بعثة لسبر أعمق أسرار خندق المحيط
بعثة لسبر أعمق أسرار خندق المحيط
تركيز الجهود الدولية على عُمق خندق ماريانا الكبير وسكونه الزلزالي
بقلم: جين تشيو ذ بكين
يقول جيان لين Jian Lin إن خندق ماريانا “ مجنون قليلا”. إذ يغوص الجرف المنجلي الشكل الواقع غرب المحيط الهادي -وطوله 2550 كيلومترا- إلى عمق نحو 11 كيلومترا، أي أعمق من أي مكان آخر في المحيطات. لكن أكثر ما أبهر لين – الجيوفيزيائي من معهد هول وودز لعلوم المحيطات Woods Hole Oceanographic Institution في ولاية ماساشوستس – هو التضاريس الغريبة. إذ يُحدِّد الخندقُ منطقةَ الاندساس Subduction zone؛ حيث تنزلق صفيحة من شرائح القشرة لتقع تحت أخرى. ولكن في حين تنحدر العديد من صفائح الاندساس بشكل تدريجي نحو الأسفل فإن صفحة المحيط الهادي تغوص في خندق مارينا بشكل عمودي تقريبا.
وقد تساءل العلماء طويلا عن سبب هذا الغوص الحاد، ولماذا لم يُسجَّل في خندق ماريانا أي زلزال مثل الزلازل الضخمة التي تولّد موجات تسونامي طويلة المدى في مناطق الاندساس الأخرى. الآن، زرع فريق صيني أمريكي مجموعة من أجهزة قياس الزلازل على سفوح ماريانا. ويقول لين – المشارك في إدارة المشروع – إن مبادرة خندق ماريانا التي ستستمر خمس سنوات وتكلف 12 مليون دولار، تهدف – عبر الاستماع إلى الموجات الزلزالية – إلى رسم صورة دقيقة التفاصيل لطبقات الصخور المتعرّجة في الخندق وحوله، وذلك للبحث عن أدلّة عمّا يقوم بتشكيلها.
يقول روبرت ستيرن Robert Stern، العالم الجيولوجي من جامعة تكساس University of Texas في دالاس والذي لم يشارك في هذا الجهد: “ إنه لأمر مثير للغاية وينبغي له توفير معلومات قيّمة حول الخصائص الغريبة لأعمق مكان على وجه الأرض.”
تركّز المبادرة على أعمق بقعة في الخندق وهو الوادي المنجلي الشكل المسمّى تشالنجر ديب Challenger Deep. مصارعين الأمواج العالية؛ ركب العلماء في الشهر الماضي على متن سفينة الأبحاث الصينية شي يان3 (SHI YAN 3)، ونشروا حول الخندق 33 جهازا واسع النطاق لقياس الزلازل، على عمق يصل إلى 8137 مترا. (انظر الخريطة). ويمكن للأدوات -بقدرتها على تحمّل ضغط يصل إلى 1000 ضغط جوي؛ أي أعظم من أي أجهزة أخرى لقياس الزلازل- أن تلتقط ذبذبات من الزلازل ومن البنادق الهوائية القوية على متن سفينة الأبحاث التي تستكشف الصخور التي يقوم عليها الخندق.
ويخطط الباحثون لمقارنةَ هذه البيانات ببيانات نتائج حملة الزلازل التي أُجريت عام 2012 في خندق ماريانا المركزي الأكثر ضحالة، حيث تكون زاوية غوص الصفائح فيه أكثر تدريجية. وينبغي أن يمكنهم هذا العمل من “اختبار فرضيات مختلفة حول سبب تصرّف تشالنجر ديب بغرابة شديدة،” وفقا لرئيس البعثة العالم سون جين لونغ Sun Jinlong، وهو جيوفيزيائي بحري في معهد بحر الصين الجنوبي لعلم المحيطات في غوانغتشو بالصين. ففي دراسة تعتمد على النمذجة، استنسخ الفريق تضاريس تشالنجر ديب ونمط الشق، وذلك فقط بعد أن أدخلوا قوة هبوط هائلة وغامضة تسحب الصفائح نحو الأسفل في صفحات المحيط الهادي.
أما التفسير الآخر المحتمل للتضاريس، فهو وجود تمزّق في صفحة المحيط الهادي والذي من شأنه أن يجعلها أكثر ليونة وقدرة على الغوص بشكل أكثر حدّة، وذلك كما تقول باتريشيا فراير Patricia Fryer عالمة الجيولوجيا بجامعة هاواي University of Hawaii في هونولولو. إذ تلمّح الأنشطة الزلزالية التي رصدتها محطات الزلازل البعيدة إلى وجود تمزّق. وتضيف فراير أن أجهزة قياس الزلازل المزروعة حديثا في أعماق المحيط تمتلك قدرة غير مسبوقة على رصد الهزّات تحت الخندق رصدا تفصيليا، وعلى تقديم أجوبة قاطعة.
كما يأمل دوغلاس وينز Douglas Wiens -الجيوفيزيائي في جامعة واشنطن Washington University بسانت لويس في ولاية ميسوري الذي قاد بعثة عام 2012 – بوجود أدلة تخبرنا مّا إذا كان هناك أمرٌ آخر غير الحظ يفسر عدم وجود زلازل عملاقة في خندق ماريانا. وينبغي أن تكشف البيانات الزلزالية عما إذا كانت الصفائح “مقترنه بإحكام” – أي قادرة على مراكمة الضغوطات التي يمكنها تحفيز حدوث زلازل أكبر – أو أنها تنزلق بسهولة بمحاذاة بعضها البعض.
وهناك مؤشر على ضعف الاقتران في منطقة الاندساس، وهو وجود السربنتينيت Serpentinite -معدن يتكوّن من تفاعل ماء البحر -المدفوع نحو الأسفل جراء هبوط الصحيفة- مع الغلاف الصخري. ويقول وينز إن بعثة 2012 قد اكتشف وجود السربنتينيت على عمق 21 كيلومترا تحت خندق ماريانا المركزي، ويميل السربنتينيت إلى الانزلاق بدلا من الالتصاق، مما يبشّر باستمرار الهدوء في الخندق، لكنّ علماءً آخرين ليسوا مطمئنّين. إذ يقول لين: “قد يكون الخندق قادراً تماما على إحداث زلازل أكبر بكثير ولكن تسجيلاتنا أقصر من أن تكتشفها.”
جين تشيو Jane Qiu صحافية علمية في بكّين.