رابطة الجامعات الأمريكية Association of American Universities، وهو اتحاد يقع مقره واشنطن، ويُعدٌُ من أفضل الجامعات البحثية في البلاد.
وأحد الأمور المثيرة للقلق هي كيفية ممارسة الرئيس الجديد لسلطاته التنفيذيّة الهائلة. فبِجرّة قلم، يستطيع ترامب مثلا أن يمحوا الأوامر التنفيذية من عهد أوباما التي أصدرها لتخفيف القيود على أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، أو أن يقوّض أنظمة رفيعة المستوى تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة وحماية الممرات المائية الصغيرة.
من الأمور الأخرى المثيرة للقلق هو أن رئيسا جمهوريا هو أقل احتمالا في أن يهدِّد باستخدام حق النقض ضد تشريعات يصدرها كونغرس جمهوريّ. إذ إن مثل هذا التهديد غالبا ما يكون كافيا لعرقلة تشريعٍ ما قبل وصوله إلى المكتب البيضاوي. فقد اعتاد الرئيس باراك أوباما في السنوات الأخيرة على محاربة مقترحات عارضها المجتمع العلمي أيضا، بما في ذلك خطط لتغيير مراجعة الأقران في المؤسسة الوطنيّة للعلوم National Science Foundation (اختصارا: المؤسسة NSF) ، والحدِّ من أبحاث الأرض والبيئة والعلوم الاجتماعية التي تمولها المؤسسة NSF ووكالة ناسا، وإضعاف القوانين البيئية. وإضافة إلى ذلك، فإن أوباما قد صوّت في الحقيقة لصالح عشرات القوانين، يتضمّن ثلثاها أمورا متعلقة بالمناخ والبيئة.
فهنالك مسألة التأثير الذي ستحدثه إدارة ترامب في التمويل الاتحادي للأبحاث. فالأخبار المشجعة هي أنه وبغض النظر عن الحزب الذي يتحكم في البيت الأبيض والكونغرس، فإن الإنفاق على العلم قد ظل ثابتا منذ عقود كجزء من الميزانية الاتحادية العامة – نحو 10 ٪ من الإنفاق التقديري للأغراض غير الدفاعية، كمقياس واحد مشترك. إضافة إلى أن مجالات مثل الأبحاث الطبيّة الحيويّة تتمتّع بتأييد واسع من الحزبين. لكن مجالات أخرى – بما في ذلك مجالات المناخ والعلوم البيئية الاجتماعية – لا تحظى بشعبية واسعة بين العديد من الجمهوريين، ومن المحتمل أن يتمّ الضغط عليها.
لكن التاريخ قد أظهر أن سيطرة الحزب نفسه على كل من البيت الأبيض والكونغرس لا يضمن الانسجام التشريعي. ويمكن للخلافات الحادة أن تنشأ بعد ترجمة قائمة أولويات ترامب الأولية: خلق فرص عمل، والحد من الهجرة، وإلغاء واستبدال قانون الرعاية الطبية ذي الأسعار معقولة – إلى مقترحات بقانون. يُمكن حتى لبعض أهداف ترامب أن تخلق فُرصًا لدعاة العلم وحُماتِه، مثل تعهد حملته بضخّ مئات البلايين من الدولارات لإصلاح الطرق والجسور والموانئ والمطارات وشبكات السكك الحديديّة. إذ ترغب المجموعات العلمية في إدراج البُنية التحتية الإلكترونية والعلمية ضمن أي قانون.
وزيادة الإنفاق على البنية التحتية هو أمر جذّاب بالنسبة إلى الأعضاء من كلا الحزبين. “ أي شيء يشجّع على النمو الاقتصادي ويخلق فرصا للعمل سيجعل أمريكا أفضل،” كما يقول زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري السابق ترنت لوت Trent Lott، وهو الآن زميل بارز في مركز سياسة الحزبين Bipartisan Policy Center في العاصمة واشنطن. لكن لوت وآخرين يقولون إن إيجاد وسيلة لتأمين تكاليف أي برنامج بنية تحتية سيكون نقطة خلاف رئيسيّة.
وإذا حُلّت هذه المشكلة، فإن قانون البنية التحتية قد يكون أفضل فرصة لمناصري العلوم لتأمين ارتفاع قصير المدى في التمويل الاتحادي للأبحاث. ويستندون في ذلك على نموذج حزمة التحفيز الاقتصادي لعام 2009 التي صدرت بعد تولّي أوباما لمنصبه بفترة وجيزة، حيث شملت 21 بليون دولار للعديد من وكالات الأبحاث.
وفي غياب مبادرات مماثلة فإنه من المرجّح أن يظلّ الإنفاق العلمي ضئيلا. ومن الأسباب الرئيسية لذلك هو قانون عام 2011 الذي يهدف إلى الحد من العجز في الميزانية الفيدرالية على مدى عشر سنوات من خلال بقاء الحدّ من الإنفاق التقديري العام ساري المفعول. وقد تسبب هذا القانون بخفض واسع النطاق في الإنفاق عرف باسم العزل Sequestration في عام 2013، ولم تتقلّص سياسة خفض العجز منذ ذلك الحين.
وقد يحاول ترامب تعديل ذلك القانون لتعزيز الإنفاق للأغراض العسكرية، الشيء الذي يرغب فيه أيضا العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريّين، دون زيادة الميزانيات المحلّية كذلك. إن أي زيادة في الإنفاق الدفاعي سيتطلّب – تحت القانون الحالي – خفضا في البرامج المحلّية: الفئة التي تشمل كل وكالة علمية خارج قسم الدفاع والأمن القومي. سيعارض معظم أعضاء الكونغرس الديمقراطيين هذه الحركة بشدة، ولديهم في مجلس الشيوخ الأصوات اللازمة للرفض وهي 40 صوتا (على افتراض أن الأغلبية الجمهوريّة لن تغيّر القواعد المسمّاة بـ “قواعد التعطيل”).
وستضطر الإدارة الجديدة في مرحلة ما إلى الإدلاء بدلوها بشأن الخلاف بين مجلسي النواب والشيوخ الجمهوريّين حول نهج المؤسسة الوطنية للعلوم في تمويل الأبحاث. وقد أثار النائب عن ولاية تكساس في مجلس النواب لامار سميث Lamar Smith غضب الكثير من العلماء حين كتب تدابير لإعادة تفويض المؤسسة الوطنيّة للعلوم تقترح تخفيض التمويل لعلوم الأرض والعلوم الاجتماعية، إضافة إلى تغييرات في نظام المؤسسة NSF لمراجعة الأقران، من أجل اختيار أفضل الأفكار. يقول سميث إنه لا يريد سوى استخدام الأموال الشحيحة أفضل استخدام، في حين يقول العلماء أنه يريد فرض آرائه على آراء الخبراء. وقد هدّدت إدارة البيت الأبيض في عهد أوباما باستخدام حق النقض ضد تشريع سميث لأنه “قد يلقي بظلال على قيمة الأبحاث الأساسية… ولن يضيف شيئا من حيث مسؤولية التمويل الاتحادي للبحث العلمي، في حين أنه يضيف – بلا داع – أعباءً بيروقراطيّة.”
كما لم يتبنَّ مجلس الشيوخ بدوره رؤية سميث. بل إنه وعوضًا عن ذلك، فإن لجنة مجلس الشيوخ قد أيدت في يونيو الماضي ممارسات المؤسسة NSF في نسختها الخاصة لقانون إعادة التفويض. وتأمل جماعات الضغط العلمية بأن تسود نظرة مجلس الشيوخ في المفاوضات الجارية، وذلك لتسوية الخلافات بين الهيئتين.
وبالنظر إلى الصورة الكبيرة، فإن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من العلم لا يزال لغزًا. لم يعلن بعد فريق ترامب الانتقالي عن الشخص المسؤول عن مراجعة السياسات والتعيينات في وكالات العلوم الأساسية، بما في ذلك: المعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health، والمؤسسة NSF ووكالة ناسا. “لا يعني هذا أن ييأس مناصرو العلم” كما يقول أحد أعضاء جماعات الضغط جولي ويدر Joel Widder من شركاء العلوم الاتحادية Federal Science Partners في العاصمة واشنطن. “إلى أن نعرف من الذي سنتحدث إليه (في المرحلة الانتقالية لإدارة ترامب) فإني سأُبقي الرسالة بسيطة: يولّد دعم الأبحاث الأساسية المعرفة الجديدة التي يمكن أن تغذي النمو الاقتصادي وتوفّر المواهب التي تحتاج إليها الصناعة،” كما يقول ويدر، عضو الكونغرس ومدير الشؤون الحكومية السابق -ولوقت طويل- لدى المؤسسة NSF.
يقدّم ويدر النصيحة ذاتها للذين يخشون من مماطلة ترامب أو اختياره لشخصٍ لا يتمتّع بتقدير كبير في المجتمع العلمي. وسواءً كان هذا مقبولا أم لا فإن ساسة العلم يعتقدون أن التأخير الطويل في تعيين أحد يعني أن العلم أمرٌ ثانوي – أو أسوأ من ذلك – لدى إدارة الرئيس الجديدة. ويقول ويدر حول إدارة ترامب: “ أعتقد أنهم سيستطيعون إيجاد شخص ذي مكانة (جيّدة) في نهاية المطاف … أنا فقط لا أعتقد أنهم يضعون هذا الأمر على رأس قائمة الأشياء التي سيفعلونها في الوقت الحالي.”
حتى إن ديفيد غولدستون David Goldston– من مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية Natural Resources Defense Council في العاصمة واشنطن، ورئيس الأركان السابق للجنة العلمية في مجلس النوّاب – يقترح أن العلماء قد يكونون أكثر سعادة إذا لم يختر ترامب اسم شخص ذي سلطة بعيدة المدى من أجل تنسيق سياسة البحث، ويقول: “إن الإهمال ليس نتيجة سيئة دوماو إذا كان يعني المزيد من المرونة للوكالات العلمية.”
مع تقديم المزيد من المعلومات من هيئة تحرير أخبار ساينس
ترجمة: آية علي
تجمّد أطول للإنفاق؟
بقلم: جيفري ميرفيس
عاد الكونغرس هذا الأسبوع من “جلسة البطة العرجاء” Lame-duck session [الفترة الأخيرة من أي منصب انتخابي ولا يمكن للنائب بعدها أن يترشح لولاية ثانية] والمتوقع أن يهيمن عليها الجدل بشأن الإنفاق للسنة المالية الجديدة 2017 التي بدأت في الأول من أكتوبر. وقد تجمّدت حاليًّا كل ميزانيات الوكالات عند مستويات عام 2016 تحت ما يسمّى بقرار الاستمرارية Continuing Resolution، كما يجب على المشرّعين الجمهوريين أن يقرّروا ما إذا كانوا سينتهون من العمل على ميزانية 2017 قبل رأس السنة ووضع مستويات محدّدة لكل وكالة، أو أنّهم سيمدّدون قرار الاستمرارية حتى يوم التنصيب، وهو 20 يناير 2017.
ويحظر قرار الاستمرارية بدءَ برامج جديدة أو توسيع مبادرات قائمة. ففي المعاهد الوطنية للصحة -على سبيل المثال- سيؤدي التجميد إلى مماطلة مبادرات أوباما رفيعة المستوى في الطب الوقائي وعلم الأعصاب والسرطان. أما في قسم الطاقة، فإنه سيؤدي إلى تأخير زيادات الإنفاق المقترحة على الحوسبة عالية الأداء وتجربة نيوترينو جديدة.
وتواجه المؤسسة الوطنية للعلوم سيناريو أكثر تعقيدًا؛ فهي تودّ بناء سفينتين متوسّطتي الحجم لتطوير أسطول الأبحاث الأكاديميّة. وقد رفضت اللجنة الإنفاق في مجلس النواب تمويل الطلب، بينما تريد لجنة الإنفاق في مجلس الشيوخ بناء ثلاث سفن. لن يؤدي قرار استمرارية آخر إلى تأخير المنشآت وحسب بل سيؤدي إلى إطالة حالة عدم اليقين بشأن عدد السفن التي سيتم بناؤها. وقد زاد انتخاب ترامب من فرص استمرار قرار الاستمرارية إلى أمد طويل، على الرغم من أن الرئيس المنتخب لم يعبّر بعد للصحافة عمّا يفضّل.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.
http://www.sciencemag.org