حرب باردة حول قاعدة قطبية تسبب نكسة للعِلم
حرب باردة حول قاعدة قطبية تسبب نكسة للعِلم
الباحثون مصابون بالشلل بسبب النزاع على الاستحواذ على محطة أبحاث
بقلم: مارتن إنسرينك
حل فصل الصيف في القطب الجنوبي، ومعه بدأ موسم البحث والعلم. ولكن لم يأت أي من الباحثين البلجيكيين لإجراء تجاربهم في محطة الأبحاث المتطورة البلجيكية في شرق القارة القطبية الجنوبية؛ فالنزاع الذي طال أمده بين الحكومة البلجيكية والمؤسسة الخاصة التي بنت وتدير محطة أبحاث الأميرة إليزابيث في القطب الجنوبي Princess Elisabeth Antarctica research station أدى إلى إلغاء البعثة البلجيكية إلى القارة القطبية الجنوبية هذه السنة. وفي حين ينعم العلماء البلجيكيون المختصون بالقطب الجنوبي بالدفء في منازلهم، يتولى رئيس المؤسسة – المغامر الشهير آلان هيوبرت Alain Hubert- تشغيل المحطة مع طاقم صغير.
ويدور الخلاف حول سؤال مباشر يتعلق بمن هو صاحب القرار بشأن محطة الأميرة إليزابيث؟ لكن الطرفين المتنازعين لا يقومان بتسهيل الأمر للتوصل إلى إجابة. فهناك نحو 15 دعوى قضائية بين الحكومة ومؤسسة هيوبرت، وفق المتحدث باسم إلكه سلورز Elke Sleurs، وزيرة الدولة البلجيكية للسياسات العلمية، في حين تتناثر الاتهامات حول سوء الإدارة والسرقة والخداع في الصحافة البلجيكية.
وفي هذه الأثناء، يُعطِّل هذا الخلاف عملَ العلماء. “إنه أمر رهيب،” كما تقول نيكول فان لايبزيغ Nicole van Lipzig من جامعة لوفن University of Leuven في بلجيكا والتي تخلَّف فريقها عن إجراء قياسات في مرصد السحب في المحطة. ويعرب الباحثون الأجانب بالمثل عن الأسف لما يُهدَر من فرص. “إنه لأمر سخيف،” كما يقول كونراد ستيفن Konrad Steffen، مدير المعهد الفديرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلج والمواقع الطبيعية Swiss Federal Institute for Forest, Snow and Landscape Research (اختصارا: المعهد WSL) في بيرمنسدورف، والذي زار المحطة لإجراء أبحاث في عام 2012.
كان هيوبرت وراء فكرة إنشاء محطة الأميرة إليزابيث، فهو أول بلجيكي زار القطب الشمالي عام 1994 واجتاز القطب الجنوبي مرةً سيراً على الأقدام في رحلة مرهقة دامت 99 يوما. فقد قدمت له الحكومة 6 ملايين يورو، وتمكَّن هيوبرت الذي يصفه ستيفن بأنه “قائد قوي لديه الموهبة لتحويل الأفكار إلى واقع،” من جمع تبرعات بقيمة 16 مليون يورو من مستثمرين في القطاع الخاص وأشرف على بناء المحطة التي اكتملت في عام 2007. وبعدها بثلاث سنوات، منحت المؤسسة الدولية القطبية International Polar Foundation (اختصارا: المؤسسة IPF)-التي أسسها هيوبرت- ٪99,9 من ملكية المحطة إلى الدولة التي وافقت على تنظيم بعثات علمية وتغطية التكاليف التشغيلية التي تقدر بنحو مليون يورو سنويا. وتوصل الطرفان إلى الاتفاق على أن تتولى المؤسسة IPF عمليات التشغيل اليومية في المحطة. وتشارك الطرفان في إدارة المحطة من خلال السكرتارية القطبية التي أُنشئت وتولى هيوبرت رئاستها.
وتقع المحطة فوق بروز صخري يبعد 500 كيلومتر من أقرب قاعدة، في موقع يصفه جان لينارتس Jan Lenaerts من جامعة أوتريخت Utrecht University في هولندا، بأنه “منطقة ذات أهمية لا توصف، إذ يمكنك منها الذهاب إلى أيّ مكان.” فقد نشر لينارتس نتيجة بحثه حول كيفية تفاعل الجليد والثلج القطبي مع المُناخ العالمي في مجلة نيتشر للتغير المناخي Nature Climate Change الشهر الماضي. وتوجد بالقرب من موقع المحطة صفائح ضخمة من الجليد الذائب، وصخور مكشوفة تُسمى نوناتاك Nunatak قد تخبىء أسراراً تسهم في حل لغز نشأة الحياة وحقول نيزكية كبيرة.
لقد بدأت العلاقات تشهد توتراً بعد وقت قصير من توقيع الاتفاقية عام 2010، حيث اتهمت الحكومة فريق المؤسسة IPF بسوء الإدارة المالية بما يشمل الارتفاع الكبير في التكاليف وتضارب المصالح وعدم توثيق النفقات بشكل صحيح. ففي تقرير يعود إلى سنة 2015 اطلعت عليه مجلة ساينس، تعرب المؤسسة الفديرالية للتدقيق المالي -وهي هيئة حكومية بلجيكية- عن “استيائها” من سلوك المؤسسة IPF التي تقول إنها خرقت الاتفاقات مرارا.
وفي عام 2015، أبعدت الحكومة البلجيكية هيوبرت وباقي أعضاء فريق المؤسسة IPF من مجلس السكرتارية القطبية الاستراتيجي (Science, 21 August 2015, p. 775). وكلفت في الموسم 2015-2016 شركة خاصة بتشغيل المحطة مع الاستعانة بالجيش البلجيكي. وخلفت هيوبرت في إدارة المحطة كيارا مونتاناري Chiara Montanari، المهندسة الإيطالية ذات الخبرة الواسعة في القطب الجنوبي.
حينها لجأ هيوبرت إلى القضاء وحصل على حكم لصالحه في عام 2016 قلب الوضع. ففي سبتمبر، علّق مجلس الدولة في بلجيكا المرسوم الصادر بإخراج مؤسسته من السكرتارية القطبية. وفي أكتوبر، منعت المحكمةُ الحكومةَ من إرسال فريق صيانة عسكري للعمل في المحطة. وكان هذا الفريق في ذلك الوقت في كيب تاون في جنوب إفريقيا في طريقه إلى القارة القطبية الجنوبية. وبدلاً من ذلك، عاد هيوبرت إلى القارة القطبية الجنوبية، وفي نوفمبر كان لايزال في القاعدة بصحبة نحو عشرة موظفين. لقد وجدوا المحطة “في حالة يرثى لها،” كما تقول نيغات أمين Nighat Amin، زوجة هيوبرت التي تشغل منصب نائب رئيس المؤسسة الدولية القطبية للشؤون الدولية. (لم يتسن لمجلة ساينس الاتصال بهيوبرت في القطب الجنوبي).
وازدادت الهوة بين الطرفين منذ ذلك الحين. فالسكرتارية القطبية لم تعد فعّالة، وأبلغت الحكومة البلجيكية الباحثين بعدم السفر إلى القارة القطبية الجنوبية، وفق فرانك باتين Frank Pattyn عالم الجليد المختص بدراسة تطور الصفائح الجليدية من الجامعة الحرة في بروكسل Free University of Brussels . ولم يزر المحطة هذه السنة سوى عالمين من المعهد الفديرالي السويسري لأبحاث الغابات والثلج والمواقع الطبيعية، وباحثين حصلا على منحة خاصة وصلا إلى المحطة الأسبوع الماضي مع أمين.
يواصل موظفو المؤسسة IPF إجراء بعض التجارب في المحطة، وفق ما تقول أمين. وتقول فان لايبزيغ إن البحث لا يشمل مرصد السحاب Cloud observatory الخاص بها لأنه من الصعب جداً لغير المختصين تشغيله. وتضيف أن هذه الخلافات تضعها في موقف صعب مع زملائها الأجانب. وتشرح الموقف بقولها “تقضي سنةً في التخطيط لمشروعاتك، ثم عليك أن تقول لهم إنها لن تُنفَّذ.”
وفي غضون ذلك، رفضت الحكومة تزويد هيوبرت بالرمز السري لنظام هاتف القمر الاصطناعي للقاعدة، الأمر الذي خفّض من الاتصالات إلى الحد الأدنى. ولم يكن هناك أي اتصال بشبكة الإنترنت في المحطة خلال الشهر الماضي، وفق الباحث مايكل ليننغ Michael Lehning الذي عاد لتوّه إلى سويسرا. وفي ديسمبر 2016، زعمت الحكومة أن المؤسسة IPF تعرض زيارات سياحية إلى المحطة كجزء من رحلة باهظة تنظمها شركة جنوب إفريقية. لكن المؤسسة نفت ذلك.
ويأمل الباحثون بإنهاء هذه الحرب الباردة بين الطرفين قريبا. “نحن بحاجة إلى حالة استقرار طويلة المدى،” كما تقول فان لايبزيغ. وتدرس الحكومة كيفية المضي قدما. ومع أن إنجازات هيوبرت أمر لا جدال فيه، يقول المتحدث باسم وزيرة الدولة للسياسات العلمية: “إنك تتعامل مع أموال دافعي الضرائب. فإذا لم تكن حساباتك منظمة، لا ينبغي بك إدارة محطة قطبية.” لكن أمين تنفي مسؤولية المؤسسة IPF عن المشكلة وتقول إن مدققي حسابات الحكومة متحيزون ضدها.
وتقول أمين إن المؤسسة IPE تنتظر من الحكومة أن تقدم اقتراحاً عادلاً لإدارة المحطة. وتضيف: “نحن نقوم بهذا العمل منذ أربعة عشر عاما. ومن غير الوارد أن نتخلى عنه”.