القبض على عمليات تهجين لذُرَة قديمة
تقدّم كيزان ذُرَة مكسيكيّة عمرها خمسة آلاف عام لقطة وراثية مُفصّلة من الحبوب المُهجّنة جزئيّا.
بقلم: جيسيكا بودي
ترجمة: آية علي
لم يكن من السهل عمل وجبة من التيوزنتيه Teosinte- الغلالة التي كانت سلف الذرة القديمة. كان حجم كل كوز أصغر من إصبعك الصغير، ويحتوي على اثنتي عشرة حبّة فقط، مغطّاة بأغلفة قاسية كالصخر. لكن في مثال ساطع على التهجين، تحوّل الناس في المكسيك وغرب الولايات المتحدة منذ تسعة آلاف السنة من التيوزنتيه إلى الذرة متعددة الحبوب، والتي تُطعم اليوم مئات الملايين حول العالم. وقد حدّد الباحثون بالفعل حفنة من الجينات المسؤولة عن هذا التحوّل (Science, 2 June 2006, p. 1318).
تظهر الآن دراسات الحمض النووي القديم المنشورة من قبل مجموعتي بحث مستقلّتين ما كان يحدث في مراحل المتوسطة من التهجين الجيني للنبات منذ خمسة آلاف عام. وتكشف اللقطة بدقة كيف تغيرت الجينات عبر الزمن وذلك بسبب اختيار أجيال من البشر للنباتات ذات الصفات التي يفضّلونها. ويقول مايكل بليك Michael Blake – عالم الأنثروبولوجيا من جامعة كولومبيا البريطانية University of British Columbia في فانكوفر، كندا والذي لم يشارك في العمل: “تزيد هذه النتائج من وضوح ما نعرفه عن تلك الفترة المبكّرة. ولهذه النتائج آثار ضمنية تؤثر في فهمنا للتطورات اللاحقة في تهجين الذرة، ومساعدتنا على معرفة اختيارات الناس في ذلك الوقت.”
لقد جاءت اللمحات الأولى من تهجين الذرة في تسعينات القرن الماضي عندما نقّب عالم الآثار الأمريكيّ المرموق ريتشارد ماكنيش Richard MacNeish في كهوف وادي تهوتان المكسيكيّ؛ مركز الزراعة المبكرة في أمريكا الوسطى. وقد وجد في البيئة المظلمة الجافة هناك كيزان ذرة ضئيلة ومحفوظة جيّدا، تعود إلى ما قبل خمسة الآف وثلاثمئة سنة تقريبا، كانت تضم خمسين حبة فقط، مقارنة بالألف حبة الموجودة في الأكواز الحديثة.
وبعد مرور ستين عاما على ظهور أدوات السلسلة الوراثية الحديثة؛ يرغب جان فيليب فيلي كالسادا Jean Philippe Vielle-Calzada من مركز البحوث والدراسات العليا Center for Research and Advanced Studies في المختبر الوطني للجينوم للتنوع البيولوجي National Laboratory of Genomics for Biodiversity في إيراباتو بالمكسيك هو وزملاؤه بمعرفة أي من الجينات كان المهجّنون القدماء يختارونها بغير قصد. لكنه قلِق من أن تكون عينات ماكنيش الموجودة في المتاحف الآن قد أصابها الضرر بسبب المعالجة أو التخزين غير اللائق. لذا قرر هو وفريقه العودة إلى الكهوف في وادي تهواكان. وقد توفي ماكنيش؛ لكن إحدى طالباته السابقات، آنجل جارسيا كوك Angel Garcia Cook، قامت بدور الدليل. يقول فيلي كالسادا: “كانت لديه جميع الخرائط. كان يعرف أين يحفر. لقد عاد معنا وهو في عمر 73، وحينما ذهب لأول مرة كان عمره 21 عاما.”
اكتشف الفريق عدة عينات جديدة في كهف سان ماركوس تعود إلى نحو 5000 سنة. بعد ذلك قاموا بتطبيق سَلْسَلَة عامة Shotgun sequencing على ثلاثة أكواب ذرة، مستخرجين الحمض النووي ومفكّكينه إلى أجزاء صغيرة لإجراء السَلْسَلَة. بعد ذلك أعادت برامج الحاسوب تجميع قصاصات الحمض النووي هذه، معيدين في النهاية بناء 35 ٪ من جينوم الذُرَة القديم.
حدد فريق فيلي كالسادا ثمانية جينات تؤثر في الصفات الأساسية بحسب ما كتبوا في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences هذا الأسبوع. فقد حملت الأكواز المُتغيّرات Variants الحديثة للجين tb1 التي تُبسِّط تفرّع النبات وذلك من أجل تسهيل الحصاد، والجين tb2 الذي ساعد على زيادة محتوى النشا وحلاوة الحبات. لكن الأكواز كانت تحمل المتغيّر التيوزنتي للجين tga1 الذي يحصر الحبّات في تلك الأغلفة القاسية؛ علامة على أنّ التهجين كان جزئيّا فقط.
وفي الوقت نفسه، اكتشف عالم الآثار ناثان ويلز Nathan Wales من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen هو وزملاؤه عينات ماكنيش الأصلية المخزّنة لمدة ستين عاما في متحف بأندوفر بماساشوستس. وقد قام مع وزملاؤه بإجراء سلسلة عامة لجينوم كوز الذرة البالغ عمرها 5300 عام التي تعرف بـ Tehuacan162.
كان فريق ويلز قادرا على سَلسَلة 21 ٪ من جينوم هذا الكوز، وقد أكّدت نتائجهم عمل فرق كالسادا وتمّمته. وقد حمل كوز المتحف كذلك المتغيرات الحديثة للجينين tb1و tb2 كما هو مذكور في مجلة كورنت بيولوجي Current Biology الأسبوع الماضي. لكن كوز الذرة Tehuacan162قد حمل كذلك بديلا أكثر حداثة للجين tga1 الذي حرّر الحبات من قشرتها الصلبة ممّا جعلها أسهل في الأكل. كما وجد فريق ويلز جينا تيوزنتيّا لم يره الفريق المكسيكي، وهو الجين zagl1 الذي يجعل الحبات تسقط من على الكوز بسهولة كبيرة. وهذا مفيد للنباتات البرّية التي تنشر بذورها، لكنه مثير لإحباط البشر الذين يحاولون حصادها. يقول الباحثون إن هذه الاختلافات قد تعكس حقيقة أن كوز الذرة Tehuacan162 قد جاء من مجموعة مختلفة من الذرة، ويظهر أن التهجين كان لا يزال قيد التطوير في الوادي.
لقد انصدم فيلي كالسادا من تشابه نتائج الفريقين، فقد قال: “أنا مندهش حقا من رؤية التقارب بين النتائج، هذا الشيء غير مألوف في علم الوراثة القديم، إذ من الصعب الحصول على نتائج جيّدة من الحمض النووي القديم، وهذا مشجّع.”
يوافق روبرت هارد Robert Hard- عالم الآثار من جامعة تكساس University of Texas في سان أنطونيو – قائلا: “من اللافت للنظر كيف أن هذه الدراسات تدعم بعضها البعض، وهذا مؤشّر جيّد على أن بإمكان السلسلة في المستقبل أن تزودنا بمزيد من التفاصيل.” وكما يقول بلاك: “من المهم حقا أن ندرك أهمّية التحولات في الذرة،” مضيفا أن معرفة الكيفيّة التي ساعدت بها بعض الصفات الذرة على التكيف مع الجفاف والمرض في الماضي يمكن أن تساعد على حفظها من الكوارث في المستقبل.
ساهمت ليزي ويد Lizzie Wade بجانب من هذا التقرير.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.