أحفورة أوراق نباتية تشهد على مستويات ثاني أكسيد الكربون القديمة
بقايا تحذر من أن المناخ قد يكون أكثر حساسية لغاز ثاني أكسيد الكربون الجوي مما تتوقعه النمذجات
بقلم: Eric Hand
عندما يتعلق الأمر بثاني أكسيد الكربون والمناخ، فإن الماضي هو تمهيد لما سيأتي. فمن المؤكد أن غاز ثاني أكسيد الكربون الجوي سيزداد ويزداد مفاقما الاحترار العالمي، إلا إذا كان هنالك تغير جذري في استهلاك البشرية الشره للوقود الأحفوري، لكنها لن تكون المرة الأولى التي يزداد فيها غاز ثاني أكسيد الكربون. ففي الغلاف الجوي القديم للأرض، يشاهد العلماءُ الآثارَ الباهتة لتقلبات مستويات ثاني أكسيد الكربون، متزايدا ومتناقصا على فترات طويلة في نوبات متكررة من التغير المناخي. وتقول دانا روير Dana Royer عالمة في المناخ القديم بجامعة ويزليان Wesleyan University في ميدلتاون كونيتيكيت: “كل جزء صغير في ماضي الأرض هو تجربة مكررة، تساعدنا على أن نفكر إلى أين نحن متجهون في المستقبل القريب.”
لو كان بالإمكان فقط رؤية المستقبل بشكل أكثر وضوحا، ذلك أن نمذجات الأغلفة الجوية القديمة والأدوات المستخدمة لتحري مستويات ثاني أكسيد الكربون القديم من الأحافير والصخور كلها محدودة فيما يمكنها أن تقدمه. أما الآن، فإن العلماء طوروا طريقة جديدة للحصول على تقديرات لمستويات ثاني أكسيد الكربون من أحافير أو مستحاثات الأوراق النباتية، وهي طريقة يمكنها أن تتعمق أكثر في الماضي، وبدقة أكبر.
ويقول ديفيد بيرلينغ David Beerling عالم مناخ حيوي في جامعة شيفيلد University of Sheffield في المملكة المتحدة والذي ساعد على تطوير تقنية تبادل الغاز في الأوراق الأحفورية: “هذه التقنية واعدة جدا في الوقت الحالي، وهي على الأرجح أفضل أداة لدينا”، وهذه التقنية تحل الآن ألغازا قديمة في مجال المناخ، وتقدم بعض الأخبار غير المفرحة حول المستقبل.
وفي اجتماعٍ الشهر الماضي للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي American Geophysical Union في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، قام رائد آخر من رواد التقنية وهو بيتر فرانكس Peter Franks عالم فيزيولوجيا النباتات من جامعة سيدني University of Sydney في أستراليا بتوجيه التقنية نحو أحد تلك الألغاز وهو الوقت القصير الذي تلا اصطدام كويكب بالأرض والذي قتل الديناصورات قبل 66 مليون سنة. فقد كانت الغابات المدارية تنمو في المناطق المعتدلة، لكن الدراسات السابقة اقترحت أن مستويات ثاني أكسيد الكربون كانت نحو 350 جزءا في المليون ppm، وهي أقل من مستوياته اليوم ويبدو أنها أخفض جدا من أن تسبب احترارا عالميا. ووفقا لتحليل تبادل الغاز في أوراق أحفورية من منطقة كانت سابقا غابة مدارية في كاسل روك قرب دنفر، توصل فرانكس وزملاؤه إلى أن الغلاف الجوي بعد 1.5 مليون سنة من اصطدام الكويكب كان يحوي من غاز ثاني أكسيد الكربون ما نسبته 650 جزءا في المليون، وهو مستوى معقول جدا وأكثر منطقية من السابق.
لكن عند تطبيق هذه الطريقة على الفترات بين 100 مليون و400 مليون سنة الماضية، وجد فرانكس أدلة على رسالة تحذيرية، ويقول فرانكس إنه خلال فترات موثقة من الاحترار العالمي، كشف المنهج عن مستويات منخفضة نسبيا من ثاني أكسيد الكربون، وهي بعيدة تماما عن القياسات التي قدرتها مناهج أخرى على أنها كانت 2000 جزء في المليون أو أكثر.
فإذا استمرت هذه النتائج بالانخفاض، فقد تكون الأرض حساسة لازدياد ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تتنبأ به النمذجات الحالية، إذ يقول فرانكس: “ستتابع درجات الحرارة ارتفاعها أكثر فأكثر كلما قلَّ الكربون، ومن الأفضل لنا أن ندرك ذلك.”
ويستخدم علماء الجيولوجيا مناهج تفصيلية لرسم صورة مناخ الأرض القديم. وبالنسبة إلى الحرارة فإنهم يقيسون عادة نظائر الأكسجين في الصخور الكربونية المتشكلة من أصداف وقشور كائنات بحرية صغيرة جدا عاشت سابقا قرب سطح البحر، فعندما تنخفض درجات الحرارة تميل الحيوانات إلى دمج نظائر أثقل من الهيدروجين في قشرتها، مما ينتج من هذه القياسات نتائج موثوق بها لدرجات حرارة سطح البحر التي تقارب وتتوافق جيدا مع درجات حرارة الغلاف الجوي، يقول فرانكس: “هذه التقديرات جيدة جدا، لكن ثاني أكسيد الكربون هو المشكلة الأصعب.”
أما بالنسبة إلى 800000 سنة الماضية، فيمكن قياس مستويات ثاني أكسيد الكربون بطريقة مباشرة نوعا ما، وذلك في فقاعات الهواء المحتجزة في لب القطع الجليدية المُستخرجة من القارة المتجمدة الجنوبية أو غرينلاند. لكن بالنسبة إلى الفترات الأقدم، يبحث العلماء عن نمذجات أو وسائط أخرى. فالنمذجات تعيد تشكيل ثاني أكسيد الكربون معتمدة على العمليات الجيولوجية التي تؤثر في دورة الكربون طويلة الأمد. قبل أن يوجد البشر على سطح الأرض، كانت البراكين مسؤولة عن إنتاج معظم ثاني أكسيد الكربون، بينما كان ثاني أكسيد الكربون يُزال من الجو نتيجة لدفن المواد العضوية (كمناجم الفحم الحجري) وتعرضِ الصخور للعوامل الجوية وتشكل الحجر الكلسي. عبر إعادة حركة الصفائح التكتونية للخلف وتتبع مناطق واسعة من النشاط البركاني والنمو النباتي وتأثير العوامل الجوية، تمكن العلماء كالراحل بوب بيرنر Bob Berner من جامعة ييل Yale University من وضع مخطط لتزايد وتناقص مستويات ثاني أكسيد الكربون على مدى مئات ملايين السنين، إلا أن هنالك هوامش خطأ كبيرة في منحنياتهم البيانية.
أما الوسائط الأخرى، فهي على النقيض مما سبق، إذ تحصر هذه الوسائط تقديرات مستويات ثاني أكسيد الكربون القديمة بالملاحظات الحقيقية، إذ استخدمت مجموعة من هذه المواد من أجل مقايسة آخر 100 مليون سنة (انظر الرسم البياني). أما بالنسبة إلى الحقبات الأكثر قدما، فيعتمد علماء الجيولوجيا على التربة الأحفورية paleosols أو الأوراق الأحفورية، حيث تحتوي بعض هذه الترب القديمة على عقيداتٍ من كربونات الكالسيوم المترسبة إضافة إلى أجزاء صغيرة من مواد عضوية يمكن عن طريقها معرفة مستويات ثاني أكسيد الكربون الجوي، لكن على الرغم من كونها محددات حساسة لمستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة، فإن هذه الترب القديمة ليست جيدة عندما تكون المستويات أقل من بضع مئات الأجزاء من مليون.
وفي ثمانينات القرن العشرين، برزت أول طريقة تعتمد على المسامات النباتية stomata -وهي فتحات صغيرة تسمح بدخول ثاني أكسيد الكربون إلى ورقة النبات، حيث يثبت في جزيئات السكريات عبر عملية البناء الضوئي، إذ تميل النباتات لتقليل عدد مساماتها عندما تكون هناك وفرة في غاز ثاني أكسيد الكربون، لأن الماء يتبخر أيضا عبر هذه المسامات، ويجب أن تحفظ النباتات ماءها فلا تخسر الكثير، لكن عدد المسامات في كل فصيلة يستجيب لتزايد أو تناقص مستويات ثاني أكسيد الكربون بطريقته الخاصة.
عندما تكون الأوراق الأحفورية عائدة لسلالات نباتية موجودة حاليا كسلالات أشجار الجينكو Ginkgos، يمكن للعلماء أن يقدروا مستويات ثاني أكسيد الكربون القديمة اعتمادا على دراسات لسلالات حالية قريبة منها، لكن عندما تكون السلالات منقرضة، عليهم عندها أن يخمنوا جيدا، وعلى نقيض التربات القديمة، فإن التقنية المسامية غير حساسة لمستويات ثاني أكسيد الكربون العالية.
لقد بدأ فرانكس وزملاؤه بتحسين التقنية، إذ كانت تقنيتهم لتقدير تبادل الغازات والتي نشرت في بحث عام 2014 في مجلة رسائل الأبحاث الجيوفيزيائية Geophysical Research Lettets، تعتمد على عاملين رئيسيين: الأول، هو حساب كثافة الثقوب وليس فقط عددها لكن أيضا حجمها وعمقها في الورقة الأحفورية التي تدل على المعدل الذي يمكن أن ينفذ به الغاز إلى خارج النبات. أما الثاني، فهو تحليل البقايا العضوية في الأحفورة التي تحتوي نظائر الكربون والتي تحدد النسبة بين ثاني أكسيد الكربون داخل الورقة إلى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ويمكن استثمار هذين العاملين معا لإنشاء بيانات لتركيز ثاني أكسيد الكربون الجوي.
أما بالنسبة إى لجينيفر ماك إيلوان Jennifer McElwan، عالمة النباتات قديمة في يونيفرسيتي كوليدج دبلن University College Dublin والمناصرة منذ فترة طويلة لتقنية المسامات النباتية، فقد كانت في البداية من نقاد الطريقة الجديدة، لكنها تراجعت وهي الآن تستخدم التقنية إلى جانب التقنيات الأخرى القديمة، وتقول: “ستُتبنى هذه التقنية متبناة على نطاق واسع، وستكون طريقة فعالة.”
إذا كانت تقنية تبادل الغاز هذه تنهي الحاجة إلى طرق مكملة أخرى، فإن القيم التي تعطيها لمستويات ثاني أكسيد الكربون القديمة والتي هي أقل من المتوقع، ستقدم رسالة تفتح أذهاننا حول المستقبل. ويتحدث معدّو النمذجات المناخية عن حساسية المناخ أي ما المقدار الذي سترتفع فيه درجة حرارة العالم في حال تضاعف مستويات ثاني أكسيد الكربون من قيمة 280 جزءا من المليون التي كانت قبل العصر الصناعي، وبما أن الأرض تجاوزت حاليا قيمة 400 جزء من المليون، فإنها في طريقها نحو ذلك فعلا. ومعظم النمذجات المستخدمة في إعدد التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ-والتي تتنبأ بالتغير المناخي وآثاره- تتضافر حساسياتها نحو درجة حرارة 3 سيليزية.
لكن هذه التقديرات تركز على “دورة تغذية راجعة سريعة”، وهي تأثيرات ستضاعف بسرعة المقاديرَ الصغيرة من الاحترار، كتقلص مساحات جليد بحر المنطقة المتجمدة الشمالية وازدياد بخار الماء في الغلاف الجوي والذي يشكل بحد ذاته أحد غازات الدفيئة. وتتجاهل هذه التقديرات التغذية الراجعة طويلة الأمد كذوبان الصفائ[ الجليدية الموجودة على اليابسة، وتغيرات نمو النباتات، والتي يقول عنها معظم العلماء أنها ستسهم في المزيد من الاحترار العالمي خلال عقود أو قرون. يقول فرانكس: “لا يمكن لهذه التقديرات أن تأخذ بالحسبان هذه العمليات واسعة النطاق طويلة الأمد، بل يمكن أن نحصل على ذلك من التاريخ الجيولوجي.”
كما يقول أنه عبر الكشف عن مستويات ثاني أكسيد الكربون الأخفض خلال فترات الاحترار القديمة، تقترح تقنية تبادل الغاز حساسية مناخية أقرب لدرجة 4 مئوية بدلا من 3 مئوية، وقد يستغرق الأمر عدة أجيال ليبدأ تأثير هذا الارتفاع، لكن التاريخ يقترح أن هذا الأمر متأصل في النظام المناخي. تقول ماك إيلوان: “أجد الأمر مقلقا، فخلال 50 إلى 100سنة قد ترتفع درجة حرارة سطح الأرض أكثر بكثير مما نتوقعه حاليا.”
على الرغم من ذلك، ما تزال التقنية جديدة، والرسائل التي تقدمها ليست حتمية مؤكدة. في مارس القادم، وفي ورشة عمل في مرصد لامونت دوهرتي الأرضي Lamont-Doherty Earth Observatory التابع لجامعة كولومبيا Columbia University في باليساديس نيويورك، ستحسم الوسائط المستخدمة في تحديد مستويات ثاني أكسيد الكربون النتيجةَ، حيث يخطط علماء المناخ القديم لمقارنة التقنيات المختلفة وذلك لإعطاء نتيجة متوافقة لمستويات ثاني أكسيد الكربون خلال الـ 66 مليون سنة الماضية.
ويثق فرانكس في أن تقنية تبادل الغاز ستكون جيدة، ويقول: “هناك جدل قليل حول تحسن مقدار الشك الناتج من هذه التقنية. ولن أدعو بحماس إلى اعتماد هذه التقنية، إذ أظن أنها ستتكفل بذلك بنفسها.”
تقلبات مستويات ثاني أكسيد الكربون
تأرجحت مستويات ثاني أكسيد الكربون الجوي بشكل كبير في الماضي البعيد، وفقا لمؤشرات مرتكزة على الأحافير (تبادل الغاز والبلانكتون النباتي وحشيشة الكبد Liverworts والثقوب المسامية) والمعادن (البورون والتُّربات القديمة). يقترح السجل القديم أن التزايد الحديث في مستويات ثاني أكسيد الكربون من مستوياته قبل الصناعية (أقصى اليمين) قد يكون له تأثير هائل في المناخ.