جليد عمره 2.7 مليون سنة يفتح نافذة على الماضي
رقم قياسي لعينة جوفية من القطب الجنوبي تحتوي على ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي منذ بداية العصور الجليدية
بقلم: بول فوسن Paul Voosen
أعلن العلماء هذا الأسبوع أنّ اللب المستخرج بالحفر في القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا Antarctica قد أسفر عن عينة جليدية تعود إلى 2.7 مليون سنة، وهو اكتشاف مذهل كما أنها أكبر من العينة حاملة الرقم القياسي السابق بما يقارب 1.7 مليون سنة. ويحتوي اللّب الجليدي على فقاعات من الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي للأرض من الزمن الذي بدأت فيه دورات التحرك الجليدي بالتقدم والتراجع على سطح الكوكب، مما يقدم أدلة على ما الذي حفّز بدء العصور الجليدية. ويقول ديفيد شوستر David Shuster، عالم الكيمياء الجيولوجية Geochemist من جامعة كاليفورنيا في بيركلي California University of، وغير العامل في هذا البحث، إن المعلومات وحدها تزيد من قيمة هذه العينة بشكل “لا يصدق”. ويتابع قائلا: «هذه هي العينة القديمة والوحيدة التي تحتوي على غازات من الغلاف الجوي للأرض والمتاحة لنا.»
ووصف يوزين يان Yuzhen Yan، طالب الدراسات العليا من جامعة برينستون Princeton University، في مؤتمر غولدشميدت Goldschmidt Conference بباريس أنّ الجليد قد كشف عن مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي لم تتجاوز 300 جزء لكل مليون، وهو أقل بكثير من مستوياته اليوم. وتنبّأت بعض نماذج المناخ القديم بأنّ هذه المستويات المنخفضة نسبيا ضرورية لدفع الأرض إلى الدخول في عصور الجليدية متتابعة. ولكن بعض الأدلة غير المباشرة المستمدة من أحافير الحيوانات التي عاشت في المحيطات الضحلة تشير إلى ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون.
ويقول يجي شانغ Yige Zhang، وهو عالم المناخ القديم Paleoclimatologist في جامعة تكساس أي آند أم Texas A&M University من كوليج ستيشون ، في حال التحقق من النتيجة الجديدة، فإنه يجب إعادة معايرة العينات السابقة. وأضاف قائلا: «أمامنا الكثير مما ينبغي القيام به.»
ويمهّد الاكتشاف أيضا الطريق أمام العثور على جليد أقدم، لأنه يأتي من منطقة “الجليد الأزرق” Blue ice التي تجاهلناها إلى حد كبير، حيث يمكن للديناميكيات الغريبة أن تحافظ على الطبقات القديمة.
ويقول إد بروك Ed Brook ، عالم جيوكيميائي Geochemist يعمل ضمن فريق الاكتشاف بجامعة ولاية أوريغون Oregon State University في كورفاليس، إنه وعلى الرغم من أنّ مناطق الجليد الأزرق تُقدم لنا فقط وجهة نظر مجزأة عن الماضي، فإنها قد تتحول إلى مناطق تقصٍّ رئيسية للجليد القديم. ويقول: «إن جليدا بهذا القدم سيجعل الناس يتوقفون ويتأملون. إننا بالكاد قد خدشنا السطح.»
وستكون نوى الجليد من غرينلاند Greenland وأنتاركتيكا هي الدعائم الأساسية لعلم المناخ الحديث.ويحفر العلماء تقليديا في المناطق التي تتراكم فيها طبقات الجليد سنويا غير المتأثرة بحركة الثلاجات الجليدية. وتكشف سجلات طبقات العينات من مواقع عميقة في وسط القارة القطبية الجنوبية أنتارتيكا كيف تذبذبت غازات الدفئية عبر مئات الآلاف من السنين. ولكن نظرا لأنّ حرارة الأساس الصخري تحتها أن تذيب الجليد الأقدم والأعمق، فإنّ هذا الطريقة من أخذ العينات لم ينتج منها جليد أقدم من 800 ألف سنة من لب مُستخرج في منطقة القبة سي Dome C بأنتاركتيكا- في عام 2004.
وقد تقصّى فريق بقيادة جامعة برينستون جليدا قديما يقع قريبا جدا من السطح، في تلال آلان Allan Hills، وهي منطقة تجتاحها الرياح في شرق أنتارتيكا وتبعد مسافة 200 كيلو متر من محطة ماكموردو McMurdo Station الشيهرة باحتفاظها بالنيازك. وفي مثل هذه المناطق من الجليد الأزرق – التي تُشكّل فقط 1% من سطح القارة – يتدفق الجليد عبر التلال الصخرية، متجاوزا كل الأرقام القياسية. وتُدفع الطبقات القديمة والعميقة، بينما تُعرّي الرياحُ الثلجَ والجليد الأحدث، مما يكشف عن الجليد الأزرق اللامع المضغوط أدناها. ولكن هذه الالتواءات تربك أيضا الترتيب المنظّم للطبقات السنوية – مما يجعل تأريخ الجليد باستخدام عد الطبقات أمرا مستحيلا.
وقد حلّ مايكل بيندر Michael Bender، عالم الجيولوجيا الكيميائية في برينستون، والذي قاد المشروع، المشكلة من خلال إيجاد وسيلة لتأريخ قِطع الجليد مباشرة بقياس الكميات الضئيلة من غاز الآرغون وغازات البوتاسيوم التي تحتويها. ويقول بيندر إنه حتى وإن لم تكن هذه التقنية بدقّة بقية أساليب التأريخ، إلّا أنّه يمكنها تأريخ الجليد إلى 100 ألف سنة أو نحو ذلك.
وقد حفر الفريق في عام 2010 أوّل حفرة في تلال آلان، في مكان كان الجليد فيه ضحلا، يُعتقد أنه يصعد تلة، مع فرصة كونه عالقا فوق الأساس الصخري. فقد حفروا أفقيا، باتجاه التل، على أمل أنّ يكون الجليد أقدم كلما حفروا أبعد. وانتهى وقت البعثة مع وصولهم إلى عمق 128 مترا قبيل وصولهم إلى الأساس الصخري، ولكن اللب غير المكتمل أثمر عن بعض قِطع الجليد التي تعود إلى مليون سنة. وكانت هذه العينة الأولى التي يزيد عمرها على 800 ألف سنة، من زمن مصيري تحولت فيه فترات حدوث العصور الجليدية من كل 40 ألف سنة أو نحو ذلك إلى كل 100 ألف سنة.
وفي عام 2015 عاد الفريق إلى المحاولة مرة أخرى. وكانت البيئة قاسية، برياح مستمرة تقتلع خيامهم. ويقول جون هيغينز John Higgins ، عالم الجيولوجيا الكيميائية من جامعة برينستون: «البرد في حد ذاته أمر، ولكن البرد العاصف هو أمر آخر تماما.» ومع ذلك فقد تمكنوا من حفر العشرين مترا المتبقية وصولا إلى الأساس الصخري، حيث وجدوا الجليد الذي، مع عدة نوى جديدة أخرى، أسفر عن العينات القديمة.
ويقول جون غودج John Goodge، الجيولوجي من جامعة مينيسوتا University of Minnesota دولوث ، إنه من غير المرجح أنّ تشابه أي جهود تقليدية عينة تلال آلان. ويبحث العديد من الفرق في مواقع قد تعود إلى 1.5 مليون سنة، ولكن حتى هذه الجهود هي جهود مبنية على الأمل، كما يقول غودج رئيس فريق الولايات المتحدة الذي يخطط للحفر سريعا في موقع جليد عميق في باطن قارة أنتاركتيكا. ويتابع قائلا: «أي إن لب تلال آلان الجليدي سيظل متميزا عما سواه لبعض الوقت.»
والآن يريد فريقُ برينستون العودةَ إلى منطقة الجليد الأزرق والحفر مرة أخرى، يقول بروك – ليس فقط لملء دورات المناخ في فترة الـ 2.7 مليون سنة الماضية بالعديد من اللقطات، ولكن أيضا للذهاب أعمق في الزمن، إلى ما قبل العصور الجليدية، عندما كان ثاني أكسيد الكربون في أعلى مستوياته. وهناك أدلة على أنّ أنتاركتيكا قد استضافت بعض الجليد على الأقل لمدة 30 مليون سنة. ويقول بروك إنّه من المعقول أنّ المحاولة التالية قد تعود بجليد يقدّر عمرهُ بخمسة ملايين سنة، وهو الوقت الذي يُعتقد أنّ درجات الحرارة فيه تُماثل ما تتجه إليه الأرض حاليا نتيجة التغير المناخي بفعل الإنسان.
©2017 The American Association for the advancement of Sciences.
All right reserved.
حقوق الترجمة العربية محفوظة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي