مفاعل الاندماج يتزوّد بوقود متفجر
علم الاندماج
أخبار بالتفصيل
مفاعل الاندماج يتزوّد بوقود متفجر
بقلم: دبليو. واييت جيبس
ترجمة: د. ليلى الموسوي
في كل مرة يطلق فيها فيزيائيو البلازما بمختبرات سانديا الدولية Sandia National Laboratories في ألباكوركي بنيو مكسيكو طلقةً على مفاعل الاندماج Fusion reactor، يحترق جزء كبير من مكونات الأجهزة Hardware فيه. إذ تحتوي الآلة Z (زي) Z machine -في هذا المفاعل- على صفوف من المكثِّفات تمتلئ بطاقة كهربائية أكثر مما تحمله ألف صاعقة برق. فبِضغة زرّ، يصعد 20 مليون أمبير إلى أسطوانة مليئة بالوقود، أسطوانة بحجم ممحاة قلم رصاص. ينتج التيّار الكهربائي حقلا مغناطيسيا هائلا، يعصر الأنبوب بسرعة وقوة هائلتين لدرجة أن ذرّات الهيدروجين بداخله تنصهر متحولة إلى هليوم، مطلقة انفجارا من النيترونات العالية الطاقة، ونوى الهيليوم (المعروفة بجسيمات ألفا: particles). و“يبخّر” الانفجار الأجهزةَ الدقيقة التي تحمل الأنبوب الصغير جدا – 10 كجم من المعدن الصلب . ويقول مايك كونيو Mike Cuneo، مدير المشروع: “أساسيا، إننا نضرب الجهاز بما يعادل طاقة ثلاث أصابع من الديناميت، وبعد ذلك، تكون هناك حفرة عرضها قدم.”
ويستعدّ الفيزيائيون الآن لتوليد انفجارات أكبر حتى من هذه، وذلك بإضافة وقود ثمين يُستخدم في الأسلحة النووية الحرارية Thermonuclear weapons، وهو سلاح يحمل في طياته كلا من المخاطرة والمكافآت. تقترحُ الحسابات والمحاكاة ونتائج الاختبارات التي نُشرت في السنوات الأخيرة أن باستطاعة آلة سانديا تقديم طريق أسرع وأرخص لاندماجٍ مكتفٍ ذاتيا، أكثر من مقاربة أخرى تُفجِّر الوقود بأشعة الليزر أو تحصره في مُفاعِلات تُدعى توكاماك. ولكن حتى الآن، أطلقت الآلة Z عنان غضبها بشكل أساسي باستخدام الديوتيريوم Deuterium (هيدروجين بنيوترون واحد في نواته) الذي يُنتِج كميات محدودة من الطاقة الاندماجية.إلاّ أنه في أغسطس، قام الباحثون بإضافة كمية صغيرة جدا من التريتيوم Tritium– وهو هيدروجين بنيوترونين اثنين من النيوترونات . وعلى مدار الخمس سنوات المقبلة، فإن الاختبارات ستزيد من الكمية تدريجيا حتى يصل الخليط إلى مزيج متساوٍ من الديوتريوم والتريتيوم (اختصارا: الوقود DT).
يطلق اندماج الوقود DT ذي النسب المتساوية 50-50 ضعف النيترونات التي يطلقها اندماج وقود من الديوتريوم فقط، وذلك بستين إلى تسعين ضعفا، وتحمل كل من النيوترونات والجسيمات المقذوفة من الوقود DT طاقة أكثر بأربعة أضعاف مما تحمله نظيراتها من تلك المقذوفة من اندماج الديوتريوم فقط. ومع ارتفاع مستويات التريتيوم في الوقود إلى 50 ٪، فإن عائدات الطاقة الناتجة سوف ترتفع جدا.
وقد تبعت جهودٌ أخرى في الاندماج الطريقَ ذاته. ففي عام 1997 حرق مفاعل التوكاماك -المسمّى الحلقة الأوروبية المشتركة Joint European Torus (اختصارا: المفاعل JET) والموجود في أبينغدون بالمملكة المتّحدة- الوقودَ DT 50-50 لتوليد 16 ميجاوات من الطاقة، ولكن لأقلّ من ثانية. وشكّلت هذه الطلقة رقما قياسيا في إنتاج الطاقة الاندماجية، وهو رقمٌ لا يزال قائما حتى اليوم. لكن الغرافيت في جدران المفاعلJET حدّ من كمية الإنتاج. “إن الكربون بالنسبة إلى التريتيوم بمثابة الإسفنج، لذا فإن 70 % من التريتيوم الذي حقنَّاه التصق بالجدار،” وذلك بحسب ما يتذكّر زافيير ليتدون Xavier Litaudon، رئيس قسم الفيزياء في مشروع إيتر ITER بجامعة أكسفورد ببريطانيا، والذي يشن حملة الآن لتمديد تمويل المفاعل JET، ليشمل جولة جديدة من التجارب باستخدام الوقود DT في عام 2019. ومشروع إيتر – وهو مفاعل توكاماك دولي تجاوز تنفيذه الوقت والميزانية المحدَّدين، وهو قيد الإنشاء الآن بالقرب من كارداريك Cadarache بفرنسا – قد رهن مهمته -في نهاية الأمر- على استخدام الوقود DT لإطلاق قوة من الاندماج أكثر بكثير ممّا وُضِع فيه.
وعلى عكس المفاعل توكاماك، الذي يستخدم المجالات المغناطيسية لتحقيق استقرار حلقةٍ رقيقة من البلازما الساخنة؛ تعتمد آلة Z على القصور الذاتي (العطالة) Inertia، وعلى قفص مغناطيسي لاحتواء وقود فائق الحرارة أثناء إطلاق طلقات بطول ميكروثانية. وتُسمى هذه المقاربة بالاندماج المغناطيسي بحصر القصور الذاتي Magneto-inertial fusion، ويشترك بالكثير من القواسم المشتركة مع الجهود الأخرى في الاندماج مثل تجربة الاندماخ في منشأة الإشعال الوطني National Ignition Facility (اختصارا: المنشأة NIF) في مختبر لورانس ليفرمور الوطني Lawrence Livermore National Laboratory في كاليفورنيا، حيث يطلق ليزر بقوة تريليون واط كرياتٍ من الوقود لإنتاج الاندماج. ليس على علماء مختبرات سانديا والمنشأة NIF القلقَ بشأن فقدان التريتيوم بسبب الغرافيت، لأنه وعلى العكس من مفاعلات التوكاماك، فإنه ليست لآلاتهم جدران احتوائية. وإضافة إلى ذلك، يقول كونيو إنه وعلى العكس من مفاعلات التوكاماك، فباستطاعة المجال المغناطيسي لآلات Z أن يُبطّئ من انبثاق جسيمات ألفا وأن يعترضها على طول خطوط المجال، مرسلا بذلك المزيد من الطاقة لتغذية الاندماج.
وتُعدّ سانديا واحدة من أصل ثلاثة مراكز للاندماج تَستخدِم حاليا الوقود TD (انظر الجدول) وإحدى المشكلات التي يواجهونها هي مشكلة التكلفة. ويكلّف التريتيوم عشرات الآلاف الدولارات للجرام الواحد، وذلك لعدم وجود مستودع طبيعي للمادّة، إذ يتم إنتاجه في المفاعلات النووية كمنتج ثانوي للانشطار Fission.
تخلق النبضات الكهربائية لآلات Z مجالات مغناطيسية قوية قادرة على سحق أنابيب الوقود النووي.
وهناك مشكلة أخرى، ألا وهي السلامة. ويقول ريتش هاوريلوك Rich Hawryluk، وهو الباحث في مختبر برنستون لفيزياء البلازما Princeton Plasma Physics Laboratory (اختصارا: المختبر PPPL) بنيوجرسي: “التريتيوم مادة مشعة بشكل معتدل – بنصف حياة يعادل 12 عاما – لذا تتطلّب منك القوانين التعامل معه بعناية فائقة.” وما هو أكثر من ذلك، إن النيترونات الناتجة من اندماج الوقود TD تصطدم بالأجزاء الصلبة وتجعلها مُشعّة قليلا. لذا وعندما أنهى المختبر PPPL نشاط أحد المفاعلات بعد نفاد الوقود TD منه في تسعينات القرن العشرين، مُلِئ الوعاء -بحجم غرفة- بالخرسانة، و من ثمّ قُسِّم إلى أجزاء وطُمر في موقع هانفورد للنفايات النووية بولاية واشنطن.
بوجود الماء، بما ذلك الرطوبة في الهواء، يمكن للتريتيوم تشكيل ماء مُشِّع Tritiated water، وهو من الناحية البيولوجية أخطر بعشرة آلاف مرة -على الأقل- من غاز T2 النقي، كما يقول هاوريلوك. وهذا مصدر قلق خاص للآلة Z، التي تَعْزل المكوناتِ الكهربائية في بِرك من الزيت والماء. ويقول كونيو: “لا نريد للتريتيوم أن يصل إلى ذلك.”
وللتريتيوم في المنشأة NIF مخاطر أقل، وذلك بسبب أنه يتم احتوائه ضمن دائرة صغيرة أثناء النقل، كما أن العاملين لا يدخلون إلى داخل الآلة كثيرا. وفي المقابل، فإن كبسولة سانديا مفتوحة من الطرفين، ويؤدي الانهيار الداخلي Implosion العنيف إلى خلط التريتيوم غير المحترق بالمعدن المتبخّر الذي ينتشر في كل مكان. ويقول كونيو: “يجب على الناس الذهاب إلى الداخل واستبدال مركز المُسرِّع Accelerator بالكامل بعد كل طلقة.”
وعلى الرغم من ذلك، فإن مختبرات سانديا ستمضي قُدما في استخدامها للتريتيوم، ويرجع هذا جزئيا إلى كونه يولد نيوترونات إضافية تكشف عمّا يحدث في أسخن وأكثف جزء من البلازما قصيرة الأجل، وهي المنطقة حيث تظل الفيزياء غير مفهومة بشكل جيّد بعد. ويقول كونيو إنهم، وفي الطلقات الثلاث المقررة للعام المقبل، فإنهم سيزيلون نظام احتواء التريتيوم من حول الهدف، وذلك من أجل اختبار سلامة نظام تطهير الهواء، وكذلك للحصول على رؤية أكثر وضوحا للنيوترونات.
“إننا متحمّسون بشأن النتائج الأخيرة، على الرغم من أن نسبة التريتيوم فيها لا تتجاوز 10 %.” وأضاف كونيو: “كان هناك حاجز يمنعنا من الاعتقاد بأننا قد لا نستطيع-اطلاقا- استخدام التريتيوم.”
دبليو. واييت جيبس W. Wayt Gibbs، كاتب مستقل مقرّه سياتل – واشنطن، ومدير تحرير في موقع المشاريع الفكريّة Intellectual Ventures.
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.