استهداف فريق ترامب لمقياس مناخي أساسي
سياسة المناخ
أخبار بالتفصيل
استهداف فريق ترامب لمقياس مناخي أساسي
الإدارة القادمة تلقي بنظرة ناقدة على ”التكلفة الاجتماعية للكربون”
بقلم: ديفيد مالاكوف، روبرت إف سيرفيس، وارن كورنوال
ترجمة: آية علي
لم يُخفِ الرئيس المنتخب دونالد ترامب نواياه بشأن إعادة تشكيل سياسة الولايات المتحدة للطاقة والمناخ بشكل دراماتيكي، فقد قال إنه ينوي جعل الحلفاء المخلصين لصناعة الوقود الأحفوري يترأسون وكالة حماية البيئة ودوائر الدولة والطاقة، كما وعد بالانسحاب من اتفاقيات المناخ الدوليّة. وقد لمحت مذكرة استفزازية مسرّبة الأسبوع الماضي إلى عنصر محتمل آخر في خطة الإدارة القادمة لإضعاف القوانين التنظيمية للمناخ، ألا وهو تغيير تدابير اقتصادية غامضة لكنها مستخدمة كثيرا في إحصاء تكاليف وفوائد السيطرة على الكربون.
لقد سبّبت المذكرة – التي تضمنت 74 سؤالا من فريق وزارة الطاقة الانتقالي التابع لترامب إلى مسؤولي الوكالة – ضجّة بسبب سؤاله عن أسماء موظفي الوكالة المشاركين في وضع سياسات المناخ. وقد التزم الفريق الانتقالي الصمت حول سؤاله عن الأسماء في حين رفض مسؤولو وزارة الطاقة مطلقا تزويده بها. لكن هذه الخطوة أثارت مخاوف أن تسعى الإدارة الجديدة إلى طرد هؤلاء الموظفين أو معاقبتهم، كما أنها تلقت تنديدا من جماعات مناصرة العلم، وبعض المشرّعين في الكونغرس. ويقول النائب بيل فوستر Bill Foster (ديمقراطي- ولاية إلينوي) ـ فيزيائي قضى 22 عاما في مختبر الأبحاث الوطني التابع لوزارة الطاقة “فيرميلاب” في باتافيا بإلينوي: “ إنه يعيدنا إلى عصر طارد فيه السياسيون الأفرادَ بسبب السياسات الحزبية مع دون ارتكابهم أي مخالفة.” وتهدد تكتيكات حقبة الحرب الباردة هذه بمحو عقود من التقدم الذي أحرزناه بشأن تغير المناخ، وثني جيل جديد من العلماء عن معالجة أكبر المشكلات في عالمنا.”
ويصطبغ العديد من الأسئلة الأخرى بنكهة تقنيّة، كالسؤال عن دور وزارة الطاقة في تطوير التفاصيل الجوهرية للبيانات السياسية والاقتصادية التي غالبا ما تدعم جهودا تنظيمية. وتركّز مجموعة من الاستفسارات مثلا على التدابير الاقتصادية التي تُسمّى التكلفة الاجتماعية للكربون Social cost of carbon (اختصارا: التكلفة SCC)، والتي تسعى إلى تحديد الأضرار الاقتصادية المرتبطة بانبعاثات الكربون والتغيرات المناخية التي تسبّبها. إذ من المفترض أن تقوم بحصر تكلفة آثار مثل تآكل السواحل وانخفاض إنتاج المحاصيل وزيادة المرض، كما أنها توّفر توجيها حاسما بشأن المقدار الذي يجب على المجتمع دفعه اليوم لتجنب الضرر المستقبلي الناجم عن انبعاثات الكربون. والاقتصادي مايكل غرينستون Michael Greenstone -من جامعة شيكاغو في ولاية إلينوي والذي شغل منصب مسؤول اقتصادي بارز في إدارة أوباما- يصف الأمر قائلا: “ إذا أردت أن تكون عدائيا تجاه القوانين التنظيمية للمناخ، فإن تدابير التكلفة SCC هي نوعًا ما مفصلٌ محوريّ.”
وكنتيجة للدعوى القضائية عام 2008، فإن الوكالات الفيدرالية أصبحت تأخذ التكلفة SCC بعين الاعتبار عند تحليل تكاليف وفوائد اللوائح التنظيمية الجديدة. وعلى الرغم من أن تدابير التكلفة SCC لا تحدّد وحدها ما إذا كان قانون جديد سيُقر أم لا، إلا أنها أدت دورا كبيرا في تطوير نحو 100 لائحة جديدة تتناول قضايا مثل كفاءة وقود المركبات والتلوث الناجم عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، ومعايير كفاءة الطاقة للأجهزة المنزلية. وقد أصبحت تدابير التكلفة SCC “ذات أهمية متزايدة في الساحة التنظيمية الفيدرالية بسبب تغلغل انبعاثات الكربون في جميع مناحي الاقتصاد،” وذلك كما يقول ريتشارد نيويل Richard Newell، رئيس مركز موارد للمستقبل Resources for the Future، وهو مركز أبحاث Think tank في العاصمة واشنطن، كما أنه رئيس مشارك للجنة في الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب، ستُصدر قريبا تقريرا حول هذا الموضوع.
ومن المرجح أن يؤكد هذا التقرير أن حساب التكلفة SCC -الذي يجمع بين توقعات حول الآثار المحتملة لتغير المناخ وبين افتراضات اقتصادية- ليس أمرا سهلا. فقد ناقشت الحكومة والأكاديميون العلميّون أفضل الطرق على مدار سنوات، كما طوّر باحثون ثلاث نمذجات حاسوبية مخصّصة لهذه المهمّة. وفي عام 2010، أوصت مجموعة عمل مختارة بواسطة إدارة الرئيس أوباما الوكالاتِ بتقييم التكلفة الاجتماعية للكربون بـ21 دولارا لطن الكربون الواحد، ثم عززت الرقم عام 2013 ليصل إلى 36 دولارا للطن، وذلك بسبب التوقعات المتشائمة على نحو متزايد بشأن التأثيرات العالمية لتغير المناخ.
ومن غير المستغرب، اتّهم معارضو القانون التنظيمي إدارةَ أوباما بالتلاعب بقيم التكلفة SCC لتبرير وضع قوانين جديدة مُكلفة. وقد وجه النقاد مثلا انتقادات شديدة لتقدير الإدارة في أن خطتها للطاقة النظيفة CPP الموضوعة للحد من تلوث محطة الطاقة سوف تنتج منافع مناخية تصل إلى 29 بليون دولار عام 2030، مقارنة بتكاليف بلغت 8.4 بليون فقط. ويقود أحد أبرز المشكّكين في التكلفة SCC – وهو توماس بايل Thomas Pyle رئيس معهد أبحاث الطاقة Institute for Energy Research، وهو مؤسسة بحثية تابعة للصناعة في العاصمة واشنطن – الفريق الانتقالي لوزارة الطاقة الذي سأل عن طريقة التي تطوير واستخدام هذه التدابير. وتوقع بيل قبل اختياره لهذا المنصب في بيان قاله أنه “من المرجح أن يعاد النظر في التكلفة SCC في ظل رئاسة ترامب، وأن تُسخّر أحدث العلوم لذلك. فإذا أُخضِعت التكلفة SCC لأحدث العلوم، فمن المؤكد أنها ستكون أقل بكثير مما تستخدمه إدارة أوباما.”
ويقول محللون إن هناك على الأقل طريقتين أساسيين تستطيع بها الإدارة الجديدة تعديل التكلفة SCC للوصول إلى قِيَم أقل. إحداهما هي تغيير معدل الخصم Discount rate- قيمة يتم التعبير عنها كنسبة مئوية وتحاول تحديد القيمة التي سينفقها المجتمع اليوم لتجنب الضرر في المستقبل. ويقول وليام نوردهاوس William Nordhaus الخبير الاقتصادي في جامعة ييل Yale University الذي كتب كثيرا عن التكلفة SCC : “إن معدل الخصم هو أكثر الأسئلة أهمية، لكنه كذلك مثير للجدل إلى حد كبير.” حاليا، تطلب إدارة أوباما من الوكالات حساب التكلفة SCC باستخدام مجموعة من معدلات الخصم، من 2.5 ٪ إلى 5 ٪، كما تميل إلى الاعتماد على المعدلات الأقل، مما ينتج قيما أعلى للتكلفة SCC. مثلا، ستكون تكلفة الكربون الاجتماعية عام 2025 هي 62 دولارا للطن عند استخدام معدل 2.5 ٪، لكنها ستعادل 12 دولارا للطن عند استخدام معدل 5 ٪، لذا فإن النظر في معدلات أكبر سيجعل القوانين تبدو أقل فائدة.
أما الطريقة الثانية، فهي تغيير النطاق الجغرافي للحساب. تأخذ إدارة أوباما في اعتبارها حاليا الفوائد العالمية المحتملة لأي قانون تنظيمي، وليس فقط الفوائد داخل الولايات المتحدة، وتقول إن ذلك بسبب كون تغير المناخ مشكلة عالمية. لكن بعض الاقتصاديين يشككون في هذا المقاربة بحجة مبالغته في الفوائد. ويشير تيد جاير Ted Gayer، الخبير الاقتصادي في معهد بروكينغز Brookings Institution في واشنطن العاصمة والمنتقد للمقاربة العالمية إلى أن محاولة تضييق نطاق التكلفة SCC قد تناسب ميول ترامب الوطنية، فكما يقول: “ستكون منطقية إذا نظرت إليها من منظور حملة ترامب و ‘أمريكا أولا’.”
وعلى الرغم من احتمال تغيير إدارة ترامب التكلفة SCC، إلا أنه من غير المرجّح أن تكون قادرة على إلغائها تماما، وذلك بحسب كلام غرينستون الذي يضيف قائلا: “ليست هذه المرة الأولى التي يسعى فيها الأفراد إلى القضاء على التكلفة الاجتماعية للكربون.” فقد قامت المجموعات الصناعية بتحديها في المحاكم، لكن القضاة كانوا ميالين إلى اعتبار هذا المبدأ كمبدأ سليم. “فلأسباب تتعلق بالقانون والعلم؛ يبدو لي أن مسار محاولة التقليل التكلفة الاجتماعية للكربون تقليلا كبيرا هو طريق وعر ومكفهر للغاية.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.