هابل يستخدم العدسة المجرّيّة لدراسة أولى نجوم الكون
علم الفلك
عدسة الجاذبية تساعد على البحث عن مصدر إشعاعي يتسبب في تأين الغاز الكوني القديم
بقلم: دانيل كليري
ترجمة: مريانا حيدر
في برنامج رصد اكتمل لتوه، جهز علماء الفلك إحدى أقوى آلاتهم ألا وهي تليسكوب هابل بمكافئ كوني لعدسة تصوير تليسكوبية، إذ كان هدفهم استكشاف أقدم وأقصى بقاع الكون حيث توجد المجرات الصغيرة الخافتة التي يرجح أنها احتوت على معظم النجوم الأولى في الكون. إن الرؤية التي يقدمها تليسكوب هابل ليست قوية وحادة بما يكفي، لذلك وجّه المسؤولون التليسكوب نحو ستة عناقيد مجرية Galaxy clusters ضخمة -وهي تجمعات من مئات أو آلاف المجرات- متأملين بأن تساعدهم على ذلك ظاهرة عدسة الجاذبية Gravitational lensing، وهي ظاهرة تنبأ بها آلبرت آينشتاين. ويرى العلماء أن هذه العناقيد ستتسبب في ظهور المجرات الأخفت في مدى الرؤية بسبب كتلها التي تحرف الضوء القادم من أجسام الخلفية. وتقول جينيفر لوتز Jennifer Lotz من معهد علوم تليسكوب الفضاء Space Telescope Science Institute (اختصارا: المعهد STScI) في بالتيمور في ماريلاند، وقائدة برنامج الحقول الحدودية Frontier fields الخاص بهابل: “إننا نستخدم حيلة من كتاب آينشتاين.”
يهدف البرنامج إلى فهم ما يدعى بحقبة إعادة التأين Epoch of reionization (اختصارا: الحقبة EoR) وهي الفترة الزمنية التي كان عندها عمر الكون أقل من بليون سنة، وفجر شيء ما الغاز الخامل المبعثر عبر الفضاء بعد الانفجار العظيم وأدى إلى انتزاع إلكتروناته. ويعتقد معظم علماء الفلك أن المسؤول عن ذلك هو الضوء فوق البنفسجي القادم من الجيل الأول من النجوم، ولكن هل كان هنالك ما يكفي من تلك النجوم في تلك الفترة وهل كانت تنتج قدراً كافياً من نوع الضوء المسؤول عن تحول كوني كهذا؟ ويعكف العلماء على تحليل البيانات التي يقدمها برنامج الحقول الحدودية، وتقترح النتائج الأولية وجود قدر كاف آنذاك.
لقد أنتج هابل عدة صور أولية باكرة لأقصى المجرات وذلك عبر تثبيت مجال الرؤية على نقطة وحيدة صغيرة من السماء لفترات طويلة، وقبل أربع سنوات، كان مات ماونتن Matt Mountain مدير المعهد STScI آنذاك يفكر فيما إذا كان يجب أن يبدأ بعملية أخرى من عمليات الحقل السحيق والتي كشفت عن أكبر المجرات الأولية وأكثرها سطوعاً، ولدى استشارته للجنة مستقلة، أوصت اللجنة بتجريب آلية العدسة الجاذبية لرؤية مصادر ضوئية أكثر خفوتاً في حقبة إعادة التأين. ويقول ماونتن -وهو الآن رئيس اتحاد الجامعات للأبحاث في علم الفلك Association of Universities for Research in Astronomy في العاصمة واشنطن- في هذا الخصوص: “كانت آلية العدسة في طور التحول إلى حقل علمي ناضج، لذلك كان بإمكاننا أن نحولها إلى أداة فعلية.”
على مر ثلاثة أعوام، وما يقارب 900 دورة من دورات هابل في المدار التي تستغرق كل واحدة منها 59 دقيقة، كرس مدير المعهد STScI جزءاً كبيراً من ذلك الوقت بهدف رصد ومراقبة العناقيد المجرية الستة. وتقول لوتز: “كانت عمليات الرصد متواصلة غالباً، ففي كل أسبوع كانت تصلنا بيانات.”
لتفسير الصور التي تظهر خليطاً من المجرات القريبة والبعيدة، حصل هابل على مساعدة من مرصدين آخرين تابعين لناسا، وهما: تليسكوب تشاندرا للأشعة السينية Chandra x-ray telescope، وتليسكوب سبيتزر الفضائي Spitzer Space Telescope بالأشعة تحت الحمراء. وقد ركزت آلات تصوير سبيتزر على العناقيد لمدة تزيد على 1000 ساعة، ولأن الأشعة تحت الحمراء يمكنها أن تعبر الغبار بين النجمي، فقد ساعدت بيانات سبيتزر علماء الفلك على تمييز المجرات القديمة القاصية فعلاً عن المجرات الحديثة كثيرة الغبار والتي يمكن أن تبدو شبيهة بها.
كما ساعد سبيتزر على الحصول على قياسات لأحجام المجرات وأعمارها، فالمجرات القديمة الباكرة تعج بنجوم ضخمة احترقت بسرعة وبضوء ساطع في الأشعة فوق البنفسجية، ولأن ضوء هذه النجوم يتمدد نتيجة توسع الكون، يمكن رؤيته من الأرض على شكل أطوال موجية مرئية يمكن التقاطها بسهولة من قبل هابل، ولكن في الوقت نفسه، فإن الضوء الصادر عن النجوم الأبرد الشبيهة بشمسنا يتمدد ليصبح مرئياً في نطاق الأشعة تحت الحمراء التي يلتقطها سبيتزر. وبالعثور على مزيج من النجوم الشابة سريعة الاحتراق، والنجوم القديمة بطيئة الاحتراق فإن ذلك يخبرنا ذلك بالكثير عن المجرة. وفي هذا الخصوص يقول بيتر كاباك Peter Capak من مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory في باسادينا في كاليفورنيا وقائد تليسكوب سبيتزر في المشروع: “يمكن أن نعرف عمر المجرة وعدد النجوم فيها باستخدام نسبة الضوء المرئي إلى الأشعة تحت الحمراء.”
أما تليسكوب تشاندرا، فقد ساعد الفريقَ على تحليل الصور المشوهة التي أنتجتها عدسات جاذبية العنقود المجري التي تتصف بكونها متكتلة وغير متناظرة وغير ملساء كعدسة تليسكوب عادية. ومن أجل تصحيح التشوه الناتج من شكل العدسة، يتعين على علماء الفلك أن يضعوا خريطة لتوزع المادة -الطبيعية منها والمعتمة- ضمن العنقود المجري، وقد حدد تليسكوب تشاندرا بدقة بعضاً من الأجزاء الأكثر كثافة من العناقيد والمدعوة بالنوى المجرية النشطة Active galactic nuclei التي تضيء بسطوع في مدى الأشعة السينية. ومع ذلك، بقي اكتشاف آلية تشويه العدسات لأجسام الخلفية نوعاً من الفن، إذ تقول لوتز: “لكل مجموعة أسلوب مختلف، وتوظف افتراضات مختلفة.” وقد قدم فريق لوتز صور محاكاة لخمسة من التجمعات، وقارنوا نتائجهم للحصول على مقاربة كلية دقيقة. وتعقب لوتز قائلة: “كان الأمر ناجحاً جداً، وقد حققنا تقدماً كبيراً.”
أنهى برنامج الحقول الحدودية عمليات الرصد في سبتمبر، وقد باشر الفريق الآن بمهمته الضخمة المتمثلة بمعالجة البيانات لإيجاد المجرات القديمة المُكبرة في كل صورة، وقد نُشرت البيانات المتعلقة بعنقودين مجريين هما: أبيل 2744 Abell 2744 ، وماكس جي 0416 MACS J0416 الواقعان على بعد 4 بليون سنة ضوئية، كما يجري إعداد عشر مسودات الأوراق البحثية القائمة على تلك البيانات استعدادا لنشرها.
وكانت بعض الدراسات السابقة قد اقترحت أن الكون الباكر حوى كماً كثيراً من الغاز لم يكن بمقدور النجوم الأولى أن تؤيّنه، لكن المجرات التي بدأ مشروع الحقول الحدودية بالكشف عنها قد تكون كافية لفعل ذلك. يقول كاباك: “إننا نرى نجوماً تكفي لفعل ذلك”، لكن هناك بعض الأسئلة العالقة، إذ يقول متسائلاً: “هل لدى هذه النجوم الخصائصُ المناسبة؟ وما هو مقدار الضوء الذي يهرب وينفذ من المجرات؟”
وللإجابة عن هذه الألغاز إجابة تامة، سيتطلب الأمر خليفة هابل وهو تليسكوب جيمس ويب الفضائي Webb Space Telescope المقرر إطلاقه عام 2018، لكن مشروع الحقول الحدودية يقدم بداية مبكرة، ويعقب كاباك قائلاً: “من الجيد أن نكون جاهزين قدر الإمكان إذ سنتمكن من خلال مشروع الحقول الحدودية من القيام بالخطوات الأولى لا أن ننتظر لنقوم بها خلال السنة الأولى من تشغيل جيمس ويب.”
The ©2016 American Association for the advancement of Sciences. All right reserved.