الشِّعاب المرجانية تربط بين أقوى إلنينو مع تغير المناخ
المناخ
أخبار بالتفصيل
الشِّعاب المرجانية تربط بين أقوى إلنينو مع تغير المناخ
الصِلة المثيرة للجدل تكتسب دعما من السجل الطويل لدرجات حرارة المحيطات
بقلم: كريستوفر بالا، في جزيرة الكريسماس، بكيريباتي
ترجمة: د. ليلى الموسوي
كيم كوب واثنان من أعضاء الفريق -متسربلان بمعدات الغوص السوداء- يجوبون قاع البحر المرصّع بالمرجان قرب جزيرة الكريسماس، هنا في المحيط الهادي الاستوائي لمدة ساعة تقريبا. وبعد تخرج كوب إلى السطح منتصرة: “نعم!”
وبعد بضع دقائق تغوص كوب -عالمة المناخ القديم Paleoclimatologist من معهد جورجيا للتكنولوجيا Georgia Institute of Technology في أتلانتا- إلى القاع مجددا، ومن تحت رأس شعبٍ مرجاني تقتطف الجائزة: حاويتان صغيرتان مغطيتان بالطحالب المرجانية. وفي داخل كلتا الحاويتين أجهزة قياس الملوحة ودرجة الحرارة، سجِّلت التفاصيل المُبرِّحة لظاهرة إلنينو لعامي 2016-2015 التي جلبت نبضة من ماء دافئ -بشكل غير طبيعي- إلى المحيط الهادي الاستوائي. فقد أظهرت أجهزة القياس أنه خلال الاضطرابات -التي عاثت بالمناخ في جميع أنحاء العالم- سجل الاحترار في هذه البقعة رقما قياسيا: 3 درجات سيليزية فوق المعدل الطبيعي. وتقول كوب إن الدفء الشديد يعكس ليس فقط دورة الإلنينو الطبيعية، ولكن أيضا عاملا جديدا: الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري.
وكما ستذكر كوب في تقريرها الأسبوع المقبل في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي American Geophysical Union بسان فرانسيسكو في كاليفورنيا، فإن سجلا تفصيليا لدرجات الحرارة على المدى الطويل المستمد من الشعاب المرجانية في جزيرة الكريسماس، ومن جزر أخرى من جزر المحيط، الهادي يظهر أنه على مدى السبعة آلاف سنة الماضية، تزايدت شدة دورات الإلنينيو وتضاءلت. بعد ذلك، خلال القرن العشرين، مع إحكام قبضة الاحترار العالمي، بدأت شدة دورات الإلنينو بالتزايد. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، مُنذرا بأعاصير إلنينو أكثر عصفا مما قبل، كما تقول. وتضيف شارحة: “وهذا تأثيرٌ آخر من تأثيرات الاحترار العالمي التي نود تجنُّبها.”
أما غافن شميدت Gavin Schmidt، مدير معهد غودارد لدراسات الفضاء Goddard Institute for Space Studies التابع لناسا في مدينة نيويورك، فيقول إن أرشيف كوب لدرجات الحرارة يُقدِّم أولَ صورة تاريخية لظاهرة الإلنينو وتغيراتها. ويضيف قائلا: “إنه أرشيف فريد من نوعه، ويفتح نافذة رائعة على جانب -غامض ولكن في غاية الأهمية- من تاريخ المناخ.”
إذ تهب أعاصير الإلنينو كل 7-3 سنوات عندما تخمد الرياح في المحيط الهادي، مما يسمح للماء الدافئ بالتجمع في الجزء الشرقي من المحيط. ويؤثر دفء المحيطات في إنتاجية مصايد الأسماك، ويمكن أن يؤدي إلى ابيضاض الشعاب المرجانية وقتلها – فربما مات 85 ٪ من الشعاب المرجانية في جزيرة الكريسماس في أحدث عاصفة إلنينو التي انتهت في مايو الماضي. كما تؤدي أعاصير الإلنينو أيضا إلى فيضانات وجفاف واسعي النطاق: فمثلا تسببت أعاصير الإلنينو في الفترة من 1998-1997 بخسائر بقيمة 35 بليون دولار وأودت بحياة 23000 شخص.
ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان ارتفاع درجات حرارة العالم تدريجيا يزيد من شدة أحداث الإلنينو، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن القياسات المتوفرة للمناطق النائية من المحيط الهادي حيث يضرب الإلنينو كأشد ما يكون هي قياسات قصيرة المدى ومتقطعة. وللحصول على منظور طويل المدى، جمعت كوب وزملاؤها مئات الكتل من المرجان القديم التي قذفتها الأمواج إلى شواطئ جزيرتي الكريسماس وفانينغ (كلتيهما جزء من جمهورية كيريباتي) وجزيرة بالمايرا في الولايات المتحدة. وبتطبيق تقنية التأريخ بعنصري اليورانيوم/الثوريوم على المرجان، وقياس نسب نظائر الأكسجين في هياكلها، أعاد مختبر كوب بناء سجل درجات حرارة المحيطات لمعظم السبعة آلاف سنة الماضية.
وتقول كوب إنه خلال ذلك الوقت “كان هناك الكثير مما جرى في المناخ، ولكن لم يكن لهذه التغيرات تأثير واضح في أحداث الإلنينو.” ولكن المرجان -مدعوما بقياسات أجهزة استشعار مثل التي استعادتها كوب من جزيرة الكريسماس- يُظهر أن شدة الإلنينو خلال القرن الماضي قد زادت بنسبة 25 ٪. وتضيف قائلة: “لا يوجد في السجلات قرنٌ يشبه القرن العشرين، على الأقل خلال الخمسة آلاف سنة الماضية.”
وتتسق نتائج كوب مع نتائج دراسة نُشرت عام 2013 تناولت حلقات الأشجار، اقترحت الدراسة بدورها أن فوضى الطقس ذات الصلة بالإلنينو زادت شدتها في معظم أنحاء العالم عبر العقود الأخيرة من الزمن، وذلك كما يشير ون جو تساى Wenju Cai، مُبرمج نمذجات المناخ في منظمة الكمنولث للأبحاث العلمية والصناعية Commonwealth Scientific and Industrial Research Organisation في ملبورن بأستراليا. ولكن سجل حلقات الأشجار أقصر من اللازم -كما يقول- لبيان ما إذا كانت ظاهرة الاحترار العالمي هي السبب. فعلى العكس من ذلك، فإن أرشيف كوب الممتد إلى سبعة آلاف سنة “يُظهر بوضوح أن دورات الإلنينو القرن العشرين هي أكثر تطرفا وشدة مما كانت عليه ما قبل العصر الصناعي، مما يشير إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض هو سبب.”
أما إريك جولياردي Eric Guilyardi، عالم المناخ في معهد بيير سيمون لابلاس Pierre Simon Laplace Institute بباريس، فيرجو أن تُلْهِم نتائج كوب الآخرين لتطوير سجلات درجات حرارة مماثلة لأجزاء استوائية أخرى في المحيط الهادي. إذ يقول: “سيزودنا مثل ذلك بالمنظور المكاني اللازم للتأكد من تغيّر شدة الإلنينو بالفعل.”
الآن، تخطط كوب لضمان استمرار قياسها لدرجات الحرارة في المستقبل. فتقول: “إننا نتتبع الآن ثلاثين شعبا مرجانيا نجت من الإلنينو الأخير.” إنهم بانتظار تسجيل الإلنينو المقبل وبحار أكثر سخونة.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.