سيارتك ذاتية القيادة قد تدمر علم الفلك الراديوي
سيارتك ذاتية القيادة قد تدمر علم الفلك الراديوي
تنتج إضاءة الشوارع LED لونا مُزرقّا قاسيا (الأعلى)، الذي يمكن أن يسبب مشكلات كبيرة لعلماء الفلك البصريين. الآن أصبحت الإضاءة LED الأكثر الأخف والأكثر ملاءمة للتليسكوبات متاحة الآن (الأسفل).
التقنيات الصاعدة تشكل تحديات للمراصد الفلكية
بقلم: دانيال كليري، غريبفاين- تكساس
أضف أضواء الشوارع الموفّرة للطاقة، والسيارات ذاتية القيادة، وخدمات شبكة الإنترنت المحمولة بواسطة المناطيد إلى التهديدات التي تواجه الفلكيين الذين يحتاجون إلى سماء مظلمة خالية من التلوث الضبابي الكهرومغناطيسي. فقد حذّر المتحدثون هنا في الاجتماع السنوي للجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society في وقت مبكر من هذا الشهر من أن بروز جميع هذه التقنيات أصبح يشكل تحديات جديدة للباحثين الأرضيين الذين يستخدمون الطيف البصري والراديوي لمراقبة الكون.
ويذكر الفلكي هارفي لزت Harvey Liszt-من مرصد الفلك الراديوي الوطني National Radio Astronomy Observatory في شارلوتفيل بفيرجينيا أنه إذا كان رادار سيارة واحدة ذاتية القيادة موجهاً على تليسكوب راديوي حساس على سبيل المثال، فـ “بإمكانه التسبب بتداخل… حتى على بعد 100 كيلومتر.” ويتابع قائلا: “وسوف تمتلك المدن العديد منها. ولا نعلم مدى تأثير [تقنيات كهذه] حتى تُطلق في البرية.”
هذا ويواجه الفلكيون البصريون Optical astronomers كابوسهم الخاص. فقد حاربوا لفترة طويلة زيادة سطوع أضواء المدينة، بحيث تركوا -في بعض الأحيان- المراصد القريبة من المدن مفضلين المواقع الأكثر بعداً وعتمة. ولكن، في العقد الماضي، حتى قدماء الباحثين باغتتهم سرعة انتشار الصمامات الثنائية الباعثة للضوء LED القادرة على إصدار وهج ضوء يثير المشكلات.
وتحبذ البلديات الصمامات LED بسبب طول أمدها واستهلاكها المنخفض للطاقة. فقد اتجهت نصف بلديات الولايات المتحدة تقريباً، وأكثر من ذلك بقليل في المجتمعات الأوروبية، إلى استخدام الصمامات LED، وذلك بتحفيز من العروض المالية الجاذبة المُقدَّمة من صانعي الأضواء.
لا تكمن المشكلة الرئيسية الصمامات LED في كونها أكثر سطوعاً، بل في أنها ذات لون خاطئ. وقبل الصمامات LED كانت معظم الإنارة العامة تستخدم مصابيح صوديوم عالية الضغط، تبعث ضوء يقع على الناحية الحمراء للطيف المرئي على الأغلب. وعلى نقيض ذلك، بث الجيل الأول من الصمامات LED اللون الأزرق بشدة – عند ما يعرف بدرجة حرارة ضوئية تقارب 5000 كلفن. وبما أن الغلاف الجوي يفضل بعثرة الضوء الأزرق- لذلك السماء زرقاء- فهذه الصمامات تساعد على تكوين ما يشابه “غشاوة” Haze ضوئية تحجب مرأى التليسكوبات. ويقول جون بارينتاين John Barentine من رابطة دارك سكاي العالمية International Dark-Sky Association، وهي حَمْلَة في توسكون بأريزونا، : “لقد تفاجأنا بظاهرة الصمامات LED الباعثة للضوء الأزرق وبسرعة انتشارها.”
“لقد تفاجأنا بظاهرة الصمامات LED الباعثة للضوء الأزرق وبسرعة انتشارها.”
جون بارينتاين John Barentine من رابطة دارك سكاي العالمية
ويقول الفيزيائي مارتن أوبي Martin Aubé من المؤسسة الخيرية سيجيب دي شيربروك Cégep de Sherbrooke في مقاطعة كويبيك بكندا إن الصمامات LED الأحدث أقل زُرقة بشكل عام، بدرجة حرارة ضوئية تعادل 4000 كلفن، ولكن بإمكان مدينة كاملة اتجهت من استخدام أضواء مصابيح الصوديوم عالية الضغط HSP إلى أضواء كهذه أن تتسبب بأذى بالغ. فقد وجد أنه يمكن أن تزيد مدينة ما الضبابية الضوئية حولها بأربعة أضعاف بتحولها لاستخدام الصمامات LED بدرجة 4000 كلفن مضيئةً السماء “لمئات الكيلومترات.”ويستمر استخدام الصمامات LED بالازدياد، ويقول إنه قبل ظهورها كانت الإضاءة العامة تنمو نحو ٪6 في السنة في الولايات المتحدة. أما الآن، بتوافر صمامات LED أرخص وأكثر فاعلية، فإن النمو بات أقرب إلى ٪15 في السنة.
ويمكن أن يكون الحل على شكل الصمامات LED جديدة بدرجات حرارة ضوئية أكثر انخفاضاً وأقل حدة (بعضها بأقل من 3000 كلفن). وتبين النماذج التي طورها أوبي أنه بإمكان مدينة ما تخفيض غمامة الضوء الصادرة عن مصابيح الصوديوم عالية الضغط التقليدية عن طريق التحوّل إلى استخدام الصمامات LED بدرجة 2700 كلفن وإجراء تغييرات أخرى مثل تركيب معدات موجهة إلى الأسفل وزراعة أشجار أطول من أنوار الشوارع.
وعلى الرغم من أن استخدام الصمامات LED منحفضة الحرارة ليست شائعة بعد، إلا أن الفلكيين قد ساعدوا بنجاح على الضغط على المدن لتبنيها. فقد وافقت مدينة فينيكس في نوفمبر الماضي على استبدال أنوار الشوارع بالصمامات LED بدرجة 2700كلفن. ويقول بارينتين إنه على الرغم من بعد فينيكس أكثر من 100 كيلومتر عن المراصد الكبرى، فإن “وهج سمائها واضح الآن ويساور الفلكيون القلق من أنه قد يسوء أكثر.”
وبالنسبة إلى الفلكيين الراديوين، فالمعركة لا تدور في مجلس البلدية، ولكن في غرف المؤتمرات في الاتحاد الدولي للاتصالات International Telecommunication Union (اختصارا: الاتحاد ITU)في جنيف-سويسرا، حيث تتقابل الأمم كل أربع سنوات لتقسيم الطيف الراديوي (من 10 ميغاهرتز إلى 3 تيراهيرتز) بين مجموعة كبيرة من المستخدمين، بما في ذلك الإذاعة والبث التلفزيوني والخدمات العسكرية وصناعات التكنولوجيا المتطورة. ومنذ ظهور علم الفلك الراديوي في ستينات القرن الماضي، قام المنظمون بتخصيص نحو ٪2 من الطيف للاستخدام الخاص لعلم الفلك ومراقبة الأرض، وخصصوا ٪4 أخرى للمشاركة مع مستخدمين آخرين. تقول الفلكية ليسي فان زي Liese van Zee من جامعة إنديانا Indiana University في بلومنغتون، وهي نائب رئيس لجنة الترددات الراديوية Committee on Radio Frequencies للأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب National Academies of Sciences إن التردد الذي يُبث فيه الهيدروجين المحايد على سبيل المثال، والمعروف بخط الـ21 سنتيمتر، محمي بشدة “لأنه بالغ الأهمية للفلكيين”.
مع ذلك، البث من ترددات قريبة يمكن أن يملأ النطاقات المحمية بضباب كهرومغناطيسي يعيق المراقبة. ونتيجة لذلك يبدو الفلكيون الذين يتقصّون إشارات بالغة الانخفاض كمن يحاول الاستماع إلى خطوات حشرة أثناء عمل مثقاب هوائي في مكان قريب.
في 2015 خسر الفلكيون معركة طويلة مع صناعة السيارات عندما أعطى الاتحادُ ITU الشركاتِ حق استخدام ترددات قريبة لبعض تلك المهمة للفلكيين، وذلك للرادارات الأساسية لأنظمة تفادي الاصطدام التلقائية. وعلى الرغم من الضمانات الأولية للصناعة بأنها سوف تعمل مع الفلكيين لحماية المراصد الراديوية -ربما عن طريق تمكين السائقين من تعطيل رادار السيارة بالقرب من تليسكوبات الراديوي- فشل الباحثون بالفوز بالتزامات مشابهة في آخر جولة من مخصصات الترددات. ويقول ليزت “كان الضغط [التجاري] كبيراً للغاية.”
يقوم الفلكيون الآن بدراسة ما يقرب من عشرين طلب مخصصات جديدة لاجتماع ITU في عام 2019. وأحدها قد سبق وأن تسبب بإثارة القلق يتضمن المنصات عالية الارتفاع High-altitude platforms (اختصارا: المنصات HAP): البالونات (المناطيد) عالية الارتفاع، أو الأقمار الاصطناعية منخفضة المدار التي تتيح للمجتمعات البعيدة ولوج الشبكة باستخدام ترددات قريبة مباشرة للطيف الفلكي المحمي. ويمكن أن تستكشف شركات تشمل إيريديوم للاتصالات وغوغل وسبيس إكس وبوينغ المنصاتِ العالية التي يقول ليزت إنها يمكن أن تكون “بالغة الضرر” إذا لم تُستخدم بشكل مناسب.
وهناك تهديدات محتملة أخرى تلوح في أفق سماء الفلكيين المعتمة الصافية. فلم تعد اقتراحات إطلاق جزيئات في الغلاف الجوي لحجب أشعة الشمس والحد من الاحتباس الحراري أمراً مستبعداً على سبيل المثال كما كانت في السابق. كما ناقش الفلكيون في اجتماع الجمعية AAS كيف سوف تعتم الهالة المصنوعة من قبل الإنسان رؤيتهم للكون. ويقول جيمس لونثال James Lowenthal من كلية سميث Smith College في نورثهامبتون بماساتشوستس إنه على الفلكيين “معرفة ما هي المخاطر”في حال الحاجة إلى تقدم الهندسة الجيولوجية في هذا الاتجاه.