مهجور مجددا، علماء كوكب الزهرة يتحسّرون على كوكبهم المُهمَل
مهجور مجددا، علماء كوكب الزهرة يتحسّرون على كوكبهم المُهمَل
الباحثون يعلقون آمالهم على مسابقة ناسا المستقبليّة
بقلم: بول فوسين
بالنسبة إلى لوري غليز Lori Glaze، أحيانا ما يلوح كوكب الزهرة نائيا مثل بلوتو. إذ قضت غليز -عالمة الكواكب في مركز غودارد لرحلات الفضاء Goddard Space Flight Center التابع لناسا في غرينبيلت بولاية ماريلاند- سنواتٍ في الضغط من أجل العودة إلى أقرب جار للأرض والذي لم تزره ناسا منذ بداية التسعينات. وفي آخر مسابقة للوكالة لرحلات ديسكفري المستقبلية -خطها من مسابير الكواكب منخفضة التكلفة– استهدف مرشَّحَان نهائيَّيان من أصل خمسة متسابقين كوكب الزهرة، بما في ذلك بعثة كانت ستقودها غليز. فقد كانت الاحتمالات جيدة، فتقول غليز: “لقد اعتقدّتُ حقا أن الوقت قد حان.”
لكنّه لم يحِن بعد. إذ أعلنت وكالة ناسا في الرابع من يناير عن اختيارها لبعثتي كويكب وهما: لوسي Lucy وسيكي Psyche، سيطلقان في عام 2021 و2023 على التوالي (انظر الإطار أدناه). وسيتلقَّى مشروع ثالث -وهو تليسكوب فضائي للكشف عن الأجسام القريبة من الأرض- تمويلا إضافيا لمتابعة التصميم لعام آخر. “ببساطة كل ما هو ليس كوكب الزهرة قد تلقّى تمويلا،” كما يقول باتريك ماكغوفرن Patrick McGovern، جيوفيزيائي في معهد القمر والكواكب Lunar and Planetary Institute في هيوستن بتكساس. يبدو أن الرسالة هي: يمكن لكوكب الزهرة الانتظار.
يقول مدير قسم الكواكب التابع لناسا في العاصمة واشنطن جيم غرين Jim Green إن القرار كان بشأن الجدارة العلمية والمخاطرة. وستستخدم كل من لوسي وسيكي أدوات مستعملة على كويكبات بلا غلاف جوي يقاومها. ففي المقابل، تحجب غيوم كوكب الزهرة الكثيفة معظم أجهزة الاستشعار الموجودة على المركبات الفضائيّة، وأما تلك التي تغامر بالذهاب بعيدا أسفل السحب، فإنها تواجه قطرات حمض الكبريت ودرجات حرارة مرتفعة وضغطا ساحقا. قد يكون كوكب الزهرة ببساطة مخاطرة كبيرة جدا لبعثة ديسكفري بتكلفة 450 مليون دولار، وذلك كما يقول بوب غريم Bob Grimm -جيوفيزيائي في معهد ساوث ويست للأبحاث Southwest Research Institute في بولدر بولاية كولورادو: “إن كوكب الزهرة أكثر تعقيدا من كويكب”.
لكن علماء الزهرة يقولون إنه لا يوجد نقص في الأسئلة العلميّة المحيّرة، فهم يريدون مثلا قياس مخزون الكوكب من الغازات الخاملة المستقرة مثل الزينون والكريبتون التي لا يعتريها تغيير كبير في الوفرة على مدى بلايين السنين، كما تحمل أدلة عن أصل الكواكب. وكانت بعثة غليز ستستهدف تلك الغازات عبر إنزال كرة مدرعة مرصعة بالأدوات عبر الغلاف الجوي، وذلك بواسطة المظلات. فقد قدّمت قياسات غير مؤكدة للكريبتون من مسابير سابقة احتمالين اثنين: تساوي مستويات كوكب الزهرة المستويات على الأرض، مما قد يدل على أن الكوكبين ربما تكونا من مواد مماثلة في السديم البدائي، أو أنها قد تختلف لدرجة تجعل العلماء يتخلون عن نظرياتهم حول أصول كوكب الزهرة. وكان المسبار سيستنشق الكربون والكبريت أثناء تحليقه عبر آخر 12 كيلومترا باتجاه السطح، وهي أدلّة محتملة على ثورة بركانية حديثة. “تاريخ الزهرة مخزون في الغلاف الجوي،” كما يقول لاري إسبوزيتو Larry Esposito -عالم الكواكب في جامعة كولورادو في بولدر.
كما كان مسبار غليز سيصوّر كذلك مرتفعات غامضة، أو فسيفساء tessera، مرسومة بالتفاصيل من قبل رادار مسبار ماجلان؛ مسبار ناسا في تسعينات القرن الماضي. ويعتقد العلماء أن تكون الفسيفساء عبارة عن قارات برزت منذ ملايين السنين من المحيطات الضحلة لكوكب الزهرة، وقد تستطيع صور مفصّلة الكشف عن علامات الصفائح التكتونية القديمة للكوكب.
وعلى الرغم من أن وكالة ناسا قد أهملت الزهرة لصالح بعثات المريخ (انظر الرسم البياني) إلا أن فينوس إكسبريس Venus Express -البعثة الأوروبية انتهت عام 2014 – قد رصدت حركة وبُنية الغلاف الجوي لكوكب الزهرة الذي يدور حول الكوكب بسرعة تصل إلى ستين ضعفا لدوران الكوكب نفسه. كما زادت سرعة الرياح على مدى سنوات الرصد الست، مع أنّ الدوافع تبقى غامضة. مطلًّا عبر الغيوم من خلال “نوافذ” من الأشعة تحت الحمراء -أطوال موجية تخترق الظلمة؛ رأى فينوس إكسبريس كذلك بقعا حارة على السطح تتغير درجة حرارتها من يوم لآخر، مما يشير إلى وجود أنشطة بركانية. أما المرشّح الثاني لديسكفري والذي قادته سوزان سمريكر Suzanne Smrekar من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، فكان سيستهدف هذه البقع الحارة بأجهزة استشعار أفضل، وسيوفّر خرائط رادار ذات وضوح أعلى بكثير، والذي كان سيوفر معلومات للجواب عما إذا كان كوكب الزهرة لا يزال يُنفّس الحرارة من باطنه أم إنّه في سبات جيولوجي عميق.
لم يفقد علماء الزهرة كل الأمل، إذ إن ناسا لا تزال تستقبل العروض حتى يوم الثامن والعشرين من أبريل من أجل بعثتها نيو فرونتيرز New Frontiers التي ستكلف 850 مليون دولار، وكوكب الزهرة هو أحد الأهداف الستة المُحتملة. ولتلبية احتياجات ناسا، فإن مثل هذه البعثة قد تحتوي على مسبار قصير الأجل، وربما على مركبة فضائية. ويخطط كل من غليز وإسبوزيتو لتقديم عروض، لكن كليهما متكتّمان بشأن تصوّراتهما.
إذا فشلا، فمن المحتمل أن يمرّ عقد قبل أن تعود ناسا إلى الزهرة؛ وذلك ربما يكون في بعثة مشتركة مع روسيا تسمّى فينيرا دي Venera-D وهي الآن قيد المناقشة. وهذه البعثة هي خليفة سلسلة مسابير فينيرا السوفييتية الطويلة التي جلبت في السبعينات والثمانينات الصورة الوحيدة على الإطلاق لسطح كوكب الزهرة، وستشمل فينيرا د مسبارا مصمما ليدوم بضع ساعات، إن لم يكن أكثر. وفي الوقت نفسه يرثي ماكغوفرن الحال قائلا: “إنّنا نفقد جيلا كاملا من العلماء الشباب المهتمّين بكوكب الزهرة.”
ومن غير المحتمل أن تحتوي الزهرة على حياة أو أن تسمح بالاستكشاف البشري، وهذه أجراس تحذير لناسا. لكن العلماء وجدوا في العقود الماضية موضوعا آخر للتأكيد عليه وهو تغيّر المناخ. تحوّل الغلاف الجوّي للزهرة إلى جحيم وذلك بفعل الغازات الدفيئة المنبعثة باطراد، ويمكن لفهم كيفيّة حدوث هذا أن يوجّه الاستجابة البشريّة نحو الاحترار العالمي. لكن غليز تقول: “لست متأكدة من قوّة الدور الذي سيؤديه مثل هذا النقاش في ظل الإدارة الجديدة.”
إذا خرج تغيير المناخ من محور النقاش، فستدخل الكويكبات غير الشمسية. فقد وجد الباحثون مجموعة من الكواكب الشمسية الشبيهة بالأرض، وهم يحاولون فهم الظروف المحتملة التي قد تكون مشابهة لسطح كوكب ذو نواة صلبة وغلاف جوي كثيف. ويقدم كل من الأرض والزهرة دراسة محيرة في التناقضات. تقول غليز: إذا أردت أن تفهم تلك الكواكب ذات الغلاف الجوّي، فعليك أن تذهب إلى ذلك الغلاف الجوّي.”