انخفاض تكلفة اقتناص الكربون، لكن من يريد ذلك؟
سياسة الطاقة
أخبار بالتفصيل
انخفاض تكلفة اقتناص الكربون، لكن من يريد ذلك؟
قد يتلاشى إغراء التقنيات مع إدارة ترامب.
بقلم: روبرت إف. سيرفس
ترجمة: آية علي
قد يصبح الفحم الخالي من غاز ثاني أكسيد الكربون -المسبب للاحتباس الحراري والمنبعث منه بكميات كبيرة – في متناول اليد، وذلك بفضل المواد الجديدة التي ستؤدي إلى انخفاض حاد في تكلفة اقتناص الكربون من عوادم محطات توليد الكهرباء. لكن اللحظة المواتية للتقنية قد تكون ولّت، وذلك بسبب انخفاض سعر الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة، مما يجعل محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم غير اقتصادية، وذلك مع إنكار إدارة ترامب لتهديد تغيير المناخ.
وبحلول عام 2025 فإن المواد التي تسمى بمواد “ الجيل الثالث” Third-generation – نوقش بعضها بإسهاب في وقت سابق من هذا الشهر في اجتماع لجمعية أبحاث المواد Materials Research Society في بوسطن – ستؤدي إلى خفض تكلفة تصفية ثاني أكسيد الكربون من 100 دولار للطن كما هو سعرها اليوم إلى 20 دولارا للطن، وفقا لمسؤولين في وزارة الطاقة بالولايات المتحدة. وهذا سيجعل تقنيات اقتناص وتخزين ثاني أكسيد الكربون carbon capture and sequestration (اختصارا: التقنيات CCS) قاب قوسين أو أدنى من أن تكون غير مجدية اقتصاديا، وذلك وفقا لأي من عدة خطط لإعفاءات ضريبية يجري النظر فيها من قبل الكونغرس الأمريكي. “أعتقد أننا في طريقنا إلى ذلك،” كما يقول لين بريكت Lynn Brickett الذي يرأس برنامج تكنولوجيا اقتناص الكربون في مختبر وزارة الطاقة للطاقة والتكنولوجيا في بيتسبرغ ببنسلفانيا.
ومع ذلك، فإن المشهد السياسي متحوّل. ويقول ترامب إنه يريد الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ الذي جرى العام الماضي، والذي يُلزم الدول بالحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عبر تدابير مثل التقنيات CCS. وعلى الرغم من تحدّثه عن إعادة الفحم إلا أن دعمه المعلن للتصديع الهيدروليكي والتنقيب عن الغاز في الأراضي العامة قد يساعد على الحفاظ على أسعار الغاز الطبيعي منخفضة، ويمنع أي نهضة جديدة في استخدام للفحم. ويقول جيمس فان نوستراند James Van Nostrand، الخبير في سياسة الطاقة بجامعة ويست فرجينيا في مورغانتاون: “من الصعب معرفة إلى أين سيؤدي هذا”.
ويجري بالفعل اختبارٌ واسع النطاق لمواد الجيل الأول لاقتناص الكربون في محطات توليد الطاقة من الفحم حول العالم، لكن استخدامها مُكلِف. فمعظم هذه المواد هي مواد قلويّة تُسمّى الأمينات Amines، وتُذاب في الماء لمنعها من أن تصبح لزجه حينما تمتص ثاني أكسيد الكربون. ومع دفع العوادم فقاعات الغاز عبر السائل، تلتحم جزيئات ثاني أكسيد الكربون الحمضية بالأمينات. ويُضخّ السائل بعد ذلك إلى حجرة أخرى ويُسخّن إلى ما بين 120 لـ 150 درجة سيليزية لإطلاق ثاني أكسيد الكربون المُخزّن الذي يُضغط ويُضخّ تحت الأرض، ثم يمكن إعادة استخدام الأمينات بعد ذلك. ويسلب الضخ والتدفئة ما يصل إلى 30 ٪ من الطاقة التي تنتجها محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، مما يؤدي إلى الحد من كفاءتها ورفع أسعار الكهرباء. ويقول بريكت إن مُنشآت الجيل الثاني تقوم باقتناص وإعادة استخدام الحرارة المفقودة، وذلك إضافة إلى العديد من الإيجابيات الأخرى، لكن تكلفتها لا تزال مرتفعة جدا.
أما المواد الأكثر كفاءة بكثير، فهي مواد الجيل الثالث. خذ على سبيل المثال، السوائل الصفراء الشاحبة العضوية والتي يجري تطويرها بواسطة فيليب كويش Phillip Koech، وهو كيميائي في المختبر الوطني شمال غرب المحيط الهادي Pacific Northwest National Laboratory (اختصارا: المختبر PNNL) في رتشلاند بواشنطن. فلا تزال هذه السوائل تعتمد على الأمينات لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، لكن الأمينات تُذاب في تركيزات أعلى بكثير في سائل يخلو من الماء؛ مما يلغي الحاجة إلى تسخين ذلك الجزء من المحلول. ويقول كويش إن مركبا مشابها – يشار إليه اختصار بالمركب 2-EAMP – يتخلى عن ثاني أكسيد الكربون فيه عند درجة حرارة 60 سيليزية، وهذا يعني أن الحرارة الضائعة من المحطة بإمكانها توفير ما يكفي من الدفء، ويكون بإمكانها خفض غرامة الطاقة لاقتناص الكربون إلى النصف، من 30 ٪ إلى 15 ٪. ويقول كويش إن المواد PNNL تتبخر مع الوقت، مثلها مثل الأمينات الأخرى. كما يأمل بأن تقوم وزارة الطاقة باختبارها في منشأة تجريبية الحجم بمجرد أن يحل فريقه هذه المشكلة.
وتقوم بعض مقاربات مواد الجيل الثالث الأخرى بالتخلص من السوائل تماما. فالمساحيق الصلبة، على سبيل المثال، والمصنوعة من مواد مسامية تسمّى الأطر العضوية المعدنية Metal-Organic frameworks (اختصارا: الأطر MOFs) ستقتنص غاز ثاني أكسيد الكربون من غازات المداخن، ومثل الأمينات توجهه مع مسار الحرارة الإضافية. إلا أن الأطر MOFs تتطلّب حرارة أقل، وذلك بسبب عدم احتوائها على سوائل. وهناك بديل لا يتطلّب أي حرارة على الإطلاق وهي أغشية البوليمر التي تحتوي على الأطر MOFs أو غيرها من المواد الصلبة المسامية التي يسهل النفاذ من خلالها. إنها تسمح لغاز ثاني أكسيد الكربون بالمرور، بينما تحجب الغازات الأخرى مثل أكاسيد النيتروجين والأكسجين.
وليس من الواضح بعد كيفية دفع غازات المداخن عبر صومعة معبّأة بمساحيق الأطر MOFs، أو ما إذا كان بإمكان الأغشية الصغيرة المستخدمة في نطاق صغير للبحث أن تكون فاعلة على نطاق أكبر في محطات توليد الطاقة. “وهذه الآن مشكلة هندسية،” كما يقول توم ماكدونلاد Tom McDonald، الرئيس التنفيذي لشركة موزاييك ماتيريلز Mosaic Materials -مقرها في بيركلي بكاليفورنيا- وهي شركة تحاول تحويل الأطر التي تستخدم البودرة الماصّة لغاز ثاني أكسيد الكربون إلى تكنولوجيا قابلة للتطبيق.
ويمكن لقوانين المشاريع المُعلَّقة في الكونغرس توفير حوافز للتغلب على هكذا عقبات. باستطاعة الشركات الآن الحصول على إعفاءات ضريبية تعادل 10 دولارات لكل طن ثاني أكسيد الكربون يُضخّ تحت الأرض في حقول النفط المُنضَّبة لاستخراج بقايا النفط فيها، كما أنها تحصل على 20 دولارا للطن إذا حُقن ثاني أكسيد الكربون في طبقات المياه الجوفية المالحة، وهو شكل أكثر دواما من أشكال العزل. وقد وضع سقف لهذه الإعفاءات الضريبية عند 75 مليون دولار، وهناك شركات طالبت بالفعل بـ 60 ٪ من المحفظة الضريبية. وقد قُدّمت في هذا الصيف مشاريع قوانين إلى مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ للمطالبة برفع الحد وزيادة الإعفاءات الضريبية لكلا نوعي الحقن إلى 35 دولارا و50 دولارا على التوالي لكل طن ثاني أكسيد الكربون. “وهذا يقترب من النقطة التي ستكون فيها تكلفة تقنيات CCS فعالة، وتسمح بتطور سوق لها،” وفقا لهوارد هرتسوغ Howard Herzog -مهندس كيميائي واختصاصي باقتناص الكربون يعمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT بكامبريدج.
في الأسبوع الماضي، فشل الكونغرس – وعلى الرغم من جهود جماعات الضغط – بإضافة إعفاءات ضريبية جديدة تشمل التقنيات CCS في مشروع قانون الإنفاق حتى نهاية العام، ويأمل المناصرون بإضافتها إلى الإصلاح الضريبي مطلع العام المقبل.
لقد أُطلق تمديد الإعفاء الضريبي للتقنيات CCS على خلفية خطة الطاقة النظيفة Clean Power Plan (اختصارا: الخطة CPP) للرئيس أوباما – وهي عنصر أساسي في التزام الولايات المتحدة باتفاق باريس للمناخ – وتكثّف هذه الخطة القيود المفروضة على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، كما يمكن أن تفرض إدخال التقنيات CCS على محطات الفحم القائمة. فقد شجع ذلك الحزبين الجمهوري والديموقراطي على تقديم دعم واسع لتعزيز إجراءات الإعفاءات الضريبية، مما سيجعل الفحم بالمعزز بالتقنيات CCS متوفرا بأسعار معقولة أكثر.
وإلى جانب تعهد ترامب “بإلغاء” اتفاق باريس، فقد عيّن في الأسبوع الماضي سكوت بروت Scott Pruitt– النائب العام لولاية أوكلاهوما – رئيسا لوكالة حماية البيئة (اختصارا: الوكالة EPA)، على الرغم من كونه يقود الجهود التي تسعى إلى مقاضاة الوكالة بسبب الخطة CPP. ويعتقد فان نوستراد أن الخطة “منتهية من حيث جميع الأغراض العملية”. إذا كانت هذه هي الحال، فإن الضغوط الساعية إلى تزويد محطات الفحم القائمة بتقنيات اقتناص الكربون وتخزينه سوف تختفي، وذلك بحسب قول مايكل ويبر Michael Webber، نائب مدير معهد الطاقة Energy Institute في جامعة تكساس بأوستن. ويضيف ويبر قائلا إنه في الوقت نفسه ستظل محطات الفحم الجديدة نادرة بسبب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.
وحتى إن تقلصت جهود تطبيق التقنيات CCS في الولايات المتحدة، إلا أنها ستؤدي دورا مهما على الصعيد العالمي، طالما تعمل بلدان أخرى على الحفاظ على التزاماتها بموجب اتفاق باريس. ويوجد اليوم خمسة عشر مشروعا واسع النطاق لاقتناص الكربون وتخزينه، بقدرة اقتناص تصل إلى 28 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنويًّا. ويحتاج هذا إلى زيادة قدرها 6 بلايين طن متري سنويا بحلول عام 2025 إذا التزم العالم بأهداف باريس الساعية إلى إبقاء درجات الحرارة لأقل من درجتين سيليزيتين، وفقا لوكالة الطاقة الدولية International Energy Agency (اختصارا: الوكالة IEA)، لأن اعتماد العديد من الدول النامية على الطاقة التي تعمل بالفحم لا يزال قيد النمو. ومع ذلك، حذّر التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية الشهر الماضي من خطط مستقبلية هزيلة لمشاريع التقنيات CCS. ويختتم التقرير بقوله: “إن الوتيرة الحالية لنشر التقنيات CCS لا تتماشى مع طموحات باريس.”
إذا صمدت اتفاقية المناخ، فإن الضغط على الدول الموقعة عليها سيستمر لتطبيق التقنيات CCS، وفقا لفان نوستراد، كما ستسهّل التقنيات الجديدة الطريق إلى ذلك، ويقول فان: “كي يصبح للفحم مستقبل فيجب أن يكون هناك تطور كبير في التقنيات CCS.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.