العلماء يتوجسون من هجوم مُنتظر على مجموعة الإحصاءات الفيدرالية
قد يكون مكتب تعداد السكان وبرامجه في مرمى نيران الكونغرس وإدارة ترامب
بقلم: جيفري ميرفيس
أُضيف مكتب تعداد السكان الأمريكي إلى قائمة الجهات الحكومية التي قد تتعطّل أعمالها بسبب انتخابات دونالد ترامب والكونغرس الجديد، ويخشى علماء الاجتماع من أن المكتب قد أصبح رمزا لأشياء كثيرة يكرهها الرئيس المنتخب وأعضاء الكونغرس الجمهوريّون بشأن الحكومة، والتي ستصبح عما قريب موضع تغيير. كبداية؛ يحتاج المكتب إلى زيادة ضخمة في الميزانية كي يُكمل استعداداته للتعداد القادم عام 2020، وهو تعداد ينصّ الدستور على إجرائه كل عشر سنوات، لكنّ هذا الطلب يتعارض مع شعار الجمهوريّين في الحد من الإنفاق الحكومي. على نطاق أوسع؛ يشعر بعض العلماء بالقلق من أن ميل ترامب إلى تجاهل البيانات واختلاق أخرى خاصة به قد يتعارض مع مهمّة هذه الوكالة. يقول كينيث بيريوت، مدير مكتب التعداد سابقا والذي يعمل الآن في جامعة كولومبيا: “ أعتقد أن النظام الإحصائي الفيدرالي قد يكون هدفا… تستطيع عمل الكثير من الأمور دون جذب انتباه كبير.” وتثير بعض الأسئلة التي يسألها المكتب للناس غضب المشّرعين الجمهوريّين الذين يستشهدون بها كمثال بارز على تجاوز الحكومة وتدخلها في الحياة الخاصّة لناخبيها.
وعلى وجه الخصوص، فإن إحياء الكونغرس لمحاولات القضاء على مسح المجتمع الأمريكي American Community Survey (اختصارا: المسح ACS) التطوعي أو القضاء عليه يبدو مرجّحا. ويتكون هذا المسح من استبانة تحتوي على 70 بندًا يرسله المكتب إلى ثلاثة ملايين ونصف مسكنا كل عام، وهو خليفة الجزء المطوّل للإحصاء الذي يجرى كل عشر سنوات. ويولّد هذا المسح البياناتِ المستخدمة في تخصيص ما يقرب على 500 بليون دولار في البرامج الفيدرالية المبنية على صياغات معينة، كما أنه يزوّد الشركات والحكومات المحلّية بالمعلومات الديموغرافية التي توجّه الإنفاق على كل شيء؛ من المدارس حتى مراكز التسوّق.
وسيحظى معارضو المسح عمّا قريب بحليف قوي في البيت الأبيض، وهو الممثّل ميك مولفاني الذي اختاره الرئيس ترامب لقيادة مكتب الإدارة والميزانية Office of Management and Budget (اختصارا: المكتب OMB) الذي تتطلب موافقته على جميع الطلبات الحكومية. فقد صوّت مولفاني عام 2010 لإيقاف تمويل المسح ACS، كما حثّ مدير الإحصاء جون تومسون John Thompson الصيف الماضي على عدم تأكيد التهديد بالسجن أو الغرامة للأشخاص الذين لا يقومون بتعبئة المسح (هذه العقوبات لم يتم تنفيذها قطُّ). فقد أصبح تومسون نفسه في طي النسيان وذلك بفضل قانون 2012 الذي حدّد مدة رئاسة كل مدير للإحصاء بخمس سنوات، حيث انتهت فترة تومسون بتاريخ 31 ديسمبر 2016. وعلى الرغم من أحقّية الرئيس في تمديد فترته لمدة تصل إلى عام إلّا إنّ بمقدور ترامب حرمان تومسون من ذلك.
لم يعلن ترامب عن أيٍّ من خُططه للمكتب الذي يعد جزءً من وزارة التجارة، ويقع في أسفل الهرم السياسي. تقول تيري آن لوينثال Terri Ann Lowenthal من مشروع الإحصاء في العاصمة واشنطن – وهي مبادرة تسعى إلى حشد الدعم للوكالة – أن ذلك الصمت بالكاد يبعث على الاطمئنان، وأن “ مصدر القلق الأكثر إلحاحًا هو العدد الضخم للعوامل المجهولة التي يواجهها المكتب.” لكنها تشير إلى شعاع وحيد من الأمل، وهو الشخص الموجود في فريق ترامب الانتقالي المكلّف بإدارة بالمكتب وهو أي. مارك نيومان A. Mark Neuman الذي أدار ذات يوم علاقات الكونغرس للوكالة تحت إدارة الرئيس جورج إتش. دبليو. بوش George H. W. Bush. وتقول عنه لوينثال: “ إنه حريص على إجراء الإحصاء وملتزم بمهمته.”
سيواجه المكتب أول اختباراته هذا الربيع، إذ سيضع ترامب والكونغرس اللمسات الأخيرة على ميزانية 2017 وسيحدّدون أولويات الإنفاق لعام 2018 وما بعده. وأحد الأهداف المحتملة لمن يسعون إلى تقليل الميزانية هو طلب المكتب لزيادة 20 في المئة أي 263 مليون دولار، وذلك ضمن استعداداته لإحصاء عام 2020 الذي يشمل ما يُقدّر بـ 143 مليون أسرة في الولايات المتّحدة.
ولدى تومسون خطة طموحة لخفض تكلفة الإحصاء من 20 بليون دولار إلى 5.2 بليون دولار. وتشمل التغييرات استخدام الإنترنت والهاتف كبدائل للاستبانة الورقيّة، وتزويد العاملين بأجهزة محمولة لتتبع السكان الذين لم يعبّئوا الاستمارات. إن ما يرفع تكلفة الإحصاء هو جهد المتابعة الشامل والمُجهِد، لكنّه يعد كذلك الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها الوكالة تنفيذ مهمتها في إحصاء الجميع. وقد زادت المحاولة الفاشلة في استخدام الأجهزة المحمولة يوم الإحصاء عام 2010 من الضغط الواقع على المكتب وذلك للتأكد من عمل التقنية الجديدة بسلاسة قبل يوم الإحصاء في أبريل عام 2020.
هذا وقد تلقّى المكتب في الشهر الماضي إعفاءً من تجميد الميزانية الواقع على مستوى الحكومة والممتد حتى شهر أبريل، وذلك كي يتمكّن من زيادة الإنفاق على استعدادات الإحصاء. لكن الوكالة لم تتلقّ أي زيادة في الأموال، لذا تعيّن عليها الخفض من مكان آخر، حيث ألغت الوكالة ثلاثة اختبارات ميدانية كان من المخطط إجراؤها عام 2017، وقد تجبر زيادة أقل من المطلوب في الميزانية الوكالة على اتخاذ بعض القرارات الصعبة التي قد تثير غضب المشرفين عليها من الكونغرس.
لقد قام المشرّعون في جلسة الاستماع التي أقيمت بشهر نوفمبر 2016 بتوبيخ تومسون إثر إجرائه تعديلات على ميزانيّته، وذلك للحفاظ على المسح ACS وعلى الإحصاء الاقتصادي الهائل للشركات الذي يتم كل خمس سنوات، والمزمع إجراؤه هذا العام. وقد قام مولفاني في وقت سابق من هذا العام بالضغط على تومسون حول ما إذا كان يعتقد أن المسح ACS أساسي “ لتحقيق الالتزام الدستوري بإجراء التعداد السكّاني.”
ويخشى المدافعون عن الإحصاء أن يكون المسح ACS عرضة للخطر إذا ما فرضت إدارة ترامب خفضا شاملا في الأنشطة التنظيمية بهدف إلى الحد مما يسمّى “ العبء الإداري” على دافعي الضرائب الممتثلين للاستطلاعات الفيدرالية، وسيقع تنفيذ مثل هذا الأمر على عاتق مكتب مولفاني للإدارة والميزانيّة.
وغاري باس Gary Bass- رئيس مؤسسة باومان ومقرها واشنطن – هو واحد من ضمن أولئك المتخوفين من مستقبل المكتب. لكنه يقول -هو وقادة ثلاث منظمات خيرية أخرى تدعم أنشطة الوكالة وهي: مؤسسات فورد آند آني إي. كاسي Ford and Annie E. Casey foundations ومؤسسات وشركة كارنيجي Carnegie Corporation- أنهم سيذكّرون صُنّاع القرار وعامّة الناس بأهمّية المسح ACS. ويقول باس: “إن الإحصاء أساس الديموقراطية التي يتطلّبها الدستور، ونحن نقوّض كل ذلك إذا لم نقم بتأديته على النحو الصحيح.”