البعوضة
سوف أتكلم عن حشرة ذات قدرات عجيبة وتمتلك إمكانات وقدرات هائلة للوصول إلى أهدافها وكأنها طائرة حربية. ظهرت البعوضة على وجه الأرض في العصر الجوراسي منذ 210 مليون سنة، استطاعت خلالها أن تطور قدراتها لاكتشاف ضحاياها وامتصاص دمائهم، سواء كان هؤلاء الضحايا حيوانات أو بشر. المهم أن يكونوا من ذوات الدم الحار. وهناك ما يقرب من 2700 نوع من أنواع البعوض، حيث ينقل بعضها أمراضاً في منتهى الخطورة مثل الملاريا والحمى الصفراء وبعض أنواع الحمى الفيروسية والتي تقتل ما يقرب من مليون شخص سنوياً في العالم. ولكن هل تعلم أن البعوضة التي تقرصك وتمتص دمك لتتغذى عليه هي الأنثى وليس الذكر؟ وذلك بسبب أنها تحتاج لطاقة كبيرة لإنتاج البيض وهذه الطاقة تأتي من البروتينات التي في الدم. فبالتالي هي تمتلك خرطوم خارق تستطيع من خلاله اختراق جلدك والوصول إلى الأوعية الدموية السطحية وامتصاص دمك. وعلى العكس من ذلك فإن الذكر لا يمتلك خرطوم خارق فبالتالي هو لا يتغذى على الدم وإنما يتغذى على رحيق الأزهار والنباتات. فإذا رأيت يوماً ما بعوضة تحط على وردة فأعرف تماماً أن هذه البعوضة ذكر. والبعوضة الأنثى تستطيع أن تبيض تقريباً 3 مرات في حياتها القصيرة وفي كل مرة تضع ما بين 100 إلى 200 بيضة، ولا تتجاوز مدة حياة أنثى البعوضة الشهرين، بينما لا تتجاوز مدة حياة الذكر المسكين أكثر من 10 أيام. وجميع أنواع البعوض بلا استثناء تضع بيضها في الماء، حيث تعيش أطوارها اليرقية الأولى في الماء وعند ظهور الأجنحة وتحول اليرقة إلى حشرة كاملة تغادر الماء لتبدأ حياة اللسع والقرص ومضايقة البشر والحيوانات وامتصاص دمائهم.
تستطيع البعوضة أن تصل إلى ضحاياها عن طريق عدد من المجسات (sensors) وهي مجسات كيميائية وحرارية وبصرية. ولقد أكتشف العلماء أن للبعوضة مجسات عصبية كيميائية في منطقة الفم تستطيع من خلالها اكتشاف انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عملية التنفس. وأكيد جميعكم تتعجبون أثناء استعدادكم للنوم كيف تستطيع هذه البعوضة أن تجد رأسك وأنت تحاول أن تختبئ تحت الغطاء خوفاً من طنينها المزعج. فهي تستطيع بكل سهولة وفي ظلام الليل الدامس أن تتتبع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من عملية تنفسك وبالتالي العثور عليك من مسافة 30 متر. وحالما تقترب البعوضة من مسافة قريبة منك تبدأ المجسات المساندة الأخرى أيضاً بالعمل، ووظيفة هذه المجسات هي اكتشاف الروائح المنبعثة من جسم الإنسان مثل العرق والزيوت الطيارة وكذلك الإحساس بالحرارة المنبعثة من شبكات الأوعية الدموية السطحية على جسم الإنسان. وفي خرطوم البعوضة الخارق يوجد بروتين مختلط بلعاب البعوضة، وظيفته منع الدم من التجلط إثناء عملية الإمتصاص. وهذا البروتين هو الذي يثير الجهاز المناعي لدى الإنسان ويسبب حكة الجلد في مكان القرصة بعد مغادرة البعوضة.