بلد خليجي صغير يهدف إلى هبوط مُميَّز على المريخ
مهمة الإمارات إلى الكوكب الأحمر في عام 2020 ستسبر أعماق الغلاف الجوي المريخي
بقلم: سدير الشوك
في منتصف سبعينات القرن الماضي، كان الشيخ زايد -مؤسس الإمارات العربية المتحدة- مشغولا بأمور أرضية كبناء دولته حديثة العهد عندما بدأت سلسلة من الاجتماعات في قصره مع عدة رواد فضاء من رحلات أبولو،مما جعله ينقل نظره واهتمامه إلى السماء.
يقول محمد الأحبابي Mohammed Al Ahbabi، المدير العام لوكالة الفضاء الإماراتية في أبو ظبي: “منذ ذلك الوقت، أصبح سموه مُهتما بالفضاء.” واهتمام زايد ذلك دفعه إلى إنشاء برامج أرسلت العديد من الطلاب الإماراتيين خارج البلاد للتدرب وأداء مهمات في ناسا ومنشآت أمريكية أخرى.
لقد توفي زايد عام 2004، لكن تلك البذرة التي غرسها قبل أربعة عقود على وشك أن تتحول الآن إلى مشروع طموح مبهر، ألا وهو مهمة علمية إلى المريخ، إذ تهدف الدولة الغنية بالنفط إلى إطلاق مركبة فضائية تدعى هوب Hope في عام 2020 والتي ستدور حول الكوكب الأحمر وتقوم بسبر غلافه الجوي من الأعلى للأسفل، وسترسل إلى الأرض “أول مشهد تفصيلي للحركة الكلية للغلاف الجوي السفلي للمريخ،” على حد قول سارة أميري Sarah Amiri المديرة العلمية لمهمة هوب. يجهز فريق المهمة المكون من 120 عالما إماراتيا شابا الآن لمراجعة حذرة للتصميم، وعلى الرغم من أن الوكالة لم تعلن عن ميزانية المهمة إلا أنها صرحت أن الإمارات قد أنفقت 5.4 بليون دولار على برنامجها الفضائي.
وتقول بيثاني إيهلمان Bethany Ehlmann عالمة جيولوجيا الكواكب في مختبر ناسا للدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في باسادينا والتي ليست جزءا من المهمة أنها تَعِد “ببيانات عن المريخ لم نحصل عليها من قبل،” وتأمل بأن مسبار الإمارات المريخي سيلهم الآخرين للقيام بالمزيد من “المهمات الصغيرة والباهرة التي تتكامل مع المهمات الكبيرة وتساعدنا على تشكيل صورة لجارنا الكوكبي.”
إن مركبة هوب التي ستُطلق على صاروخ ياباني تأخذ تميزها بشكل كبير من اتخاذها مدارا غير معتاد سيمكّنها من رؤية الكوكب كله، إذ إن خمسا من أصل ست مركبات تستطلع المريخ الآن تدور حول الكوكب في مدار قطبي أو قريب من القطبي، وهذا يحدُّ من قدرتها على رؤية أي منطقة على المريخ إلى مرتين فقط في كل يوم مريخي. أما مركبة هوب ستتبع مدارا ذا ميل أخفض سيمكنها من مراقبة الغلاف الجوي على ارتفاعات مختلفة خلال اليوم وعلى طول الموسم، وبذلك ستقدم للباحثين مشهدا كرويا لكيفية تطور الغلاف الجوي، على حد قول أميري، التي تدربت لتكون عالمة حاسوب قبل أن تترفع في المناصب في مركز محمد بن راشد للفضاء Mohammed Bin Rashid Space Centre (اختصارا: المركز MBRSC) في دبي بالإمارات والذي يقود المهمة الآن.
أما هدف هوب الثاني، فهو سبر كيفية استنزاف أو هروب الغلاف الجوي المريخي إلى الفضاء، وهي ظاهرة امتدت لبلايين السنين تاركة الكوكب جافا وغير صالح لنشوء الحياة. ففي عام 2015، أظهرت مهمة مافين MAVEN التابعة لناسا أن الرياح الشمسية تسهم في تعرية واستنزاف الغلاف الجوي المريخي، وستقوم هوب بسبر الروابط بين العمليات التي تجري في الغلاف الجوي السفلي الذي يحتوي على معظم بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي للمريخ، كما ستدرس المهمة هروب الهيدروجين والأكسجين من الغلاف الجوي العلوي.
يقول ديفيد برين David Brain وهو عالم فيزياء المناخ الجوي في جامعة كولورادو University of Colorado في بولدر: “عندما يتذبذب شيء ما في أسفل الغلاف الجوي، كيف يجعل ذلك الأشياء الأخرى المختلفة تتذبذب أعلى الغلاف الجوي؟ لم تتمكن أي مهمة سابقة من الإجابة عن هذا السؤال.” ويساعد برين على تصميم آلات هوب كاميرا عالية الدقة ومقاييس طيف للأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية.
وإذا سار كل شيء كما هو مخطط له، فستقضي هوب سبعة أشهر في طريقها إلى المريخ وستعيد البيانات لتحليلها في وقت حلول الذكرى الخمسين لقيام الإمارات العربية المتحدة في الثاني ديسمبر عام 2021، لكن المسؤولين عن التخطيط يعترفون أن المهمة هي أقرب لمغامرة نظرا للخبرة المحدودة التي تملكها الإمارات في مجال الفضاء.
ويشغِّل مركز محمد بن راشد للفضاء قمري دبي سات DubaiSat الصناعيين لتصوير الأرض، اللذين أُنشِئا بالتعاون مع كوريا الجنوبية، أما الآن، فإن أحد فرق المركز يقوم منفردا بمهمة لإطلاق قمر ثالث لتصوير الأرض يدعى خليفة سات KhalifaSat والمقرر إطلاقه في أواخر عام 2017 من اليابان على متن صاروخ ميتسوبيشي.
على الرغم من ذلك، نعلم مسبقا إحدى نتائج هذه الرحلة، ألا وهي أن المهمة تُد جيلا جديدا من علاء الكواكب الإماراتيين الذي يتحضرون للعمل على بيانات المريخ، على حد قول رئيس مهمة هوب عمران شرف Omran Sharaf وهو مهندس كهرباء عمل سابقا على قمري دبي سات الصناعيين. وعلى نحو أوسع، يأمل شرف والآخرون أن مهمة هوب ستجذب اهتمام الجيل القادم من مواطني الخليج لاحتضان العلم بينما تبدأ دول أخرى في المنطقة بالتفكير في منافع الاقتصاد التالي للبترول. يقول شرف: “يجب أن تخدم هذه المهمة كمحفز للتغيير في المقام الأول.”
سدير الشوك صحافي علمي يقيم في المغرب وفلندا